بحث ودراسة عن شرعية التلقيح الصناعي في الفقه و القانون
ا/ يارا النجادات
*التمهيد:
إن المتتبع لما هو مكتوب عن المسؤولية عامة ( والطبية خاصة ) ليحس بأن ذلك كله اصبح محلا للتساؤل في وقتنا الراهن بعد ان حدث تقدم علمي مذهل انطلق فيه ومن خلاله الانسان إلى اعماق الفضاء وإلى دواخل النفس الانسانية فهل استطاع الفكر القانوني في مجال المسؤولية أن يقدم بنفس القدر وان يضع الحلول الملائمة بمشاكل هذا التقدم اذا ان للتقدم مشاكلة كما ان للتخلف مشاكله ومن جملة المجالات العلمية التي حظيت بقدر كبير من التقدم هو المجال الطبي فقد كان للتقدم الذي حصل في العلوم الطبية اثره العميق في تغيير النظره إلى الحقوق والواجبات بالنسبة للأفراد في مجتمعاتنا الراهنه وبالتالي إلى وجوب تغيير معايير المسؤولية وضوابطها إن من المؤكد ان العلوم الطبية قد تطورت تطورا مذهلا ووصلت اليوم إلى مايشبه الانفجار العلمي ولازال مطردا كرد فعل لربط التقنية من جانب بالطب وبالبايولوجيا من جانب اخر فأستحدث رجال الطب مما أستحدثوا الكثير من الإمكانيات الطبية التي لم يكن للطب سابق عهد بها ومن بينها التلقيح الصناعي.
فعلى الرغم مما قدمته هذه التطورات العلمية والاكتشافات الطبية من تقدم ملحوظ إلى ان هذه الاكتشافات قد اثارت الكثير من القضايا الاخلاقية والدينية والقانونية التي تمس جوهر الحياة الانسانية
فالتلقيح الصناعي واجارة الارحام تشكل بعض الممارسات الطبية التي تقود الانسان إلى مستقبل مجهول النتائج اذ ان هذه الممارسات لاتتمتع بأي حصانه ضد الاخطاء الطبية او ضد الميول الانانية عند الانسان الامر الذي يحتم التدخل التشريعي لتنظيمها وقد اثارت هذه الممارسات الطبية اهتماما دوليا لدى المشرعين لإجراء دراسات تشريعية خاصة بها غير ان الحاجه تدعو في العالمين العربي والاسلامي لإجرا دراسات تقوم على اسس اسلامي قبل ان يأزف أوان تنظيمها في تشريع معين
وقد بدأت الهيئات المسؤولة في بعض البلدان من العالم بالفعل بوضع حدود ومعايير واضحة لتقنية الجينات الحديثة وذلك لمنع أي وسيله او عملية تؤدي إلى إساءة إستخدام هذه التقنية الجديدة بشكل يمس كرامة الانسان كالابحاث التي تدخل في اطار الاساءة إلى الاجنة او زرع ما يسمى بالانسان الكامل بوسائل اصناعية غير طبيعية او تفشي استخدام الام المأجورة التي تكلف بحمل الاجنة للغير
ويشهد على اهمية دراسة هذا الموضوع انعقاد العديد من المؤتمرات العلمية والطبية من جهه والشرعية والقانونية من جهه اخرى التي حضرها رجال الدين والقانون والطب للوقوف على مدى مشروعيتها من الناحيتين الشرعية والقانونية
المفهوم العام للتلقيح الصناعي:
هو نقل المواد المنوية صناعيا من الذكر إلى مهبل الانثى
إلى ان هناك حالة العقم الطبي الذي يحدث لدى الرجل او المرأة ويشكل حائلا دون تنفيذ التلقيح الطبيعي هنا يأتي دور التلقيح الصناعي لحل هذه المشكلة ولتحقيق رغبة الوالدين الجامحة في ان يكون لهما ولدا يحمل اسميهما.
اشكال التلقيح الصناعي :
هناك طريقتين:
1_طريق التلقيح الداخلي : وذلك عن طريق حقن نطفة الرجل في الموضع المناسب من الجهاز التناسلي للمرأة.
2_طريق التلقيح الخارجي : وذلك بجمع الحيوانات المنوية للرجل وبويضة المرأة في انبوبة اختبار واعادة زرعها ( أي اللقيحة) في رحم المرأة.
*موقف الشريعة من التلقيح الصناعي:
1. حكم التلقيح الصناعي والآثار المترتبة عليه
2. الصور الحديثة ذات العلاقة بالتلقيح الصناعي
# حكم التلقيح الصناعي والآثار المترتبة علية :
*هناك نوعن من التلقيح :
1. التلقيح المباح
2. التلقيح المحرم
التلقيح المباح
ويندرج ضمن هذا التلقيح الصور التالية :
أولا: ان تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج وتحقن في الموضع المناسب من الجهاز التناسلي لزوجته .
ثانيا: ان تؤخذ نطفة من الزوج وبويضة من الزوجه ويوضعا في انبوبة اختبار طبي تنقل بعدها إلى رحم الزوجه نفسها صاحبة البويضة.
الاثار المترتبة على هذا العمل فهو من قبيل الاسباب والمسببات التي هي من الحكم الوضعي فإن الطفل يلتحق بأبيه من حيث النسب لانه من مائه غير ان ثبوت النسب هنا يستتبع بالضرورة ترتب بقية الاثار عليه وهي مايلي :
وجوب العده على الزوجه من طلاق او وفاة , حصول التوارث بين الطفل ووالديه , وجوب النفقه وبقية الحقوق الاخرى التي فرضها الله سبحانه وتعا على الاباء كالرضاعة فحفظهم(أي الاطفال ) يذلك من الهلاك والشعور بالانقطاع والوحشة , الحضانة وحفظهم بذلك من التيه والتشرد وعدم النتماء .
التلقيح المحرم
ويندرج ضمن هذا التلقيح الصور التالية :
أولا: ان تؤخذ نطفة رجل وتحقن في الموضع المناسب من زوجة رجل اخر
ثانيا: ان يجري تلقيح خارجي في انبوبة اختبار بين نطفة مأخوذه من زوج وبويضة مأخوذه من مبيض امرأة هي ليست زوجته يسمونها المرأة المتبرعة ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته .
ثالثا: ان يجري تلقيح خارجي في انبوبة اختبار بين نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجته (كلاهما متبرعان) ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة اخرى متزوجه.
فهذه الصورة تدخل في دائرة التحريم فجوهر هذه العمليات هي زج الإنسان في دائرتي الحيوان والنبات واخراجه عن المستوى الانساني وهو ايضا جريمة منكرة واثم عظيم في نظر شريعتنا ذات التنظيم الانساني يلتقي مع الزنا في اطار واحد قال تعالى:
} نسائكم حرث لكم{
الاثار المترتبة على هذا العمل ففيما يخص النسب وسائر الاحكام التي تترتب عليه من ميراث ونفه وحضانه ورضاع فإنها تتباين بتباين هذه الصورة ,
ففيما يخص بالصورة الاولى (نطفة رجل اجنبي مع بويضة امرأة متزوجة ) فالولد المتخلق من هذه العملية لاينسب إلى زوج هذه المرأة مطلقا لانه ليس من مائه ولايجوز ان يقبله بل عليه ان ينفيه اذا كان من المفروض ان ينسب إليه بحسب الاوضاع الظاهره وطالما كان متيقنا انه ليس منه وعندئذ تطبق أحكام اللعان.
كما انه لاينسب إلى الرجل الذي اخذ الماء منه اذ انه لاعقد نكاح يربط بينه وبين هذه المرأه وبالتالي فإنه ينسب إلى هذه الزوج فقط كولد الزنا تماما , ولاشك انه إذا ألحق نسبه بأمه ثبتت بينهما جميع احكام البنوة والأمومة من حرمة النكاح وحرمة المصاهرة والنفقة والميراث فترثه امه ويرثها هو .
اما فيما يخص الصورتين الاخريين فالولد المتخلق من هاتين العمليتين لا ينسب إلى الرجل الذي اخذ منه الماء (سواء كان متزوج ام لا) ذلك لانه لاعقد نكاح يربط بينه وبين المرأة الاخرى (سواء أكانت متزوجه ام لا ) غير ان الولد ينسب إليها تماما كولد الزنا لكونها صاحبة البويضة .
وبثبوت النسب إليها تترتب بقية الاثار التي تكلمنا عنها قبل قليل وفي ذات الوقت لاينسب إلى زوجها ( ان كانت متزوجه )لان الولد المتخلق هنا ليس منه ثم كيف يقبل رجل بنسبة ولد إليه يعلم علم اليقين انه لم يتخلق من مائه ؟؟ اما الزوجه التي وضعت هذه اللقيحة في رحمها فإنها تكون كالأم الراضعة وبالتالي لاينسب الولد إليها ولا لزوجها.
# الصور الحديثة ذات العلاقة بالتلقيح الصناعي
هناك صورتين :
1. شتل الجنين
2. بنوك المني
وسوف نتحدث عن بنوك المني فقط
1. مفهوم بنوك المني
2. الاثار المترتبة على التصرفات مع هذه البنوك
مفهوم بنوك المني
اختلف الباحثون المسلمون في مدى جواز هذه الصورة هي الاخرى فاتجاه أول ، ذهب إلى جواز هذه الصورة مادامت المرأة في عدة الوفاة ذلك انه لم يرد دليل على الحرمة فيبقى الحكم الاصلي هو الاباحة خاصة ان اثار الزواج ماتزال قائمة بعد وفاة الزوج من الميراث وجواز غسل احدهما الاخر .
غير ان هذا الرأي عليه بعض الردود نلخصها بما يلي :
1. ان القول بجواز هذه الصورة مادامت المرأة في عدة الوفاة قول مردود ذلك ان المرأة عندما يتوفى عنها زوجها عليها ان تعتد عدة الوفاة والمعروف شرعا ان المرأة اذا اعتدت من وفاة او طلاق عليها ان تلازم بيتها لاتخرج منه إلى لضرورة تمس حياتها او مالها ولاضرورة هنا بالنسبة للمرأة التي تلقح نفسها بماء زوجها المتوفى اذ انها من المفروض ألا تنكشف على اجنبي عنها لانه غير جائز فما بالك بتلقيح نفسها بماء زوجها مع كشف عورتها أمام طبيب اجنبي عنها فهذا لايجوز من باب اولى .
2. ان القول ان هذه الصورة جائزة لانه لم يرد دليل على الحرمة مبينية على اساس ( الاصل في الاشياء الاباحة ) أمر مردود هو الاخر سبق لنا ان وضحنا مثيلا له , اذ ان القاعدة تنطبق على الاموال اما هنا فنحن ازاء قاعدة فقهيه اخرى هي ( الاصل في الفروج التحريم).
3. اما القول بأن اثار الزواج من ميراث وجواز الغسل لاتزال قائمة بعد وفاة الزوج فهو امر صحيح ولكنه قاصر عن اثبات المدعى به ذلك لان هذه الاثار قد ثبتت بحكم من الشارع استثاء وذلك خلاف للقياس , وكما هو معلوم فان ماثبت خلافا للقياس فغيره لايقاس عليه من جهه وان الاستثناء لايتوسع فيه من جهه اخرى .
وذهب اتجاه ثان إلى القول ان الاقدام على هذه الصورة غير جائز شرعا لان الزوجيه تنتهي بالوفاة وعندئذ يكون التلقيح بنطفة من غير زوج فهي نطفة محرمة .
غير اننا نرى منع هذه الصورة ذلك ان علينا دائما تذكر الشروط العام من وجود ضرورة أولا وعدم اختلاط للانساب ثانيا وألا يورث ضررا جسيما او عقليا او نفسيا ثالثا ولكن لنتأمل هنا فقط .
فأي ضرورة تستدعي ان تقوم امرأة بتلقيح نفسها بماء زوجها المتوفى والمحفوظ في احد بنوك المني فإن قيل كي نحقق لها رغبتها المشروعة في الانجاب قلنا نعم هذاصحيح ولكن ماهو الداعي الذي دعاهما إلى تجميد ماء الزوج اثناء حياته أما كان أحرى بها ان تحقق رغبتها بالطريق الجنسي الطبيعي بدلا من سلوك هذا الطريق المحفوف بالمخاطر .
** فقد عرضت قضية أمام القضاء الفرنسي ملخصها أن زوجه لقحت بنطفة زوجها بعد موته وكانت قد أخذت منه وحفظت بالتجمد وعند إجراء العملية لم تحمل هذه المرأة فهذا جانب من الأضرار الناشئة عن هذه العملية التي تصيب المرأة المراد تلقيحها ثم إن تجميد هذه الحيامن لفترة طويلة قد يكون طريقا لتحللها وبالتالي لانتقال الأمراض الوراثية والعيوب الخلقية عبرها إلى المرأة نفسها , أو إلى الجنين القادم والفقه الإسلامي يقرران( لاضرر ولا ضرار) وهي قاعدة فقهيه كليه.
الاثار المترتبة على التصرف مع هذه البنوك
أما فيما يخص الاثار المترتبة عليها نقول انه عل الرغم من قولنا بمنع هذه الصورة يبقى السؤال قائما عن الاثار المترتبة عليها في حالة وقوعها والتي هي من قبيل الحكم الوضعي .
فقد اختلف الباحثون بشأنها فذهب اتجاه اول إلى القول انه اذا وقع هذا فعلا أي تحققت هذه الصورة وولد منه ولد فالظاهر ان هذا الولد يكون بلا نسب أبوي لان مصدر النطفة لم يبقى زوجا.
وذهب اتجاه ثان إلى القول بجعل الولد المتخلق عن هذه الصورة ثابت النسب من صاحب المني ولكن دون الميراث .
في حين ذهب اتجاه ثالث إلى جواز النسب في هذه الصورة اذا ثبت يقينا ان الماء هو ماء الزوج بمثابة فيما لو مات الزوج واعتدت امرأته وولدت لأربعة اعوام من موته فنسبه يثبت حينئذ على رأي القائلين بأن اقصى الحمل أربع سنوات.
غير ان هذا الاتجاه عليه ردان اولهما كيف نتحقق من ان هذا الماء هو ماء الزوج المتوفي فعلا ولم يستبدل بطفة شخص غيره؟
ثانيهما ان القول بأن اقصى مدة الحمل اربع سنوات قول مردود فلقد تظافرت الشريعة الاسلامية والعلم على ان اقل مدة الحمل ستة اشهر اما اقصى مدة الحمل تسة اشهر وقد يزيد عن شهر بعد موعدة وإل مات الجنين في بطن امه وفي هذه يقول ابن حزم الظاهري (ولايجوز ن يكون حمل اكثرمن تسعة شهر ولا اقل من ستة اشهر لقوله تعالى (( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ((والوالدات يرضعن اولادهن حولي كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعه )) فمن ادعى حملا وفصالا يكون في اكثر من ثلاثين شهرا فقد قال الباطل والمحال ورد كلام الله عز وجل جهارا وبعد ان ذكر مختلف الاقاويل في مدد الحمل التي قال بها الفقهاء حيث ذكر بعضهم ان اكثره سنتان وقال اخرون بل اربع سنوات وتمادى بعضهم فأوصله إلى سبع سنوات انتهى إلى القول(وكل هذه اخبار مكذوب راجعة إلى من لا يصدق ولايعرف منه هو ولايجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا .
بإنقضاء الزوجيه يصبح الزوج المتوفي اجنبيا عن ارملته فإذا لقحت الارملة نفسها بهذا الماء المحفوظ فهو شبيه بالزنا لاينسب للزوج المتوفى وإنما لأمة فقط تترتب عليه الاثار التي سبق وبيناها في الصور المحرمة.
أركان المسؤولية الطبية وعلاقتها بالتلقيح الصناعي
ان المسؤولية هي حالة الشخص الذي ارتكب امرا يستوجب المؤاخذه فإذا كان الامر مخالفا قواعد الااخلاق وصفة مسؤوليته بأنها مسؤولية ادبية كمن يتخلف عن عودة مريض في مستشفى اذ تقتصر مسؤوليته عل استنكار المجتمع لتصرفه وإذا كان هذا الامر مخالفا قواعد القانون وصفة مسؤوليته بأنها مسؤولية قانونيه كطبيب اجرى عملية جراحية لمريض خرج في عملة عن الاصول الفنية المرعية والاخيره على نوعين مسؤولية مدنية واخرى جنائية فالأولى تثور حينما يخل الملتزم بالتزام معين ويترتب عليه ضرر للغير كإمتناع البائع في عقد البيع عن تسليم المبيع محل العقد وتثور الثانية حينما يخل الفاعل بأمر أوجبه القانون كمن حاز سلاحا من غير رخصة قانونية وقد تشترك المسؤوليتان الجنائية والمدنية معا كالتزام طبيب الاسنان بموجب العقد الطبي المبرم بينه وبين مريضه بتركيب طقم اصطناعي له لكن الطبيب يسبب ضررا جسديا في فم المريض .
والقاعدة العامة في المسؤولية تقضي بأن الشخص مسئول عن فعله الشخصي تلك القاعدة العامة التي تم تقنينها في معظم القوانين المدنية فقد نص القانون المدني الفرنسي في المادة 1382 على انه ( كل فعل أيا كان يقع من الانسان ويحدث ضررا بالغير يلزم من وقع الفعل الضار بخطئه ان يعوض هذا الضرر )
وبناء على ذلك فان الطبيب القائم بعملية التلقيح الصناعي يكون خاضعا طبا لهذه المسؤولية عندما يصدر منه ما يوجب مسؤوليته لان المسؤولية الطبية صورة من صور المسؤولية المدنية بوجه عام .
# المسؤولية لكي تنهض لابد من قيام ثلاثة أركان :
1. خطأ صدر من الطبيب القائم بالتلقيح الصناعي
2. ضرر لحق المريض الذي أجريت له هذه العملية
3. ان يكون هذا الضرر ناشئا مباشرة عن هذا الخطأ
الخطأ
*مفهوم الخطأ الطبي:
الخطأ الطبي هو خروج من الطبيب المختص بإجراء التلقيح الصناعي في سلوكه على القواعد والاصول الطبية التي يقضي بها العلم الحديث او المتعارف عليها نظريا وعمليا وقت تنفيذه لهذه الاعمال او اخلاله بواجبات الحيطه واليقظة التي يفرضها القانون متى ترتب على خطئه ضرر اصاب المريض الذي اجري له مثل هذا العمل.
* التجارب الطبية على الجسم البشري على نوعين:
أولا: التجارب العلاجية
ثانيا: التجارب العلمية أو الفنية
التجارب العلاجية
هي تلك التي يلجأ إليها الاطباء للوصول إلى علاج جديد للأمراض التي اخفقت القواعد الفنية والاصول العلمية الثابتة في تحقيق علاج ناجح لها.
وقد أقر الفقه عموما بمشروعية هذا النوع من التجارب ولكن بتوافر بعض الشروط:
1. الحصول عل رضا المريض بإجراء التجربة العلاجية عليه رضاء حرا وصريحا.
2. ان يكون هناك قدر من التناسب بين خطورة المرض وبين احتمالات نجاح او فشل التجربة العلاجية .
3. ان يكون الطبيب على قدر من الكفائة العلمية والخبرة الطبية حتى يتسنى له اجراء هذا النوع من التجارب.
التجارب العلمية او الفنية
وهي تلك التجارب التي تجري على انسان سليم او على مريض دون ضرورة تمليها حالة هذا المريض بغرض البحث العلمي ولمجرد اشباع شهوة علمية او فضول علمي فهذا النوع من التجارب يعد خطأ يوجب مسؤولية من قام بها عن جريمة , وبالتاي تنهض مسؤوليته المدنيه وذلك بتعويض من اجريت عليه مثل هذه التجربة اذا ما أسفرت عن ضرر لحق به ولمن ارتد عيهم هذا الضرر من اصحاب الحقوق والمصالح المشروعة وذلك لإنتفاء قصد العلاج ولايعفيه من المسؤولية توافر رضاء من اجريت عليه هذا النوع التجارب ولإتباعه للأصول العلمية والقواعد الفنية في اجرائه لها لان الرضا ليس سببا من اسباب الاباحه في الافعال التي تمس جسم الانسان ولان سلامتة تعد من النظام العام وحمايته امرا تقتضيه مصلحة المجتمع.
ومع ذلك فقد ذهب جانب من الفقه الالماني إلى القول بمشروعية التجارب الطبية حتى ولو كان الغرض من اجرائها تحقيق فائدة علميةمحضة سواء نجحة هذه التجارب ام فشلت متى كانت متفقة مع قواعد الصحة واصول الفن.
كما اصدرت الجمعية الطبية الدولية
the world medical association
تصريحا خاصا وبالإجماع سمي فيما بعد( تصرح أو إعلان طوكيو لعام 1975)
declaration of tokyo
تضمن ستة من المبادئ الأخلاقية التي تعد بحق القانون المتعلق بأخلاقيات الطبيب أو بالمبادئ الأخلاقية التي يجب ان يتحل بها كل من يعمل في مهنة الطب والمهن الأخرى المتعلقة بها ولم تتخلف منظمة الامم المتحدة عن الحاق بهذا الركب فقد اصدرت اعلان سنة 1982 تضمن مجموعة المبادىء الاخلاقية الطبية او مبادىء اداب مهنة الطب المفروض تطبيقها ومراعاتها من قبل الاشخاص الذين يعملون في الحقل الصحي وبصورة خاصة الاطباء من اجل حماية السجناء والمحتجزين من التعذيب وغير ذلك من العقوبات والمعاملات القاسية والاإنسانية او المهينه ( أي الماسه بالكرامة الانسانية )
إن بعض دساتير الدول قد نصت صراحة على منع القيام بالتجربة الطبية وإلى ذلك ذهب الدستور المصري لعام 1971 حيث جاء في المادة 43 منه انه( لايجوز اجراء أية تجربة طبية او علمية على أي انسان بغير رضاه الحر).
الخطأ الطبي أثناء إجراء التلقيح الصناعي وبعده
*خلط الأنابيب بعضها:
قد يرتكب الطبيب القائم بهذه العملية او مساعدوه خطأ طبيا يتمثل بخلط الانابيب بعضها ببعض , كأن يقوم الطبيب بخلط انبوب يحتوى على حيامن ذكرية مع انبوب اخر يحتوي على بويضات انثوية تعود لأمرأة اخرى ليست زوجته او بالعكس وذلك عند مباشرته إجراء مثل هذه العملية .
ويرى الفقه الجنائي ان الخطأ الجنائي اما ان يكون إراديا او غير إرادي , فالخطأ الإرادي هو ذلك الخطأ الذي يحدث نتيجة لإتجاه إرادة الفاعل نحو ارتكابه وينصهر ضمن مفهوم القصد الجنائي أما الخطأ غير الارادي فهو يحدث نتيجة اهمال او قلة احتراز او عدم مراعاة للقوانين والانظمة .
ويترتب على قيام المسؤولية الجنائية قيام المسؤولية المدنية فيمكن للمتضرر رفع دعواة للمطالبة بالتعويض عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب أمام المحكمة المدنية أو أمام محكمة الجزاء المختصة كدعوى فرعية تابعة للدعوى الجزائية .
الخطأ في الرقابة
يلتزم الطبيب المختص الذي أجرى تلقيحا صناعيا للزوجة بمتابعة حالتها وذلك للتأكد من مدى نجاح ماقام به واتخاذ مايراه مناسبا لمواجهة مايستجد في حالة المرأة الصحية , ولايقتصر الامر عند هذا الحد بل يتعين عليه ان يعطي المريض كافة البيانات والنصائح الواجب اتباعها لمفادات النتائج السيئة خاصة اذا ما كان منها متوقعا او على الاقل التخفيف من حدة هذه النتائج .
ويستطيع الطبيب ان يدفع مسؤوليته عن تشوه الطفل بأن يثبت السبب الاجنبي الذي نصت عليه المادة 211 من القانون المدني العراقي والتي تقرر ( اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لايد له فيه كافة سماوية او حادث فجائي أو قوة قاهره أو فعل الغير او خطأ المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يوجد نص او اتفاق على غير ذلك ).
الضرر
* هناك نوعين من الأضرار:
1. الأضرار الجسدية.
2. الأضرار المعنوية
الاضرار الجسدية :
الاضرار الجسدية تتمثل هنا بشكل بارز في حالة التشوهات التي تحدث في الطفل المتكون بطريق التلقيح الصناعي , فهذا الطفل سيصاب حتما هو ووالداه بآلام مادية ومعنوية وان كنا نعتقد ان الآلام المعنوية هنا تفوق الآلام المادية في حدتها ودرجة ترتب الاثار عليها.
المحاكم الفرنسية قد قررت منح التعويض حتى عن هذا النوع من الاضرار الذي يصيب الاحداث الذين لم يمارسوا مهنة معينة بعد ، حيث اعتبرته ضررا مستقلا متميزا عن الاضرار الادبية الاخرى لانه يؤدي إل حرمان الحدث من اختيار بعض المهن التي تحتاج لياقة بدنية كما يحرمه من ممارسة بعض الالعاب الرياضية .
الأضرار المعنوية
الضرر المعنوي هو الذي لايمس المال وإنما يصيب الشخص في ناحية غير مالية كالشعور او العاطفة او الكرامة او الشرف , فهذا النوع من الضرر يلحق ما يسمى الجانب الاجتماعي او المعنوي للشخصية الانسانية ليكون في العادة مقترنا بأضرار مادية اويلحق بالعاطفة او الشعور بالآلام والاحزان التي يحدثها في النفس ليقوم وحده غير مصحوب بأضرار مادية يكون فيها قد لحق أمورا أخرى غير ذات طبيعة مالية كالعقيدة الدينية او الافكار الخلقية .
والقاعدة العامة : تقضي بأن التعويض كما يشمل الضرر المادي فإنه يشمل الضرر المعنوي أيضا.
علاقة السببية بين الخطأ والضرر
إن علاقة السببية هي الرابطة المباشرة التي تقوم بين الخطأ الذي ارتكبه المسؤول والضرر الذي أصاب المتضرر وهي الركن الثالث في المسؤولية فلا يكفي لقيام المسؤولية الطبية ان يكون هناك خطأ وضرر بل لابد ان يكون الخطأ هو السبب الذي أدى إلى وقوع الضرر فقد يقع الخطأ والضرر ولاتوجد بينهما علاقة السببية فلا تقوم المسؤولية .
ففي عملية طبية كالتلقيح الصناعي تتعدد الأسباب المفضية إلى إحداث ضرر معين مما يصعب معه القول بدقة ايها كانت السبب في إحداث الضرر وكذا الحال بالنسبة لعموم المسؤولية الطبية .
يوجد في فقه القانون نظريتان مهمتان في تحديد رابطة السببية :
الاولى: نظرية تعادل الأسباب
الثانية : نظرية السبب المنتج
الاولى تقرر المساواة بين جميع العوامل التي اسهمت في احداث النتيجة وتطبيق هذه النظرية في نطاق القانون يقتضي القول ان كل حادث له دخل في احداث الضرر مهما كان بعيدا يعتبر من الاسباب التي احدثت الضرر .
النظرية الاخرى ترى انه يكفي لاعتبار الحاث سببا للضرر لمجرد انه شرط ضروري أي لولاه لما حدث الضرر فلا تؤخذ جميع هذه الشروط بنظر الاعتبار وإنما تحذف من هذه الشروط تلك التي لاتعتبر شروطا للضرر او تلك التي هي ظروف غير اعتياديه .
غير ان الفقه الحديث يرى ان كلا من النظريتين المذكورتين لها مزاياها وعيوبها وان المحاكم لاتعتنق ايا منهما بصفة مبدئية بل تلجأ حسب الاحوال إلى أيهما التي توصلها إلى الحل العادل في القضية المطروحة أمامها .
المراجع :
كتاب : مشكلات المسؤولية الطبية المترتبة على التلقيح الصناعي دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والفقه الاسلامي .- د.عامر أحمد القيسي
اترك تعليقاً