ذو علاقة بإجابة على:أركان المسؤولية التقصيرية حسب القانون
رأيى الشخصى
الاجابة من موقع قانونى
العلاقة السببية بين الخطأ والضرر
يقصد بالعلاقة السببية أن يكون الضرر متولدا عن الخطأ المنسوب للشخص مباشرة أو تسببا ، مباشرة بمعنى اتصال فعل الإنسان بغيره أما تسببا فتعني اتصال أثر فعل الإنسان بغيره.
المطلب الأول: المشاكل القانونية المترتبة عن تحديد العلاقة السببية:
1-تعدد الأسباب المنشئة للضرر الواحد : مثلا رجل مريض بضعف القلب تلقى ضربة عادية أودت بحياته ، والحال أن مثل هذه الضربة ما كانت لتؤثر على حياة رجل سليم. فأين هو السبب الحقيقي للوفاة ؟ هل هو المرض أم الضرب اليسير؟
للإجابة على هذه الإشكالية ظهرت على الساحة القانونية نظريتان ألمانيتان هما:
أ- نظرية تعادل الأسباب: إذ يرى أنصارها أن كل الأسباب التي ساهمت في إحداث الضرر يتعين أخذها بعين الاعتبار، لا فرق بين الأسباب المباشرة والأسباب غير المباشرة. إذ أن كل الوثائق تستحق أن توصف بأنها سبب للحادث مهما ثبت أن الضرر ما كان ليحدث لولا تظافر هذه الأسباب جميعا.
ب- نظرية السبب الفعال والمنتج: حسب هذه النظرية، لو أن صاحب سيارة تركها في مكان عمومي مفتوحة الأبواب ، فقادها اللص وأثناء رؤيته لرجال الشرطة غير الاتجاه فجأة وضاعف سرعته، الأمر الذي تسبب في وقوع حادثة سير. فإن خطأ اللص هو السبب الحقيقي في وقوع الحادث ولا عبرة بالإهمال الذي ارتكبه مالك السيارة، إلا أن الرأي استقر على تفضيل نظرية السبب المنتج سواء في ميدان القضاء أو في ميدان التشريع، إذ أن السببية المباشرة هي التي يتعين أخذها بعين الاعتبار عند تقرير التعويض المستحق عن الضرر. أما بخصوص باقي الأسباب العرضية الأخرى ، فليس لها من دور في هذا المجال إلا إذا تزامن مفعولها بشكل مباشر مع السبب الجوهري الأمر الذي يجعل مهمة الفصل بين الخطأين أمرا مستعصيا.
2- تعدد الأضرار المترتبة علن الخطأ الواحد: الخطأ الواحد تترتب عليه مجموعة من الأضرار بعضها مباشر والآخر غير مباشر، الأمر الذي يستدعي تحديد نوعية الضرر القابل للتعويض عنه. وقد اعتبر المشرع المغربي (ف 98) من قبيل الضرر القابل للتعويض كلا من الخسارات التي لحقت المضرور فعلا وكذا المصروفات التي اضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الضار، وكذا ما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل.
3- مشكلة التضامن في حالة تعدد المسؤولين عن الضرر الواحد: قد يحدث أن يتسبب مجموعة من الأشخاص في إلحاق الضرر بالغير ، الأمر الذي يتعذر معه نسبة هذا الخطأ لشخص واحد منهم. ، و هو أمر يستلزم مساءلة هؤلاء فيما بينهم بالتضامن كما أكد ذلك المشرع المغربي في ف 99 و100 من ق.ل.ع.
ونظرا لأن التضامن في ميدان المسؤولية المدنية لا يتقرر إلا بوجود نص خاص، أو في الحالات التي تقتضيه طبيعة بعض المعاملات فإن القضاء حاول تمديد نطاق تطبيق هذه المؤسسة ، الأمر الذي أسفر في النهاية عن ظهور نوع من التضامن السلبي الناقص اصطلح على تسميته بالالتزام التضامني.
المطلب الثاني: أسباب انتفاء العلاقة السببية بين الخطأ والضرر:
عبء إثبات عناصر المسؤولية يتحمله المضرور، و بالمقابل يمكن اامدعى عليه أن يدفع هذه المسؤولية عنه بنفي العلاقة السببية أصلا بين الخطأ والضرر. وإذا لم يكن له ارتباط لا بالفعل ولا بالنتيجة الضارين، فله أن يثبت براءته بتقديم الدليل على أن الضرر كان بفعل أجنبي لا يد له فيه ، كالقوة القاهرة أو الخطأ المنسوب للضحية أو الغير .
1-القوة القاهرة والحدث الفجائي : تعتبر كل من القوة القاهرة والحدث الفجائي من أهم حالات السبب الأجنبي المؤدية إلى انقطاع العلاقة السببية. وخلافا لما كان يراه بعض الفقه التقليدي من أن القوة القاهرة تختلف عن الحدث الفجائي لكون الأولى ذات مصدر خارجي، بينما الثاني يكون ذو مصدر داخلي، وأن الأولى مستحيلة الدفع بالنسبة لعامة الناس، والثاني ما كان غير قابل للتوقع بالنسبة للبعض دون البعض الآخر. فإن الاتجاه الفقهي المعاصر يذهب إلى تسوية القوة القاهرة بالحدث الفجائي خصوصا في الجانب المتعلق بالآثار القانونية المترتبة عنهما.
وقد عرف المشرع القوة القاهرة أثناء عرضه لأسباب عدم تنفيذ الالتزامات العقدية وذلك في الفصل 269 الذي ينص على أن » القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية….ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا….« أما في ميدان المسؤولية التقصيرية فيلاحظ أن المشرع قد نص على القوة القاهرة في ف 95 واعتبرها واحدا من الأسباب المؤدية إلى الإعفاء من المسؤولية إذا لم يسبقها أو يصطحبها فعل يؤاخذ به المدعى عليه.
وللإعفاء من المسؤولية في حالة القوة القاهرة والحدث الفجائي يلزم توافر شرطين هما:
أ-استحالة دفع الضرر الناشىء من القوة القاهرة: لا يكون الفعل من قبيل القوة القاهرة إلا إذا تعذرت مقاومته بأن دخل في عداد المستحيلات التي يستعصي معها دفع الضرر الناشىء عنها. ولا يقتصر هذا الشرط على القوة القاهرة التي تفوق طاقة الجميع كالزلازل…. وإنما يتعين توفره أيضا في الحدث الفجائي متى كانت الاستحالة شبه عامة أما إذا كانت شخصية فلا يعتد بها كسبب للإعفاء.
وهنا يتعين الاحتكام إلى المعيار الموضوعي المجرد الذي يجعل من الشخص العادي مقياسا لما إذا كان الفعل قاهرا أم غير قاهر له وذلك في إطار السلطة التقديرية للمحكمة.
ب-أن يكون العذر القاهر غير متوقع الحصول: هذا الشرط لا يثير إشكالا بالنسبة للقوة القاهرة بخلاف ما عليه الأمر بالنسبة للحدث الفجائي بحيث أن القضاء لا يقبل الإعفاء إلا إذا كان عدم التوقع على درجة كبيرة من المفاجأة. وتطبيقا لذلك فإن المحاكم المغربية لا تعتبر الحوادث الناشئة عن سوء الحالة الميكانيكية للسيارات موجبة لهذا الإعفاء إلا إذا توافرت في الحدث الفجائي الذي يدعيه سائق السيارة عناصر القوة القاهرة حسب ف 95.
2-خطأ المضرور: لم ينص المشرع صراحة على خطأ المضرور كواحد من الأسباب العامة المبررة للإعفاء كما لم يتطرق له في النصوص المنظمة للمسؤولية عن الفعل الشخصي الواجب الإثبات. بخلاف المسؤوليات الموضوعية المبنية على افتراض الخطأ ، حيث ذكر المشرع خطأ المضرور إلى جانب القوة القاهرة والحدث الفجائي كأسباب تبرر دفع مسؤولية الأبوين عن أبنائهم القاصرين وكذا المسؤولية الملقاة على عاتق حارس الشيء وحارس الحيوان.
لكن رغم ذلك لم يمنع هذا السكوت القضاء المغربي من اعتبار هذا الخطأ موجبا للإعفاء من المسؤولية كليا أو جزئيا متى توافرت شروط ذلك.
أ-خطأ المضرور كسبب للإعفاء الكلي من المسؤولية:
لا يكون كذلك إلا إذا توافرت فيه عناصر القوة القاهرة بأن كان غير متوقع ومستحيل الدفع. وسواء كانت المسؤولية شخصية أو موضوعية فإن المدعى عليه هو الذي يتعين عليه إثبات العناصر السابقة.
يعتبر هذا الأمر كافيا لوحده لتقرير الإعفاء الكلي من المسؤولية متى تعلق الأمر بالمسؤولية الشخصية القائمة على الخطأ الواجب الإثبات وكذا بالنسبة للمسؤوليات الموضوعية باستثناء مسؤولية حارس الشيء في إطار هذه الأخيرة حيث لا يتقرر الإعفاء إلا بإثبات الأمرين التاليين:
1-أن الحارس قد فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.
2-أن الضرر يرجع لحادث فجائي أو قوة قاهرة أو لخطأ المضرور.
وإثبات أحد هذين الأمرين لا يغني عن إثبات الثاني.
ب-خطأ المضرور كسبب للإعفاء الجزئي من المسؤولية:
عندما يكون خطأ المضرور مجرد سبب من الأسباب العديدة التي ساهمت في وقوع الضرر فإن إعفاء المطلوب من المسؤولية لا يكون إلا في حدود نسبة الخطأ الذي ساهم به المضرور في وقع الضرر، وللمحكمة في إطار سلطتها التقديرية أن تحول هذه النسبة الخطئية إلى كسر تعويض كالنصف أو الثلث….
وإذا كانت القاعدة العامة هي أن خطأ المضرور لا يجب غيره من الأخطاء الأخرى حتى ولو كانت تافهة فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للأخطاء العمدية.
3-الخطأ المنسوب للغير: إذا كان الخطأ المنسوب للغير هو السبب الوحيد لنشوء الضرر، فهذا يعني إعفاء المدعى عليه كليا، ويطبق هذا الحكم أيضا على الحالات التي يتخذ فيها فعل الغير شكل القوة القاهرة. لكن في حالة ما إذا كان خطأ الغير مجرد سبب من الأسباب التي ساهمت في وقوع الضرر فإن هذه الوضعية تفتح للمضرور بابا إضافيا لمطالبة هذا الغير بالتعويض فضلا عن الدعوى الأصلية التي كانت له ضد المدعى عليه. وميزة هذا التعدد تتجلى في مسألة الطرفين بالتضامن كما أن إعسار أحدهما لا يغني الآخر عن دفع كامل التعويض للمضرور مع احتفاظ الدافع بحق الرجوع على الطرف الذي ساهم أو شارك معه في ارتكاب الفعل الضار.
اترك تعليقاً