آثار قانونية لتفشي فايروس كورونا بالسعودية
بمراقبة الاحداث الحالية والجهود المبذولة من الجهات الإدارية والقرارات التي تصدر والتي تصب جميعها في الصالح العام وفي حماية الناس والحد من انشار الأوبئة والتي نفخر بأن تميزت في إدارة الازمة مقارنة بدول أخرى، الا ان هذه الظروف التي أثرت بصورة حادة على الاعمال التجارية وأوجدت مواقف قانونية يجب النظر اليها وبحثها وبيان حقوق الأطراف فيها وإجابة على ما يثار من أسئلة حول مسئولية الأطراف جراء قرارات التعليق، ومدى إمكانية التحلل من بعض الالتزامات وفق للوضع الراهن، وللإجابة عن الموضوع سنعمل على توضيح الموقف القانوني ثم نشرح الجانب القانوني في التعامل مع بعض الالتزامات وسنختم بمقترحات قد تقلل من حجم الازمة.
أولاً: هل نحن امام قوه قاهرة أم امام ظرف طارئ؟
لا يمكن تعميم الإجابة فبعض المواقف تعتبر قوة قاهرة وبالتالي تترتب احكام معينة؛ وبعض المواقف قد تكون ظرف طارئ وتترتب لها احكامها، فالنظريتين تتشابه في
ألا يكون الحادث او الفعل صادر عن المدين
أن يكون الحادث أمر لا يمكن توقعه مطلقا عند التعاقد
غير ممكن دفعه او الاحتراز منه عند وقوعه
وأبرز ما تختلف فيه أن القوة القاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً وبالتالي ينفسخ العقد معها، بينما الظروف الطارئة تجعله ممكن ولكن مرهق لا مستحيلاً وبالتالي توزان الالتزامات حسب الممكن كما سنفصله ادناه، وتقدير الامر ينحصر للمحكمة المختصة، ويبقى لطرفي العقد حق طلب ذلك من عدمه.
ثانيا: الرأي في كل من القوة القاهرة والظرف الطارئ
كل منهما ترتب اثار مختلفة، وبالتالي كل واقعه يجب ان ينظر لها بشكل موضوعي ومستقل بذاتها من قبل القضاء للتأكد على نحو يقيني هل يستحيل التنفيذ او أنه يمكن التنفيذ ولكن يسبب خسائر إضافية على المدين وبذلك يعد مرهق، ام ان الامر مجرد احتراز ، فإن استحال التنفيذ انفسخ العقد وعاد الطرفين الى ما قبل التعاقد ومثال على ذلك ما جاء في حكم المحكمة العامة في الدعوى رقم (12700لعام 1436) اعتبرت ان الحادث المروري قوه قاهرة لا يمكن المطالبة بالتعويض عن التأخير بسببها، كما سبق للقضاء المصري ان جعل تجميد حسابات المدين قوه قاهره تمنعه عن الوفاء بالتزاماته في موعدها المحدد،
وان كان مرهقاً ولم يصل الى حد الاستحالة تولى القضاء معالجته ليكون عادل بين الطرفين بإيقافه مؤقتاً أو تقليل التزام أحد المتعاقدين او حتى فسخه، وقد تدخل القرارات الاحترازية في نظرية الظروف الطارئة لأنها تحميل أعباء إضافية لتنفيذ الالتزام وتجدر الإشارة ان الظروف الطارئة تنطبق فقط على عقود المدة بينما القوة القاهرة تسري على جميع العقود.
ويرى مجلس المجمع الفقهي في قراره رقم: 23 (7/5) أن العقود المتراخية في التنفيذ (كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات) يجوز للقضاء في حالة التنفيذ مع الصعوبة او الإرهاق في ذلك تعديل الحقوق والالتزامات العقدية، بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين، كما يجوز له أن يفسخ العقد، فيما لم يتم تنفيذه منه، إذا رأى أن فسخه أصلح وأسهل في القضية المعروضة عليه، وذلك مع تعويض عادل للملتزم له ، صاحب الحق في التنفيذ، يجبر له جانبًا معقولاً من الخسارة، التي تلحقه من فسخ العقد أو يمهل الملتزم إذا وجد أن السبب الطارئ قابل للزوال في وقت قصير، ولا يتضرر الملتزم له كثيرًا بهذا الإمهال ا.هـ)
وعليه في ظل انتشار الفايروس والقرارات الصادرة من الجهات الرسمية مثل الحجر هل يجوز معها فرض غرامات تأخير او طلب الالتزام بمواعيد التسليم، ظاهر الامر انه لا يجوز الالزام ولا يجوز فرض غرامات لان الامر غير متوقع وخارج عن الإرادة ولا يمكن دفعه بالكلية او يمكن مع تحمل أعباء مرهقه، ومن نافلة القول ان دول أخرى اعتبرت انتشار فايروس كورونا وصل الى مرحلة القوة القاهرة في بلادها فمثلا وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي اعلن يوم 28 فبراير أن فيروس كورونا يعد قوة قاهرة بالنسبة لأعمال المقاولات، وأكد أنهم لن يطبقوا غرامات التأخير في التنفيذ على الشركات المرتبطة بعقود مع الدولة، وكذلك هيئة تنمية التجارة الدولية الصينية ترى مثل ذلك لاستحالة التنفيذ في الوقت المتفق عليه كما أن منظمة الصحة العالمية اعتبرته وباء عالمي.
وعليه ما هي المقترحات الممكن اتباعها من قبل الشركات او التجار في أعمالهم لتخفيف من العبء المالي:
أولا: الجوانب التشغيلية:
يمكن طلب تأجيل تنفيذ الالتزامات الحالية مثل تسليم الاعمال في مواعيدها نظرا للأحداث الواقعة التي جعلت من المرهق جدا الوفاء بها حالياً، بل قد تصل بعض الاعمال المعلقة على أدائها في زمن محدد الى فسخ مثل استئجار القاعات او الرحلات الجوية والتسكين والاعاشة لأنها عقود قائمة على زمن محدد وتنفيذ برامج العمرة لإلغاء الرحلات الدولية وغلق مجال العمرة وكل ذلك استحالة في التنفيذ ، وكذلك فسخ عقود الاعاشة والفنادق لاستحالة ، وكذلك استرداد الأموال المدفوعة للعقود المشابهة ان الثمن لم يصبح له مقابل اما لو كان العقد يترتب عليه توفير أمور أولية من البائع أو اسلم المشتري جزء منه او انتفع بجزء منها فيتم تقدير الأمور بقدرها والقول الفصل عائد للمحكمة ولها الاستعانة بالخبراء إن لزم الامر.
أما بشأن الجزاءات التي قد تترتب على الاخلال فيلزم اثبات ان الاخلال ناتج عن الظروف الحالية ولا يد للمدين فيه ويجب اخضاع كل حالة لدراسة مستقلة لتقييم الأمور التي اثرت عليها بصورة يقينية وليس مجرد احتمال أو شك، وصدور حكم من المحكمة بكل حالة يرفع الخلاف في حال وقوعه بين المتعاقدين
ثانياً: وقف عقود العمل:
امام بشأن التعامل مع العاملين فنظرا لتوقف نشاط صاحب العمل وصدور قرارات بعدم ممارسة النشاط حتى اشعار اخر وبالتالي فإن الأمر خارج عن إرادة المتعاقدين مما يجوز معه فسخ العقد ونظرا لان الاصلح للعامل في ظل هذه الظروف وقف العقد مؤقتا على ان يستأنف لاحقا فأنه من المتصور جواز قرار وقف العقد الى حين زوال المانع من ممارسة النشاط وعليه فإن لصاحب العمل التحلل من التزام دفع الاجر فالعامل لا يستحق اجر اثناء التوقف واساس ذلك ان العمل يعد السبب القانوني للأجر والاجر يرتبط وجودا وعدما بالعمل فلا اجر بلا عمل وذلك بكل الاعمال التي يسري بها قرار وقف النشاط او المجال او حال حائل دون التمكين من العمل ، وفي حال سوء استغال هذا الوضع فهو خاضع لتقدير المحكمة في مدى صحته
ثالثاً: اجرة المباني:
أما بشأن الأجرة فإن طلب خفض الأجرة له قولين عند العلماء فمنهم من يرى الفسخ ومنهم من يرى خفض الأجرة بما يتناسب مع نقص المنفعة متى ما حدث المانع من الانتفاع مثل قول ابن تيمية رحمه الله (من استأجر ما تكون منفعة إجارته لعامة الناس، مثل الحمام والفندق، فنقصت المنفعة المعروفة، لقلة الزبون، أو لخوف، أو حرب، أو تحول سلطان ونحوه فإنه يحط عن المستأجر من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة) و أرى انه يمكن للمستأجر الانتفاع من العين الا انه انتفاع منقوص نظرا لانتشار الفايروس فإن كانت العين في طريق عام او سوق فالنقص ناتج عن امتناع الناس عن الحضور تحرزا وليس لوجود مانع قوي وقد تأتي الناس وبالتالي لا يمكن اعتباره ظرف طارئ ولكن في حال اغلاق عين في المطارات مثلا وقد أغلقت المطارات بالكامل فهذا ظرف طارئ يقتضي خفض الأجرة بقدر ما نقصت المنفعة او اغلاق القاعات والاستراحات فهي قوة قاهره ينفسخ معها العقد ان كانت مدة العقد تنتهي قبل انتهاء مدة القرار
ويثار سؤال عن العقود المبرمة بعد العلم بالمرض وانتشاره؟
إن التعاقد بعد العلم بالمرض يفقد نظرية القوة القاهرة والظرف الطارئ بأحد أركانه فهو تعاقد بعد العلم بحدوثه وعليه لا يمكن تطبيق أي من النظريتين
خلاصة المقترحات للشركات:
أخذ العاملين اجازات بدون اجر أو تخفيض الاعمال أن أمكن ويتم ذلك توافقيا أو منحهم اجازاتهم السنوية، وفي حال رغبت الشركة وقف العقد نظرة للقوة القاهرة فيجوز لها ذلك.
يحق للشركات تأجيل المواعيد المرتبطة بها متى ما ثبت تأثر اعمالها بانتشار الفايروس وان الوفاء الحالي مرهق لها.
الحق بطلب فسخ العقد متى ما ثبت استحالة التنفيذ.
ونأمل ان يكون فيما سبق توضيح للوضع الراهن، إلا انه لا يغني عن دراسة كل حالة بشكل مستقل وتقدير كل الاحتمالات للوصول الى الرأي المناسب لها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً