آليات الديمقراطية في عصر عولمة الحكم
. راشيل كوفلد – ديبرا دلائيت *
ويمكن للعولمة ان تخلق فرصاً أفضل من أجل النهوض بالديمقراطية عبر تقوض السلطات القسرية وتنظيم السيطرة على الدول غير الديمقراطية داخل العديد من المجتمعات. في الوقت نفسه ، فإن مؤسسات الدولة تعد وسيلة رئيسية لإنشاء وتعزيز المؤسسات الديمقراطية. وعلى الرغم من أن العولمة قد تقوض سلطة الدول الديمقراطية، فإنها تشكل أيضا عقبة تعترض السياسات الديمقراطية. هذا التناقض يكمن في صميم العديد من المناقشات حول العولمة المعاصرة.
ويبدو أنه على الأفراد الذين يعملون من اجل وضع استراتيجيات لدعم وتعزيز الديمقراطية في كل مستويات الحكم،على المستويين المحلى والعولمى عليهم ان يتصارعوا ايضا مع العديد من النتاقضات. إن تسخير إمكانات تحرير قوى العولمة وتقليل مدى ما ينتج عن “السباق نحو القاع”، وتقويض التقدم الديمقراطي الذي تحقق في الحركات الديمقراطية ليست مهمة بسيطة، ولا يمكن تجنبها. لقد غيرت العولمة بشكل جوهري – سواء للافضل او للاسوأ- في طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في النظام العولمي المعاصر. وهو ما أدى بدوره لإحداث تحول في الآليات السياسية والاقتصادية بما يدعو لتحول في الأنظمة الموازية للحكم سواء أكان ذلك على المستوى المحلي القومى.
الآليات السياسية العولمية في الحقبة المعاصرة للعولمة
يمكن تعريف العولمة بأنها “التوسع والتكثيف ، وتسريع ، وتزايد تأثير العلاقات المتداخلة والواسعة على مستوى العالم. فالعولمة أخذت مكانها في المجالات اقتصادية والسياسية والاجتماعية، وقللت من المسافات الجغرافية التي كانت تعد بمثابة الحواجز أمام حركة الناس والسلع والخدمات والأفكار العابرة للحدود الإقليمية. من طبيعة التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية كما تؤثر على أشكال النظم السياسة، والتي من المحتمل أن تزدهر في سياق أليات العولمة.
وباعتبار العولمة عملية تشكيل جذري لطبيعة الحكم ، فإن العولمة ليست جديدة. وكما يشير ستيفن كرسنر، فإن الدول… عملت دائما في بيئة دولية متداخلة.” ووفقا لكراسنر فالدول لم يكن لديها القدرة الكاملة على تنظيم التدفقات عبر الحدود المشتركة من الناس، والتكنولوجيا، ورأس المال، والاتصالات، أو الافكار. فكانت عمليات العولمة الدولية والأزمات المالية العالمية ، وتدفقات الهجرة الدولية ، وانتشار الأمراض عبر الحدود ، أقرب للظواهر التاريخية منها للظواهر الجديدة. أما إلى أي حد تؤدى العولمة عبر عملية “الإسراع”، لتقويض سيادة الدولة فهو شئ غير واضح حتى الان. ومن المهم أيضا أن نلاحظ أن العولمة ليست في حد ذاتها “جيدة” ولا بطبيعتها “سيئة”. . ونتيجة لذلك ، فإن الأفراد والجهات الراغبة في تعزيز سياسات أكثر ديمقراطية على جميع المستويات، من المستوى المحلي إلى المستوى القومي إلى العالمي ، يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار قوى العولمة.
التحولات الديموجرافية في عصر العولمة المعاصرة
على الرغم من تعقيد طبيعة وآثار العولمة والتي لا تعمل في اتجاه واحد ، فمن الواضح أن العولمة المعاصرة ساهمت في إحداث تغييرات هامة في العالم في عدد من الاتجاهات السياسية . وأدت العديد من التوجهات المتزامنة لتحولات في الآليات الكامنة وراء البنى التقليدية في الحكم ، وتزداد حدة هذه التأثيرا بسبب النمو الهائل وغير المسبوق في تعداد السكان في العالم. وكما أن عدد سكان الأرض قد تجاوز السبعة مليارات، فإن الآثار المترتبة على هذا النمو السكاني اصبحت موثقة فموارد كوكب الارض اصبحت نادرة على نحو متزايد، العولمة ادت إلى توزيع بعض هذه الثروات في أنحاء متفرقة من مراكز الاقتصادات الناشئة، في الوقت الذي تركزت فيه الثروة بطرق دراماتيكية في مراكز أخرى.
علاوة على ذلك ، فعالم العولمة وظهور التكنولوجيا الحديثة أدتا إلى مركزية المعرفة ومركزية نشرها بطرق قد تعزز أو تقلل من الرقابة الشعبية على أنظمة الحكم، وهو ما أثر على السلطات التقليدية للدولة.
ومع تزايد عدد سكان العالم الذي يتنافس على فرص المشاركة في الاقتصاد العولمي الجديد ، وذلك باستخدام وسائل جديدة للاتصال تربط المجتمعات المحلية والوطنية والعالمية، أصبح “الحضر” هو القاعدة في العديد من عواصم العالم. واليوم ، يعيش أكثر من نصف السكان في المراكز الحضرية ،رغم تباين النتائج لهذا الوضع.
ورغم أن المراكز الحضرية قد تؤدي إلى تعزيز فرص اقتصادية أكبر- كما هو الحال في بعض الحالات- فإن التركز السكاني في المراكز الحضرية – في انحاء كثيرة من العالم – أدى إلى مزيد من عدم المساواة وانتشار الفقر، وتراجع حقوق الملكية الخاصة،_ حيث يعيش القادمون الجدد في منازل وعلى ارض قد لا يملكونها.
هذه الأنماط المهاجرة أاتي مع مطالب استثنائية على الموارد الطبيعية والحكومية. فالطلب على الطاقة وحده لا يمكن تحمله. كما أن شح المياه يهدد بشكل متزايد سبل العيش وحياة الملايين. وردا على الندرة في المياه، فإن الشركات المتعددة الجنسيات أصبحت تقتصد ليس فقط فى وسائل الإنتاج، لكن في الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها الناس في العالم.
ومن المتوقع أن يواجه أكثر من ثلثي سكان العالم على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة نقصاً كبيراً في المياه، لكن المنظمات الدولية عقدت اتفاقات مع شركات في جميع أنحاء العالم للسيطرة على تدفق وتوافر المياه من خلال الخصخصة. وهكذا أصبحت المياه ” سلعه” كما هو الحال مع النفط، فقد أصبحت المياه في المقدمة من مواقع المنافسة الموارد الطبيعية الحيوية. في هذا العالم الذي تحركه خصخصة الموارد ، فإن الثروات تتركز في مراكز محدودة يمكنها الوصول إلى الاحتياطيات الحالية للنفط والفحم ، و المياه ، واستنزاف هذه الموارد يؤدي بشكل طبيعي إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية ، والسياسية ، والاقتصادية.
وبما أن معدل النمو السكاني في ارتفاع مستمر فإن الطلب على الموارد الحكومية يرتفع أيضا. وتقع الكثير من المدن في براثن الصراع من أجل إيجاد سبل لاستيعاب السكان الجدد والمتطلبات الناجمة عن خدمات الصرف الصحي ، وتقديم الرعاية الصحية .. وإنفاذ القانون ، والتعليم ، والخدمات الحكومية الأخرى بينما تصارع المناطق الريفية من أجل الحفاظ على الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية لسكان يتناقص عددهم بسرعة. وإذا ما أخذنا الوضعين معا ، فإن التحولات الديموجرافية تخلق ضغوطا جديدة على الحكومات القائمة ، وصراعات داخل الدول وفيما بينها، وهو ما يعرض حياة الملايين من البشر للخطر.
هذه الضغوط، غالبا من قبل الدولة ، ولكن بسبب قرارات المنظمات الدولية أو أعمال شركات لا تنضوى تحت مظلة الشفافية أو المساءلة في أي من الحدود الإقليمية.
إن تراجع المساءلة والشفافية في الحكم على حركة الناس واستخدام الموارد الطبيعية هي في صراع مباشر مع الحركة المتزايدة نحو مزيد من المشاركة الشعبية في الحياة المدنية بسبب فرص الوصول المتاحة للتكنولوجيا.
فقد أصبحت الأفكار والمعلومات أكثر توافرا في الوقت الذي توسعت فيه فرص الحصول على تكنولوجيا الاتصالات، مثلما عزز المال والخبرة العلاقات الاقتصادية الدولية وسمح للشركات المتعددة الجنسيات بالتوسع على نطاق لم يكن من الممكن أن نتخيله في تاريخ البشرية. إن العلاقات الاقتصادية الدولية ، والسياسية، والاجتماعية، والإعلامية ليست شيئا جديدا ، ولكن السرعة والآلية التي يمكن من خلالها تطوير هذه العلاقات لم يسبق لها مثيل. إن زيادة فرص الحصول على تكنولوجيا الاتصالات بشكل كبير، أدى إلى العولمة ليس فقط للتجارة ، ولكن عولمة التفاعل البشري في كل جوانب حياتنا ، وبسرعة البرق وبأسعار رخيصة نسبيا.
التعددية والشعوبية في عصر العولمة المعاصرة:
خلقت التحولات السياسية والاجتماعية الناجمة عن الاندماج في الاقتصاد العالمي العديد من الأفكار والاقتصادات، والتركيز مجددا على مفاهيم التعددية ، حيث مجموعة متنوعة من الأيديولوجيات والمعتقدات تتنافس على الصدارة. لقد سمحت تكنولوجيا الاتصال بالمنافسة في الأسواق الاقتصادية، ونظم تخصيص الموارد، والأيديولوجيات الدينية، والأعراف الثقافية ، وخلق مجموعة من الفرص الفريدة والتحديات أيضا. فأصبحتت تكنولوجيا مع المجتمع العولمي تؤثر بشكل كبير في المجالات الروحانية والفن والموسيقى ، والتقاليد الطبية ، والممارسات التعليمية ، والمسائل القانونية.
فالتبادل المعلوماتي المستمر والفوري يعطي صوتا للمجتمعات الصغيرة مع قضايا فريدة من نوعها ، فضلا عن مجموعات تجارية قوية، بالاضافة للنخب الثرية التي قد تشارك مع استثمارات كبيرة في الوضع الراهن بكل سهولة وعلى قدم المساواة. ويمكن للتعددية في عالم معولم تمكين السكان المحرومين من إشباع احتياجاتهم الاجتماعية والسياسية جنبا إلى جنب مع الأفكار الثقافية والدينية. كما أنها تهدد بشدة هياكل السلطة القائمة، سواء كانت حكومية أو متعددة الجنسيات، لا سيما في الحكومات القمعية، ففكرة الاعتراف واحتضان التنوع في وجهات النظر يضعف القدرة على السيطرة على المواطنين وتحد من احتمالات تغيير جذري.
وفي الوقت الذي يعزز فيه الاندماج في الاقتصاد العالمي قدرة المواطنين في جميع أنحاء العالم، ويسقط الحواجز التجارية، فمع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناهضة، تتزايد التوقعات الثقافية والأيديولوجيات ، في حين أن الضغوط الناجمة عن التعددية تثير المشاعر الشعبوية التي تسمو على الهياكل الحالية للدولة. فالشعوبية هي حركة تاريخية لم ينصفها التاريخ. ففي قلب كل الحركات الشعبوية تكمن عدم الثقة في الحكومات وهياكل السلطة الأخرى، وشعور الفرد بفقدانه الثقة بها. ففرضية الحركات الشعبوية عموما تقوم على فكرة أن الأفراد فقدوا السيطرة على القوى التي تتحكم في ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ربما يمكن القول إن الشعبوية هي نتيجة للإحساس بـ “الاغتراب” عن الواقع، حيث إن الاعتقاد الأكثر شيوعا هو أن القرارات الأساسية التي تحدد مصير الإنسان تمليها قوى وهياكل سلطة بعيدة ولا تستجيب لظروف الفرد، وهي الركيزه الأساسية للاأيديولوجيا الشعبوية. وكما كتب توماس ليهان , “فإن العواقب الاجتماعية والاقتصادية للحركة متعددة الأوجه نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي واعتماده دون تمحيص لسياسات السوق الحرة الاقتصادية سيؤدي لخسارة الفرد قدرته على مواجهة النظام السياسي والاقتصادي العولمي، وسوف يولد بذلك الذي أصبح الكثيرون يعتبرونه بمثابة تنظيم لحرمان الفرد القدرة على تحديد مصيره.
نرى هذا الشعور بالاستياء الشعبي في جميع أنحاء العالم. فهي غريزة لاستعادة العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وهي في قلب الانتفاضات الشعبية التي تعرف باسم الربيع العربي، وهى موجودة أيضا في الولايات المتحدة ، كما يتجلى في حركة “حفلات الشاي” و”احتلال وول ستريت” على طرفي الطيف الأيديولوجي الداخلي.
وبدءا من الاحتجاجات في أنحاء العالم ضد منظمة التجارة العالمية في عام 1999 ظهرت حركة معارضة لسيطرة الشركات متعددة الجنسيات في السياسات العالمية الاقتصادية والتجارية. وفي الوقت الذي كان فيه الاقتصاد العالمي يعاني كانت أرباح الشركات مستمرة بلا هوادة، في حين كان المواطنون يحتجون ضد تدابير التقشف وخفض محتمل في البرامج الاجتماعية في مختلف أنحاء أوروبا خلال الأشهر القليلة الماضية.
وعلى الرغم من أن هذه الحركات نشأت من ظروف مختلفة تماما ولها آثار متباينة على نطاق واسع في كل بلد على حدا، فإن جوهر المبادئ الأساسية هو ما يوحد هذه الانتفاضات الشعبوية. في كل حالة، نجد لدى الشعب مخاوف حقيقية حول قدرته على إملاء متطلباتهم الحياتية هو ما يقود إلى رد فعل عنيف ضد القوى الاستبدادية المسيطرة على حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. قد تكون هذه القوى الاستبدادية هي المسؤولين الحكوميين أو الشركات المتعددة الجنسيات العابرة للحدود أو المنظمات الدولية أو التنظيمات المتطرفة دينيا. وبغض النظر عن وجود مصدر محدد للسخط ، فالناس في جميع أنحاء العالم قلقون بشكل متزايد من الأيادي الخفية التي تتحكم في حياتهم ومعيشتهم.
وتتفاعل الشعبوية التي تميز هذه الحركات مع قوى العولمة بطرق قوية. فأسباب عدم الرضا غالبا ما تكون نتيجة مباشرة للتكامل العولمي، بما في ذلك فرص العمل وتحريك رؤوس الأموال بطرق غير شفافة ومن قبل صناع قرار غير مسئولين، والتغيرات الديموجرافية التي تهدد الاستقرار وزيادة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، بالإضافة لزعزعة الاستقرار والأفكار التي تهدد تماسك وتجانس المجتمعات السياسية القائمة.
وتغذى مشاعر عدم الرضا، المتبدية في الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية، القدرة الهائلة على التواصل بسرعة وسهولة، والتي تجمع الأشخاص المتشابهين في آرائهم ونقل الخبرات المشتركة حول القهر وانعدام الثقة . فظهور تكنولوجيا الاتصالات مكن الأفراد من تخطيط وتنفيذ الانتفاضات الشعبية بسرعة وبتكلفة زهيدة. وتعد ثورة مصر الشعبية، بطبيعة الحال، نموذجا على ذلك. في الحالات القصوى، فإن الأسباب والنتائج تأتيان معا مشكلة سبل فعالة للغاية.
ففي ديسمبر من عام 2010 احتج رجل تونسي لسيطرة الدولة على مصدر رزقه، وأشعل النار في نفسه ليعلن بذلك بدء احتجاجات واسعة النطاق. وبعد شهر، بدأت الثورة المصرية مدفوعة بانعدام الثقة الشعبية في نظام مبارك نتيجة لتفشي البطالة والفساد وخصخصة الخدمات العامة والتفاوتات الاجتماعية والاضطهاد السياسي. ومع تمكين وسائل الإعلام الاجتماعية، نجحت هذه الثورة في إزاحة مبارك عن السلطة. إن عولمة الأفكار تسمح بالتعاون الدولي بين الناس في وضع مماثل، وفي مناطق جغرافية مختلفة، كما تعترف بالمصالح والاهتمامات المشتركة للمواطنين، وخلق وحدة الهدف والدافع المشترك. وعلى الرغم من أن كل بلد لديه مجموعة فريدة من الفرص والتحديات ، فإن توجه الناس لاستعادة السيطرة ليس فقط علامة مميزة لربيع العرب ، ولكنه السمة المميزة لجميع الحركات الشعبية تقريبا في جميع أنحاء العالم اليوم.
أصبح من الصعب مع مجمل هذه التغيرات والتفاعلات فيما بينها، تصور الحكم بالمعنى التقليدي. فالدولة القائمة على مفاهيم الحكم، حيث المجتمعات محددة جغرافيا, تحكم أنفسها بعيدا عن القوى الخارجية، يقدم تفسيرا غير كاف وفهما قاصرا للقوى التي تشكل حياة الناس في العالم.
فالتكنولوجيا – على وجه الخصوص – تمكن الأفراد والشركات، لكنها تغير أيضا من طبيعة سيادة الدولة. فالابتكارات التكنولوجية تمكن الجهات غير الحكومية الفاعلة من التحايل على السلطات التنظيمية للدولة – في بعض الاحبان – في الوقت الذي تعزز فيه التكنولوجيا وسائل المراقبة الخاصة بالدولة بطرق أخرى.
وفي هذا الصدد، فإن التكنولوجيا، تبدو وكانها وجه “يانوس،” حيث تحمل في طياتها “تأثير الفيس بوك” من ناحية، والمخاوف من الديكتاتورية على غرار ما حدث في عام 1984 من ناحية أخرى . وفي كل الاحوال، فإن الطريقة التقليدية التي تركز على نموذج الدولة التي هيمنت على فهمنا السياسى والدبلوماسي فد اختلتف. فتغيير المفاهيم ، التجارية والاقتصادية والنفوذ الثقافي، وتنقل الشركات (من بين أمور أخرى)يتطلب تصورا جديدا وأوسع نطاقا حول مفهوم “الحكم”.
الحكمة التقليدية حول العولمة والديمقراطية:
إذا ما أخذنا في الاعتبار تقييمنا لتغيير آليات السياسة والحكم، فما هي آفاق السياسة الديمقراطية والحكم في عصر العولمة الحالي؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، سوف يكون من المفيد أن أتطرق بإيجاز للحالة الراهنة للنظام العالمي، وخصوصا ما لا يمثله.
فالتفاؤل الناجم عن الثورات الديمقراطية في أنحاء كثيرة من الشرق الاوسط، لا يثبت أننا نعيش في “نهاية التاريخ” كما اقترح فرانسيس فوكوياما في عام 1992 في عمله “نهاية التاريخ وآخر إنسان” فقد وصف فوكوياما منطق التاريخ العالمي، والاتجاهات التي تؤدي إلى الديمقراطية الليبرالية، وتوقع حركة تقدمية نحو ثورة ليبرالية في العالم. من ناحية، يبدو أن ربيع العرب يؤكد رؤية فوكوياما.
من ناحية أخرى ، فإن الطبيعة الغير مكتملة والغير واثقة من الثورات الليبرالية في الشرق الأوسط توحي بأن الحركة الليبرالية العالمية الديمقراطية لم تأت أكلها تماما. وسواء كان هذا للأفضل أم للأسوأ، فإننا لا نزال نعيش تماما في منتصف التاريخ.
ولا يبدو أن آليات السياسة العولمية، وشكل الحكم في المقام الأول قد تشكل عبر “صراع الحضارات” ، كما اقترح صموئيل هانتنجتون. وخلافا لتوقعات هانتنجتون التي انذرنا بها في عام 1993، حيث سيكون “صدام الحضارات” هو خط الصدع الرئيسي لصراع عولمي في السنوات المقبلة، فإن الكثير من الصراعات العنيفة التي شهدناها في العقود الأخيرة تمثل الانقسامات الأساسية داخل لحضارات” الرئيسية التي حددها هانتنجتون ، بل وداخل بلدان معينة. وتتميز جميع الحضارات التي حددها هانتنجتون بالتعددية بدلا من التجانس، وإهماله لهذه الحقيقة المركزية يقوض فائدة حجته.
ففي مصر وغيرها من البلدان التي تمر بثورات ديموقراطية، فإن مايجمع هذه المجموعات ، وليس الهوية المشتركة الدينية أو الثقافية.وانما مدى إلتزامها بالديمقراطية، ففي مصر، جاء المسلمون المعتدلون والجماعات الإسلامية الأصولية والعلمانية معا للاحتجاج على الحكم الاستبدادي. الآن، البعد الأساسي للصراع في مصر هو صراع بين العلمانيين والمسلمين المعتدلين ، الأقليات الدينية ، والأصوليين الإسلاميين بشأن المكان الصحيح للدين في نظام حكم ديمقراطي. باختصار، فإن التعددية أصبحت بعدا حاسما في السياسة في جميع المجتمعات التي لم يستطع هانتنجتون حسابها في “صدام الحضارات”.
وخلافا لادعاءات توماس فريدمان ، فنحن لا نقترب من عالم “مسطح” في أي وقت قريب. فالعولمة الاقتصادية فتحت أسواقا جديدة، وجلبت الازدهار الملحوظ، وتكنولوجيا الاتصالات التي سمحت بانخراط فكري ملحوظ ملحوظ فى بعض المناطق . ومع ذلك ، فإن هذه التطورات عززت أيضا وفاقمت من التفاوتات الكبيرة في توزيع الثروة والخدمات للناس، فضلا عن إنفاذ حقوق الإنسان ، والممارسات الثقافية والفرص الاقتصادية.
وعلى الرغم من أن عملية “التسوية” أو التسطيح قد تحدث، فإن الفوائد ما زالت بعيدة المنال بالنسبة للغالبية العظمى من سكان العالم. وكما يكتب دي ـ جيـ من التواصل يبدأ من اللغة الأم إلى الخبرات الطبية ، من الدين السائد الي الفكر السياسي ، من الصراع المزمن إلى الخطر البيئي ، من طرق الحيانة إلى أنماط الحياة ، كل ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا. مثل هذا المتغير من حيث جغرافيا – الفرص والقيود هو ما يجعل العالم المهتز يتعولم ، والمواطنين الذين أصبحوا سكانا محليين يعيشون في عالمين مختلفين تماما وغير متكافئان للغاية”.
وفي الوقت الذي نجد فيه أن فوائد العولمة قد تكون مركزية ، فان الآثار الناجمة عن نظم الحكم قد يكون لها آثار تمتد لأبعد من ذلك بكثير.
رؤية عقدية للعولمة والحوكمة والديمقراطية
إن مستقبل النضال الإنساني وحقوق الإنسان والتفاعل بين الإنسان ورفاهيته يرتبط ارتباطا وثيقا بأساليب جديدة لمفاهيم الحكم، لكن الحكومات ستواصل القيام بدور حيوي في حياة مواطنيها. وكذلك حركة رأس المال المعولم والأفكار، ودعوات المشاركة من جانب المنظمات غير الحكومية، والهيئات متعددة الجنسية الحاكمة والشركات والتحالفات بين هذه الجهات.
وتقليديا ، تم تعريف الحكومة بوصفها وظيفة جغرافية. غير أن الحكم هو مفهوم واسع النطاق إجرائيا. فالحكم لا يقتصر على الحكومة، بل هو عملية صنع قرار جماعية في أي مؤسسة عامة أو خاصة، ويمكن أن تتجاوز الحدود الجغرافية من خلال إعادة فهم كيف يتم إنشاء القواعد وتنفيذها، وكيف يتفاعل الناس مع الوحدات التنظيمية التي يمكن أن يكون لها أكبر الأثر في حياتهم اليومية، وكيفية محاسبة السلطات الحاكمة، وإمكانية تكيف هياكل صنع القرار على نموذج جديد لجغرافيا العلاقات السياسية.
وعلى الرغم من أنه كثيرا ما ينظر إلي العولمة كظاهرة اقتصادية أواجتماعية في المقام الأول، فإنها الشكل الجذري في طبيعة الحكم عبر وداخل المجتمعات.
إن التواصل الإنسانى لم يعد مقتصرا على وحدات محددة جغرافيا (كالدول)، ولكن تحدث على نطاق عالمي. وكما تغيرت جوانب أخرى من التفاعل البشري لتتكيف مع الاندماج في الاقتصاد العالمي، فلابد أن تتغير مفاهيم الحكم أيضا.
فالحكم ينطوي على ” الإجراءات والوسائل التي اعتمدها المجتمع في تعزيز العمل الجماعي، وتقديم الحلول الجماعية في السعي لتحقيق أهداف مشتركة. وبهذه الطريقة، فان الحكم يحدث على مستويات متعددة، وهو أكثر نموذجية ، وربما أكثر دقة ، أن نتحدث عن المجتمعات المحلية أو الوطنية التي تمكنت من وضع نظم محددة للحكم وحل مشاكل العمل الجماعي.
ومع ذلك ، يمكن أن نتحدث أيضا عن “مجتمع عولمي” ناشئ طور نظاما لإيجاد حلول جماعية للمشاكل العولمية للحكم العولمي. إن غياب المؤسسات الحكومية الرسمية غير الفعالة لا يعبر بالضرورة عن الافتقار إلى الحكم. وبطبيعة الحال، فإن المؤسسات الحكومية تلعب عادة دورا بارزا في الحكم. ومع ذلك ، فإن مجتمعا ما – على المستويات المحلية والوطنية – أو على المستوى العولمي يمكنه تحقيق الحكم ، كما هو محدد أعلاه ، دون الحاجة إلى اعتماد قوانين رسمية تدعمها آليات الإنفاذ الحكومية.
وفي هذا السياق، ثمة أشكال للحكم تنطوي على أعمال ومساهمات لأطراف متعددة وفاعلة على مستويات عدة، بما فيها المنظمات الدولية، والدول، والجهات الفاعلة غير الحكومية. وعلى الصعيد الدولي،تشارك مجموعة واسعة من المنظمات الدولية في مجال الإدارة العولمية. وتشمل هذه المنظمات وكالات الأمم المتحدة المتخصصة وبرامجها ، ومصارف التنمية المتعددة الأطراف ، وعلى الأخص البنك الدولي والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ، ومنظمة الدول الأمريكية ، والاتحاد الأفريقي، بالإضافة الى الجهات الفاعلة غير الحكومية المساهمة بطرق هامة في الحكم على جميع المستويات.
وقد ساهم عدد لا يحصى من الجهات الفاعلة غير الحكومية ، التي تتراوح بين المنظمات غير الهادفة للربح وكذلك الشركات الكبرى في شكل نظم الحكم ، وآليات العولمة، وهو ما زاد من أهمية هذه الجهات الفاعلة غير الحكومية. وفي عالم العولمة ، يمكن أن تلعب الجهات غير الحكومية دورا هاما من خلال سياسة سد الثغرات التي أوجدتها العولمة، والديناميات التي تحد من قدرة الدول على تلبية الاحتياجات الضرورية، وتعبئة القواعد العالمية ، والموارد ، والسياسات في جميع أنحاء العالم.
إن التطور المستمر وتعزيز المنظمات الإقليمية والدولية، إلى جانب انتشار الجهات الفاعلة غير الحكومية تشير إلى أن نظم الحكم في المقام الأول المتجذرة في دول الإقليم أصبحت في مواجهة مع العولمة. وبما أننا قلنا ذلك، فان ديناميات العولمة الراهنة لا تشير إلى أن الدولة الإقليمية أصبحت غير ذات صلة أو أن الحكومات الوطنية لا تهم أحدا.
على العكس من ذلك ، ستظل الدول الأطراف هي الفاعلة الحاسمة ، ويمكن القول إنها أهم القوى الفاعلة في معظم قضايا ومستويات نظم الحكم فالدول لديها شبكة مؤسسات ضخمة ومعقدة للغاية تنظم أو تتحكم في العديد من الموارد البشرية والمالية على حد سواء ، ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار تأثيرها في أي تحليل لإمكانية الحكم الديمقراطي في عالمنا المعولم.
أما التركيز على الحكم بدلا من الحكومات فإنه يطمس الفروق بين الدول والمنظمات الدولية، والجهات الفاعلة غير الحكومية (وكلاهما غير ربحية وغير هادفة للربح)، وهذه الجهات تتعاون في كثير من الأحيان في البحث عن حلول جماعية للمشاكل المشتركة.
إن شراكات القطاعين العام والخاص والتي تنطوي على شراكات رسمية بين الحكومات والقطاع الخاص الرامية إلى تحقيق أهداف مشتركة أو متداخلة، أصبحت مألوفة بشكل متزايد في الآليات التي تحكم كرد فعل لمشاكل اجتماعية كبيرة. على سبيل المثال ، تعادل القوة الشرائية يلعب دورا متزايد الأهمية في مجال الصحة العالمية. فالمنظمات الدولية والدول والجهات الفاعلة غير الحكومية لا تملك الموارد والقدرات ، أو إرادة حل المشاكل العالمية الملحة بشكل مستقل. وكما أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص توفر وسيلة للعلاقات اونية بين الحكومات الحالية للدولة، وربحية شركات القطاع الخاص في عملية صنع القرارات السياسية، فإن المفاهيم القائمة على المساءلة والشفافية والتنظيم، يجب بالمثل أن تتوسع لأبعد من المفاهيم التقليدية للحكومة لتتبني مفهوم الحكم كمفهوم أوسع وأكثر شمولية.
لذا فإن دعوة الكيانات الخاصة مع المركز لتعاون استباقي من أجل المشاركة في الحكم, يجب أن تعترف بأن هذه الكيانات نادرا ما تتحمل آثار قراراتها. فإجراءات الشركات عادة ما تكون غير شفافة ، كما أنها ليست بدافع العمل الديمقراطي. هي بالأحرى تتم بدافع الربح. وببساطة فإن دمج القطاعين العام والخاص، وبالتالي ، يمكن أن تكون دعوة للفساد والتواطؤ، وتقويض أسس الحكم الديمقراطي.
فالشفافية يمكن أن تكون هي نفسها إشكالية في الحكم الديمقراطي، لا سيما في الساحة ذات الاطراف المتعددة،. حيث تصبح عملية صنع القرار هي بالضرورة نتيجة لموائمات قد تصبح شديدة الصعوبة في بيئة مفتوحة تنافس فيها الفصائل المختلفة من أجل الهيمنة على تحديد المفاهيم الأساسية والضغط على جداول أعمالها.
غالبا مايكون أفضل طريق لتحقيق تسوية ما، هو ما يتم من خلال المجموعات الصغيرة بعيدا عن الجمهور وبين أفراد يحملون الهم العام. ولكن هذا هو الوضع المثالى الذي لا يمكن أن نتحقق من حدوثه، لذا، فإن الشفافية يمكن أن تكون مفيدة في هذا الإطار لضمان أن هذه المجموعات الصغيرة من الأفراد لا تزال مسؤولة أمام مصالح المجتمع. ولا يمكن لعملية صنع القرار في الشركات أن تضمن ذلك، ولا مؤسسات الأعمال التجارية المسؤولة عن “دائرة” واحدة تبعد قليلا عن حملة أسهمها.
ونظرا للقوة غير العادية من العناصر الفاعلة في القطاع الخاص في السياسة العالمية اليوم، فان هذا الافتقار إلى الشفافية والمساءلة يعد إشكالية عميقة.
إن الحكم الديمقراطي، إذا ما كان له أن يتواجد بنجاح على جميع المستويات ، يجب أن يتضمن آليات المساءلة الصارمة وتنظيم الأعمال. فالدول فى تنافسها فيما بينها لتحقيق الفرص الاقتصادية لمواطنيها ، فان “السباق إلى القاع” قد يؤدي إلى تحرير سريع بما يسمح للشركات بالعمل على مصالحهم بغض النظر عن الخسائر البشرية خاصة في مجال التدهور البيئي، واستهلاك الموارد، وعدم المساواة الاقتصادية ، وكلها قد تدفع لاحقا للصراع.
ن الديمقراطية في حوكمة الشركات، حيث تعتمد الشركات على الممارسات التجارية الشفافة، والالتزام بها طوعا، وعلى قواعد المساءلة والمشاركة في النظم التنظيمية التي تعطي الأولوية لمصالح السكان المحليين، وتخفيف من الدوافع السيئة لتبادل العولمة الاقتصادية والمعلومات التي تعزز امتيازات الأقلية، وتقوض فرص الفرد بالنسبة للأغلبية لتشعل الاضطرابات المدنية الشعبية.
فالانتقال إلى الحكم الديمقراطي في قطاع الشركات من غير المرجح أن يحدث طوعا. ولن تهدأ سلطة رجال الأعمال، ولن تسمح لسيطرة الدولة على أكبر مساحة عمل ممكنه مستندة إلى الشفافية التي تمكن الحكومة من ضمان المساءلة ضمن حدود منطقة جغرافية معينة.
وببساطة سوف تستمر العولمة الاقتصادية، ويمكن أن نجادل حول مزايا أو عيوب هذا الأمر، لكن بدلا من ذلك ، فإن جهود إرساء الديمقراطية في المستقبل يجب أن تشمل قطاع الأعمال جنبا إلى جنب مع الدولة الإقليمية.
إن عولمة المعلومات والأفكار، وقوة تكنولوجيا الاتصالات، يمكن أن تساعد على تحقيق أهداف الديمقراطية في حكومات الدول وفي الحكم الدولي ورجال الأعمال. وكما تم اتصال المواطنين بسبب المخاوف المشتركة حول فقدان السيطرة علي حياتهم الخاصة، وتم إعطاء شكل وصوت لمشاعر شعبية في جميع أنحاء العالم فانهم ايضا قادرون على استخدام تكنولوجيا الاتصالات لممارسة الضغط على الهيئات المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، والبنك الدولي، والاتحاد الأفريقي من أجل تشجيع علاقات تعاونية مع المؤسسات الخاصة التي تلتزم بآمال الحكم الديمقراطي.
وإذا كان الدافع وراء العولمة مصالح الشركات ونفوذها في ربط سكان الأرض، من أجل توسيع الأسواق وزيادة الأرباح فإن الشركات ليست الخطر الوحيد الذي يهدد الحكم الديمقراطي في عالم يتميز بالاندماج في الاقتصاد العالمي، ولا حتى دمقرطة ممارسات الشركات تعد حلا فريدا للشواغل التي أدت إلى المخاوف الشعبوية. فالعولمة قد تمس جميع مجالات الخبرة البشرية ، ومثلما الأيديولوجيات المتطرفة المؤيدة لقطاع الأعمال تقوض المبادئ الديمقراطية في بعض الحالات، فإن الإيديولوجيات الدينية المتطرفة تقوض المبادئ الديمقراطية في حالات أخرى.
وبالمثل، سنجد الوضع نفسه، حيث الليبرالية العلمانية المرتبطة بانتشار الرأسمالية يمكن أن تسهم في عمليات التحول الديمقراطي، ويمكن أن تساهم التقاليد الدينية في نشر وتعزيز الديمقراطية في المجتمعات التي تكون فيها الأغلبية الشعبية تحتضن دينا واحدا.
وحسب بنجامين باربر، فإن طاعة الله قد تكون بمثابة الفرامل على الحكومة الدنيوية السلطوية والفساد، في حين تكفل لشعب معتدل الإيمان أن يحكموا أنفسهم ديمقراطيا على طريقة الكالفينانيين في سويسرا أو بروتستانت ماساتشوستس قبل الثورة” .
في الواقع ، كانت البروتستانتية الكالفينية ذات تأثير كبير على الديمقراطية في السياقات الأوروبية والأمريكية، حيث تمثل المسيحية التقاليد الدينية التي تتبناها غالبية السكان في هذه البلدان. وبالمثل ، في البلدان ذات الأغلبية السكانية المسلمة، فإن الدين يجب أن يلعب دورا مركزيا في تحديد أنواع الديمقراطيات التي تبرز في هذه السياقات السياسية. الأهم من ذلك ، إنه لا يوجد سبب لافتراض وجود تناقض متأصل بين الإسلام والديمقراطية أكثر من وجوده بين الديمقراطية والمسيحية.
كما يشرح رضا أصلان: “الحقيقة هي أن الغالبية العظمى من المسلمين أكثر من مليار شخص في العالم يقبل بسهولة المبادئ الأساسية للديمقراطية… وأرجع المسلمون لغة الديموقراطية الى القواعد الإسلامية، والاعتراف بالشورى، والتمثيل الشعبي، والإجماع والمشاركة السياسية، والبيعة والاقتراع العام. إن بعض المفاهيم الديمقراطية مثل الدستورية ، ومحاسبة الحكومة، والتعددية، وحقوق الإنسان مقبولة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم الإسلامى.
لكن ما لا يقبل بالضرورة، وهو مفهوم غربي واضح فهو فصل الدين والدولة، وأن العلمانية هي
أساس المجتمع الديمقراطي. وفي الواقع ، فإن الأسس العلمانية للأنظمة الفاسدة والقمعية في بعض دول الشرق الأوسط تظهر بوضوح أن العلمانية لا تنتج بالضرورة الديمقراطية بالنسبة للديمقراطيين الليبراليين ، ويجب أن يكون الطموح للتأكد من أن الديمقراطيات التي تم إنشاؤها في المجتمعات الدينية توفر الحماية للأقليات الدينية وغيرها.
لذا، فمن الواضح أنه في المجتمعات حيث غالبية السكان يتمسكون بالدين فإن الدين سيشكل بالضرورة نظام الحكم إذا كان ذلك النظام هو أن تكون ديمقراطية في أي إحساس ذي مغزى.
الخاتمة:
هذه نبذة موجزة عن الطبيعة المتعددة للحكم في شكل النظام العولمي، والذي يتشكل على نحو متزايد من جانب قوى العولمة، ويوضح كل التحديات والفرص التي هي على المحك في الجهود المبذولة، لدفع السياسة الديمقراطية في الحقبة المعاصرة.
فمن ناحية، قد تكون الجهود المبذولة لدمقرطة المؤسسات على مستوى واحد من الحوكمة محددا بمدى عدم ديمقراطية المستويات الأخرى من الحكم. وبالمثل، يجوز لغير القوى المناهضة للديمقراطية الناشئة في مستوى واحد من الحكم إحباط الجهود الرامية إلى تعزيز الديمقراطية على مستوى آخر.
من ناحية أخرى ، حقيقة أن الحكم ينطوي على العديد من الأطراف الفاعلة، والمدخلات على مستويات مختلفة تشير إلى أن القوى المؤيدة للديمقراطية يمكن إشراك حلفاء لها من مجموعة من المواقع الجغرافية والمؤسسية.
فعلى سبيل المثال ، يمكن لمنظمة غير حكومية مواجهة المقاومة المناهضة للديمقراطية من داخل مؤسسات الدولة من خلال السعى إلى الالتفاف على الدولة من خلال تطوير الموارد والنفوذ الخارجي من الدول الأخرى، والمنظمات الدولية ، أو غيرها حتى الجهات الفاعلة غير الحكومية. ومع ذلك ، ومن أجل الحفاظ على، وتعزيز ـ المؤسسات ـ الديمقراطية يتطلب منا الأمر إعادة النظر في الأهداف الأساسية للحكم ، ليس بوصفها وظيفة من الدول الإقليمية، لكن باعتبارها القيم العليا جميع المساعي البشرية التي تشمل المجالين المحلي والإقليمي والوطني والعالمي، وكرؤية واقعية لإحلال الديمقراطية يجب أن تتضمن مفاهيم العدالة والمساواة ، والمساءلة ، والرفاه الجماعي، ليس فقط على المستوى الاجتماعي والسياسي ، بل أيضا في أعمالنا .
قسم العلوم السياسية جامعة دراك ـ كندا-
اترك تعليقاً