بحث قانوني هام عن آليات القانون الدولي والوطني للوقاية والعلاج من جرائم المخدرات
إن السياسة الجنائية الحديثة تؤكد على ضرورة إتباع تدابير وقائية وعلاجية تساعد على إيجاد ظروف حياة خالية من المواد
المخدرة،بالعمل على إزالة أسبابها وعللها ،من خلال القضاء على العوامل المؤدية إليها،والتي تسهم في تكوين الشخصية الإجرامية.
إن السياسة الوقائية والعلاجية الجديرة بالإتباع والتطبيق ،هي التي تهتم باتخاذ التدابير الاحترازية الكفيلة بالحماية والوقاية من
ارتكاب جرائم المخدرات،والداعية إلى معالجة المتعاطين لإزالة أسباب التسمم لديهم.
إن السياسة الدولية للوقاية والعلاج تقوم على مجموعة من الآليات القانونية ذات الطبيعة الرقابية المنظمة لكيفيات التعامل المشروع في المخدرات ،والمكافحة لكافة صور جرائم المخدرات غير المشروعة مهما كانت صفة هذه المادة المخدرة طبيعي أو صناعية.وقد تبنت معظم التشريعات الوطنية نفس التدابير الاحترازية باعتبارها أطرافا في الاتفاقيات الدولية المكافحة لجرائم المخدرات .
وقد تم رصد هذه التدابير الاحترازية لبعض التشريعات الوطنية ،وفي مقدمتها ما ورد في التشريع الجزائري ،مع التركيز على المقارنة بينها ،لإيضاح طبيعة تعامل التشريعات الوطنية مع كافة صور جرائم المخدرات غير المشروعة.
الكلمات الدالة : الظاهرة الإجرامية ،التدابير الاحترازية،المواد المخدرة غير المشروعة ،الأدوات الرقابية، طرق الكشف عن المخدرات ،نظام الرقابة والتفتيش،التسليم المراقب ،تسليم المجرمين ،تدبير الطرد،المصادرة إن السياسة الجنائية الحديثة تؤكد على إتباع استراتيجيات وقائية مبنية على خلق ظروف حياة خالية من المخدرات، بالعمل على إزالة أسبابها وعللها، من خلال القضاء على العوامل المؤدية إليها، والتي تسهم في تكوين الشخصية الإجرامية (1).إن السياسة الوقائية المثلى هي التي تهتم بالوسائل الكفيلة بالحماية والوقاية والمعالجة ومنع وقوع الجريمة في آن واحد، والحماية لن تكون مجدية إلا برسم سياسة اجتماعية تكفل القضاء على مشكل المخدرات. أما المنع فيقصد به النظم والأساليب التي تحول دون وصول الجناة إلى ارتكاب جرائمهم بواسطة الأجهزة المكلفة بمهمة مكافحة الجريمة عموما وجرائم المخدرات على وجه الخصوص.وقد أنصب اهتمام علماء القانون الجنائي على صياغة النصوص القانونية التي يستخلص منها النظريات المتعلقة بالجريمة والعقاب، دون أن يولوا اهتمامهم لدراسة الظاهرة الإجرامية دراسة علمية لبحث أسبابها ودوافعها، لأن هذا الأمر يدخل في صميم اختصاص علماء الإجرام، وهذا ما أولته المدرسة الوضعية اهتماما خاصا، بإقرارها عددا من المبادئ القانونية الخاصة بمعالجة الظاهرة الإجرامية.
ومن أهم هذه المبادئ إن المذنب هو شخص دفعته ظروف خارجية، تتصل ببيئته إلى ارتكاب الفعلالمؤثم، و بالتالي فإن مسؤوليته لا تقوم على الأساس الأخلاقي،بل على أساس المسؤولية القانونية القائمة على معيار الخطورة الإجرامية (،2) التي يجب إحاطتها بطائفة من التدابير الاحترازية.كما ساهمت مدرسة الدفاع الاجتماعي في تطوير هذا الاتجاه بتأكيدها على ضرورة تأهيل المجتمع ضد الجريمة، وعدم الاكتفاء بتقويم الجريمة ومحاولة القضاء عليها بتقرير العقوبة وحدها، وإنما بدراسة الأسباب والعوامل المؤدية إليها، والعمل على إزالتها، وقد انتهت هذه المدرسة على أن عبء إزالة الجريمة يقع على عاتق الدولة، التي توجب عليها سد الثغرات في البيان الاجتماعي بما يحول دون ارتكاب الجريمة (3) .
إذا كانت السياسة الجنائية الحديثة قد أكدت فكرة «الوقاية خير من العلاج » فما هي التدابير ذات الطبيعة الوقائية لمواجهة
مشكلات جرائم المخدرات؟ هذا ما نحاول عرضه من خلال دراسة الأدوات والأساليب الوقائية الدولية والوطنية المقررة في
السياسات الجنائية المقترحة لمعالجة جرائم المخدرات، وذلك من خلال دراسة خطة البحث التالية:
المبحث الأول: السياسة الوقائية الدولية لمكافحة جرائم المخدرات
المبحث الثاني: السياسة الوقائية الوطنية لمكافحة جرائم المخدرات
المبحث الأول: السياسة الدولية للوقائية من جرائم المخدرات
إن الطبيعة الخاصة لمشكلة المخدرات تفرض نفسها على المجتمع الدولي إلى تبني عدد من التدابير التي تتفق مع هذه الطبيعة لمواجهة سوء استعمال العقاقير المخدرة. يعتبر النظام الرقابي الدولي من أقدم صور السياسة الوقائية التي نصت عليها السياسة الجنائية الحديثة لضبط التعامل المشروع في العقاقير المخدرة، وللحيلولة دون تسرب تلك المواد للسوق غير المشروعة، فقد نصت السياسة الجنائية الدولية لمكافحة المخدرات على عدة وسائل وقائية لتفعيل الدور المنوط بها
للحد من سوء استعمال العقاقير المخدرة. فما هي هذه الوسائل وما طبيعة هذه التدابير الوقائية والعلاجية؟ وهذا ما نحاول التطرق إليه من خلال دراسة المطلبين التاليين:
المطلب الأول: الوسائل الوقائية الدولية
إن الوسائل القانونية الدولية المقررة لمكافحة جرائم المخدرات يمكن حصرها في التدابير الوقائية التالية:
أولا- الأدوات الرقابية:
ويقصد بالأدوات الرقابية تلك التدابير التي تساعد المجتمع الدولي في السيطرة على التعامل المشروع في المواد المخدرة والمؤثرات العقلية لحمايته من إساءة استخدام تلك المواد،
وتعتبر التدابير الرقابية ذات الطبيعة الوقائية من أهم الوسائل التي ساهمت في إيجاد نظام رقابي فعال منذ بداية القرن العشرين (4) .وتبعا لتطور الاتفاقيات الدولية الخاصة بضبط المخدرات، فقد تطورت الأدوات الوقائية لسد القصور الذي ينبئ عنه التطبيق العملي لتلك التدابير، ولمواكبة أساليب وطرق مرتكبي جرائم المخدرات المتطورة باضطراد للتهرب من النظام الرقابي خاصة بعد أن تأكد أن مراقبة الاستعمال المشروع والحد من الاستعمال غير المشروع للعقاقير المخدرة، لن يتحقق هذا الهدف
إلا من خلال نظام رقابي دقيق يفرض على خامات المخدراتم ن مصدرها الأصلي (5)، أي الدول المنتجة لها، وقد دعت عصبة الأمم الدول المنتجة لمادة الأفيون بأن يتم توزيع إنتاجها طبقا لنظام الحصص، إلا أن محاولتها باءت بالفشل نتيجة تمسك الدول المنتجة بمبدأ السيادة الإقليمية كغطاء لرغبتها في عدم فقدان مرود رئيسي للدخل القومي في تلك البلاد (6)، فما هي هذه الأدوات الرقابية المنصوص عليها في القانون الدولي من أجل تنظيم التعامل المشروع في العقاقير المخدرة:
اترك تعليقاً