يُعرف المجتمع الشرقي والمجتمعات الذكورية عامة بتعسفها مع حقوق المرأة اجتماعيًا إلى أبعد الحدود، وقد يصل هذا التعسف إلى التحرش والاغتصاب والإجبار على الزواج، أو قبول كل أنواع العنف البدني والنفسي على المرأة طالما هي في النهاية “واحدة ست”.
ولكن بعيدًا عن مستنقع الأحكام المجتمعية وقوانينه السخيفة، وبعيدًا عن عدم تنفيذ مواد القانون من قِبل الجهات التنفيذية المختصة، هل أنصفت القوانين المصرية المرأة وأعطتها قدرًا معقولاً من حقوقها في العمل والحياة الاجتماعية وقامت بحمايتها بشكل مقبول على الأقل؟ دعونا نجيب على هذا التساؤل من خلال القوانين المصرية نفسها.
فلنفترض أن (س) هي فتاة من أسرة متوسطة، والدها دائم الضرب لها، فتحلم بأن تتزوج حتى تستريح من المهانة والضرب، وبالفعل يرزقها الله بابن الحلال، الذي يتضح فيما بعد أنه ليس ابن حلال مصفّي. تعرف (س) أن ضرب والدها لها لم يكن سوى بروفة لما ستلاقيه على يد زوجها، الذي -للمفارقة- قد يبدو حسن الخلق وكريم المعاملة معها أمام الناس. تنهار في مرة وتقرر الذهاب لعمل محضر في قسم الشرطة لأن زوجها يتعدّى عليها بالضرب، حينها ينصحها ولاد حلال آخرين بأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فالمحضر “لا هيودّي ولا هيجيب والقضية هتنزل على فاشوش”.
تسأل (س) عن السبب فتعلم أنه طبقًا للقانون المصري، يستطيع الرجل ضرب المرأة طالما كانت نيته سليمة وهذا حقه الذي يكفله له القانون تحت المادة رقم (60) من قانون العقوبات التي تنص على: “ألا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة الإسلامية”. القانون لم يكتفِ بمنع المرأة من أخذ حقها إذا تم ضربها، ولكنه أيضًا سحب منها أحقيتها في الدفاع عن نفسها إذا تم ضربها، فاستثناها القانون بشكل غير مباشر من حق الدفاع الشرعي عن النفس إذا ضربها زوجها، لأن مادة رقم (246) من نفس القانون اشترطت أن الدفاع الشرعي عن النفس يكون ضد جريمة، ولكن بما أن القانون الذي تم ذكره بالأعلى يبيح للزوج (أو الأب) ضرب المرأة، فهو لا يعتبر ضربها جريمة تستوجب عليها الدفاع عن نفسها، بل على العكس، إذا قامت المرأة هنا بالدفاع (الطبيعي) عن نفسها قد تصبح في نظر القانون متهمة.
تعود (س) إلى بيتها ولكنها لا تتحمل هذه الحياة فتقرر عندها طلب الطلاق، لتكتشف سر المعاملة الجيدة التي كان يعاملها بها زوجها أمام الناس. لم تكن هذه لحظات حنيّة نادرة منه كما ظنّت يومًا ما لشدة سذاجتها، ولكنها تعلم أنه لطلب الطلاق في المحكمة يجب عليها أن تثبت أن هناك ضررًا واقعًا عليها باستمرارها في هذا الزواج، ولإثبات الضرر عليها أن تأتي بشهود على هذا الضرر (مادة رقم 6 في الباب الرابع للقانون رقم 25) والذين لا تستطيع إحضارهم لأنهم غير موجودين من الأصل، غني عن الذكر بالطبع أن الزوج المصري يستطيع في أي وقت يشاء تطليق زوجته وبدون إبداء أسباب لأي شخصٍ كان.
تفكر (س) في الخُلع، لكنها تجد أنها بتنازلها عن حقوقها المادية لن تستطيع الحياة بكرامة، ومع ذلك لا تستطيع أن تظل مقيمة في منزل الزوجية، فتقرر أن تترك المنزل وتقيم عند صديقة لها، التي تنصحها بسرعة العودة إلى منزلها. تفسّر صديقة (س) لها الأمر بأن بالتأكيد زوجها مستفيد بتركها منزل الزوجية بدون إرادته، لأن الزوجة التي تترك بيت الزوجية يستطيع زوجها طلبها في بيت الطاعة (الذي من المفترض أن يكون بيت الزوجية، ولكن من الممكن تغييره والتلاعب بالقانون) وإذا لم تلتزم بتنفيذ الطلب أو تقدّم دعوى رفض في خلال 30 يومًا، يصدر عليها حكم بالنشوز وبالتالي يسقط حقها في النفقة عند الطلاق، وذلك وفقًا للمادة رقم (11 مكرر في الباب الرابع للقانون رقم 25).
تعود (س) إلى المنزل تجر أذيال الهزيمة، تحاول مسايرة أيامها الخانقة، حتى تفاجأ يومًا أثناء الإجازة وإقامتها في بيت الأسرة، بأن زوجها يخونها مع قريبة لها، تُجنّ (س) وتثور وتقول إنها بالتأكيد ستذهب لعمل محضر زنا، ليخبرها زوجها بأن (تخبط راسها في الحيط) لأن المادة (277) من قانون العقوبات تقر أنه يجب ضبط الزوج في حالة الزنا بداخل منزل الزوجية، وحتى وإن أثبتت عليه التهمة فلن تزيد عقوبته عن الحبس لمدة 6 أشهر.
ثم يستكمل زوجها حديثه متهكمًا، أنه ربما إذا كانت رجلاً لاستطاعت أن تثبت عليهما تهمة الزنا، لأن فقط زوج المرأة التي كانت معه، من يستطيع أن يضبطهما في أي مكان وإثبات التهمة عليهما بل ووضعهما في السجن لمدة قد تصل إلى السنتين، وذلك وفقًا للمادتين رقم (274) و (275) من قانون العقوبات.
تمنّت (س) لحظتها أن يكشفهما الله أمام زوج الخائنة حتى يستطيع إثبات التهمة عليهما، لكنها تتذكر أن زوج الخائنة رجل عصبي ومن الممكن عند مفاجأته بمشهد الخيانة يفقد أعصابه ويقتلهما. ليس هذا ما يشغل (ٍس) فطبقًا لقانون العقوبات إذا فاجأ الرجل زوجته وهي تزني وقتلها هي ومن معها سينال حكمًا مخففًا بالحبس كأنها جريمة جنحة وليست جنايات، حسب المادة رقم (237) من نفس القانون، وهذا بالطبع عكس ما ينص عليه القانون في نفس الموقف لو أن الزوجة هي من وجدت الخائنين وليس الزوج، فحينها يتم إدانتها بجريمة قتل عادية ويُحكم عليها بدون شفقة أو عطف من القانون.
ولكن (س) تخاف على أطفالها، وتعلم أنها يوميًا تدعي الله أنه طالما لا نصيب لها في الطلاق، فليمد في عمر زوجها ويقبض روحه عندما يكبر أصغر أطفالها ويتعدى سن الطفولة، لأنه إذا ما حدث وتوفي زوجها قبل بلوغ الأبناء عمر 18 سنة، حينها تصبح ولاية الأطفال وتحديد قراراتهم المالية في يد الجد للأب (وفقًا للمادة رقم 1 في الباب الأول للقانون رقم 119)، تضحك (س) كلما نطقت كلمة قانون، فهذا القانون يمنعها من حقها الطبيعي في أن تكون الوليّة المالية على أطفالها. تقرر (س) الاستمرار في حياتها تلك، حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
ربما تبدو هذه الحكاية غارقة في السوداوية وتصلح فيلمًا من بطولة الراحلة أمينة رزق، ولكن كم عدد أمينة رزق تقف في المحاكم المصرية، وخصوصًا أمام محاكم الأسرة بسبب مادة أو أكثر من المواد السابق ذكرها! كم عدد القضايا المفتوحة في المحاكم لسنوات عديدة بسبب نفقة أو غيرها من القضايا التي تأخذ من العمر سنوات بسبب مواد قوانين بحاجة إلى التغيير، وبطء في سير المحاكم، وبطء في تنفيذ أحكام القضاء!
كل هذا ولم نتحدث بعد عن مادة (17) التي تتيح للقاضي تخفيف الأحكام على حسب ما يتراءى له، فنجد أن الأحكام غالبًا ما تُخفف على الزوج في الصعيد وعلى الأسر قليلة المستوى، لأنه كما جاء على لسان أحد المحامين: “مش هنعامل بتاعة الخارجية زي بياعة الفجل، لو بتاعة الخارجية رافضة الضرب، بتاعة الفجل الضرب بالنسبة لها عادي”. ولا أعلم حقيقة من أين جاء المحامي بهذا اليقين بأنه “بالنسبة لها عادي” وأنه لو كان الأمر عاديًا حقًا بالنسبة إليها، فأين دور المتعلمين “بتوع الخارجية” كي يقولوا لها إن هذا ليس بالشيء العادي.
فنجد أنه كلما حاول أحدهم تعديل مواد وقوانين لصالح المرأة، يظهر أشخاص ينادون بأن هذا بالتأكيد آخر الزمان، وأن تعديل هذه القوانين سيساهم في زيادة حالات الطلاق وتمرد المرأة وتفكك الأسرة، متجاهلين تمامًا أن هذه الأسر هي بالفعل مفككة ولكن ينقصها حكم المحكمة.
أليس من الأولى أن نحاول أن نبني بيوتًا سوية قائمة على الحب والتفاهم والاحترام؟ هذا بالتأكيد أكرم وأشرف من أن نبنيها بقوانين مجحفة للمرأة، تجعلها مجبرة على الاستمرار مع زوج تكرهه، لأنها تعلم أن قانون بلدها لن يقف في صفها.
حتى لا يتهمنا أحد بازدراء القانون المصري، نوضّح أنه من الطبيعي حدوث تعديلات في القوانين طالما أن هناك شكوى منها، مثلما صدر قانون الخُلع عام 2000. ومؤخرًا في 2015 عندما تم إعطاء الأم الحق في تسجيل مولودها ونسبه إلى الأب بموجب وثيقة الزواج، وهو ما كان -ويا للغرابة!- ممنوعًا عليها بموجب القانون. لذلك فإن القوانين من الجائز تغييرها والتحدث بما يعيبها بهدف التغيير منها لما هو في مصلحة المواطن وأيضًا في مصلحة القانون نفسه.
اترك تعليقاً