بقلم ذ عبد الحق العمرتي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
باحث في مجال منازعات الأعمال
لما كان مجال الأعمال هو أساس تطور الحياة الاقتصادية في كل الدول المتقدمة، فإننا نلاحظ أن جلها تعمل على تطوير المنظومة القانونية المتعلقة بقانون الأعمال
نتيجة إلحاح الواقع الاقتصادي على ذلك. وهذا ما يؤثر على حركة القانون الذي هو مطالب بملاحقة مستجدات الواقع الاقتصادي من أجل تنظيم اختلالاته المتواترة، وهذا ما يترجم العلاقة الجدلية بين القانون والاقتصاد
وفي نفس التوجه ، ونظرا للدور المهم الذي تلعبه الشركات التجارية بصفة عامة وشركة المساهمة بصفة خاصة في تنشيط الاقتصاد، قام المشرع المغربي على غرار العديد من مشرعي الدول ذات الاقتصاديات العصرية، بتحديث المنظومة القانونية المتعلقة بهذا القطاع لجعله قادرا على مواجهة هاجس المنافسة، وتحديات العولمة المالية
وأمام الدور الكبير الذي احتلته شركة المساهمة سواء من الناحية الاقتصادية أو التنموية أو من الناحية القانونية فإنها تبقى مجرد أداة رأسمالية من الدرجة الأولى تستلزم إصلاحها من أجل مواكبة مستجدات العصر على مستوى الواقع الاقتصادي الذي تأثر بشكل كبير بظاهرة العولمة والثورة التكنولوجية المستحدثة
كما تعتبر شركة المساهمة أهم أداة لتطوير الاقتصاد وتحقيق حاجيات المجتمع وتنمية الثروات التي تتوفر عليها البلاد ، وهذا راجع إلى قوتها على جمع رؤوس الأموال الكافية والضرورية لإنجاز المشاريع الكبرى القادرة على تحقيق الأهداف السالفة الذكر
وإذا كانت شركة المساهمة شركة الأموال، فإن من المواضيع الشائكة في قانونها تحديد طبيعة العلاقة القائمة بين المساهمين المسيرين وغير المسيرين، وما يترتب من آثار تهم من جهة وضعيتهم ووظيفتهم في التتبع و التقرير في حياة الشركة، ومن جهة أخرى الوسائل المتوفرة والموضوعة رهن إشارتهم للاستفادة من تلك الحقوق وممارستها بشكل طبيعي
و لذلك تعد العلاقات بين المساهمين في شركة المساهمة من المواضيع المهمة، وبالخصوص تحديد طبيعة تلك العلاقات ومستوى تدخل كل مساهم في مراقبة تسيير الشركة
ولقد أضحى إشراك المساهمين في تسيير شركة المساهمة عن طريق مراقبتهم لعمليات التسيير أمرا ملحا فرضه الواقع الذي أصبحت تعيشه مجموعة من شركات المساهمة المغربية بفعل تفشي أعمال الفساد الإداري الذي نتج عن انفراد ثلة من أقوياء المساهمين بزمام الأمور داخل الشركة لتحقيق أهدافهم الخاصة والأنانية، وهو الأمر الذي اقتيدت على إثره مجموعة من المشروعات نحو الإفلاس
لهذا فإن إصلاح الإطار القانوني لشركات المساهمة، مسألة أملتها الظروف الحالية من أجل قيام الشركة بدور طلائعي داخل سوق اشتدت فيه حدة المنافسة
هذا الأمر لم يقتصر على الواقع المغربي فقط ، وإنما عرفته شركات كبرى وذات صيت عالمي، بشكل أصبح بالإمكان وصفه بالآفة العالمية، وهو الوضع الذي تكلل ببروز نظام جديد في عالم تسيير الشركات عموما وشركات المساهمة على الخصوص ما اصطلح عليه بحكامة الشركات، هذا النظام الذي يهدف بالأساس إلى ضمان استمرار استثمارات المساهمين، والإبقاء على هؤلاء يقومون بمراقبة على أعمال التسيير
وهكذا، فقد ظهر مفهوم أو نظام الحكامة في الشركات بقوة سنة 1997، وذلك عقب انفجار الأزمة المالية الأسيوية وظهور أزمة الثقة في المؤسسات والتشريعات التي تنظم النشاط بين منشآت الأعمال، إذ حرصت مجموعة من المؤسسات الدولية التي تناولت تلك الأحداث بالدراسة والتحليل على وضع مختلف مبادئ ذلك النظام، ويأتي على رأس تلك المؤسسات، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي أصدرت “مبادئ حكامة الشركات” سنة 1999، والتي تهدف من خلالها مساعدة الدول الأعضاء وغيرها على تطوير إطارها القانوني والمؤسساتي لتطبيق تلك المبادئ ودعم استقرار وتنمية شركاتها
وبالتالي فإن غرض المشرع المغربي من إعادته النظر في المقتضيات المنظمة لقانون الشركات هو أخد متغيرات الواقع بجد، ومحاولة منه إيجاد إطار قانوني يستجيب لمتطلبات الاقتصاد الوطني بصفة عام ،والمستثمر بصفة خاصة وتمكين شركة المساهمة على خوض غمار المنافسة، وممارسة الإدارة والتسيير وفق الاحتياجات الجديدة للاقتصاد، وتطبيق قواعد الإدارة الحديثة وصولا إلى الحكامة الجيدة
وفي هذا الإطار وتحقيقا للأهداف المشار إليها احتلت الرقابة مكانة متميزة ضمن الصيغة الجديدة لشركة المساهمة، لأنه لا يمكن تصور عمليات التسيير بدون رقابة. ففي غيابها تتسرب الاختلالات والتعسفات غير المحدودة للمساهمين المسيرين
فالدور الرقابي الذي يقوم به المساهم غير المسير يعد ركيزة أساسية، بل دعامة قوية في النظام القانوني للشركة، لأنه أصبح، في ظل التحولات الكبرى التي عرفها المشهد القانوني والاقتصادي لشركة المساهمة، أداة ضرورية من أجل تعزيز حكامة الشركة من خلال زاوية الرقابة ، لذلك فإن التحولات النظرية التي اعتمدها المشرع المغربي من خلال قانون 95-17، كما تم تزكيته بقانون 20-05 تسير في اتجاه تشجيع ممارسة رقابة المساهمين غير المسيرين
من البديهي أن يضمن للمساهم ممارسة حقه في الإعلام كما هو منظم في مقتضيات قانون شركات المساهمة رقم 17/95. لكن في كثير من الأحيان، عند ممارسة أي حق تكون هناك صعوبات ومعيقات تحد من فعالية هذه الممارسة
كما أنه في الوقت الذي يحسب فيه لقانون شركات المساهمة تعميق الحقوق السياسية للمساهم بما يخدم مصالحه ويجعله عنصرا فعالا في تسيير الشركة، فإن الواقع العملي أفرز محدودية ممارسة هذه الحقوق نتيجة محدودية المعلومة التي (يرغب المساهم في الاطلاع عليها (المطلب الأول) وضعف الوسائل المتاحة للولوج إليها( المطلب الثاني
المطلب الأول: محدودية المعلومة
على غرار باقي التشريعات، حدد القانون المغربي الوثائق والتقارير التي يجب إطلاع المساهمين عليها في عملية الإعلام، والتي تؤطر في نظرنا نطاق المعلومة التي يبحثون عنها من أجل مواكبة الحقيقة التي تعيشها حياة الشركة
غير أنه يؤاخذ على المشرع المغربي تضييقه من نطاق الوثائق التي تخضع لإلزامية الإعلام في الشركة، إذ يلاحظ في هذا الصدد أن محدودية المعلومة تظهر على مستويين من الوثائق، فهناك الوثائق التي لها علاقة مباشرة بالتسيير، وأخرى ذات طابع ثانوي أي لها دور تكميلي في تنوير إرادة المساهم
إذن فما هي مظاهر القصور التي تشوب هذه الوثائق؟
الفقرة الأولى: محدودية المعلومة على مستوى الوثائق الرئيسية في التسيير
نقتصر على الوثائق التي لها علاقة مباشرة ورئيسية بالتسيير، والتي تتمثل في تقرير جهاز التسيير وتقرير مراقبي الحسابات
و قبل معرفة مظاهر القصور على مستوى هذه الوثائق، نرى التطرق للنقاش الفقهي بشأن مدى إلزامية اطلاع المساهمين على الوثائق التي لم يشر إليها القانون
أولا ـ مدى إلزامية اطلاع المساهمين على الوثائق التي لم يشر إليها القانون
فبعض الفقه يقر بعدم جواز منع المساهمين من الاطلاع على الوثائق والمعلومات الأخرى من غير تلك التي حددها القانون، لأن القول بغير ذلك فيه إضرار بمصلحة الشركة، ما دام أن الهدف من المعلومة التي تمدها الشركة للمساهم هو معرفة هذا الأخير بوضع الشركة، بحيث تنير له طريق مناقشة القرارات المطروحة على الجمعية العامة
غير أن هذا الفقه يدخل قيدا على ذلك يتعلق بالمعلومة التي قد ينتج عن كشفها إلحاق الضرر بمصالح الشركة، حيث يرى أنه يجب القول بجواز حجبها عن المساهمين، وهو تقييد تبرره المصلحة الجماعية، وإن كان يصب في محدودية رقابة الشركة
ويرى اتجاه مخالف أنه يجب توسيع نطاق المعلومة المسموح الاطلاع عليها من قبل المساهمين، إعمالا لمبدأ الشفافية والديمقراطية الذي يجب أن يحكم تسيير شركة المساهمة. ومن الضروري الاعتراف للمساهمين بحق الاطلاع فيما يتجاوز ما هو محدد قانونا، إذ لا ينبغي فهم تدخل المشرع على أنه تحديد لحق الاطلاع، وإنما تنظيم لطرق الاطلاع، فالمشرع إذ حدد الوثائق التي يجب تمكين المساهمين من الاطلاع عليها، فذلك على سبيل المثال وليس الحصر. والقول بخلاف ذلك يحد من رقابة المساهمين على الشركة
ونحن نؤيد الاتجاه الثاني الذي يقول بأن الوثائق المحددة من طرف المشرع المغربي، هي على سبيل المثال وليس الحصر
ثانيا ـ مظاهر القصور على مستوى الوثائق المنصوص عليها قانونا
الإشكال الآخر الذي يطرح على مستوى نطاق حق الاطلاع، يتعلق بالوثائق والمعلومات المتعلقة بالتسيير التي سمح المشرع بالاطلاع عليها هل تحقق الشفافية المتطلبة لاتخاذ القرارات الصائبة؟. وهذا يستوجب منا التوقف عند الوثائق التي يشوبها القصور
1 ـ تقرير جهاز التسيير
لقد نص المشرع المغربي في المادة 141 ق.ش. (البند 5 من الفقرة الأولى) على أنه يحق لكل مساهم، ابتداء من دعوة الجمعية العامة العادية السنوية، وعلى الأقل خلال الخمسة عشر يوما السابقة لتاريخ الاجتماع، الإطلاع بنفسه في المقر الاجتماعي للشركة على تقرير التسيير لمجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية المعروض على أنظار الجمعية، و إن اقتضى الحال، ملاحظات مجلس الرقابة
فعلى مجلس الإدارة الجماعية أو مجلس الإدارة أن يقدم تقريرا يتعلق بالتسيير للجمعية العامة السنوية لأجل المصادقة عليه، لأن هذا التقرير من الوثائق التي تهدف إلى منح المساهمين غير المسيرين آلية فعالة لتقدير وتقويم سياسة التسيير الذي سلكها جهاز التسيير خلال السنة الماضية
وقد أوجبت المادة 142 أن يتضمن تقرير التسيير كل عناصر المعلومات ذات الفائدة بالنسبة للمساهمين، وذلك حتى يتسنى لهم تقييم نشاط الشركة خلال السنة المالية المنصرمة و العمليات المنجزة والصعوبات التي اعترضتها والنتائج التي حصلت عليها ومكونات الناتج القابل للتوزيع واقتراح تخصيص ذلك الناتج والوضعية المالية للشركة وآفاقها المستقبلية
وإذا كان المشرع المغربي قد أخذ مجمل المقتضيات التشريعية والتنظيمية لنطاق المعلومة عن القانون الفرنسي سواء من خلال قانون 1966 أو من خلال توصيات لجنة آليات البورصة، فإن ما يعاب عليه هو الصياغة المعيبة للمادة 142 ق ش م التي أقحمت عبارة بعيدة عن الضبط التقني للتقرير السنوي، حين أشارت إلى “كل عناصر المعلومات ذات الفائدة بالنسبة للمساهمين” مما جعل البعض ينعتها بالعبارة الشاذة، لأنها تفتح الباب على مصراعيه أمام المسيرين لكي يتخذوها ذريعة للاختباء وراءها لتقزيم الحق في الإعلام الذي من المفترض أن يعمل المشرع المغربي على تحصينه، من خلال الضبط التقني للتقرير السنوي، خصوصا إذا علمنا أن تقرير التسيير يجب أن يتم بالشمولية والدقة والشفافية
2 ـ تقرير الحسابات
يعد تقرير مراقبي الحسابات من أهم الوثائق التي لها أهمية في معرفة حقائق التسيير رغم اتسامه بالطبيعة التقنية والحسابية
وحاصل القول أن هذه الوثيقة ذات طابع مزدوج، فهي لها وظيفة رقابية في الأصل، ووظيفة إعلامية لبعض المساهمين، لهذا فرض المشرع بعض الشكليات عند إعداد هذا التقرير المقدم للجمعية العامة، والغاية منها إضفاء صبغة :الشفافية على هذه الوثيقة
كما يبدو لنا أن تقرير مراقبي الحسابات ليس كافيا لتحقيق الإعلام الجيد بل هناك تقارير أخرى، أحسن المشرع المغربي صنعا عند تنصيصه عليها، والمقصود هنا تقرير مراقب أو مراقبي الحسابات السنوي المتعلق بمحاسبة الشركة المعروض على أنظار الجمعية العامة المنصوص عليه في الفقرة السادسة من المادة 141 من القانون رقم 17.95، والتقرير الخاص لمراقب أو مراقبي الحسابات المتعلق بكل اتفاق بين الشركة وأحد متصرفيها أو مديريها العامين المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 58
غير أن المعلومات المتضمنة في تقرير مراقبي الحسابات تبقى جافة نتيجة تأسيسها على تقرير التسيير الذي يقدمه المجلس الإداري أو مجلس الإدارة الجماعية
كما نلاحظ أن هذه التقارير المنجزة ذات طبيعة تقنية ومالية يغيب عنها التدقيق والتمحيص لبعض المعلومات، وهذا يتعارض مع الغاية التي يسعى إليها المساهم وهي الحصول على المعلومة الكافية المعبرة عن الوضع الحقيقي للشركة
الفقرة الثانية: الوثائق التكميلية لعملية التسيير
راهن المشرع المغربي من خلال بعض المقتضيات على إيجاد منظومة إعلامية كفيلة بإشراك المساهم في رقابة فعالة، ويتجسد هذا من خلال التنصيص على بعض الوثائق التكميلية التي لا يمكن الاستغناء عنها، لكن الإشكال هو مدى كفاية هذه الوثائق لتحقيق الإعلام الكافي للمساهم؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل نشير أننا سنقتصر على وثيقتين أساسيتين هما ورقة الحضور ثم محضر الجلسة باعتبارهما من أهم الوثائق التي يجب تسهيل الإطلاع عليها بسهولة من طرف المساهم في شركة المساهمة
:1ـ ورقة الحضور
إن لورقة الحضور أهمية مزدوجة، فمن جهة هي تعد مصدرا من مصادر الاستعلام، ومن جهة ثانية تمكن المساهمين والحاضرين والمشاركين من معرفة عدد الأسهم التي يملكونها سواء بصفة أصلية أو بالنيابة. وكذلك هي تسمح بالتعرف على مدى اكتمال النصاب، فهي تضمن الشفافية ونزاهة التصويت، وهذا ما جعل المشرع المغربي يخصها بنوع من التنظيم، كما فعل نظيره الفرنسي
:غير أن شكليات اطلاع المساهم على ورقة الحضور يشوبها بعض النواقص تتجلى فيما يلي
أن ورقة الحضور لا تنتج أثرها إلا بعد المصادقة والتوقيع عليها من مكتب الجمعية الذي يأذن بصدقيتها ومطابقتها لواقع الحال، وبالتالي يطرح التساؤل حول التدبير العقلاني لهذه الورقة. حيث ذهب بعض الفقه، إلى استحضار إكراهات تدبير هذه الورقة حتى يتمكن عدد كبير من الاطلاع عليها، و دعا إلى تبسيط إجراءات إنجازها من خلال التنصيص فقط على أسماء وموطن وعدد أسهم الحاضرين بالأصالة أو الإنابة، و نحن نؤيد هذا الرأي لتكريسه لمبدأ الشفافية وتسهيل الإطلاع عليها
ففي اعتقادنا كلما طغى الجانب الشكلي إلا وساد الاطمئنان في نفوس المساهمين، لهذا حبذا لو وضعت الاستمارة وفق متطلبات المساهمين بحيث تحتوي على جميع البيانات لأن الجانب الشكلي لهذه الوثيقة مهم جدا بالنسبة للمساهمين
وبالإضافة إلى ذلك، نلاحظ وجود فراغ تشريعي بخصوص التأطير القانوني لبعض المستجدات الجديدة التي طرأت على قانون شركة المساهمة وعلى سبيل المثال التصويت بالوسائل الحديثة، لذلك يقتضي الأمر مزاوجة الشكل المادي التقليدي لهذه الورقة بالوسائط الجديدة حتى تتماشى مع أنماط التصويت السالفة الذكر، وتسهيل المأمورية لكل من يتعذر عليه الحضور
ـ محضر الجلسة2
لقد استلزم المشرع تمكين المساهم من الاطلاع على محضر اجتماع الجمعية العامة حتى يتأكد المساهم أن إرادة الجمعية العامة حقيقية وتعبر بصورة صادقة عن إرادة الشركة. ويعتبر ذلك المحضر وثيقة أساسية للقيام بهذه المراقبة، إذ بواسطته يتمكن المساهم من التعرف على ما جرى داخل الاجتماعات والمداولات وبالتالي التأكد من صحة قرارات الجموع العامة، كوثيقة إثبات على كل وقائع المداولة
ولما راهن القانون المنظم لشركات المساهمة على إبراز الدور الرقابي للمساهم، وحتى لا يكون دوره وهميا وصوريا فإن المادة 136 من ق ش م في فقرتها الثانية تولت تحديد شكل محضر الجلسة، على نحو يجعل تلك الوثيقة تتمتع بقيمة قانونية وبدلالات عميقة من حيث مضمونها، لكننا نلاحظ أن المشرع المغربي جاء ببعض البيانات المحددة لشكل محضر الجلسة إذا توفرت اعتبرت الوثيقة صحيحة
وفي رأينا أن هذا الشكل غير كافي لتوفير إعلام حقيقي، وإيصال المعلومة الكافية للمساهم، فعلى سبيل المثال التوصية المعروضة على التصويت يجهل المساهم مضمونها، وعدد الأسهم التي صوتت عليها، والرأسمال الاجتماعي لهذه الأصوات، ونوعية هذه الأصوات هل هي صحيحة أو غير صحيحة. فكل هذه البيانات يجب تمكين المساهم من معرفتها
وحاصل القول أنه يجب التوجه نحو توسيع نطاق ورقة الحضور حتى تتمكن من تكريس مبدأ الشفافية خلال محطة الجمعية العامة، والتي تعد من المحطات الجوهرية في التسيير، وبالإضافة إلى ذلك فإن اعتراف القانون من خلال قانون رقم 05-20 بتداول الجمعية عبر الصوت والصورة أو بالوسائل المماثلة كان يجب أن يستحضره تعديل المادة 136 من قانون الشركات رقم 17/95 بما يستوعب هذا النمط الجديد من المشاركة والتداول والتصويت في الجمعية العامة، بحيث يحق للمساهم الاطلاع والاستعلام على محاضر جلسات الجمعية العامة التي استعملت فيها هذه الوسائط الجديدة والاطلاع عليها
المطلب الثاني: محدودية المعلومة على مستوى وسائل الإعلام
لقد عمل المشرع المغربي على إيجاد قواعد وضوابط كفيلة بتنظيم وسائل الإعلام المتاحة للمساهمين، لكن مع التغيرات التي طرأت على واقع شركة المساهمة نتيجة اكتساح الوسائل الحديثة لمجال الشركات التقليدية المؤطرة من طرف التشريع المغربي، أصبح يطرح إشكال حول محدودية هذه الوسائل في تفعيل حق الإعلام بوجه يخدم مصلحة المساهمين
فما هي مظاهر عدم استجابة هذه الوسائل لمتطلبات المساهم على هذا المستوى
الفقرة الأولى: غياب الوسائل الحديثة للإعلام
لقد اكتسحت هذه الوسائل كل المجالات، لذا أصبحت من بين الأسس التي يعتمد عليها في العمل نتيجة لدورها ووظيفتها، ولاسيما مجال الشركات حيث نلاحظ أن خصوصيات هذه الوسائل تتماشى مع خصوصيات التجارة، من حيث السرعة والدقة
فحسب رأينا فإن مجال الاتصالات الحديثة يجب أن يستثمر في هذا المجال لأن نظام الإعلام في قانون الشركات في حاجة ماسة إلى هذه الوسائل نظرا لخصوصيتها التي تتماشى مع حاجيات المساهمين
لهذا يمكن القول أن غياب الوسائل الحديثة بطريقة كلية أو شبه كلية خلال إعمال آليات الإعلام يصعب نظام الرقابة الفردية من حيث سرعة تلقي المعلومة ودقة مضمونها
وبناء على هذا فإن إقحام الوسائل الحديثة، في بعض آليات الإعلام مسألة فرضها الواقع الاقتصادي، ونعطي بعض الأمثلة من أجل توضيح الفكرة السالفة الذكر، مع إبراز أهمية هذه الوسائل
فعلى مستوى الإرسال
فلتفادي صعوبات التنقل وربح الوقت يستلزم أن يكون إرسال بعض الوثائق إما عن طريق الانترنت أو الفاكس، مادام المشرع المغربي حاول الارتقاء بهذه الوسائل من ناحية قيمتها القانونية في ق.ل.ع
لهذا فإن مبرر إقحام هذه الوسائل في آلية الإرسال يضفي نوع من الجودة على الوظيفة التي يقوم بها الإرسال على مستوى إعلام المساهمين
وتبعا لذلك تعد خاصية السرعة من أهم الخصائص التي يجب إبرازها على هذا المستوى فتمكن من التوظيف السليم والجيد لآلية الإرسال وبالتالي ينعكس إيجابيا على الغاية التي يرغب فيها المساهمون
2ـ على مستوى النشر
تعد آلية النشر من أهم الآليات التي يستفيد منها المساهمون، من خلال إعمال الرقابة الفردية وخصوصا على مستوى الشركات المنتجة ذات العدد الهائل للمساهمين نتيجة عدم تمكن المساهم غير المسير من الاطلاع على الوثائق أو الحصول عليها في حالة إرسالها من طرف الشركة، لذا يتم اللجوء إلى آلية النشر بالمجلات أو الصحف المتخصصة في ذلك من أجل توسيع نطاق الإعلام
إن اتساع قاعدة المنتمين إلى شركة المساهمة، سواء تلك التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها أو تلك التي لها أسهم مسعرة في بورصة القيم، حتم ملاءمة طرق نشر المعلومات لتستجيب لخصوصية هاتين الشركتين. على خلاف الشركة المنغلقة على مجرد مساهمها والتي يمكن إعتبار قواعد الإعلام الخاصة بهم ،كما نظمها الباب الأول من القسم الخامس 17-95 كافية لتمكنهم من المعلومة. عكس الشركات التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب أو التي لها أسهم مسعرة والتي خصها المشرع بنظام للإعلان يتماشى مع خصوصيتها، ويتضح ذلك من خلال المادة رقم 156 من القانون 17-95
كما أن الإعلام الخاص بشركات المساهمة التي تدعو الجمهور للاكتتاب في أسهمها لا يساعد على تمكين المساهم من إعلام واضح في الزمان لمواكبة تسيير الشركة ولحماية حقوقه المالية نظرا لعدم إقبال المساهمين غير المسيرين على شراء المجلات القانونية المتخصصة وجرائد مخول لها نشر الإعلانات القانونية، لذلك حبذا لو تم تجسيد هذا النوع من الإعلام باستعمال الوسائل الحديثة المتمثلة في النشر عبر المجالات الإلكترونية المشهورة أو المواقع الإلكترونية بالانترنت ما دامت هذه الأخيرة لها دور جد مهم في حياة الإنسان
وإذا كان الإعلام المتعلق بهذا النوع من الشركات يتسم بخاصية التوجه للجمهور، فإنه يستلزم من آلية الإشهار الاختيار الأنسب الذي يتماشى مع طبيعة البنية التكوينية لقاعدة المساهمين، وبالتالي أصبح من الضروري الاعتماد على الانترنيت كوسيلة فعالة، وسريعة، تضمن الانتشار الأوسع للمعلومة، وهو ما يتماشى مع مجال الأعمال بصفة عامة وقانون الشركات بصفة خاصة
الفقرة الثانية: عدم استجابة وسائل الإعلام لمتطلبات المساهم
لقد أفرز الواقع العملي تغيرات جد مهمة أضعفت من الوظيفة الإعلامية لوسائل الإعلام، لهذا وحتى يتم إشراك المساهم في حياة الشركة وتتبع شؤونها بشكل من الفعالية، يجب الاستجابة لمتطلباته على مستوى الإعلام، أخذا :بالاعتبار الإكراهات التالية
أولا: العامل الزمني
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 141 من ق.ش.م.م رقم 17/95 ” يحق لكل مساهما ابتداء من دعوة الجمعية العامة العادية السنوية وعلى الأقل خلال الخمسة عشر يوما السابقة لتاريخ الاجتماع، الاطلاع بنفسه في المقر الاجتماعي للشركة..” نجد أن العامل الزمني من أهم المعطيات التي يجب أخذها بعين الاعتبار خصوصا في مجال الأعمال بصفة عامة، ومجال الشركات بصفة خاصة. لهذا فالآجال المحددة للإطلاع على الوثائق قبل انعقاد الجمعية العامة، والمتمثلة في 15 يوما، فهي مدة قصيرة إذا نظرنا إليها من زاوية طبيعة الوثائق، التي تتسم مجموعة منها بطبيعة تقنية معقدة تستلزم منح المساهم الوقت الكافي من أجل دراستها من جهة، وتهييء ردوده عليها، وعند الضرورة، مقترحاته بشأنها ومن جهة أخرى لكثرة الوثائق في حالة الشركات التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب ومن خلال هذه العوامل تتضح أهمية العامل الزمني بالنسبة لمؤسسة الاطلاع والإعلام بصفة عامة
وحاصل القول أن الغاية الجوهرية من الإعلام في شركة المساهمة تتحدد في تمكين المساهم من معرفة حقيقة وضع الشركة، وكيفية الحصول على قدر كافي من المعلومات تؤهله لتفعيل دوره الرقابي
:ثانيا: العامل الكيفي
إن العامل الكيفي، المتمثل في طرق وكيفية الحصول على المعلومة، يعد من الركائز الأساسية لضمان إعلام كاف للمساهم يمكنه من أداء دوره الرقابي، مما يستلزم إيجاد نظام مضبوط لأجل تسهيل الولوج إلى المعلومة، وحسن التعامل معها، وهذا ما جعل المشرع المغربي ينص في المادة 392 “يعاقب بغرامة من 8.000 إلى 40.000 درهم أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة مساهمة، الذين لم يضعوا رهن إشارة كل مساهم بالمقر الاجتماعي للشركة ” الوثائق المنصوص عليها قانونا. كما نصت المادة 390 من نفس القانون “يعاقب بغرامة من 6.000 إلى 30.000 درهم رئيس شركة المساهمة الذي لم يطلع المساهمين وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون، على المعلومات اللازمة من أجل عقد الجمعيات” فالمشرع المغربي سعى قدر الإمكان إلى إيجاد ضوابط قانونية من أجل تنفيذ التزامات المسيرين تجاه المساهمين، وهذا ما جعل إقحام آلية زجرية في مثل هذه إخلالات من أجل دعم الجزاء المدني، لكن رغم ذلك يبقى تفعيل هذه المقتضيات على مستوى أرض الواقع ضئيل في واقع شركات المساهمة في المغرب للأسباب التالية:
أ- الثقافة السائدة لدى المتصرفين الذين يعتقدون أن اقتسام المعلومة مع المساهمين يؤدي إلى إضعاف مراكزهم كمسيرين. كما أن تخوفهم من المساءلة يدفعهم إلى حجب الوثائق عن المساهمين تخوفا من استعمالها ضدهم
غياب الدور الإرشادي للمتصرفين، من حيث الإحجام عن مد يد المساعدة للمساهمين في فهم الوثائق، واستيعاب مضامينها، خاصة أن البعض منها يتسم بطابع تقني ليس في متناول الجميع، لذلك كان من الأولى التعامل مع الشركة كالأسرة الواحدة يسودها التعاون والتواصل
ثالثا :العامل القيمي
ونقصد به قيمة المعلومة من حيث دورها في تنوير المساهم، فاعتمادا على هذا العامل، المعلومة التي تثير مشكلا على مستوى كفاءة الإعلام في الشركة هي المعلومة الناقصة أو الكاذبة
المعلومة الكاذبة
لقد نص المشرع المغربي في المادة 405 من قانون ش.م. رقم 17/95 أن “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ،كل مراقب للحسابات قدم وأكد عن قصد إما باسمه الخاص أو بصفته شريكا في شركة لمراقبة الحسابات ، معلومات كاذبة بشأن وضع الشركة وكذا إعلامه لأجهزة الإدارة أو التدبير التسيير بكل الأفعال التي بلغت إلى علمه أثناء مزاولة مهامه وبدا أنها تكتسي صبغة جرمية” ففي بعض الأحيان يتم الإدلاء بوثائق للمساهم لا تعبر عن حقيقة وضع الشركة، مما يوقع المساهم في غبن من ناحية المعلومة التي يرغب في الوصول إليها، تتجسد في عدم مطابقة ما هو موجود في الوثائق مع ما حصل في الواقع. كما نتساءل عن المقصود بالمعلومات الكاذبة ومقصود بها ليس كل “المعلومات” التي تتعلق بالمعلومات المالية والمحاسبية المتعلقة بالشركة بل جميع المعلومات التي لها علاقة بحياة الشركة .أما إذا حصرنا مفهوم المعلومة في الشق المالي والمحاسبي فهذا يضيق من نطاق متابعة مراقبي الحسابات ويعطي مبررا لإخفاء بعض الحقائق المتعلقة بتسيير الشركة
المعلومة الناقصة
ينص المشرع المغربي في المادة 384 من ق.ش.م.م على أنه “يعاقب بعقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 10.000 إلى 1.000.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ،أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة مساهمة :الذين قاموا عن قصد، ولو في حالة عدم توزيع أرباح وبغية إخفاء وضع الشركة الحقيقي، بنشر أو تقديم قوائم تركيبية سنوية للمساهمين لا تعطي صورة صادقة للنتائج المحققة برسم سنة مالية والوضعية المالية للشركة وذمتها المالية عند انتهاء تلك الفترة “
تتجسد المعلومة الناقصة في عدم توفر الوثيقة على كفاية كاملة، من أجل تنوير المساهم حول حقيقة وضع الشركة
والنقص الذي يرد على المعلومة يكون على مستويين إما على مستوى المضمون الذي تعبر عنه الوثيقة، أو على مستوى غياب بعض البيانات اللازمة
أ- فالنقص الراجع لمضمون الوثيقة، نقصد به الغموض الذي يلف بها أو يظهر نتيجة عدم انسجام البيانات، مما يضعف قيمة المعلومة ومدى استيعابها من المساهم
والنقص الراجع إلى غياب أحد البيانات بمحض الصدفة أو عن قصد، فيحدث تأثيرا كبيرا على قيمة المعلومة من حيث كفايتها في توجيه المساهم وتنوير إرادته
بقلم ذ عبد الحق العمرتي
باحث في مجال منازعات الأعمال
اترك تعليقاً