البعد الحمائي في قانون حماية المستهلك
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
من إعداد : الدكتور زهير بونعايمية أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بفاس.
يعكس قانون حماية المستهلك تحولا في العقيدة التشريعية الليبرالية التي كان و إلى وقت قريب يتميز بها المشرع الفرنسي ومن سار على نهجه من التشريعات الحديثة، بيان ذلك أن القانون الفرنسي و خلافا للفقه الإسلامي الذي كان مهجوسا بحماية المال كأحد القيم الخمسة المرعية في الشريعة الإسلامية، والتي أطرت المجهود الاجتهادي للفقهاء المسلمين، كان أحرص ما يكون على حماية الإرادة متى تعلق الأمر بعلاقة تعاقدية، فما كان يهم المشرع بفرنسا هو التعبير عن إرادة صريحة و سليمة من جانب المتعاقد سواء تحقق التوازن الاقتصادي أو لم يتحقق[2].
و إذا كان اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك ظاهرة حديثة نسبيا، فإن تفسيرها يكمن في وجود مقاولات قوية في مواجهة المستهلك الضعيف، فبالأمس كان القانون الوضعي يعتبر المستهلك فردا حرا أهلا للتعاقد, وكمبدأ دستوري كانت المساواة تؤطر التفاوض العقدي، وكابن بار للثورة فإن نموذج رب الأسرة الصالح المعروف في القانون المدني هو مثال للشخص المسؤول وللمتعاقد الحذر، لكن مع حركة التصنيع وتزايد العرض والطلب والتطور الاقتصادي ظهر عكس المبادئ التي كان يعتقد بصحتها[3]. وبالتالي تبين أن المبادئ الفلسفية التي قام عليها مبدأ سلطان الإرادة كانت مجرد أوهام عصفت بها التطورات الاقتصادية والاجتماعية، حيث غدت نظرية الالتزام التقليدية عاجزة عن مواكبة الواقع التي أصبح فيه المهني يفرض شروطه العقدية على المتعاقد الآخر[4].
وبناء عليه تغيرت المبادئ التي كانت تؤطر العلاقات التعاقدية وتبدل مآل المستهلك وتطور تدريجيا، فبعدما كان المشتري مدعوا إلى توخي الحذر وإلى الاستعلام والاستفسار بناء على حس فضولي يحركه، صار البائع ملزما بأن يكون شريفا وصادقا. وظهر مبدأ المساواة على مستوى الالتزام بواجب الإعلام المقرر قانونا وقضاء أيضا، كما برز على مستوى التفكير في جدوى إبرام العقد من خلال التمكين من مهلة للتدبر، وكذا جدوى الإبقاء على العلاقة التعاقدية من خلال إقرار مهلة التراجع[5].
و بالتالي صار بعض الفقه يتحدث عن إحلال فكرة نية التعاقد محل فكرة تضارب المصالح التي الاتفاقات العقدية، وتقتضي نية التعاقد ليس فقط الرغبة في إبرام العقد بل أيضا الحرص على حفظ العلاقة التعاقدية وتنفيذ بنود العقد بحسن نية، مع وجود حد أدنى من تقاطع المصالح في خدمة عمل أو شيء مشترك، وهذا المقتضى يسمح بمعاقبة التعسف والتصرفات غير المشروعة في إبرام العقد وفي تنفيذه أيضا.
بيد أن قانون حماية المستهلك يظل مع ذلك ومن حيث حرصه على حماية الطرف الضعيف، في اتصال مع قواعد القانون المدني التي لا تتجاهل الهاجس الحمائي في علاقات الحرفاء بغيرهم، وإن كان قانون حماية المستهلك يقترح في أدبياته وتقنياته نموذجا مغايرا للالتزام، الذي يصير عبارة عن علاقة قانونية ذات أبعاد ثلاثة إذا أضفنا إلى المهني والمستهلك مختلف الهيئات التي تم خلقها بغية الدفاع عن حقوق المستهلكين[6].
ويبدو من خلال قانون حماية المستهلك الذي سار فيه المشرع المغربي على هدي المشرع الفرنسي، أن المستهلك الذي قيل عنه أنه ملك مجتمع الاستهلاك والذي صار عبدا له في نفس الوقت[7]، والذي يعتبر محور وعماد بل هو معيار إقرار البعد الحمائي الذي جاء به القانون، صعب التحديد كمفهوم وكحد لإعمال الحماية القانونية[8].
ومع ذلك يظل المستهلك كما تم تقديمه في التشريع مكرسا لفكرة الاستغناء عن المفهوم المجرد للمتعاقد، وبالنتيجة فهو قد طرح قيد التمحيص افتراض أو أسطورة المساواة بين طرفي العقد[9].
إن هدف قانون حماية المستهلك كما تم تصويره ليس ترجيح مصالح فئة اجتماعية على مصالح فئة أخرى، بل إعادة إقامة التوازن العقدي خلال التعاطي لوظيفة اقتصادية معينة هي وظيفة الاستهلاك، وهذا ما استدعى تمييز العقود ليس بحسب محلها، بل بحسب الغاية الاقتصادية التي يرومها أطرافها مع أفراد بعضها بتنظيم مستقل[10].
ولعل هذا ما جعل قانون حماية المستهلك يجري مسحا لجميع التخصصات القانونية، ما يجعله يقلب التصنيفات التقليدية للتخصصات القانونية التي تقوم على أساس طبيعة القاعدة محل الدراسة/ حيث وجد بجانبها تصنيف معاصر يرتكز على وظيفة القواعد[11].
ومع ذلك تنبغي الإشارة إلى أن مفهوم المستهلك قد تم تقديمه في القانون كمقابل، دونما إشارة صريحة إلى هذا المصطلح الأخير بغية استثنائه، فالمستهلك هو غير المهني[12]، لكن هل يفيد هذا أن المهني لا يمكن أن يصير وبصفته تلك وفي حالات خاصة مستهلكا مشمولا بهذه الحماية؟
بالمقابل هل يبدو المستهلك، وهذه المرة بإعمال على التشريع وغايته مفهوما حصينا ومتجانسا لا يمكن اختراقه، بتعبير آخر هل الاستعمال الشخصي وغير المهني كاف ليستحق الشخص الحماية دونما انتباه إلى وضعه الخاص الذي يمكن وفي حالات خاصة أن يخرجه عن دائرة الحماية الخاصة باعتبار كفاءاته وخبراته التي تقربه من المهني.؟
بتعبير آخر إذا كانت الهشاشة أو الضعف أو انعدام الخبرة أساس إفراد المستهلك بالحماية، وكانت وضعية المهني التي تتيح له من الخبرات والتجارب ووسائل تحصيل المعلومة ما لا يتاح لغيره سببا في اكتفائه بالحماية التي توفرها القواعد العامة أو الخاصة للعقود، فإن التسييج الدوغمائي الذي يحاول بعض الفقه أن يحصن به قانون حماية المستهلك انتصارا لعقيدة حمائية ما، يبدو مغرقا في التطرف إلى الحد الذي يحيد بالتشريع عن غايته وعن أهدافه.
من هنا يبدو توجه إسهامنا المتواضع في هذه النقطة واضحا، إذ يستهدف من جهة إبراز أن الحماية المطلقة والتي تتخذ الهشاشة معيارا لها تبدو غير واقعية في حالات خاصة، لمستهلكين في أوضاع خاصة. آية ذلك أن الإفراط في الحماية هو مصدر من جهة للإخلاء من المسؤولية، ومن جهة ثانية تقديم طرف معين في صورة الضحية الأبدية[13]، لا لشيء إلا لأنه يحمل يافطة كتب عليها مستهلك.
وإذا كنا لا نروم حرمان المستهلك ذي الخبرة والكفاءة من الحمارة حتى لا نقف في مواجهة مع أحكام صريحة للتشريع، وهي مواجهة يشفق منها الباحث بطبيعة الحال، فإننا نكتفي بأن نندفع خارج حرم النص ونحوم في غير مداره، إذ نثبت أن هذا القانون قد يفرط أحيانا في الحماية نتيجة افتراض الهشاشة في المستهلك بناء على قرينة قاطعة، فهو يحرم المهني المتواجد في أوضاع خاصة من الحماية إذا لم يتح له إثبات هشاشة وضعه القانوني أو الاقتصادي، أو الواقعي بكل بساطة. فتمديد مفهوم المستهلك إلى مهن خاصة يجب أن يعلل بوجود حالات ضعف اقتصادي، خارج إطار القطيعة التشريعية والفقهية بين المستهلك والمهني[14].
وبالتالي يطرح التساؤل حول إمكانية إثبات عكس قرينة الضعف التي ألصقت بالمستهلك، (عنصر أول) لكنه يطرح وبشكل أشد إلحاحا بخصوص إمكانية إثبات هشاشة المهني في اتجاه تمكينه من الحماية التي لم يستفد منها بناء على قرينة معاكسة (عنصر ثاني).
أولا : قرينة الهشاشة من خلال الحماية التشريعية للمستهلك
إن الحماية الخاصة التي أقرها المشرع لصالح فئات اجتماعية محددة مسألة نصادفها في مجموعة من النصوص القانونية المتفرقة التي لا ترقى إلى شمولية قانون حماية المستهلك، بيد إنها تشترك معه في الفلسفة التي قوامها الانتصار لجانب معين يقدم من خلال ظروفه الخاصة أو وضعه الاقتصادي أو الاجتماعي نذرا وإشارات إلى احتمال قوي لأن يكون ضحية أو متضررا دائما في علاقات اقتصادية أو قانونية ينسجها مع طرف أقوى. بيان ذلك أن الحرص على تحقيق الأمان القانوني والذي كان يحضر على مستوى آثار العقد وتحديدا قوته الملزمة انتقل إلى مرحلة إبرام العقد. وبالتالي تغير طبيعة الأمان المنشود فبعدما كانت ذات صبغة موضوعية في خدمة الطرف الأقوى أي الدائن، صارت بطبيعة ذاتية في خدمة الطرف الضعيف أي المدين المستقبلي، وبالتالي ارتد الأمر إلى تضييق لحرية الطرف الأقوى لتحقيق قد أكبر من المساواة العقدية[15].
وكمثال على هذه الحماية نشير إلى الحماية التي وفرتها الفصول من 4 إلى 13 من قانون الالتزامات والعقود للقاصر وناقص الأهلية، وتلك التي توفرها قواعد مدونة الشغل لصالح الأجير في علاقات الشغل الفردية أو الجماعية التي ينظمها. إذ تتضمن المادة 9 الحقوق والحريات الأساسية ومنع التمييز ومنع السخرة م10، واجب الإعلام بخصوص اتفاقيات الشغل الجماعية والنظام الداخلي، ثم مواقيت العمل الراحة الأسبوعية وتوزيع أداء الأجر كما مواقيته، ثم مكان الأداء. مع تحديد الهيئة المؤمنة ضد الحوادث والأمراض المهنية… (المادة 24 من مدونة الشغل).
وكذلك الحماية التي توفرها مدونة التجارة لغير التاجر في علاقته مع التاجر بخصوص القواعد التي تحكم العلاقة الفردية من حيث الموضوع (المادة 4 من المدونة) أو من حيث الاختصاص القضائي (الخيار لغير التاجر ولا خيار للتاجر). هذه القاعدة الأخيرة التي تحمل في طياتها بعدا حمائيا استهلاكيا. كذلك الاحتجاج على التاجر بمحتوى محاسبته ولو لم تكن منتظمة (المادة 20 من مدونة التجارة) وبالصفة التجارية عند القيد في السجل التجاري (المادة 58) وكذلك القواعد المتصلة بصعوبات المقاولة التي تعفي الأجراء من التصريح بديونهم بعد افتتاح المساطر (المادة 686 من مدونة التجارة) هذا الامتياز الذي تحرم منه إدارة الضرائب ما يكرس حضور فكرة الهشاشة وإتاحة وسائل الخبرة والتجربة من عدمها. فضلا عن حماية الزوجة والأطفال في مدونة الأسرة.
ورغم ذلك يجب التنبيه بهذا الصدد إلى أن هذه الحماية تبقى متميزة عن حماية المستهلك من جهتين :
أنها حماية قررت من داخل النصوص القانونية التي تنظم علاقات قانونية محددة أو غير محددة.
أنها قررت لصالح فئة متجانسة تحتل مركزا قانونيا أو توصيفا قانونيا دائما ومستمرا، وهذا ما يكفل لهذه الحماية دوامها واستمرارها ما دامت الصفة أو المركز القانوني دائمتين.
وبخلاف ذلك يلاحظ أن الحماية التي تقررت لصالح المستهلك هي حماية لمن يقوم بوظيفة من المفترض أن الجميع يقوم بها خلال فترات محددة، ومرد هذا التباين إلى أن مفهوم المستهلك هو فكرة اقتصادية تعذر على القانوني فك ترميزها فعرفها بمفهوم المخالفة للمهني، فالمقابلة التشريعية لم تتم بين وظيفة ووظيفة بل بين وظيفة وهي الاستهلاك وبين صفة هي صفة المهني.
فالمستهلك ينتمي إلى فئة مرنة وانسيابية يمكن لأي فرد أن يتقمصها[16]، شرط ألا يكون بصدد ممارسة مهنته، وأن يكون بصدد تلبية حاجيات شخصية أو عائلية.
وهنا يطرح التساؤل هل الغاية الاقتصادية هي مناط الهشاشة فإذا كانت شخصية أو عائلية استحق الشخص الحماية، أما إذا كانت مهنية حرم من الحماية؟ أم إن علة الحماية هي هشاشة أحد الطرفين؟
لا نعتقد من جانبنا أن علة الحماية تكمن في الوظيفة الاقتصادية، لأن خدمة أغراض المقاولة أولى بالحماية من خدمة الأغراض الشخصية.
وإذا كانت الهشاشة علة إعمال الحماية برأينا المتواضع على الأقل، لأن المستهلك إنما استحق الحماية ليس لأنه يقع في منتهى الصيرورة الاقتصادية ، بل لأن قيامه بالاستهلاك يضعه في مركز اقتصادي وقانوني أدنى من المهني، ما يجعله لا يجيد الدفاع عن مصالحه بشكل كاف[17]، فقيامه بالاستهلاك قرينة على صفة الضعف والجهل والتواضع فيه.
وقد أشار “ريبير” إلى هذه الفكرة وإن لم يستخدم عبارة المستهلك التي لم تكن رائجة في إبانه، إذ يقول إنه ليس عدلا أن نعامل بكيفية متساوية المهني الذي حينما يتعاقد يقوم بتصرف يدخل في صميم اختصاصه حيث يعلم فحواه وأثره، مع الشخص الذي يتعامل معه بكل ثقة (…) و الذي لا يتوفر في العادة على الكفاءة الكافية ليناقش شروط العقد[18].
وما جعل إقرار الحماية القانونية لصالح المستهلك أمرا ضروريا هو توالي حالة الهشاشة التي يكون عليها كلما واجه مهنيا[19].
غير أن قرينة الضعف أو الهشاشة يجب أن تحتمل إثبات عكسها لحرمان من يقوم باقتناء أو استعمال منتوجات أو سلع أو خدمات معدة لاستخدامه الشخصي من الحماية.
إن الوضعية التي يحتلها المستهلك في منتهى سلسلة التوزيع ليست مريحة عموما، بيد أن حالة الهشاشة ليست القدر المحتوم، فليس هناك تلازما واقعيا دائما بين وظيفة الاستهلاك وفكرة المتعاقد الضعيف اقتصاديا[20].
لا شك أن التبشير بهذا التوجه وبالأحرى المحاماة عنه يبدو غير مقبول في ظل السياق والتشريعي الفقهي الراهن، مع الاستثناء بالنسبة لهذا الأخير، إلا أنه يستمد مشروعيته مع ذلك من حيث تسلحه بمنطق سليم قوامه أن مبدأ المساواة يقتضي الإخضاع لقواعد قانونية واحدة أشخاصا في أوضاع متشابهة.
إن قانون حماية المستهلك وبالصورة التي تم تقديم المستهلك والمهني بها داخل نصوصه، يبدو عليه نزعته نحو التنميط الذي لا يراعي خصوصية الأوضاع التي يتناولها، والتي تفرض أحيانا إبداع حلول خاصة انسجاما مع قواعد العدالة والإنصاف بل مع قواعد المنطق السليم. وانفتاحا على الفهم المتسم أحيانا بالجدة والابتكار[21].
بالمقابل يظهر أن القانون ومعه جانب من الفقه والقضاء نحى منحى شيطنة المهني مقابل تعميد المستهلك وفرض نوع من الكفارة الأبدية عليه. فالقانون وضع لحماية معشر المستهلكين الذين يقتنون أو يستعملون لتلبية حاجياتهم غير المهنية منتجات أو سلع أو خدمات معدة للاستعمال الشخصي العائلي، وبهذه الصفة فقط يستحق هؤلاء هبة تشريعية وفقهية وقضائية للدفاع عنهم، ضد من قد يقلون عنهم خبرة وتجربة بل وفي أحسن الأحوال يكونون معهم في نفس المركز القانوني.
وبهذا الصدد يكفي أن نشير إلى قرار صدر عن الغرفة المدنية لمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 3 أبريل 2007[22] ورد فيه أن الموثق ملزم بتقديم النصح لزبونه الموثق أيضا حول التداعيات الجبائية للعقد الذي تلقاه. ولقد ورد في حيثيات القرار ما يلي: “حيث إن الموثق ملزم مهنيا بإعلام وتبصير الأطراف حول المقتضيات الجبائية المترتبة عن العقود التي تلقاها، ولا يمكن إعفاؤه من واجب النص حيال زبونه باعتبار الكفاءات الشخصية لهذا الأخير.
وحيث إنه ولكي يصرح بأنه لم يلبث وجود أي خطأ من جانب الشركة المدنية المهنية للموثقين في ممارسة واجب النصح وبالتالي رد طلبات … فإن القرار اعتبر أن مناط النقد الموجه للحكم هو تجاهل حقيقة أن الطابع المطلب لواجب النصح الذي يتحمله الموثق تقابله معطيات النازلة المتصلة على وجه التحديد بصفة الموثق التي يحملها الطرفان المتعاقدان، واللذان طلبا من زميليهما إضفاء الطابع الرسمي على اتفاق أبرم بصفة نهائية بينهما، حيث قررا وبمناسبة تحرير عقد البيع، تبني الشروط المعتادة والمستعملة بالإحالة للطرق الواردة في… وأن الموثق الذي كان طيلة مساره المهني يقوم بتحرير عقود شراء، لا يحق له ادعاء جهل النتائج الجبائية للعملية وخصوصا طرق تحديد الثمن وعبء تحمل الضريبة على القيمة المضافة فإن محكمة الاستئناف خرقت بذلك نص المادة المشار إليه أعلاه”[23].
و في الواقع ورغم أن محكمة النقض شأنها شأن محاكم الموضوع وضعت النزاع في سياق القواعد العامة، وليس في إطار قواعد حماية المستهلك، فإنها تبنت العقيدة الحمائية ذاتها التي ترفع القلم عن المستهلك مقابل تحميل المهني أوزاره.
و بالتالي إذا كان يتعذر إيجاد تفسير لهذا التوجه غير الانتصار الأعمى لحقوق طرف على حساب طرف آخر إعمالا لمنطق مغلق وافتراض مطلق، مؤسسين على حقيقة غالبة وليست عامة، هي استفراد المهني بالمستهلك وفرضه شروطا مجحفة عليه نظرا لحالة الضعف أو الجهل التي تعتريه، فإن المضي بهذا المنطق إلى أبعد حد فيه من المغالاة ما لا يمكن أن يتقبله المنطق.
وإذا كنا سنجتهد في مقام آخر في اتجاه التأسيس لتمديد الحماية إلى المهني باعتبار حالة الضعف التي قد تطاله، فليس أقل من أن ننوه في هذا المقام إلى أن الحماية المطلقة للمستهلك قد لا تستقيم مع أبسط قواعد العدل والإنصاف.
هذا التوجه يبدو مرفوضا من قبل محكمة النقض الفرنسية في قرار أصدرته الغرفة المدنية بها بتاريخ 3 مايو 1988 ورد فيه أنه “ليس لقضاة الموضوع أن يبحثوا فيما إذا كان المشتري مستهلكا ذو تجربة أم لا، لأن هذا الشرط غير وارد في القانون”. ومرد ذلك السياج الدوغمائي الذي أحاط به المشرع فكرة حماية المستهلك، مع صرف النظر عن تعقيدات الواقع العملي التي تقتضي مراعاة الاستثناءات[24].
لقد دافع البعض عن فكرة إلغاء ظاهرة الحماية المكثفة أو الممتازة التي يحاط بها المستهلك، سيما إذا اعتبرنا أن مفهوم المستهلك هو بحد ذاته ليس قاعدة جوهرية بل مجرد قرينة بسيطة[25].
فإذا كان المستهلك وفي الغالب الأعم كما أشرنا إلى ذلك سابقا في وضعية ضعف حيال المهني، فإن القانون افترض ذلك، بيد انه لا شيء يمنع من الأخذ بعين الاعتبار لافتراضات يكون من خلالها المستهلك من خلال مداركه أو قوته المالية في وضعية ليست موسومة بالضعف في حالات خاصة[26].
والاستثناء هنا له ما يبرره، سيما إذا قارنا وضع المستهلك بوضع شخص آخر أولى بالحماية منه، ومع ذلك يزيح المشرع عنه هذه الحماية في حالات خاصة: فالمادة 6 من ق ل ع تجعل القاصر ملتزما في حدود النفع الذي جناه من الالتزام، ثم إن إرغاء الإذن بممارسة التجارة لوجود أسباب خطيرة لا يكون له أثر بالنسبة للصفقات التي شرع فيها القاصر (الفصل 8 من ظهير الالتزامات والعقود).
فضلا عن أن القاصر وناقص الأهلية يلتزمان بسبب تنفيذ الطرف الآخر التزامه، وفي حدود ما استخلصاه من التنفيذ (الفصل 9 من ظهير الالتزامات والعقود).
ففي مجموعة تصرفات وفي عدة أوضاع يكون المستهلك محميا بطريقة عامة ومجردة أكثر من القاصر[27]. وهذا الأمر ينظر إليه على أنه حماية مبالغ فيها من حيث إنها تقوم على قرينة غير قابلة للدحض، فعبثا يحاول المشرع الفرنسي ومن ينسج على منواله الوفاء لتصور نظري يقدمه على أنه منسجم، مع محاولة إدخال جميع التفاصيل العملية في دائرته المغلقة دونما اعتداد بالحالات الخاصة. لهذا قد يشكل تدخل القاضي أحيانا عنصرا ضروريا لحماية المستهلك، بما يمكن أن يضمن الانسجام والتجانس للمنظومة التشريعية[28].
ولقد تبنت محكمة « PAU » هذا التوجه حينما اعتبرت أن مستخدم البنك حتى وإن لم يكن قد تعاقد لتلبية حاجات مهنية، فقد كان بما يكفي على بينة وعلم ما يجعله لا يستحق الحماية القانونية[29].
من جهة ثانية يتعين أن يشكل قانون حماية المستهلك مصدر إلهام للقانون الشامل للالتزامات، حتى يتم تأمين ضرورة تحقق الأمان القانوني الذي يميز الفترة السابقة لإبرام العقد، وهذا ما تحقق فعلا إذ أن الفكر الاستهلاكوي « consomériste » طبع وألهم مجموعة من جوانب القانون الشامل للعقود، وتكفي الإشارة بهذا الصدد إلى الحق في الإعلام الذي غدا قيمة مرعية عامة تحت تأثير قانون حماية المستهلك[30].
إن قانون حماية المستهلك يبدو حديث النشأة، وبالتالي فالزخم العقدي والمفاهيمي بل والإعلامي الذي يقوم عليه لا زال في كامل قوته وصلابته، وذلك في انتظار إثبات الواقع العملي ما يمكن أن يبرر ترشيد الحماية المقررة للمستهلك، وفي انتظار ذلك يبدو أن تمديد الحماية إلى المهني أكثر واقعية وأشد إلحاحا في نفس الوقت.
ثانيا : إثبات الهشاشة من خلال الحماية القضائية للمهني
إن ما يؤسس قانون حماية المستهلك هو من جهة، الدونية الثقافية والفنية والاقتصادية لهذا الأخير، وهو ما يتم افتراضه كلما نسج هذا المستهلك علاقة مع المهني، ومن جهة ثانة عدم الكفاءة لإجراء مفاوضة عقدية، بيان ذلك أن قانون حماية المستهلك يقوم على مبدأ الشكلية مع إهمال مبدأ الرضائية[31].
ومع ذلك يبقى التساؤل مطروحا، لماذا نجح المهني في إثبات عدم الكفاءة بخصوص العقد الذي أبرمه إما بسبب علاقة التبعية التي تربطه بالطرف الآخر لحظة إبرام العقد، أو عدم القدرة على التفاوض داخل هذه العلاقة المطبوعة بعدم توازن القوى، لا يستفيد من الحماية التي توفرها قواعد حماية المستهلك، وإن كان بعض الفقه يشترط لذلك عدم وجود قواعد في القانون الشامل للالتزامات يمكن أن يلوذ بها المهني التابع أو المسيطر عليه؟[32]
في الواقع يعارض بعض الفقه أية إمكانية لتمديد قواعد حماية المستهلك إلى المهني على اعتبار أن التصور الواسع لمفهوم المستهلك يجعل حدود القانون غير واضحة بدقة، لأنه لمعرفة ما إذا كان المهني يتصرف أم لا داخل مجال اختصاصه، يجب التقصي عن كل حالة، مما يقود إلى نتائج احتمالية. والحال أن المتعاقدين بحاجة إلى معرفة مسبقة بالقانون الذي سيحكم أوضاعهم، فالمفهوم المحدد والدقيق يوفر الأمان القانوني الذي لا يوفره المفهوم الواسع[33].
ويرى هذا الفقه الاستعاضة عن ثنائية مختص وجاهل، بثنائية مهني ومستهلك تجنبا لحرمان المستهلك المجرب والعالم بالأصول من الحماية[34].
فلا يمكن اعتبار المهني الذي يتصرف خارج مجال اختصاصه مستهلكا، لأنه من شأن ذلك أن يخلق بدعة قانونية، لأن العقود التي يراد لها أن تخضع لنظام قانوني خاص إنما تعتبر عقودا تجارية بالتبعية. ويدلل هذا التوجه على فكرته بضرورة إبقاء كل كرف ضمن إطاره الخاص، بفكرة العقد المختلط في قانون التجارة الذي يمكن كلا من التاجر وغيره من البقاء في نظامه القانوني الخاص به[35].
ثم إن المفهوم الضيق للمستهلك يجب أن يفرض نفسه، لأن التوجه الطبيعي لجمعيات حماية المستهلك لا يستهدف حماية المهني حتى ولو تصرف خارج مجال نشاطه المعتاد، فالتناغم النسقي يجعل تدخل المشرع صعبا كلما هم بإقرار الاستثناءات[36].
فالدونية الاقتصادية التي تبرر حماية المستهلك تنبع من الغاية التي يروم تحقيقها والتي تميزه عن المهني، وهي إرضاء حاجياته الشخصية والعائلية[37].
فالحالات الاستثنائية أو الهامشية بالأحرى ليست بالأهمية الكافية أو بالاعتيادية التي يمكن أن تبرر قلب القواعد المبدئية التي تفيد دخول المستهلك في علاقة تميزها دونيته حيال المهني[38].
وإذا كان استبعاد المهني من مجال تطبيق القواعد الحمائية الواردة في قانون حماية المستهلك يعكس الرأي السائد الذي يوحد مجموع الفقه الاستهلاكوي[39]، فإن أصل الإشكال ينبع من الطابع المجرد للحماية التي أقامها قانون حماية المستهلك، فالعقيدة الاستهلاكوية تقوم على افتراض الهشاشة في المستهلك بمقتضى قرينة قاطعة، وافتراض القوة في المهني بمقتضى قرينة مشابهة، فطابع قرينة الهشاشة بجانب المستهلك هو ما يمنع إمكانية التمديد[40].
ثم إنه إذا تم الانتقال من المبادئ القانونية إلى التقنيات القانونية التي تساعد على تطبيقها، فإن قانون حماية المستهلك سوف يحتفظ بخصوصيته، يظهر ذلك من خلال الأفضلية المقررة لصالح الوسائل الوقائية والتصحيحية، ومن خلال المهمة المسندة إلى جهات خاصة، كما تتجلى الخصوصية في أدوار جمعيات حماية المستهلك، وفي مزج القانون المدني والجنائي، هذه الإجراءات التي يستأثر بها قانون حماية المستهلك تمنع حسب البعض تعميمه[41].
إن هذا التوجه ينتصر في حقيقته لتصور منسجم يرمي إلى إيجاد مفهوم موحد لمستهلك وإن كان انطلق من الوظيفة الاستهلاكية التي تضع المستهلك في غاية ومنتهى السلسة الاقتصادية[42]، ليخلص إلى اعتباره محتلا لمركز قانوني غير محدد المعالم.
فالمستهلك الشريف هو غير المهني الرجيم، والعصبية تجاه الأول ترتد إلى تعصب في مواجهة الثاني، ومن المستحسن الركون إلى تصور قانوني مغلق ومنسجم مع إحاطته بتسييج دوغمائي عوض التفاعل مع الضرورات العملية التي تستدعي علة إعمال القواعد القانونية، ما جعل الفقه الاستهلاكوي نزاعا إلى أن يجتهد ضمن معطيات خاصة دون أية رغبة في إخضاعها للنقض أو النقد وبالأحرى التقييم والتغيير، فهذا التصور لا يعقلن نفسه إلا بالقدر الذي يتوسل كممارسة منهجية بغض الطرف عن متطلبات الواقع المعيش
ولقد تبنت محكمة النقض الفرنسية هذا التوجه في القرار الذي أصدرته بتاريخ 15 مارس 2005 فقد اعتبرت قيام النقابة الإقليمية لمراقبة الألبان بإبرام العقد لم يكن ليتم لولا الصفة المهنية لهذه الأخيرة، وذلك دون اعتبار طبيعة العقد الذي كان يهم كراء أجهزة معلوميات مع خيار الشراء. حيث لا تتصل هذه العملية بنشاط النقابة ولا تربطها رابطة مباشرة بغرضها[43].
وفي قرار سابق صدر بتاريخ 15 أبريل 1986، اعتبرت الغرفة المدنية بمحكمة النقض أن المتعاقد الذي يتعاطى حرفة التأمين والذي أبرم عقدا لغاية إشهار مكتبه من طرف شركة مختصة، لا يستفيد من قانون 10 يناير 1978[44].
ويرى الفقيه الكبير « Ripert » أن الحماية العامة والمجردة لمجموعة من المتعاقدين ليس لها أية علاقة مع احترام الإرادة كما ارتضاها القانون المدني، فالأمر يتعلق بكل بساطة بحماية فئة خاصة من الأشخاص ضد فئة أخرى أقوى، وفي نظام ديمقراطي تنصرف الحماية مباشرة وبطبيعة الحال إلى الأضعف والأكثر عددا[45].
وإذا أردنا بناء تصورنا لحماية المهني الجاهل على إفادة “ريبير” فإننا نرى أن كون المستهلك لأغراض شخصية يشكل الفئة الغالبة ما يبرر إفراده بالحماية التشريعية، مع افتراض الهشاشة في جانبه. فإنه بالمقابل لن يضير القاضي تمديد الحماية إلى غيره ممن لا يشكلون الحالات الغالبة لكن شريطة إثبات الهشاشة من طرفهم.
في هذا الاتجاه يعتبر الفقيه « Guyon » أن المهني الذي يتصرف خارج مجال اختصاصه العادي يمكن أن يستفيد من الحماية المقررة لصالح المستهلكين[46].
إن هذا الرأي يجسد في واقع الأمر تيارا تضامنيا يريد أن يعيد إنشاء نظام تعاقدي اجتماعي تتقرر فيه الحماية لكل من أثبت حالة الضعف دونما تمييز بين مستهلك من جهة، أو مهني يتصرف خارج مجال تخصصه أو مهني في وضعية عدم توازن اقتصادي من جهة ثانية[47].
فقوانين حماية المستهلك شبيهة بمختبر للتجارب لتقنيات جديدة يجب أن ينطلق منها إنشاء قانون شامل جديد في اتصال مع قانون الالتزامات[48]. وذلك عوض اعتبار أن قانون حماية المستهلك تأسس ظاهريا ضد مبادئ القانون المدني حيث تتراجع القوة الملزمة للعقود[49]. أو اعتبار القوانين في سباق محموم يسعى من خلاله كل جانب إلى سد ثغرات الجانب الآخر[50].
واعتبار المهني شخصا ناقص الخبرة سيما حينما يتعاقد خارج إطار مهمته أو اختصاصه ليس أمرا مقتصرا على تفسير قواعد وضعت لحماية المستهلك، بل يتعين على القضاة التعاطي مع المفهوم الضيق للقانون الشامل للبيع لتحديد مجال الاختصاص المهني للشخص الذي يريد أن يقدم نفسه كمتعاقد جاهل بأصول المعاملة التي يجريها[51].
وبالمقابل، وإذا تم التوافق على توجه وسط يقوم على تمديد مفهوم المستهلك إلى المهني الجاهل، الذي ورغم أنه يتصرف بمناسبة ممارسة مهنته فإنه لا يتعاقد لتلبية حاجات متصلة بها، فإنه يتعين التمييز بحسب الأهمية الاقتصادية للمقاولة أو المهنة التي يمارسها، لأنه كلما كانت الوضعية في السوق مهمة، كلما استطاع الشخص أن يحمي مصالحه في أي تفاوض عقدي، إذ يتعزز احتمال توفر المقاولة على خبراء قانونيين لهم تكوين شامل[52].
فالتحليل الاقتصادي للعقد يساهم في تبرير الحرية التعاقدية وتوجيه السلوك عند ممارسة هذه الحرية نحو ما يفضي إلى تقليص تكاليف التبادل أو عدم الإضرار بالغير، وكذا تفسير النفع الذي ينبغي أن يتم في ضوئه تنفيذ العقد، وفي تبرير الحق في الامتناع عن تنفيذ العقد[53].
ولا يتأسس التمييز فقط على الوزن الاقتصادي في حد ذاته، بل أيضا على ما يمكن أن يتيحه من ولوج إلى العولمة التي تعد معبرا نحو امتلاك الوسائل القانونية والواقعية، عنينا الاقتصادية[54]. وبالتالي تحدث البعض عن وجود هوة بين الحرف ذاتها وذلك حسب القوة الاقتصادية لكل متعاقد[55]. فالمهني يتواجد في وضعية تفوق في علاقته بالمستهلك نظرا لافتراض توفره على مدارك تقنية ومعلومات متاحة وإمكانات مادية، وهدف قانون حماية المستهلك هو إعادة إقامة التوازن داخل العلاقة بين المهني والمستهلك بمنح المستهلك حقوقا تتيح له مواجهة قوة وامتيازات طبيعية للمهني[56].
وهذا ما دفع إلى افتراض الهشاشة في الطرف المستهلك، وافتراض التفوق في جانب المهني، وبالتالي إذا كانت قرينة الهشاشة تعمل باستمرار لصالح المستهلك، فليس أقل من إتاحة الفرصة للمهني لتقديم الدليل على عكس القرينة.
وتقوم القرينة على نقل موضوع الدليل بغية مراعاة المنطق أو احتمالية وجود رابط بين الواقعة المجهولة والواقعة المعلومة، فضلا عن ذلك يمكن أن تقوم القرينة على نقل عبء الإثبات لكي تأخذ بعين الاعتبار صعوبة إثبات مجموعة من الحقائق من جهة، ومن جهة ثانية تمكين الشخص المراد تمتيعه بامتياز من الاستفادة من عنصر الشك، وفي هاتين الفرضيتين، أي قرائن تقوم على نقل الموضوع وقرائن تقوم على نقل عبء الإثبات، يمكن الوصول إلى الحقيقة بإثبات العكس، هذه القرائي البسيطة يجب أن يستفيد منها المستهلك[57].
وبناء عليه يكون المهني الذي يتعامل في إطار مهنته مدعوا إلى إثبات عنصرين اثنين :
أولهما أنه يتصرف خارج مجال اختصاصه، وثانيهما ألا يتبوأ مركزا اقتصاديا يعطي الانطباع بوجوده في حالة أو وضعية مريحة اقتصاديا بما يخدم قدرته على التفاوض، وقانونيا بما يساعده على اقتضاء كامل حقوقه لحظة إنجاز التعاقد وقبلها أيضا، ويمكن أن نقيس هذا الأمر على وضع التاجر الذي بإمكانه إثبات الصفة المدنية للوقائع والأعمال التي يقوم بها بمناسبة تجارته. م 10 من مدونة التجارة.
كما يمكن أن ندلل على هذا التوجه بموقف الغرفة التجارية محكمة النقض الفرنسية مؤرخ في 8 يوليو 1975 ورد فيه أنه لا يمكن فرض الحد من ضمان العيب الخفي إلا على حرفاء يمارسون نفس الحرفة التي يمارسها البائع، وبمفهوم المخالفة لا يمكن الاحتجاج على المهنيين الذين يمارسون نشاطا مخالفا بالشروط التي تحد من المسؤولية عن العيب الخفي[58].
فقد يتواجد المهنيون خلال ممارسة مهامهم في مركز هشاشة يجعلهم أقرب من وضعية المستهلك النمطي بل قد تجعل وضعهم أشد حرجا، فضا عن أن المستهلك يتعاقد لتلبية حاجات خاصة قد تكون تكميلية أو ثانوية، والحال أن استمرار المقاولة يكون مشروطا أحيانا بإبرام عقد أو حمايته، وبالتالي يعتبر رفض تمديد الحماية إلى الحرفاء الذين يطبع علاقاتهم عدم التكافؤ من حيث القوة تكريسا لحالات ظلم وحيف[59].
وهذه الاعتبارات دفعت بعض الفقه وجانبا من القضاء إلى تمديد الحماية بشرط إثبات أحد عنصرين:
أن يتصرف المهني خارج دائرة تخصصه المهني،
أن تنعدم علاقة مباشرة بين التصرف الذي يستدعي الحماية و بين النشاط المهني.
1- تمديد الحماية إلى المهني الذي يتصرف خارج مجال تخصصه
لقد رفضت محكمة النقض الفرنسية في قرار أصدرته بتاريخ 5 أكتوبر 2004 استثناء القروض ذات الأغراض المهنية من قانون حماية المستهلك حسب المادة 313.2 من مدونة الاستهلاك ليوليوز 1993، وهذا ما يشكل خروجا عن الفلسفة الاستهلاكوية التي يريد جانب هام من الفقه إرساءها، والتي تقيم التمييز بين مواضيع قانون حماية المستهلك حسب صفة المتعامل، وما إذا كان مستهلكا أم مهنيا يتعاقد بصفته المهنية[60].
في الواقع إن معيار التخصص المهني هو أكثر المعايير تمديدا لمفهوم حماية المستهلك، ويقوم التعليل فيه على أن المهني حينما يتصرف خارج مجال التخصص المهني المعتاد، فإنه يتواجد في نفس حالة الجهل التي يكون عليها المستهلك، ما يجعله في حالة لا توازن من حيث القوة على مستوى المعلومة وهو ما من شأنه أن يعرضه لعسف الطرف الآخر[61].
وهكذا فقد مال الاجتهاد القضائي الفرنسي في أعلى مراتبه إلى التمييز في العقود التي يبرمها المهني بين ما يتصل بمجال تخصصه وبين ما يخرج عن هذا التخصص، حيث أخضع العقود الأخيرة لقانون حماية المستهلك، هذا رغم إضافة بعض القضاة بمحكمة النقض معيار الرابطة المباشرة كعنصر مضيق لإمكانية إخضاع المهني الذي يتعامل بصفته تلك للحماية الاستهلاكوية.
في هذا الصدد صدر قرار عن استئنافية « Angers » في 16 دجنبر 1987 ورد فيه:
“سواء استعملوا الكهرباء لأغراض منزلية أو لغرض تدفئة البيوت المغطاة، فإن المزارعين أطراف الدعوى كانوا في نفس حالة الجهل شأنهم شأن أي مستهلك آخر وبالتالي يتعين اعتبارهم مستهلكين[62].
وفي قرارها الصادر بتاريخ 28 أبريل 1987 ذهبت الغرفة المدنية بمحكمة النقض إلى ما يلي: “حيث إنه وفي النقطة الأولى اعتبر قضاة محكمة الاستئناف أن العقد الذي أبرم بين شركة الاشتراكات الهاتفية وبين شركة « bigranil » يخرج عن إطار التخصص المهني لهذه الأخيرة، من حيث إن مهمة وكيل عقاري بعيدة عن التقنيات الخاصة جدا لأنظمة الإنذار، وهو ما جعل الشركة التي تلقت الخدمة وبالنظر لموضوع العقد في نفس حالة الجهل التي يكون عليها أي مستهلك، وبالتالي كان القضاة محقين في اعتبار قانون 10 يناير 1978 واجب التطبيق”[63].
وفي قرارها الصادر بتاريخ 25 مايو 1992 اعتبرت محكمة النقض الفرنسية، أن إقامة نظام للإنذار يخرج عن مجال التخصص المهني للسيدة … التي تتواجد بالتالي ضمن نفس حالة الجهل التي يتواجد فيها أي مستهلك آخر مما يبرر تطبيق قوانين حماية المستهلك[64].
وفي قرار صدر بتاريخ 2 و30 يناير 1996 اعتبرت الغرفة المدنية الأولى بمحكمة النقض أن العقود موضوع النزاع تهم اقتناء برنامج معلوماتي « Logeciel » لتدبير التسويق، وكان الغرض منه تدبير ملفات زبناء الشركة، وبالتالي كان لها علاقة مباشرة مع النشاط المهني الذي تتعاطاه الشركة وقد نقضت بهذا القرار قرارا صدر عن محكمة تولوز 29 يونيو 1993، وأضافت محكمة النقض أن مقتضيات م 1.131 من مدونة الاستهلاك لا تسري على عقود التجهيز بالمعدات والخدمات التي لها رابطة مباشرة مع النشاط المهني للمتعاقد[65].
وورد أيضا في قرار الغرفة المدنية لمحكمة النقض مؤرخ في 15 أبريل 1982، أن العقد موضوع النزاع الذي يخص إجراء خبرة من طرف إحدى شركات الخبرة بخصوص حريق تعرض له محل استغلال تابع لأحد المزارعين، يخرج عن مجال تخصصه المهني كمزارع، وبالتالي يخضع لمقتضيات قانون 22 دجنبر 1972[66].
وورد في قرار آخر صدر عن الغرفة المدنية بمحكمة النقض الفرنسية في 6 يناير 1993: “حيث إن القرار المطعون فيه اعتبر أن المزارع شأنه شأن أي شخص من الخواص يمكن أن تكون له مصلحة في شراء جهاز للإطفاء، هذا الجهاز لا يندرج بالضرورة في إطار النشاط ، أي النشاط الذي يمنحه الكفاءة اللازمة لتقدير جدوى هذا الشراء تماما كما يفعل بخصوص شراء الأسمدة أو المعدات الفلاحية، وحيث إنه يحق لأي مزارع الإفادة من نفس الحماية التي يستفيد منها الأفراد العاديون بشأن أي عرض قدم إليه، وحيث إنه من خلال حالة المعاينات والتصريحات يستنتج أن هذا العقد لا يتعلق بالتخصص المهني للمعني الذي يتواجد في نفس وضعية الجهل التي يكون عليها أي مستهلك آخر ويخرج عن الإطار المحدد لنشاطه، فإن المحكمة أسست قرارها من الناحية القانونية”[67].
2- معيار العلاقة المباشرة
إن معيار التخصص المهني أوسع بكثير من معيار العلاقة المباشرة الذي يضيف شرطا جديدا، فحتى لو تصرف المهني خارج مجال التخصص فيجب ألا يكون لتعاقده علاقة مباشرة بهذا المجال.
فقد ورد في قرار محكمة النقض غير منشور أصدرته بتاريخ 5 مارس 2002 ما يلي: حيث إن القرار ولكي يقضي أن النص المشار إليه واجب التطبيق في النازلة، اكتفى بالإشارة أن المستهلك يجب أن يعتبر، حسب مدلول النص، كالشخص الذي داخل إطار مهنته يتصرف خارج مجال تخصصه المعتاد، ويتواجد في نفس حالة الجهل التي يكون عليها أي مستهلك آخر وهذا شأن الشركة … وأنه حينما أعلن ذلك بواسطة إفادة بسيطة دون أن يبحث ما إذا كان لعقد التزود بالماء علاقة مباشرة مع نشاط الشركة، فإن محكمة الاستئناف لم تعلل قرارها قانونا[68].
وقررت محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 3 مايو 1988 غير منشور تطبيق مقتضيات حماية المستهلك على معاملة لا تهم الحاجات المهنية، لأن شراء آلة نسخ من قبل المهني لا يفيد حتما تعلق الشراء بحاجة المهنة[69].
فالمهني هو الشخص الذي يتصرف لتلبية حاجات لها علاقة بمهنته، حيث يكتري محلا تجاريا أو يقتني البضائع لبيعها ثانية، وقد يشتري المعدات والآلات ويؤمن على ممتلكاته المهنية، أو يبرم عقد قرض لتطوير مقاولته، فالغرض من التصرف الذي أقدم عليه الشخص يشكل إذن معيار تمييز لمستهلك عن المهني.
أما مفهوم المهنة كما يستخدم في قانون حماية المستهلك، فيعني كل نشاط ينظم لغرض الإنتاج أو التوزيع أو تقديم الخدمة. فهو إذن يغطي مفاهيم تتصل بالمقاولة وبالاستغلال[70].
إن استخدام معيار العلاقة المباشرة بين التصرف والنشاط المهني العام لتحديد مجال إعمال مقتضيات حماية المستهلك يتيح التوصل إلى تصور موحد لمفهوم المستهلك بما يشجع العدالة عن طريق حماية مجموعة حرفاء يتواجدون في أوضاع شبيهة لوضع المستهلك خصوصا حينما يبرمون عقدا لا يتصل مباشرة بمنتهم المعتادة[71].
كما أن التمديد يقدم دليلا إضافيا لفكرة انعدام مفهوم قانوني لفكرة المستهلك، فرغم أن مفهوم المستهلك هو معيار جوهري للبعد الحمائي الذي قرر لصالحه، فإنه يبدو غير دقيق ومغرق في التجريد من الناحية القانونية على الأقل[72]، إلى الحد الذي دفع أحد الفقهاء إلى الحديث عن المهني المستهلك وهو الذي لا يقوم بعمل مهني[73].
فحينما سوف يقرر المشرع الحماية لكل من يستحقها وفق من خلال الظروف التي تبدو فيها الحماية مبررة، فإن القانون العقدي سيجد تجانسه المفقود، وسنشهد تراجعا للقوانين الفئوية التي يعد قانون حماية المستهلك أكثرها إثارة للجدل[74].
هذا التصور الأخير نجده في الدورية رقم 93-13 الصادرة عن مجلس المجموعة الاقتصادية الأوربية في 5 أبريل 1993[75].
إن تمديد الحماية للمهني في حالات خاصة سوف يساعد على تبني التصور الموضوعي للبعد الحمائي في قوانين حماية المستهلك، و دون تمديد صفة المستهلك مع ذلك، فالشرط التعسفي مثلا يخرق التوازن العقدي ويضر بالعدالة العقدية مهما كانت صفة الأطراف أو نوع العقد الذي تضمنها، فمجرد وجوده يدلل على استحالة دفاع الطرف الذي تحمله عن مصالحه سواء كان شخصا عاديا أو كان مهنيا يمارس المهنة نفسها، وإعمالا لمبدأ التوازن العقدي فإن الاختلال الموضوعي هو الذي سوف يوجه تدخل القاضي، بدل منهج التقييم الذاتي للكفاءات الخاصة للأطراف[76].
الهوامش :
القانون رقم 31.08 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 7 أبريل 2001.
كان العقد يعتبر مجرد إبرامه شيئا ثابتا يفرض نفسه على الأطراف، ولا يخضع بعدها لإرادتهم، وكان يلزم القاضي الذي اعتبر مبدئيا غير قادر على تعديله، كما فرض نفسه على المشرع من حيث إن التشريع الجديد لا يستطيع أن ينتج أثر في مواجهة بنوده.
Thibierge-guelfucci (C), libres propos sur la transformation du droit des contrats. RTD civ (2), avr, juin 1997, p 360.
Carmet (O), Reflexions sur les clauses abusives au sens de la loi n 78-23 du 10 Janvier 1978 RTD com 1982, P 1.
ينظر أحمد كويسي، حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقود الائتمان، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، العدد الثاني 2009، ص 20.
Thibierge-guelfucci (C), Op cit, p 379.
Pizzio (JP), La protection des consommateurs par le droit commun des obligations, RTD com, 51 (1) 1998, p 54.
Piedelièvre (S), Droit de la consommation, éd Economica Paris 2008, p 1.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p 7.
Pizzio (JP), L’introduction de la notion du consommateur en droit français Dalloz Sirey, 1982, p 91.
Pizzio (JP), L’introduction ; p 91.
Picard (Y), Davo (H), droit de la consommation, éd Arnaud colin 2005, p 3.
Pizzio (JP), L’introduction ; p 97.
Chazal (JP), Le consommateur existe-t-il ? R Dalloz 1997, 31 Cahier, p 263.
Chazal (JP), Le consommateur …, p 262.
Thibierge-guelfucci (C), op cit, p 376.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p 3.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p 2.
Cité par Paisant (G), Essai sur la notion de consommateur en droit positif, JCP éd G n 9-10, p 100.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p 7.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p 17.
ينظر محمد الشيلح، القانون والاقتصاد بين الانفصال والاتصال، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، العدد الثاني، ص 12.
Cass Civ 1er 3 Avril 2007, n 06-12.831, www.courdecassation.fr/publications.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p ..
L’article 1382 du code civil Français : « tout fait quelconque de l’homme, qui cause à autrui un dommage oblige celui L’article par la faute duquel il est arrivé à le réparer ».
Chazal (JP), Le consommateur existe-t-il ?, p 266.
Chazal (JP), Le consommateur existe-t-il ?, p 266.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p 18.
Masquefa (C), Pouvir du juge et protection du consommateur : décisions en clair-obscur, JCPE, n 2/2001, p 24.
Cité par Paisant (G), Essai sur la notion de consommateur en droit positif, p 103.
Picard (Y), Davo (H), droit de la consommation …, p 109.
Pizzio (JP) , La p^rotection des consommateurs par le droit commun des obligations, op cit, p 55.
Picard (Y), Davo (H), droit de la consommation …, p 105.
Mazeaud (D), L’attraction du droit de la consommation, RTD com, 51(1) 1998, p 103.
Calais-Autoy (J), droit de la consommation, 3ème éd Dalloz, p 8.
Pizzio (JP), L’introduction de la notion du consommateur en droit français, p 97.
Mestre (J), des notions de consommateur, RTD Civ, 88 (1), 1989, p 65.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p 5.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p 8.
Mazeaud (D), L’attraction du droit de la consommation, RTD com, 51(1) 1998, p 102.
Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, 17.
Calais-Autoy (J), L’influence du droit de la consommation sur le droit des contrats, RTD com. 51 (1) 1998, p 119.
Martin (R), Le consommateur abusif, R Dalloz Sirey Ch, 1987, p 150.
Cass Civ le 15 Mars 2005 n 540, www.courdecassation.fr/puplications.
Cass Civ le 15 Avril 1986 n 84-15. 801, www.courdecassation.fr/puplications.
Par Chazal (JP), Vulnérabilité et droit de la consommation, p 17.
Guyon (Y), Rapport de synthèse, RTD com, 51 (1) 1998, p 126.
Piedelièvre (S), Droit de la consommation, op cit, p 21.
Mazeaud (D), L’attraction du droit de la consommation, RTD com, 51(1) 1998, p 109.
Piedelièvre (S), Droit de la consommation, op cit, p 19.
Pizzio (JP), La protection des consommateurs par le droit commun des obligations, op cit, p 62.
Paisant (G), Essai sur la notion de consommateur en droit positif, p 101.
Paisant (G), Essai sur la notion de consommateur en droit positif, p 104.
يراجع محمد الشيلح، المرجع السابق، ص 16.
Paisant (G), Essai sur la notion de consommateur en droit positif, p 104.
Chazal (JP), Le consommateur existe-t-il ?, p 261.
Calais-Autoy (J), droit de la consommation, 3ème éd Dalloz, p 6.
Chazal (JP), Le consommateur existe-t-il ?, p266.
Par Pizzio (JP), L’introduction de la notion du consommateur, p 94.
Chazal (JP), Le consommateur existe-t-il ?, p 263.
Cass Civ le 5 Oct 2005 n 01-12345, courdecassation.fr/puplications.
Chazal (JP), Le consommateur existe-t-il ?, p- 261.
Par Mestre (J), des notions de consommateur,op cit, 1989, p 63
Cass Civ le 28 Avril 1987 n 85-13674, courdecassation.fr/puplications.
Cass Civ le 25 Mai 1992 n 89-15.80, courdecassation.fr/puplications.
Cass Civ le 3 et 30 Janvier 1996, courdecassation.fr/puplications.
Mestre (J), des notions de consommateur, op cit, 1989, p 65.
Cass Civ le 6 Janvier 1993 n 90-20.732, courdecassation.fr/puplications.
Cass Civ le 5 Mars 2002 n 434, contrats-concurrence-consommation Aout Sep 2002, p 16.
Cass Civ le 3 Mai 1988 n 85-18.466, courdecassation.fr/puplications.
Calais-Autoy (J), droit de la consommation, p 5.
Pizzio (JP), L’introduction de la notion du consommateur, op cit, p 260.
Chazal (JP), Le consommateur existe-t-il ?, p 260.
Aubert Par Paisant (G), Essai sur la notion de consommateur en droit positif, p 101.
Malinvaud (P), La protection des consommateurs, R Dalloz Sirey, 1981, p 62.
Article 2
Aux fins de la présente directe, on entend par :
b) « consommateur » : toute personne physique qui, dans les contrats relevant de la présente directive, agit à des fins qui n’entrent pas dans le cadre de son activité professionnelle ;
c) « professionnel » : toute personne physique ou morale qui, dans les contrats relevant de la présente directive, agit à des fins qui n’entrent pas dans le cadre de son activité professionnelle, qu’elle soit publique ou privée.
Directive 93/13/CEE du Conseil, du 5 avril 1993, concernant les clauses abusives dans les contrats conclus avec les consommateurs.
Journal ofeciel n L 095 du 21/04/1993, p 0029-0034.
Thibierge-guelfucci (C), op cit, p 382.
اترك تعليقاً