نظام تحديد وقيد التجزئة العقارية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بقلم ذ محمد شكر
طالب باحث بماستر العقار والتعمير السويسي الرباط
أدى الانفجار الديموغرافي المتسارع وتنامي ظاهرة الهجرة القروية مع أواسط القرن الماضي، إلى توسع عمراني واكبه انتشار مجموعة من الظواهر السلبية في المجتمع، منها انتشار البناء غير القانوني والتجزئات العشوائية.
فقد عرف فضاء التعمير توسعا كبيرا بفعل ارتفاع نسبة التمدن، حيث ازداد بذلك توسع المناطق الحضرية على حساب المناطق القروية وتكاثر استهلاك الأراضي بالمدن وضواحيها، وتعددت مشاكل العقار والبناء غير المنظم وأصبحت عملية البناء وإنجاز تجزئات عقارية تتم دون مراعاة لأبسط قواعد التعمير ولحاجيات الجماعة.
وفي ظل هذا الوضع كان من الضروري إيجاد الإطار القانوني والتنظيمي لضمان نمو منسجم وعقلاني للنسق العمراني، خاصة في المراكز الحضرية. وتعتبر التجزئات العقارية إطارا قانونيا لإشباع الرغبات والحاجيات في مجال السكن وغيره من الأنظمة الأخرى التجارية والصناعية والسياحية، فقد نظمها المشرع المغربي بمقتضى القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، وأورد لها تعريفا في المادة 1 من نفس القانون.
فأمام الأوضاع السابقة التي عرفها المغرب جعلت السلطات العمومية تحس أكثر فأكثر بأهمية التدخل على جميع المستويات وخصوصا على المستوى القانوني لضبط مجال التعمير والتجزئات، وبإلقاء نظرة تاريخية على الظهائر والقوانين التي حملت في طياتها تنظيم عملية تجزئة الأراضي نجد ظهير 15 أبريل 1914 بشأن تصفيف الأبنية والطرق الذي اعتبر أول تشريع متعلق بالتعمير بالمغرب، غير أنه لم يكن تشريعا خاصا بالتجزئات العقارية وإنما اعتبر تشريعا عاما خاصا بالتعمير، وأمام عمومية هذا الظهير جاء ظهير 14 يونيو 1933 كأول تشريع خاص بالتجزئات العقارية جاء بمقتضيات جديدة لم تكن واردة في ظهير 1914 وأهمها تدخل إدارة المحافظة العقارية لمساعدة السلطة الإدارية على المراقبة.
وبعد عقدين من الزمن صدر ظهير 13 نونبر 1953 المتعلق بتجزئة الأراضي وتقسيمها إلى قطع صغيرة، حيث أوضحت ديباجة هذا الظهير الإصلاحات التي جاء بها والتي تهدف أولا إلى تحقيق فعالية مراقبة الإدارة، ثم تبسيط مقتضيات التجزئة، غير أن هذه الظهائر على اختلافها حملت مجموعة من النواقص، وهو ما دفع بالمشرع إلى اتخاذ المبادرة بإصدار ظهير لتنظيم وهيكلة هذا القطاع ويتعلق الأمر بالظهير الشريف رقم 1.92.7 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
أما فيما يخص أهمية الموضوع فهي تكمن في آمال وتطلعات مختلف الفئات الاجتماعية خاصة المتوسطة منها وذات الدخل المحدود للحصول على قطعة أرضية مجهزة وصالحة للبناء.
كما تتجلى أيضا في أن توسع المدن والمناطق الحضرية، يستدعيان بالضرورة انتشار التجمعات والأحياء السكنية، ولا يتم ذلك إلا عن طريق عملية التجزئة المنظمة للأراضي وتقسيمها إلى قطع أرضية معدة لإنشاء وبنايات سكنية ومهنية.
فإلى جانب هذا وذلك، لا يسعنا إلا أن نقول أن التجزئة العقارية هي عبارة عن مجموعة من المراحل العملية ذات مشاكل وخصوصيات وتقنيات، تهم مدى مسايرة القاعدة القانونية لمستجدات الظرفية الاقتصادية والاجتماعيات، وكذلك فيما يخص تحقيق الأهداف المعلقة عليها من طرف الدولة، هذا بالإضافة إلى عدم وجود قوانين تنظيمية تخص أشغال التجهيز وتنظيم علاقة المجزئ بالمصالح المسؤولة عن أشغال التجهيز.
وتنبغي الإشارة إلى أن مسألة تحديد وقيد التجزئات العقارية في سجل العقاري له نوع من الخصوصية ومنه تثار إشكالية مفادها.
ما هي خصوصية نظام تحديد وقيد التجزئات العقارية في السجل العقاري من خلال المقتضيات النصوص العامة والخاصة؟
وللإجابة عن هذا الإشكال سنعتمد التصميم الآتي :
المبحث الأول : طبيعة عملية التحديد بين المقتضيات العامة والخاصة أية مقاربة
المطلب الأول : الجوانب المشتركة والحدود الفاصلة لعملية التحديد .
المطلب الثاني : الجهات المرصدة لإنجاز عملية التحديد وازدواجية آثاره
المبحث الثاني : قيد التجزئات العقارية بين المقتضيات العامة والخاصة.
المطلب الأول : التقييد وفق المقتضيات العامة
المطلب الثاني : خصوصية قيد التجزئات العقارية في السجل العقاري والآثار المترتبة عليه.
المبحث الأول: طبيعة التحديد بين المقتضيات العامة والخاصة اية مقاربة.
في بادئ ذي بدء تجب الإشارة إلى أن هناك مبدأ قانوني راسخ يقضي بأن إحداث لآي تجزئة العقارية كيفما كان نوعها ]سكنية, صناعية, تجارية [لا يمكن القبول به أو حتى تصوره إلا في دائرة العقارات المحفظة سلفا أو التي هي في طور التحفيظ مع ربط هذه الأخيرة بضرورة انتهاء أجل التعرض كشرط جوهري لقبول طلب التجزئة الشيء الذي يؤدي ضمنيا إلى إقصاء وإخراج العقارات غير المحفظة من هذه الدائرة .
وفي حقيقة الأمر فإن هذا الإعتبار لا يشكل إلا صورة مادية قانونية عن رغبة المشرع المغربي في إستقرار وثبات الوعاء العقاري وبالتالي تلافي كل المنازعات التي يمكن أن تشوبه أو بالأحرى أن تحول دون تحقيقه للغرض المتوخى منه, والمستقر عليه قانونا أنه حتى نكون أمام عقار محفظ أو في طور التحفيظ لا بد له أن يمر من مجموعة من المراحل والإجراءات التي تعطيه صفته تلك ولعل ما يهمنا منها هو إجراء التحديد ،لئن كان هذا الأخير يظفر بمكانة هامة داخل نظام التحفيظ العقاري فإن الأمر على نظيره في نظام التجزئة .وتبعا لذلك سنحاول أن نبرز في المطلب الاول ]الجوانب المشتركة والحدود الفاصلة لعملية التحديد[ على أن نعالج في المطلب الثاني] (الجهات المرصدة لإنجاز التحديد وإزدواجية آثاره )
المطلب الأول: الجوانب المشتركة والحدود الفاصلة لعملية التحديد.
مما لاشك فيه أن عملية التحديد تشكل أحد الأعمدة الأساسية لنظام التحفيظ العقاري كما وقع تعديله وتتميمه بمقتضى القانون 14 ;07 بل ومن أهم مراحل التحفيظ لأنها بكل بساطة تعتبر المنطلق الوحيد الذي يحدد حالة العقار ماديا وقانونيا.
وهي الفكرة التي تسوقنا نحو التساؤل عن خصوصية التحديد في إطار النصين العام والخاص ? بمعنى هل نحن بالفعل أمام نوعين من التحديد لكل منهما خصوصيته،أم أن الأمر يتعلق بتحديد ذو طابع واحد .
والجواب عن هذا التساؤل سيكون من خلال فقرتين سنتحدث في الفقرة الأولى عن أهم الجوانب المشتركة للتحديد وفقا للمقتضيات العامة والخاصة بينما سنتطرق في الفقرة الثانية إلى الحدود الفاصلة لعملتي التحديد.
الفقرة الأولى : الجوانب المشتركة للتحديد (أوجه التشابه )
سنركز في هذه الفقرة على إبراز نقاط الالتقاء لعملية التحديد كما سبق القول بين قانون التحفيظ العقاري والقانون المنظم للتجزئات العقارية 25.90ولعل أولها :
أن عملية التحديد لها مفهوم واحد حيث استقر غالبية فقهاء القانون على تعريفه بأنه عبارة عن( عملية تقنية بالأساس يقوم بها مهندس مساح طبوغرافيا ينتمي إلى هيئة المهندسين الطبوغرافيين حيث ينتقل إلى عين المكان بحضور الأطراف لمعاينة العقار المراد تحديده ولأخذ المقاييس اللازمة لمعرفة حدوده ومعالمه ومشتملاته قصد وضع تصميم مدقق عن الوضعية المادية للعقار(
كما عرف آخرون عملية التحديد بأنها (وقوف المهندس المساح الطبوغرافي على العقار بحضور المالك أو طالب التحفيظ وأصحاب الحقوق العينية المجاورة والتحملات العقارية المنصبة عليه(
وبناء على ما سبق نستنتج على أن التحديد الذي نتحدث عنه في مسطرة التحفيظ كمفهوم هو نفسه التحديد المنصوص عليه في إطار قانون التجزئة ولعل ما يزكي هذا الطرح هو أنه بالرجوع الى المقتضيات القانونية المتعلقة بهذا الأخير نجد أن المشرع قد سكت عن تعريفه فلو كانت نيته تتجه إلى غير ذلك لقام بتعريفه وبالتالي إعطائه طابع خاص ومغاير ومميز عن التحديد العام بل والأكثر من ذلك فحتى بالرجوع إلى التحديد المنصوص عليه في قانون التحفيظ نجد أن المشرع المغربي واجهه مرة أخرى بالسكوت ،وصراحة هو موقف لا يعاب عليه فيه ذلك أن المبدأ العام يقضي بأن مسألة وضع التعارف هي مسألة تدخل ضمن مهام الفقه من باب أول وليس المشرع .
كان هذا بالنسبة للنقطة الأولى أما بالنسبة للنقطة الثانية فهي تلك المتعلقة :
بالجهاز المرصد أو المكلف بهذه العملية و المتمثل أساسا في المهندس المساح الطبوغرافي إذ يقوم هذا الأخير بإجراء عملية التحديد سواء بالنسبة للمرحلة السابقة لتأسيس الرسم العقاري ( أي المرحلة التي يعنى بها تخلي العقار عن صفة العقار غير المحفظ إلى صفته كعقار محفظ) أو المرحلة اللاحقة له التي ترمي( إحداث تجزئة عقارية على العقار المحدد والمحفظ سلفا ), وما جعلنا نتبنى هذا القول هي الأحكام المنصوص عليها في كلا القانونين إذ بالرجوع إلى الفصل19 المتمم بمقتضى القانون 12,57 من قانون التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14,07 نجده ينص بأنه (يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بتسيير عمليات التحديد وينتدب لهذه الغاية إما مهندسا مساحا طبوغرافيا محلفا من جهاز المسح العقاري الذي يمكنه هو الآخر أن يكلف أحد العاملين المؤهلين التابعين له لإنجاز عمليات التحديد ويحدد ذلك بنص تنظيمي، أو مهندس مساح طبوغرافي ينتمي إلى القطاع الخاص مسجل بجدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين
بالإضافة إلى ذلك نجد الفصل 17 من المرسوم 2.13.18 ينص على مايلي; ( يقوم كل طالب للتقسيم أو لتجزئة أو تطبيق لنظام الملكية المشتركة أو الإدماج أو مطابقة التصميم العقاري للحالة الراهنة للعقار أو إعادة الأنصاب بالنسبة للعقار المحفظ أو الذي هو في طور التحفيظ والذي تم إنجاز تصميمه العقاري بإعداد ملف تقني ينجز من طرف مهندس مساح طبوغرافي ينتمي إلى القطاع الخاص مسجل بجدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين)
كما انه بالإطلاع على المادة 14 من قانون التجزئات العقارية نجدها تنص ( على أنه يجب أن يوكل إلى مهندس من مهندس المساحة وضع الرسم الطبوغرافي الذي يقوم المهندس المعماري على أساسه بتصور مشروع التجزئة من الوجهة المعمارية).
وبالتالي فإنه من خلال قرائتنا لهذه النصوص يستشف على أن الشخص الوحيد المؤهل للقيام بهده العملية أي عملية التحديد هو المهندس المساح الطبوغرافي وتظهر نقطة الالتقاء بشكل جلي في مسألة التكوين إذ لا جدال في أن المهندس المساح الطبوغرافي المنتمي لمصلحة المسح العقاري أو المهندس المساح الطبوغرافي المنتمي إلى القطاع الخاص يخضعان لنفس برنامج التكوين والتأهيل وعليه تكون لهما نفس الكفاءة والقدرة على المسح الطبوغرافي و كذا إعداد الخرائط الضرورية وجمع وتحليل معطيات الصور لمواكبة المشاريع التحتية.
وما يجب الإشارة إليه قبل الوقوف عند النقطة الثالثة هو ضرورة التمييز بين عملية التحديد وعملية المسح فإذا كان التحديد هو العملية التي يتم فيها تعيين حدود العقار ومعالمه بحضور المعنيين بالأمر فإن المسح هو العملية التي ترمي إلى التدقيق في بيانات العقار الذي سبق تحديده مع احتساب المساحة الحقيقة وإنجاز تصميم صحيح ونهائي غير قابل للتغيير و في هذا المضمار فإن النقطة الثالثة التي يتشارك فيها النصين بخصوص عملية التحديد تكمن في:
الغرض من إجراء التحديد حيث يبقى الغرض الأساسي من هذه العملية بشكل عام هو الوقوف على حدود العقار ومعرفة معالمه ومشتملاته وبالتالي الوقوف على المساحة الحقيقة للعقار موضوع مطلب التحفيظ وهو نفس الغرض الذي يرمي إليه التحديد في إطار التجزئة العقارية المتمثل كذلك في تحديد جوانب القطع وكذلك معرفة معالمها ومشتملاتها (مثلا هل هي قطعة ذات وجهة واحدة أم أنها ذات وجهتين )وهو الشيء الذي يمكننا تبعا لذلك من الوقوف على المساحة الحقيقة لكل قطعة على حدة
أما بخصوص النقطتين الأخيرتين والتي نلمس كذلك جوانب التشارك فيهما :
النقطة المتعلقة بربط التصاميم بالخريطة العقارية المرتبطة بالشبكة الجيوديزية حيث أنه بالرجوع إلى المادة 32 من القانون المتعلق بالتجزئات العقارية نجده قد نص (لايباشر قيد التجزئة في الصك العقاري للعقار محل التجزئة على الخريطة العقارية الخاصة به) وهي نفس العبارة التي نص عليها الفصل 17 من المرسوم المتعلق بإجراءات التحفيظ العقاري( يودع الملف التقني لدى مصلحة المسح العقاري المختصة التي تقوم بمراقبته ونقله على الخريطة ) كما جاء في نص المادة 21 منه على أنه (ينجز تصميم العقار حسب المقاييس والمعايير التقنية المعمول بها ويتم في نفس الوقت ربطه بعلامات الشبكة الجيوديزية).
الشيء الذي يفيد معه أنه يجب ربط التصاميم الناتجة عن عملية التحديد سواء تعلق الأمر بالتصميم الهندسي للعقار محل التحديد السابق لتأسيس الرسم العقاري أو التصميم المتعلق بالتجزئة بالخريطة العقارية المرتبطة بالشبكة الجيوديزية وهي شبكة سيتم التطرق لتعريفها في تحليل لاحق.
النقطة المتعلقة بالوسائل المستند إليها في تحديد أو تعيين الحدود فالمعلوم أن عملية التحديد تحتاج الى مجموعة من الوسائل لإنجازها من طرف المساح الطبوغرافي وإن كان المشرع المغربي قد سكت عن نوعية هذه الوسائل في إطار القانون المتعلق بالتجزئات العقارية فإنه قد تدارك الأمر في إطار قانون التحفيظ العقاري حيث نجد المادة 20 من المرسوم الأنف الذكر والمتعلق بإجراءات التحفيظ العقاري تنص على ما يلي( يتم تحديد العقار أو جزء من العقار المحفظ أو في طور التحفيظ في حالة عدم وجود حدود طبيعية بواسطة أنصاب ثابتة و يمكن أن توضع علامة دالة فوق الصخور المغروسة في الأرض أو البنايات الثابتة ،تكون الأنصاب المغروسة من حجر منحوت أو اسمنت أو مواد أخرى تحترم الضوابط الجاري بها العمل ويكون علوها على الأقل 35 سنتمترا في المجال القروي و30 سنتمترا في المجال الحضري وتكون قيمتها على شكل مربع ضلعه على الأقل 10 سنتمترا وقاعدتها 25 سنتمترا
تغرس الأنصاب على رأس كل زاوية للمضلع الذي يشكله العقار ويتم إبراز قمتها في حدود 5 سنتمترات ينحت فوق الأنصاب حرفا (ت ;ع) أو يكتبان بالصباغة الحمراء ويوجهان نحو خارج العقار كما تنحت كذلك الأرقام الأنصاب أو تكتب بالصباغة الحمراء وتوجه نحو داخل العقار….
و من ثم نحن نسير مع الاتجاه القائل بأن كل ما لم يمنعه المشرع بنص صريح فهو جائزا وكل ما سكت عنه في إطار النص الخاص يرجع لإعمال النص العام في حالة وجوده وقياسا على هذا القول يمكن الخروج بفكرة مفادها هو إمكانية تطبيق المادة 20 من حيث الوسائل التي يمكن الاستعانة بها إبان إجراء عملية تحديد التجزئة العقارية
ومنه فإن كانت الفقرة الأولى قد سلطت الضوء على أهم الجوانب المشتركة للتحديد بين النصين العام والخاص فأين تكمن حدوده الفاصلة?وهي الفكرة التي ستكون موضع الفقرة الثانية
الفقرة الثانية: الحدود الفاصلة لعملية التحديد (أوجه الاختلاف)
أن أول اختلاف يمكن رصده في هذا السياق :
هو أن التحديد بوجه عام والمنصوص عليه في إطار قانون التحفيظ العقاري يقع على العقارات غير المحفظة وكما سبق القول فإن التحديد في مسطرة التحفيظ يلعب دورا بارزا يتمثل في قدرته على تغيير صفة العقار حيث يخرجه من دائرة العقارات غير المحفظة ليدخله في زمرة العقارات المحفظة أو التي هي في طور التحفيظ وبالتالي السير نحو تأسيس رسم خاص به في حين أن التحديد في التجزئة العقارية يأتي كمرحلة لاحقة لتأسيس الرسم العقاري بل الأكثر من ذلك هو أن المشرع في إطار قانون التجزئة قد تطلب لأجل الإذن بإحداث التجزئة العقارية على عقار أن يكون متوفرا على رسم عقاري خاص به أي أنه عقار محفظ او شهادة مسلمة من طرف المحافظة العقارية تفيد بأن العقار المراد تجزئته هو محل تحفيظ أو في طور التحفيظ مع إشارتها إلى أن أجل التعرض قد انصرم دون تقديم أي تعرض بخصوص مطلبه وهو توجه تم بنائه بإلاطلاع على مجموعة من المقتضيات القانونية منها المادة5 من القانون25.90 حيث نجدها تنص على انه( لا يقبل طلب التجزئة إذا كانت الأرض المراد تجزئتها ليست محفظة ولا بصدد التحفيظ ولا يكون الطلب مقبولا إذا تعلق الأمر بأرض بصدد التحفيظ إلا إذا كان الأجل المحدد لتقديم التعرضات قد انصرم دون تقييد أي تعرض على تحفيظ العقار المراد تجزئته ) كما نصت المادة 6 من المرسوم رقم 2.92.833 (يجب على صاحب الشأن لأجل تطبيق أحكام المادة 5 من القانون المشار إليه أعلاه أن يضيف كذلك إلى طلب الإذن في القيام بالتجزئة شهادة من المحافظة على الأملاك العقارية تثبت أن الأرض المراد تجزئتها محفظة أو في طور التحفيظ وأن الأجل المحدد لإيداع التعرضات في هذه الحالة قد انصرم دون أن يقدم أي تعرض على ذلك) .
ثاني اختلاف سنتوقف عليه سيكون :
على مستوى البيانات أو المستندات المتطلبة لإنجاز عمليتي التحديد فكما هو معروف أن التحديد في إطار مسطرة التحفيظ يستند في إنجازه على ضرورة تقديم مطلب التحفيظ للوكالة العقارية التي يوجد بدائرتها العقار المعني كما أن هذا المطلب لابد أن يرفق بمجموعة من الوثائق المثبتة لملكية العقار وقد تم النص عليها في إطار الفصل 14 من قانون التحفيظ العقاري (يقدم طالب التحفيظ مع مطلبه أصول أو نسخ رسمية للرسوم والعقود والوثائق التي من شأنها أن تعرف بحق الملكية وبالحقوق العينية المترتبة على الملك) وعلى إثر تقديم مطلب التحفيظ الذي هو عبارة عن طلب يتقدم به أحد الأشخاص الذين عينهم القانون حصرا لمباشرة حقهم في إخضاع أملاكهم أو حقوق ترتبت لهم لنظام التحفيظ العقاري
يقوم المحافظ على الأملاك العقارية داخل أجل عشرة أيام من تقديمه بتحرير ملخص له ونشره بالجريدة الرسمية ويبلغ مضمونه إلى علم العموم بالوسائل المتاحة وبعد نشر الملخص المذكور يحرر داخل أجل شهرين من تاريخ هذا النشر إعلان يتضمن تاريخ ووقت إجراء التحديد الذي على أساسه ترسم حدود العقار وتعين معالمه ومشتملاته كما يفتح المجال لكل متعرض ينازع في حدوده أو يرتب حقا عينيا عليه بعد ذلك يسار إلى تأسيس الرسم العقاري الخاص بذلك العقار وذلك طبعا بعد انتهاء أجل التعرضات مع تقييد كل حق عيني أو تحمل ذو صفة قانونية أفرزته مرحلة التعرضات.
أما بخصوص التحديد في إطار التجزئة فإنه من أولى الوثائق المطلوبة من أجل إجرائه هو الإدلاء بشهادة من المحافظة العقارية تثبت أن الأرض المراد تجزئتها هي محفظة أو في طور التحفيظ وأن أجل التعرض قد انصرم بالنسبة للحالة الأخيرة( المادة الخامسة من قانون التجزئة العقارية) كما نصت المادة 32 منه على (أنه لا يباشر قيد التجزئة العقارية في الصك العقاري للعقار محل التجزئة ونقل تصميم التجزئة على الخريطة العقارية الخاصة به إلا بعد وضع الخريطة الناتجة عن عمليات التحديد والإدلاء بنسخة مشهود بمطابقتها للأصل من محضر التسلم المؤقت…..) وعليه سنحاول الوقوف عند كل وثيقة على حدة وذلك لأهميتها :
نسخة مطابقة للأصل من محضر التسلم المؤقت réception provisoire;
وهي عبارة عن محضر يسلم فور الانتهاء من أشغال تجهيز التهيئة حيث يصرح المجزئ بذلك إلى السلطة المختصة بتسليم الإذن في التجزئة بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسلم أو يودعه بمقر السلطة المذكورة مقابل وصل حيث تعمد هذه الأخيرة إلى الإخبار بالتصريح الذي توصلت به لدى المصالح المختصة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية قصد التحقق منه (المادة 15من المرسوم 2.92.833) ذلك أن الغرض الأساسي من التسلم المؤقت هو تحقق إدارة الجماعة من أن أشغال التجهيز قد تم انجازها كما هي منصوص عليها في المشروع المأذون به ويجب أن يتم هذا التسلم داخل مدة الخمسة والأربعين يوما التي تلي التصريح بإنتهاء أشغال التجهيز المادة 23 من القانون 25.90 ويجب الإشارة هنا إلى أن الهدف من وقوفنا عند شهادة التسلم المؤقت هو تسويق فكرة مفادها أن عملية تحديد التجزئة العقارية يكون بعد انتهاء أشغال التجهيز والتي على إثرها يتسلم المجزئ شهادة التسلم المؤقت بمعنى أن هذه العملية تجرى في الفترة الفاصلة بين التسلم المؤقت والتسلم النهائي والمحددة سلفا في أجل سنة, وإن كان هذا على مستوى الوثائق التي تبنى عليها كلا من العمليتين الخاصتين بالتحديد فإن هناك إجراءات تصاحب عملية تحديد التجزئة تترتب عليها بيانات على درجة كبيرة من الأهمية لذلك ارتأينا الوقوف عليها هي الأخرى لأجل ضبط مفاهيمها فقط وهي ;
الخريطة الناتجة عن عمليات التحديد :وهي خريطة ترتب عن عملية التحديد التي قام بها المهندس المساح الطبوغرافي وقد أوكل المشرع المغربي لهذا الأخير مهمة إنجاز ملف تقني خاص بتحديد التجزئة فبالرجوع إلى الفصل 17 من المرسوم السالف الذكر والمتعلق بإجراءات التحفيظ العقاري (يقوم كل طالب للتقسيم او التجزئة …..بإعداد ملف تقني ينجز من طرف مهندس مساح طبوغرافي ……..يتضمن الملف التقني التصميم العقاري ومحضر التحديد)وبناء على هذا الفصل فإن الملف التقني يتكون من محضر تحديد ينجزه مهندس مساح طبوغرافي ينتمي إلى القطاع الخاص ومسجل بالهيئة الوطنية للمهندسين الطبوغرافيين ومن تصميم تجزئة
تصميم التجزئة :هو عبارة عن تصميم كلي للبقعة المجزئة يبين فيه بشكل دقيق حدود كل قطعة ومساحتها الحقيقة بالنسبة لنظيراتها من البقع كما انه تحدد فيه الطرق والساحات والأرصفة والمواقع المخصصة لوقوف السيارات وكذا المواقع المعدة للتجهيزات الخاصة وذلك بواسطة جهاز تحديد الموقع على المحطة الجيوديزية
الخريطة العقارية أو خريطة المسح العقاري: وهي خريطة أشار إليها المشرع المغربي في العديد من النصوص حيث وردت في المواد (17 , 4 32, 22 ) ويقصد بها الخريطة المخصصة لنقل التصاميم العقارية المرتبطة بالشبكة الجيوديزية ( هي شبكة من النقاط أو المحطات الثابتة على سطح الأرض قيست إحداثياتها بدقة عالية جدا وتعتبر هذه النقاط أساسا لربط جميع الأعمال المساحية اللاحقة سواء طبوغرافية أو تفصيلية) )وذلك لتأسيس سجل للمسح العقاري مطابق للسجل العقاري وقد ذهب بعض الفقه إلى تكريس نفس الفكرة المتمثلة في ضرورة ربط خريطة بالخريطة العامة للمنطقة أو ما يسمى بعملية التثليث triangulation général
ومنه يمكن القول على أن وجه الاختلاف يظهر من خلال ما تم التفصيل فيه هو ان التحديد بشكل عام يستند إلى الوثائق المثبتة لملكيته والتي يرتكز عليها كل مطلب تحفيظ أما بالنسبة للتحديد في التجزئة العقارية فهو يستند على شهادة تثبت أن العقار المراد تجزئته محفظ بالإضافة إلى نسخة من محضر التسلم المؤقت
وانسجاما مع ما قيل ودائما في إطار البحث عن الجوانب المتباينة بين التحديدين هناك مسألتين أخيرتين يجب الإشارة إليهما
المسالة المتعلقة بنشر إعلان التحديد في الجريدة الرسمية وكذا بتعليقه لدى بعض الجهات الإدارية فكما هو معلوم أنه في إطار قانون التحفيظ العقاري نص المشرع على ضرورة نشر إعلان التحديد الذي يتضمن بيانا يحدد فيه اليوم والساعة اللذين ستجرى فيهما العملية وكذا بنشر إعلان انتهاء عملية التحديد وذلك قصد إطلاع كل صاحب حق عيني على العقار بالعملية التي ستجرى عليه وبالتالي ممارسته حقه في التعرض من أجل الدفاع عن حقه العيني الذي يمكن أن يكون له على العقار وهي مسألة غائبة في عملية تحديد التجزئة العقارية حيث أن المشرع المغربي لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد لنشر إعلان تحديد التجزئة العقارية او نشر إعلان انتهائها بالجريدة الرسمية ولعل السر وراء هذا السكوت يكمن في أن تحديد التجزئة لا يكون محط تعرض أو نزاع من طرف الغير ذلك أن هذا التحديد يجري على عقار محفظ سلفا وذو وضعية ثابتة ومستقرة فحدوده ومساحته معلومة وكذا معالمه ومشتملاته بل وحتى التحملات أو الحقوق المترتبة علية تكون معلومة ومعترف بها قانونا بناء على التحديد السابق لتأسيس الرسم العقاري وبالتالي فلا غاية ترجى من نشره.
المسالة المتعلقة بالشخص الذي يجري عملية التحديد: إذا كان المشرع المغربي قد وسع من الأشخاص المؤهلين للقيام بعملية التحديد في إطار مسطرة التحفيظ حيث جاء ا الفصل 19 كما وقع تتميه بمقتضى القانون 12,57من قانون التحفيظ العقاري ينص على (أنه تجرى عمليات التحديد بتسيير من المحافظ على الأملاك العقارية وينتدب لهذه الغاية إما مهندس مساح طبوغرافيا محلف ينتمي إلى مصلحة المسح العقاري والذي يمكن له أن يكلف أحد العاملين المؤهلين التابعين له لإنجاز عمليات التحديد أو مهندس مساح طبوغرافيا ينتمي الى القطاع الخاص ومسجل بجدول الهيئة الوطنية للمهندسين الطبوغرافيين فإن الأمر يختلف عن التحديد في التجزئة العقارية حيث نجد أن المشرع قد حصر الشخص المكلف بإجراء عملية تحديد تجزئة عقارية في المهندس المساح الطبوغرافي الذي ينتمي الى القطاع الخاص والمسجل بجدول الهيئة الوطنية للمهندسين الطبوغرافيين دون المهندس المساح الطبوغرافي المحلف المنتمي إلى مصلحة المسح وما يبارك هذا القول وبعد سكوت القانون 25.90 في هذه النقطة جاءت المادة 17 من المرسوم المتعلق إجراءات التحفيظ السابق ذكره ]يقوم كل طالب تقسيم أو تجزئة…… بإعداد ملف تقني ينجز من طرف مهندس مساح طبوغرافي ينتمي إلى القطاع الخاص [.كما انه بالرجوع إلى القانون 30,93 المتعلق بتنظيم مهنة المهندسين المساحين الطبوغرافيين نجد في فصله الأول ينص (تناط بالمهندس المساح الطبوغرافي مهمة القيام باسمه وتحت مسؤليته بإعداد الدراسات والعمليات والتصاميم والوثائق التي ترجع إلى الجيوديزية أو وضع الخرائط الطبوغرافية او تدخل في انجاز رسوم العقارات على اختلاف مقاييسها وأساليب مباشرتها وتحديد العقارات والقيام الخبرة في الميدان العقاري او تتعلق بالملكية المشتركة والتجزئات المنصوص عليها في المواد 4 -14-16 من القانون رقم 25,90)وبالتالي نجده قد حدد صلاحيات تدخل المهندس المساح المنتمي إلى مصلحة المسح في كل من المهام المنصوص عليه في المواد 16.14.4 دون أي ذكر للمادة 32 المتعلقة بتحديد وقيد التجزئة
المطلب الثاني: الجهات المرصدة لانجاز التحديد وازدواجية أثاره.
سيكون تحليل هذا المطلب في شكل فقرتين نخصص الفقرة الأولى: (للجهات المكلفة بإنجاز عملية التحديد) في حين أن الفقرة الثانية: ستكون (عن ازدواجية آثار التحديد)
الفقرة الأولى : الجهات المرصدة لانجاز عملية التحديد .
إن المنطق يقضي بأن لكل عملية من العمليات القانونية جهاز ما يكون مرصد لانجازها حتى تحقق الغاية المنشودة منها،وارتباط مع موضوع تحديد التجزئة فإن المشرع المغربي بدوره بارك هذا التوجه حيث كلف فئة المهنديسين تسمى (بفئة المهندسين المساحين الطبوغرافيين) للقيام بعملية التحديد كجهاز مؤهل وذو كفائة عالية في مجال المسح الطبوغرافي وقد تم تنظيمها بمقتضى القانون 30,93 والذي جاء في فصله الأول (أن المهندس الطبوغرافي هو ذلك المهندس الذي تناط به مهمة القيام باسمه وتحت مسؤوليته بإعداد الدراسات والعمليات والتصاميم والوثائق التي ترجع إلى الجيوديزية ووضع الخرائط الطبوغرافية أو تدخل في انجاز رسوم العقارات على اختلاف مقاييسها وأساليب مباشرتها وتحديد العقارات والقيام بأعمال الخبرة في الميدان العقاري او تتعلق بالملكية المشتركة والتجزئات المنصوص عليها في المواد(4،14,15( من القانون 25,90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
وما يجب الإشارة إليه في هذا الصدد وبعد الإطلاع على المقتضيات القانونية المنظمة لهذه الفئة نجد أن المشرع قيد ميز ضمنيا بين نوعين من المهندسين ،فهناك مهندس مساح طبوغرافي محلف ،ومهندس مساح طبوغرافي ينتمي إلى القطاع الخاص وهو ما يقودنا إلى التساؤل عن الفرق بين كل منهما ?
والذي يتجلى بالأساس في كون أن :
المهندس المساح الطبوغرافي هو مهندس ينتمي إلى مصلحة المسح العقاري وهي عبارة عن جهاز إداري يعمل بالموازاة مع المحافظة العقارية وهما هيكلين داخليين يتمتعان بالاستقلال المالي والإداري والشخصية المعنوية وينطويان تحت اسم الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية وذلك طبقا للقانون 58.00 المحدث لها.
حيث تتلخص مهام مصلحة المسح العقاري في :
إنجاز تصاميم المسح العقاري في اطار التحفيظ العقاري
انجاز وثائق المسح الوطني وحفظها
جمع المعلومات المتعلقة بالأراضي العارية التابعة للدولة والأوقاف العامة والكيش والجماعات السلالية والجماعات والمؤسسات العمومية الواقعة داخل المدارات الحضرية والمراكز المحددة والمناطق المحيطة بها
حفظ الربائد ووثائق المسح العقاري وتزويد العموم بالمعلومات المضمنة بها
معلومات المسح العقاري مرقمنة ومحينة رهن اشارة المستعملين .
أما المهندس المساح الطبوغرافي المنتمي للقطاع الخاص فقد تطرق المشرع المغربي للأحكام المنظمة له من خلال( الفرع الاول من الفصل الثاني )من القانون 30,93 حيث نصت المادة 4 منه (يزاول المهندس المساح الطبوغرافي مهنته في القطاع الخاص
إما باعتباره مستقلا
وإما باعتباره أجير لمهندس مساح طبوغرافي مستقل أو لشركة تتكون من مهندسين مساحين طبوغرافيين
وأما بوصفه مديرا لقطاع طبوغرافي تابع لشركات متعددة الأنشطة تزاول بصورة تبعية مهنة الهندسة المساحية الطبوغرافية ).
كما أشارت المادة 8 من نفس القانون (إلى أنه يجوز للمهندسين المساحين الطبوغرافيين أن يؤسسوا شركات أشخاص لمزاولة مهنتهم بشرط ان يكون جميع المشاركين فيها أعضاء في هيئة المهندسين المساحين الطبوغرافيين )
غير أنه سواء تعلق الأمر بالمهندس المساح الطبوغرافي المنتمي إلى مصلحة المسح العقاري او المهندس المساح الذي ينتمي للقطاع الخاص فان المشرع قد الزم كل منهما من اجل الاعتراف لهما بتلك الصفة وبالتالي مزاولة أعمال الطبوغرافيا التسجيل في جدول هيئة المهندسين المساحين الطبوغرافيين وهي عبارة عن هيئة تتمتع بالشخصية المعنوية تضم أشخاص ماديين ا ومعنويين راغبين في القيام في القطاع الخاص او العام بالأعمال المهنية المحددة في المادة الأولى كما يجب عليهم ان يطلبو قيدهم قبل الشروع في مزاولة المهنة (الفصل 25 من الباب الثاني من نفس القانون) كما انه بالرجوع إلى الفرع الأول من الفصل الأول نجد أن المادة 26 منه قددت الشروط الواجب توافرها في كل من يريد أن يتسجل في هيئتها.
وما يجب إثارة الانتباه له في هذا المضمار أن المشرع المغربي قد حدد نوع المهندس الذي يجوز له أن يقوم بعملية تحديد التجزئة وهو المهندس المساح الطبوغرافي المنتمي إلى القطاع الخاص والمقيد بجدول الهيئة المشار اليه أعلاه (وهي مسألة سبق الإشارة إليها في تحليل سابق، الحدود الفاصلة للتحديد).ليخرج بذلك من دائرة تحديد التجزئة كل من المهندس المنتمي إلى مصلحة المسح والتقني الطبوغرافي. حيث أن المشرع المغربي في إطار القانون 12,57 المتمم للفصل 19 من قانون التحفيظ العقاري خول له إمكانية ممارسة جزء من اختصاصات المهندس الطبوغرافي وذلك تحت إشرافه ورقابته غير أن هذه الفئة اعتبرت هذا التعديل تعديلا يتيما وذو طابع تراجعي على اعتبار أن فئتهم تقوم بنفس مهام المهندس الطبوغرافي بل وتسهر أكثر منه على القيام بعمليات التحديد والعمليات اللاحقة له بسرعة وفعالية مضاعفة ورغم ذلك فإنها وجهت بالإجحاف من طرف المنظومة القانونية التي لم تنص على أي مقتضى قانوني يخول لها الحصول على شهادة الكفاءة المهنية للمهام التي يزاولونها .
وعلاوة على ذلك فانه يتعين علينا تسليط الضوء على الجهات المراقبة لأعمال المهندس المساح الطبوغرافي على اثر انجازه لعملية تحديد التجزئة والمتمثلة أساسا في جهازين :
مصلحة المسح العقاري وهذا ما نص عليه كل من الفصل 17( يودع الملف التقني لدى مصلحة المسح العقاري المختصة التي تقوم بمراقبته ونقله على خريطة المسح العقاري والتأشير عليه وحفظه)
والفصل 22 (بمجرد مراقبة التصميم من طرف مصلحة المسح العقاري المختصة)من المرسوم 2.13.18 التعلق بإجراءات التحفيظ العقاري
الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين فهي تحكم الجهاز المعني وتؤطر ممارسة المهنة وتزجر المخالفات والانزلاق
الفقرة الثانية : إزدواجية آثار التحديد .
الراجح في القانون أن أي إجراء او عملية منظمة قانونا أي أنها خاضعة لمقتضيات قانونية تترتب عنها بالضرورة أثر قانوني وهو الحاصل مع عملية التحديد حيث بمجرد اجرائها تترتب عنها مجموعة من الآثار .
اثأر التحديد في إطار نظام التحفيظ العقاري :يترتب عن إجراء التحديد النهائي :
معرفة حدود العقار وتعيين معالمه ومشتملاته بالإضافة إلى العلم بمساحته الحقيقة
بيان الحقوق العينية أو الشخصية المترتبة على العقار في حالة وجودها وبالتالي تطهيره من جميع التحملات التي يثيرها فيما بعد الأغيار والتي لم يطالب بها أثناء اجل التعرض الذي يفتحه
وصف مفصل للعقار الذي ينبغي ان يكون مطابقا لبيانات الخريطة المرفقة بالرسم العقاري
معرفة المجاورون الأصليون للعقار أي أصحاب العقارات المجاورين له
تأسيس رسم عقاري خاص بالعقار الذي كان موضوع تحديد الذي يبقى محفوظا بالمحافظة العقارية
تأسيس خريطة للعقار تتضمن بيانا هندسيا لموقع العقار ومساحته وحدوده
الآثار المترتبة عن التحديد في إطار التجزئة العقارية ينتج عن انجاز عملية تحديد تجزئة عقارية :
معرفة حدود ومساحة كل قطعة على حدة وكذا معالمها ومشتملاتها
تجزيء وتقسيم الرسم العقاري إلام إلى مجموعة من الرسوم الخاصة بكل قطعة عقارية
معرفة المجاورون لكل قطعة من التجزئة العقارية
نقل الارتفاقات والتحملات المصرح بها قانونا في الرسم العقري الأم للعقار إلى الرسم العقاري الجزئي الخاص بالقطعة والتي وقع مصادفتها لها
انجاز تصميم للتجزئة يبين بشكل دقيق وواضح مشتملات القطع من تجهيزات كالطرق والأرصفة ومواقف السيارات……
ومن خلال ما سبق. تناوله في أعلاه تجب الإشارة إلى انه ترسخت لدينا فكرة مفادها ان هناك علاقة ترابط وتكامل بين عملية التحديد الخاصة بمسطرة التحفيظ وتلك الخاصة بعملية تحديد التجزئة على أن معالمها تظهر بشكلي بارز من زاوية النص الخاص الذي يفيد بأنه لا يمكن الحديث عن تجزئة عقارية او تحديدها دون ان تكون أرضيتها محفظة و محددة سلفا في إطار مسطرة التحفيظ السابقة لتأسيس الرسم العقاري.
المبحث الثاني : قيد التجزئات العقارية بين المقتضيات العامة والخاصة
إن المشرع المغربي لم يجعل حدا بين الحقوق سواء كانت أصلية أو تبعية فهي تخضع لإجراءات واحدة هي إجراءات التقييد في سجل الواحد وهو السجل العقاري، بحيث حدد المشرع المغربي نوعية الحقوق الخاضعة للتقييد، وذلك من خلال التطرق إلى التصرف الواجب تقييدها وفق المقتضيات العامة المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري في المعدل والمتمم بالقانون 14.07 والتصرفات الواجب تقييدها وفقنصوص خاصة كما هو الشأن بالسبة للقانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم الأراضي، وهو ما سنحاول أن نعرج عليه من خال مطلبين، نخصص المطلب الأول للحديث عن التقييد وفق المقتضيات العامة، على أن نخصص المطلب الثاني للحديث عن خصوصية قيد التجزئة العقارية في السجل العقاري، وللآثار المترتبة عليها.
المطلب الأول : التقييد وفق المقتضيات العامة
قبل الحديث من مسطرة قيد التجزئة العقارية لابد أن نشير إلى مفهوم التقييد بشكل عام، جاء في ظهير 1913 حيث أن المشرع المغربي استعمل التسجيل أحيانا ومصطلح التقييد أحيانا أخرى، إلى أن الغاية والهدف منهما هو تقييد التصرفات بالسجل العقاري المتعلقة بالحقوق العينية العقارية وهو ما استقر عليه المشرع المغربي عند مراجعته لظهير التحفيظ العقاري لسنة 1913 الذي عدل وتمم بمقتضى القانون رقم 14.07 المعدل والمتمم لظهير التحفيظ العقاري ، وهو ما تم التأكيد عليه كذلك من خلال مقتضيات الفصل الأول في فقرته الثالثة حينما أدرج مصطلح التقييد عوض التسجيل حينما عرف لنا التحفيظ العقاري والهدف منه.
وبالرجوع إلى الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون رقم 14.07 نجده بنص على أنه يحب أن تشهر بواسطة التقييد بالرسم العقاري جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء ومجانية كانت أو بعوض وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري وجميع الأحكام المكتسبة لقوة الشيء المقضي به متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسس حق عيني عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه.
ويتضح من خلال هذا الفصل أن المشرع حدد مبدئيا الحقوق التي ينبغي أن تخضع للتقييد بكيفية دقيقة ومحكمة، ولم يترك المجال للمحافظ أو غيره لتقدير الحقوق التي يجب تقييدها والحقوق التي لا يجب تقييدها وهذا ما عبر عنه أحد الفقهاء بأنه يجب أن يقيد من قبل المحافظ ما يجب تقييده وفقا ما يجب تقييده
وبالرجوع إلى الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07 نجده حدد الوقائع والحقوق الواجب تقييدها والتي تتمثل في يلي :
جميع الأعمال والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض؛ جميع الأحكام التي تكتسب قوة الشيء المقضى به متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عقاري أو نقله إلى الغير أو إقراره أو تغييره أو إسقاطه.
بالإضافة إلى الحقوق العينية الخاضعة للتقييد في الرسم العقاري أوجب المشرع المغربي تقييد بعض الحقوق في الرسم العقاري أوجب المشرع المغربي تقييد بعض الحقوق ذات الصبغة الشخصية على سبيل الاستثناء وزيادة في الضمان.
بالرجوع إلى الفصل 65 في فقرته الأخيرة نجده ينص على أن جميع عقود أكرية العقارات التي تفوق مدتها ثلاث سنوات .
كل إبراء أو حوالة لقدر مالي يوازي كراء أو بناء أرض لمدة تزيد عن السنة غير مستحقة الأداء.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجب على كل شخص بطلب تقييد أو بيانا أو تقييد احتياطي بالرسم العقاري أن يقدم للمحافظ على الأملاك العقارية طلبا مؤرخا وموقعا من طرفه أو من طرف المحافظ في حالة جهله أو عجزه عن التوقيع يجب أن يتضمن من الطلب بيان وتعيين ما يلي :
العقار الذي يعنيه هذا التقييد وذلك بيان رقم رسمه العقاري
نوع الحق المطلوب تقييده.
أصل التملك وكذا نوع وتاريخ العقد الذي يثبته
الحالة المدنية للمستفيد من التقييد المطلوب إنجازه
وعند الاقتضاء بيان ما يطلب تقييده، في نفس الوقت الذي يطلب فيه تقييدالحق الأصلي، من أسباب الفسخ أو قيد على حق التصرف أو أي تقييد خاص به آخر، والكل مع بيان الحالة المدنية للمستفيدين من التقييد المذكور.
يرفق بالطلب كل حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به أوكل عقد أو وثيقة أدلى بها تدعيما لهذا الطلب
المطلب الثاني : خصوصيات قيد التجزئة العقارية في السجل العقاري والآثار المترتبة عليها.
إلى جانب الحقوق التي أوجب المشرع المغربي تقييدها طبقا للفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري المتمم والمعدل بالقانون رقم 14.07، فهناك مجموعة من الوقائع والتصرفات يمكن تقييدها بالرسم العقاري وهي تصرفات جاء ذكرها في نصوص ومقتضيات خاصة، وما يخصنا نحن من هذه المقتضيات والنصوص الخاصة القانون 25.90 المتعلق في الجزئية الخاصة بقيد التجزئة العقارية في السجل العقاري.
وتنبغي الإشارة إلى أن المشرع المغربي أكد وألزم أن تكون الأرض موضوع التجزئة العقارية أو العقار الأم محفظا أو في طور التحفيظ وذلك من خلال المادة الخامسة من القانون 25.90، وبالرجوع إلى مضمون هذه المادة نجدها تنص على أنه “لا يقبل طلب التجزئة المنصوص عليه في المادة 4 أعلاه، إذا كانت الأرض المارد تجزئتها ليست محفظة ولا بصدد التحفيظ، ولا يكون الطلب مقبولا إذا تعلق الأمر بأرض بصدد التحفيظ إلا إذا كان الأجل المحدد لتقديم التعرضات على التحفيظ قد انصرم دون تقديم أي تعرض على تحفيظ العقار المراد تجزئته
وتأكيدا على ما سبق وبالرجوع أيضا إلى المادة السادسة 6 من المرسوم التطبيقي للقانون 25.90 نجدها تنص على ما يلي: “يجب على صاحب الشأن لأجل تطبيق المادة 5 من القانون المشار إليه أعلاه رقم 25.90 أن يضيف كذلك إلى طلب الإذن في القيام بتجزئة عقارية.
شهادة من المحافظة على الأملاك العقارية تثبت أن الأرض المراد تجزئتها محفظة أو في طور التحفيظ وأن الأجل المحدد لإيداع التعرضات في هذه الحالة قد انصرم من غير أن يقدم أي تعرض في ذلك.
لذلك يجب على العقار موضوع التجزئة العقارية أو العقار الأم أن يكون محفظا أو في طور التحفيظ لتفادي كل النزاعات المتعلقة بالملكية العقارية للأرض موضوع التجزئة.
وتجدر الإشارة أن قيد التجزئة العقارية يكون في الرسم العقاري أو الصك العقاري الخاص بالعقار الأم أو العقار موضوع التجزئة العقارية، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 32 من القانون رقن 25.90.
وبالرجوع إلى المادة السالفة الذكر (المادة 32 من 25.90) نجدها تنص على ما يلي: “لا يباشر قيد التجزئة في الصك العقاري للعقار محل التجزئة ونقل تصميم التجزئة على الخريطة العقارية الخاصة به إلا وضع الخريطة.كما أن المادة 17 من المرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بالتحفيظ العقاري.
يقوم كل طالب للتقسيم أو التجزئة أو تطبيق نظام الملكية المشتركة أو الإدماج أو مطابقة التصميم العقاري للحالة الراهنة للعقار أو إعادة الأنصاب بالنسبة للعقار المحفظ أو في طور التحفيظ الذي تم إنجاز تصميمه العقاري بإعداد ملف تقني ينجز من طرف مهندس مساح طبوغرافيا ينتمي إلى القطاع الخاص مسجل بجدول الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين.
يتضمن الملف التقني التصميم العقاري ومحضر التحديد الموقع من الأطراف المعنية والمهندس المساح الطبوغرافي المذكور، مع ضرورة مطابقتها للمعطيات المضمنة في العقود والوثائق المتعلقة بالعملية المطلوبة.
يودع الملف التقني لدى مصلحة المسح العقاري المختصة التي تقوم بمراقبته ونقله على خريطة المسح العقاري والتأشير عليه وحفظه، الناتجة عن عمليات التحديد والإدلاء بنسخة مشهود بمطابقتها للأصل من محضر التسلم المؤقت وبالنظام المتعلق بالأجزاء المشتركة المشار إليه في المادة 45 من هذا القانون إن اقتضى الحال بذلك.
ويجب على صاحب التجزئة فور نقل تصميم التجزئة على الخريطة العقارية الخاصة بالعقار موضوع التجزئة أن يطلب من المحافظة العقارية إنشاء وصك عقاري خاص بكل بقعة من البقع الناتجة عن التجزئة.
وبقراءتنا لمقتضيات المادة أعلاه نستشف أن المشرع المغربي ألزم صاحب التجزئة العقارية بقيد التجزئة في السجل العقاري وينبغي الإشارة إلى أن هذا القيد أو التقييد لا يتم إلا بعد قيام المحافظ على الأملاك العقارية بوضع الخريطة الناتجة عن عمليات التحديد من جهة أو إدلاءها صاحب التجزئة بنسخة مشهود بمطابقتها لأصل محضر التسلم المؤقت وبالنظام المتعلق بالملكية المشتركة إن اقتضى الأمر ذلك.
وبالتالي فإنه لقيد التجزئة العقارية في الصم العقاري لابد من :
نقل التصميم المتعلق بالتجزئة على الخريطة العقارية الخاصة به.
الإدلاء بشهادة من نسخة مشهود لمطابقتها للأصل محضر التسلم .
تحديد نظام الأجزاء المشتركة المشار إليه في المادة 45 من القانون 25.90.
ينبغي الإشارة إلى أن التقييد في السجل العقاري له أهمية بالغة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لما يوفره من ضمانات هامة على العقارات ومختلف الحقوق الواردة عليها، بحيث تخول لمن يعنيه أمر عقار ما الاضطلاع على وضعيته، بحيث أنه لا يمكن الاضطلاع على وضعيته والعلم به بواسطة قيده بالسجل العقاري، هذا بالإضافة إلى أن من أهم الآثار المترتبة على قيد التجزئة العقارية بالسجل العقاري، هو إلحاق الطرف والشبكات والتجزئة العقارية والمجموعة السكنية بالأملاك العامة بكون محل محضر يحب تقييده باسم الجماعة في الصك العقاري والمجموعة السكنية وتقسيم العقارات.
هذا بالإضافة إلى ما جاء في المادة 18 من القانون 57.12 المتعلق بالتحفيظ العقاري ينقل المحافظ على الأملاك العقارية إلى الرسوم العقارية المستخرجة جميع الحقوق العينية والتحملات المترتبة على العقارات أو أجزاء العقارات المقسمة أو المدمجة.
خاتمة :
في ختام هذه الدراسة الخاصة بنظام تحديد وقيد التجزئات العقارية نود الإشارة إلى أن هاتين العمليتين تعتبران من أهم الإجراءات التي تتمتع بها منظومة التجزئة العقارية فهي من حيث التحديد تعطي نظرة أخرى أو صورة أخرى للخريطة العقارية، فهي تحدد المعالم الجديدة للعقار، أما من حيث القيد فهي تقوم بخلق صك عقاري خاص بكل بقعلة على حدة أي أن كل بقعة تفصل نفسها عن البقع الأخرى بمعنى آخر أن كل بقعة تصبح مستقلة عن باقي البقع.
بقلم ذ محمد شكر
طالب باحث بماستر العقار والتعمير السويسي الرباط
اترك تعليقاً