أبحاث قانونية ودراسات هامة حول استقلالية النيابة العامة

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

بقلم ذ إسماعي​ل عادل

 

طالب باحث في سلك ماستر التقنيات البديلة البديلة لحل المنازعات بالمحمدية

باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة و السلام على سيدي الخلق و المرسلين أما بعد مما لايخفى علينا جميعا أننا بصدد الحديث و التوسع في إشكالية محورية خلقت ضجة فكرية لمختلف أصناف شرائح المجتمع في العشر سنوات الماضية ألا وهي استقلالية النيابة العامة وهي جزء لايتجزء عن الهيئة القضائية بل الأكثر من ذلك

هي دعامة أساسية لاستقلال القضاء ومؤشر لمقدار تطور المجتمع. وبالموازنة بين هذين الأخيرين يمكن قياس سمو حضارة من عدمها. واستقلالية القضاء. تعكس هذا المعطى. وما تجد الإشارة إليه أن هذه الاستقلالية تجد سندا دستوريا في دستور 2011 الأمر الذي غاب إلى حد بعيد في الدستور السابق لسنة 1996. وبعد إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي كان له الفضل في الحسم بين الخلاف الحاصل في الدستور السابق حول طبيعة القضاء هل هو سلطة أم وظيفة.

ولعل ما يكرس استقلال القضاء بشكل عام كجهاز كامل ومتكامل المصادقة على القانون التنظيمي 33.17 الذي يقضي بنقل اختصاصات النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك ووضع الحد للتداخل الحاصل بين السياسي و القضائي. ومن هذا المنطلق يمكننا صياغة الإشكالية التالية .

إلى أي حد استطاع المشرع المغربي تعزيز ضمانات استقلالية النيابة العامة ؟

سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال مبحثين أساسيين.
المبحث الاول: الوضعية القانونية للنيابة العامة قبل صدور القانون رقم 33.17 .

المبحث الثاني: استقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل دعامة أساسية لتوطيد مبدأ الاستقلالية القضائية.

المبحث الأول: الوضعية القانونية للنيابة العامة قبل صدور القانون رقم 33.17.
يمكن القول بداية إن النيابة العامة قضاء من نوع خاص أوكل إليه المشرع السهر على التطبيق السليم للقانون ترسيخا للعدالة وحقوق الإنسان و الحريات الأساسية للأفراد علاوة على دورها التقليدي في محاربة الجريمة ومن خصائصها إلى جانب وحدة أعضائها خضوعها لمبدأ التسلسل الرئاسي فهي توصف بأنها قضاء التعليمات .وتتميز الوضعية القانونية للنيابة العامة بازدواجية صفاتها فهي من جهة مرتبطة بالسلطة التنفيذية ومن جهة أخرى تعتبر جزءا لايتجزأ من الهيئة القضائية. ولهذه الازدواجية أثرها على النظام القانوني للنيابة العامة.

ولهذا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين.
المطلب الأول: ارتباط النيابة العامة بالسلطة التنفيذية.
المطلب الثاني: الضمانات القانونية المتاحة لقضاة للنيابة العامة.
المطلب الأول: ارتباط النيابة العامة بالسلطة التنفيذية.
إن معرفة السلطة التي ستتبع لها النيابة العامة أثارت نقاشا مستفيضا وخلافا كبيرا بين الفقهاء و الباحثين فهناك من يرى أنها جزء من السلطة القضائية وهناك من يرى أنها جزء قضاء من نوع مختلط وهناك من يغلب الصفة الإدارية للنيابة العامة على صفتها القضائية ودليله في ذلك إن النيابة العامة تخضع للتسلسل الرئاسي تحت إشراف وزير العدل خلافا لقضاء الحكم .

ولهذا سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين.
الفقرة الأولى: خضوع النيابة العامة للتسلسل الرئاسي.
الفقرة الثانية: الاستثناءات الواردة على خضوع النيابة العامة للسلطة الرئاسية.

الفقرة الأولى: خضوع النيابة العامة للتسلسل الرئاسي.

إن مبدأ خضوع النيابة العامة للسلطة الرئاسية يعني ان على عضو النيابة الامتثال للأوامر و التعليمات التي يوجهها اليه رؤساؤه المباشرون و يوجد على رأس هذا التسلسل الرئاسي وزير العدل، فهذا الأخير هو الرئيس الأول و المباشر لأعضاء النيابة العامة، رغم أنه لا ينتمي الى سلك القضاء، و هو جزء من السلطة التنفيذية باعتباره عضو في الحكومة. و في هذا الإطار ينص الفصل 56 من قانون 11-11-1974 بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء على أنه “يوضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة وزير العدل و مراقبة و تسيير رؤسائهم الأعلين” و هذا ما يؤكد الارتباط القوي بين جهاز النيابة العامة و الجهاز التنفيذي.

إن الخضوع لسلطة الوزير، و احترام التسلسل الرئاسي هو القاعدة الأساسية في نظام الإدارة العمومية، ” و يعني سريانها على أعضاء النيابة العامة أنها تتدرج بدورها في نفس النظام، بحيث يضفي على الهيئة القضائية صفة لا تنسجم مع مبدأ الاستقلال الذي يعني مباشرة إخراجها من ميدان الإدارة بصفتها أداة السلطة التنفيذية”

و هذا الخضوع للنيابة العامة الى سلطة وزير العدل، أو واجب احترام التسلسل الترتيبي الذي يمكن ان نستشفه من عدة مقتضيات منصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية. و هكذا فإن المادة 38 تنص على أنه ” يجب على النيابة العامة أن تقدم ملتمسات كتابية، طبقا للتعليمات التي تتلقاها، ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 51 من ق م ج التي تنص على أنه لوزير العدل أن يبلغ للوكيل العام للملك ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي، و أن يأمره كتابة بمتابعة مرتكبيها أو يكلف من يقوم بذلك، أو أن يرفع إلى المحكمة المختصة ما يراه الوزير ملائما من ملتمسات كتابية.

و المادة 49 تنص صراحة على أن الوكيل العام للملك يتلقى الشكايات و الوشايات و المحاضر الموجهة إليه، و يتخذ بشأنها ما يراه ملائما من الإجراءات، أو يرسلها مرفقة بتعليماته إلى وكيل الملك المختص

و تتجلى أيضا سلطة وزير العدل من الفصل 3 من مرسوم 23/12/1975 الخاص بشروط و كيفية تنقيط القضاة و ترقيتهم، فوزير العدل هو الذي يسهر بنفسه على تنقيط الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف. و هذا يعني أنه هو الذي يتحكم إلى حد بعيد في زمام السرعة التي تتم بها ترقياتهم إلى درجات أعلى .

و بالرغم من أن هذه المقتضيات تدل دلالة قوية على مدى خضوع النيابة العامة لنظام التسلسل الرئاسي، فإنه يمكن مع ذلك إن نتصور إمكانية التخفيف من صرامة هذه المقتضيات.

وأن هذا الخضوع لم يبقى في فضاء مطلق للتعليمات كما كان شائعا عنه وإنما أضحى قضاة النيابة العامة يتمتعون بهامش حرية أكبر. إذ أصبحوا لايتقيدون إلا بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التابعون لها. وفي هذا ارتقاء بمؤسسة النيابة العامة ودسترة لطريقة عملها وتنفيذها للتعليمات الموجهة إليها ونوع من الرقابة المسبقة من طرف النيابة العامة للتعليمات الموجهة إليهم. إذ أنهم لا يلتزمون في ظل الدستور الجديد إلا بتنفيذ التعليمات شريطة أن تكون كتابة وقانونية وهو ما يعني توجه المشرع الدستوري بشكل يعزز استقلاليتهم ويضمن فصلا تاما بين عمل النيابة العامة وما يمكن أن يتأثر به أعضائها من تعليمات تصدر عن السلطة التنفيذية في شخص وزير العدل.

الفقرة الثانية: الاستثناءات الواردة على خضوع النيابة العامة للسلطة الرئاسية.

إن مبدأ خضوع النيابة العامة للسلطة الرئاسية يمكن أن تحده مجموعة من الاعتبارات أو الاستثناءات التي يمكن ان نجملها فيما يلي

أولا: إن الإجراءات التي يقوم عضو النيابة العامة تكون صحيحة و سليمة، بالرغم من إنها قد تباشر بالشكل الذي تتعارض معه أوامر و تعليمات رئيسه و يمكن ان نتصور هذه الحالة عندما يتسلح عضو النيابة العامة بالثقة اللازمة إثناء قيامه بمهامه و بالجرأة في الدفاع عن مواقفه و قناعاته. و مع ذلك فإن الرئيس الذي يكون معارضا لتوجهه يمكن له أن يغيره بأحد زملائه لإتمام باقي الإجراءات وفق توجهاته، أو أن يعطي تعليماته لعضو آخر من أعضاء النيابة لكي يمارس بشأن الإجراءات الأولى طرق الطعن المخولة له ان يمارسها أو أن يمارسها بنفسه.

ثانيا : كما يمكن للنيابة العامة أن تمارس حريتها و أن تتحرر من التقيد بتعليمات الرؤساء من خلال استغلال الرخصة المخولة لها في المادة 38 من ق م ج التي تنص على أنها ” و هي حرة في تقديم الملاحظات الشفهية التي ترى أنها ضرورية لفائدة العدالة، و ذلك بالاقتصار على تنفيذ التعليمات من خلال ملتمساتها الكتابية، و الإفصاح عن قناعتها الشخصية شفويا أثناء جلسات الحكم، وفق منطوق المثل الفرنسي القائل بأن: القلم عبد و الكلمة حرة.

المطلب الثاني :الضمانات المتاحة لقضاة النيابة

ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أنه على الرغم من كون قضاة النيابة العامة يخضعون كزملائهم قضاة الحكم للقانون الأساسي لرجال القضاء لسنة 1974 .فإنهم يتمتعون بمجموعة من الضمانات لكن تحدها نوع من النسبية ويتضح ذالك من خلال خضوعهم لسلطة وزير العدل.وهذا ما سنعمل على توضيحه في الفقرتين التاليتين .

الفقرة الاولى:الضمانات القنونية المتعلقة بالتعيين والترقية

أولا : تعيين القضاة
ما يثير الإثارة في هذه النقطة بالذات،أن مسألة تعيين قضاة النيابة العامة هي نفسها التي تطرأ على قضاة الحكم ذالك لكون النظام الأساسي لرجال القضاء لسنة 1974 لم يقم أي تمييز على هذا المستوى ،كما يفيد أنه كان لوزارة العدل وفقا للنظام السالف ذكره أعلاه حضور وازن في طريقة التعيين للملحقين القضائيين منذ الإعلام عن المباراة المتعلقة بالولوج إلى المعهد العالي لرجال القضاء حتى امتحان التخرج من المعهد .مع تسجيل تدخل محتشم للمجلس الأعلى للقضاء،بحيث اقتصر دوره فقط في تزكية التعيين ليس إلا. مما يوضح الهيمنة الكبرى والمكانة العظمى التي حظيت بها وزارة العدل آنذاك.

ثانيا :ترقية القضاة
ما قلناه على التعيين ينطبق إلى حد كبير على الترقية ، ووفقا لنفس القانون النظام الأساسي لرجال القضاء لسنة 1974. فوزير العدل له ما يكفي من الصلاحيات لتعزيز موقفه بحيث هو الساهر على إعداد اللائحة المتعلقة بالأهلية للترقي ،بعد استشارة للمجلس الأعلى للقضاء. وهذا ما ذهبت إليه المادة23 من القانون السالف ذكره و التي جاء فيها “يهيئ وزير العدل ويحرص سنويا لائحة الأهلية للترقي المشار إليها أعلاه بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء.وهنا يظهر الدور الخطير الذي يلعبه وزيرا لعدل بحيث بإمكانه حذف أي قاضي من اللائحة المعمول بها للترقي،ولذلك لما يتماشي مع مبادئه كحزب كن وإن لم تتضح الصورة بشكل عملي على الأقل نظريا الأمر حاصل وبقوة وهذا ما يتعارض مع مبدأ استقلالية القضاء برمته الواقف الجالس .ولم تتوقف سلطات وزير العدل عند هذا الحد بل تعدت ذالك إلى التأديب والنقل والعزل وهذا ما سنعمل على إيضاحه في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية :الضمانات القانونية المتعلقة بالتأديب ونسبية حصانتي النقل والعزل

أولا :تأديب القضاة

نظرا لما تكتسيه هذه المرحلة من أهمية فدستور 1996،أوكل مهمة السهر عليها إلى المجلس الأعلى للقضاء ،مع منح وزير العدل صلاحيات التدخل في مسطرة الخاصة بالتأديب .وهو ما يتعارض مع الخصوصية التي يمتاز بها قضاة النيابة العامة وما يستوجبه الاستقلال عن السلطة التنفيذية .بل يلاحظ توطيد العلاقة والتداخل الحصري بين السلطتين ،بحيث أن وزير العدل هو المتحكم في في تقدير تحريك المتابعة التأديبية من عدمها.كما أنه يكيف الخطاء الجسيم الذي ينسبه للقاضي وعلى هذا الأخير يتم التأديب.

فضلا عن هذا وذاك ،فوزير العدل هو الذي يحيل الوقائع المنسوبة للقاضي إلى المجلس الأعلى للقضاء وهو الذي يعين مقرر في الملف الرامي للتأديب،بعد أخذ رأي الأعضاء المعينين بحكم القانون في المجلس الأعلى للقضاء.

ثانيا :نسبية حصانتي النقل والعزل

ما يعاب على هذه النقطة، أنها حصانة متعلقة فقط بقضاة الحكم وليس قضاة النيابة العامة وهذا ما ذهب إليه الفصل 108 من الدستور الحاليحيث جاء في الفصل ما يلي :لا يعزل قضاة الحكم ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون .مما يفيد إغفال قضاة النيابة العامة مما يكرس مبدأ الخصوصية التي يمتاز بها هؤلاء ،لكن هذا الأمر يجعلهم عرضة للنقل من طرف وزير العدل إن لم نقل العزل لأي سبب كان حتى ولو بدون مبرر ما داموا يخضعون للنظام الرئاسي مع تربع وزيرا لعدل على أقصى الهرم التسلسلي .

بهذا فلا نبالغ صراحة إذا قلنا أن النظام الأساسي لرجال القضاء لسنة 1974 قد منح لوزير العدل ما يكفي من الصلاحيات اتجاه القضاة، واقتصار الدور المنوط بالمجلس الأعلى للقضاء في الدور الاستشاري .لكن القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية لسنة 2016 نقلت صلاحيات وزير العدل اتجاه القضاة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتباره المؤسسة الأجدر بتطبيق الضمانات الممنوحة لهم في ما يخص التعيين الترقية التأديب وغيرها من الصلاحيات، ليتحول من الوضع الاستشاري إلى الوضع الفعلي وهو عودة للأصل لكون صاحب الاختصاص الأصيل في وضع التقارير حول وضعية القضاة ومنظومة العدالة بشكل عام.

وما يعزى قوله هنا،أن دستور 2011 لم يحسم في الوضعية التي ستصبح عليها النيابة العامة مما يؤكد أن الإبقاء على السلطات الواسعة في يد وزير العدل هو ضرب في المقتنيات الدستورية ،ببساطة لكون الوضعية التي يوجد عليها هذا الأخير لا تجد أي سند دستوري ،لتأتي القوانين التنظيمية الجديدة لتقول كلمتها وهذا ستشعر في تفسيره في المبحث الثاني.

المبحث الثاني
إستقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل دعامة أساسية لتوطيد مبدأ الإستقلالية القضائية

إن استقلال السلطة القضائية كما يعرف الجميع كان ولا يزال يرفع من طرف أطياف المجتمع برمته, لما في ذالك الاستقلال من ضمان لسيادة القانون وهيبة الدولة ومؤسساتها, وإحترام حقوق وحريات الأفراد والجماعات, ويعتبر استقلال السلطة القضائية بحق مقياسا لمدى جدارة أي نظام بحمل لقب ديمقراطي ذالك خضوع الجميع لأحكام القانون كآلية تكشف عن مدى الوعي المتحضر يتطلب بالضرورة أن تسند مهمة تطبيق ذلك القانون لجهة معترف لها بهذا الدور. ومن المعروف أن هذا الدور منوط بسلطة دستورية ألا وهي السلطة القضائية فهي السلطة التي يخول لها القانون حق البث في مسألة جوهرية وهي مسألة الحقوق والحريات, فهذه الأهداف لا يمكن الوصول إليها إلا بوجود سلطة قضائية قوية قائمة على أساس الاستقلال المطلق على جميع ما يمكن أن يؤثر فيها وفي قراراتها.

وفي هذا السياق فإننا نرى توضيح بشأن مدى توقف تحقيق استقلال حقيقي للسلطة القضائية على استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية استقلالا تاما, وإسناد الإشراف على هذه المؤسسة تحت مسؤولية الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض باعتباره أصبح الرئيس القانوني لهذه المؤسسة

المطلب الأول : الصفة القانونية لرئيس النيابة العامة

شكل انتقال اختصاص الإشراف على النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيس النيابة العامة نقاشا حادا في الساحة المجتمعية بكل مكوناتها كل من موقعه

حيث يعد هذا الاستقلال خطوة دستورية وحقوقية متقدمة للفصل بين السياسي والقضائي, وأن استقلالية النيابة العامة عنصر لا غنى عنه لضمان سيادة القانون واحترام حقوق وحريات الأفراد والجماعات

وخروج تبعية النيابة العامة من سلطة وزير العدل ودخولها تحت إشراف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يعد تكريس وتأصيل لمبدأ الاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية والذي يستدعي استقلال القضاء بشقيه الجالس والواقف

والجديد الذي عرفته النيابة العامة في ضوء دستور 2011 هو دسترة طريقة عملها, إذ أشار الدستور ولأول مرة إلى قضاة النيابة العامة من خلال فصلين مختلفين :

الفقرة الثانية من الفصل 110 “التي تنص على أنه يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون, كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها

الفقرة الأخيرة من الفصل 116 التي تنص على أنه يراعي المجلس الأعلى للسلطة القضائية في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة, تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها

فرغم قراءة الفصلين لا تسعفنا هذه القراءة على معرفة طبيعة السلطة التي يتبع لها قضاة النيابة العامة

ليأتي القانون التنظيمي رقم 33.17 ليحسم لنا في الجهة التي ستتولى السلطة القانونية على النيابة العامة, وكذا نقل إختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيس النيابة العامة

وسن قواعد لتنظيم رئاسة هذه النيابة

وأوضح الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق بإسم الحكومة “مصطفى الخلفي “

في بلاغ تلاه خلال لقاء صحافي ” أن هذا القانون الذي تقدم به وزير العدل الذي يهدف إلى نقل إختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بإعتباره المسؤول القضائي الأول عن حسن سير النيابة العامة عبر الدفاع عن الحق العام وحماية النظام والعمل على صيانته, تحصينا لدولة الحق و القانون, كما يهدف إلى سن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة

إلا أن البعض أثيرت مخاوفه حول هذا التولي أي تولي الرجل القانوني الصفة الرئاسية على مؤسسة النيابة العامة.

الفقرة الأولى: إسناد رئاسة النيابة العامة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض

أثار موضوع إستقلال النيابة العامة ودخولها تحت رئاسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض مخاوف كثيرة من قبل بعض الناشطين الأكادمين والسياسين مؤطرين مخاوفهم تحت عنوان إشكالي “عن ما بعد إستقلال هذا الجهاز القضائي عن وزارة العدل,

منطلقين من مفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة بإعتباره مفهوم من المفاهيم الدستورية التي كرست في دستور 2011 في سبيل ترسيخ دولة الحق والقانون وتدعيم المؤسسات الدستورية والرفع من الحاكمة والنجاعة

حيث يعتقدون أن إستقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيدية من شأنه أن يؤدي إلى فقدان ألية مهمة وهي ألية الرقابة والمحاسبة من طرف الهيئات المنتخبة والمنبثقة عن صناديق الإقتراع

مؤكدين أن وزير العدل كان في إطار المحاسبة على رئاسة النيابة العامة كان في حينها يخضع لرقابتين أساسيتين

الأولى : تتمثل في رقابة رئيس الحكومة بإعتباره الرئيس المباشر له

والثانية: تتمثل في رقابة البرلمان عندما يمتثل وزير العدل أمام مجلسيه لمساءلته عن قراراته عندما تكون خارج عن نطاق القانون وتمس بمبدأ أستقلال القضاء في حين أن الصفة القضائية للرئيس الجديد لا تسمح بذلك

لكن الواقع العملي يبين عكس ذلك, وهذا ما سيتبين من خلال الحديث عن ضمانات تعزيز هذه الإستقلالية والتي أفردنا لها فقرة خاصة

الفقرة الثانية:ضمانات تعزيز إستقلالية النيابة العامة
أولا ينبغي الإشارة إلا أن مثل هذه التبريرات التي يحاول البعض تقديمها في الوقت البدل الضائع ضدا على تولي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الصفة الرئاسية على النيابة العامة هي تبريرات لا تصمد أبدا للمناقشة فعند الوقوف على صحة الضمانة التى يتمسكون بها في مسألة رقابة وزير العدل أمام الحكومة و البرلمان فنجد أنها تبقى مسألة نظرية لا غير

فمنذ فجر الإستقلال لم نشهد مطلقا أي مثال لمحاسبة البرلمان لوزارة العدل عن السياسات الجنائية المتبعة علما بـأنه ثمة منزلقات عدة عرفتها الساحة القانونية في أوقات متفرقة, وكل ما يقال لايعدو أن يكون مجرد شعارات مرفوعة تفتقد أبدا للتنزيل

ولا يجادل أحدا في ضرورة مراقبة الرئيس الجديد للنيابة العامة لكن هذا لايعني تخويل سلطة المراقبة للسلطتين التشريعية أو التنفيذية, لأن السلطة القضائية مستقلة ولها من المميزات ما يجعلها خاضعة لرقابة تضمن وتجسد إستقلاليتها

فالرقابة الحقيقية والناجعة لهذه الرئاسة تتجسد من خلال مجموعة من الضمانات وهي :

أولا: رقابة المؤسسة الملكية
حيث تجسد هذه الرقابة أكبر ضمانة لكون المؤسسة الملكية تبقى بقوة الواقع والدستور ضامنة لإستقلال السلطة القضائية, ولاشك أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هو مسؤول أمام جهة التعيين وهي المؤسسة الملكية

ثانيا: رقابة مجتمعية غير رسمية
والتي تتجلى أساسا من خلال دور المجتمع المدني والحقوقي والجمعيات المهنية القضائية في الرصد والمتابعة والتبليغ, وكذا وسائل الإعلام بمختلف أشكالها من خلال كشف مختلف الجرائم وواقع الظاهرة الإجرامية ومتابعتها لمختلف القضايا الجنائية المعروضة أمام المحاكم

ثالتا: رقابة ذاتية
وهي المتجسدة أساسا في إعتماد التعليمات الكتابية القانونية لتحديد المسـؤوليات والرفع من شفافية الإجراءات أمام الرأي العام.

وعدم إدراجنا لرقابة المجلس الأعلى للسلطة القضائية ليس إغفالا وإنما إيمانا بالدور الكبير لهذه المؤسسة لهذا أفردنا لها فصل مستقل

المطلب الثاني: دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في تعزيز استقلالية النيابة العامة.

الفقرة الأولى :على مستوى تأليف المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
إن استقلال المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتركبته الجديدة سيعزيز استقلال النيابة العامة وسيشكل قفزة نوعية لنهوض بمرفق القضاء وبتالي فلا يمكن الفصل بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية وجهاز النيابة العامة.

وتمهيدا لقراءة تحليلية في هذه التحولات الجديدة التي عرفتها بنية تأليف هده المؤسسة الدستورية نرى من المفيد الإشارة إلى أن موضوع هده المؤسسة استمر نقاش عميق حوله داخل أوساط القضاء والعدل وبصفة لافتة في أوساط الجمعيات الحقوقية الوازنة ليآخد موقعا بارزا ضمن توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة.

ففي السابق كان المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتشكل من الملك رئيس هدا المجلس ومن أعضاء كلهم قضاة باستثناء وزير العدل وهدا ما نص عليه الفصل 86 من دستور 1996

أما اليوم فقد أصبح المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتشكل بمقتضى الفصل 115 من دستور 2011 من الملك رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومن الرئيس الأول لمحكمة النقض رئيسا منتدبا ومن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ومن رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض ومن أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف ينتخبنهم هؤلاء القضاة من بينهم ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي ومن الوسيط ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومن خمسة شخصيات يعينها الملك مشهود لها بالكفاءة والتجرد و النزاهة ومن بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.

الفقرة الثانية : على مستوى اختصاص المجلس الأعلى للسلطة القضائية..

في هذه الفقرة سنقتصر على الحديث عن اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية المهمة التي تعزيز مكانة القضاة , ومن المعلوم أن السلك القضائي بالمملكة يتكون من هيئة واحدة تشمل قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة . ومن بين الاختصاصات الهامة التي تعزيز مكانة القضاة كسلطة مستقلة مسألة تعيين القضاة التي أضحى المجلس الاعلى للسلطة القضائية يحتكر هدا لاختصاص بموجب الفصل 57 من دستور 2011 والمستجد الهام ضمته يتمثل في سحب السلطة التقديرية في قرار التعين من الملك وإناطتها بأعضاء المجلس , وحصر تدخل الملك رئيس نفس المؤسسة الدستورية الصادر عنها قرار التعيين في حدود الموافقة تتوج بتزكية قرار التعيين بظهير ولقد نص الفصل 113 من الدستور على مايلي ” يسهر المجلس الاعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم… ” بينما الفصل 87 من دستور 1996 لا يعطي للمجلس سلطة التعيين وانما حصر آختصاصه في الترقية و التأديب , هدا يوضح مدى المسافة التي أقرها دستور 2011 بين سلطات الملك وبين اختصاصات المجلس الاعلى للسلطة القضائية غير أن الانتقال من ” يعيين الملك القضاة… ” المنصوص عليها في الفصل 84 من دستور 1996 إلى صيغة ” يوافق الملك بظهير على تعيين القضاة… ” المنصوص عليها في الفصل 57 من دستور 2011 ليس خطأ في الكتابة ولا إعادة صياغة لنفس المقتضي وإنما هو إعلان واضح عن تحول جدمهم في العلاقة بين سلطات الملك واختصاصات المجلس.

ومن بين الاختصاصات كدلك التي عرفت التعديل التفتيش القضائي فبالرغم من ان الدستور أسند للمجلس الاعلى للسلطة القضائية مهمة تسير الشأن القضائي , فإن السؤال المطروح هو هل المفتشية العامة للشؤون القضائية تابعة للمجلس ام أنها مستقلة عنه ? ونحن نعلم أن الفصل 116 من دستور 2011 في فقرته الثالثة ينص على مايلي ” يساعد المجلس الاعلى للسلطة القضائية في المادة التآديبية قضاة مفتشون من دوي الخبرة ” فمصطلح المساعدة الوارد في الدستور لا تعني بالضرورة الخضوع لسلطة المجلس وبتالي فتحقيق استقلال السلطة القضائية واحترام مبدأ فصل السلط يفرض تخول اختصاص تفتيش المحاكم الى المجلس الاعلى للسلطة القضائية حيث يجب أن تكون المفتشية العامة تحت السلطة المباشرة للرئيس المنتدب للمجلس حتى يكون هناك تفتيش مستمر للمحاكم .

وحقيقة الامر أن المادة 53 من القانون رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الاعلى للسلطة القضائية حسمت الامر بالتنصيص على أحداث لدى المجلس مفتشية عامة للشؤون القضائية يحدد القانون تآليفها واختصاصاتها ومجالات تدخلها وحقوق وواجبات آعضائها , ويشرف على المفتشية العامة للشؤون القضائية مفتيش عام يعين بظهير باقتراح من الرئيس المنتدب للمجلس بعد استشارة المجلس من بين قضاة الدرجة الاستثنائية على الاقل لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحد غير أنه يمكن وضع حد لهدا التعين قبل دلك. لفقرة الاولى :على مستوى تأليف المجلس

إن استقلال المجلس الاعلى للسلطة القضائية وتركيبته الجديدة ستعزز آستقلال النيابة العامة وسيشكل قفزة نوعية لنهوض بمرفق القضاء وبتالي فلا يمكن الفصل بين المجلس الاعلى للسلطة القضائية وجهاز النيابة العامة.

وتمهيدا لقراءة تحليلية في هذه التحولات الجديدة التي عرفتها بنية تأليف هده المؤسسة الدستورية نرى من المفيد الاشارة الى أن موضوع هده المؤسسة استمر نقاش عميق حوله داخل اوساط القضاء والعدل وبصفة لافتة في أوساط الجمعيات الحقوقية الوازنة ليآخد موقعا بارزا ضمن توصيات هيئة الانصاف و المصالحة.

ففي السابق كان المجلس الاعلى للسلطة القضائية يتشكل من الملك رئيس هدا المجلس ومن اعضاء كلهم قضاة بآستثناء وزير العدل وهدا ما نص عليه الفصل 86 من دستور 1996

أما اليوم فقد اصبح المجلس الاعلى للسلطة القضائية يتشكل بمقتضى الفصل 115 من دستور 2011 من الملك رئيس المجلس الاعلى للسلطة القضائية ومن الرئيس الاول لمحكمة النقض رئيسا منتدبا ومن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ومن رئيس الغرفة الاولى بمحكمة النقض ومن أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاسثئناف ينتخبنهم هؤلاء القضاة من بينهم ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الاعضاء العشرة المنتخبين بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي ومن الوسيط ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومن خمسة شخصيات يعينها الملك مشهود لها بالكفاءة والتجرد و النزاهة ومن بينهم عضو يقترحه الامين العام للمجلس العلمي الاعلى.

خاتمة
وأخيرا فإن إصدار قانون رئاسة النيابة العامة رقم 33.17 يكتسي رمزية كبيرة ودعامة أساسية لتوطيد استقلال القضاء لكونه يتوج نضال الطبقة الحقوقية المغربية مند عقود والتي نادت بإنهاء زمن التوظيف السياسي لهذه المؤسسة و ووضع حد للخلاف الدائر بين تداخل السلطة التنفيذية و السلطة القضائية كما شكل لحظة تاريخية تؤسس لبناء سلطة قضائية مستقلة في كل مكوناتها وتدعيم ثقة المواطن في القضاء وضمانة للرفع من الحكامة والنجاعة القضائية بعيدا عن أي تدخل خارجي في وضيفتها

بقلم ذ إسماعي​ل عادل
طالب باحث في سلك ماستر التقنيات البديلة البديلة لحل المنازعات بالمحمدية

أخر المقالات
الاملاك المخزنية
‘التظلم ‘الافتراضي’ لرجال الأمن و منزلق ‘الإخلال المهــنـــــي
سيدتان أردنيتان تطلقان منصة اجتماعية هي الأولى من نوعها
صحة إجراءات التبليغ للخادم وفق الفصل 38 من القانون المسطرة المدنية
(الحماية الجنائية للمستهلك من خلال القانون 08-31 (بتحديد تدابير لحماية المستهلكين
قراءة في مستجدات القانون رقم 65.15 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية
الإرادة في العقود الإلكترونية‎

الجريدة الرسمية
جاء في الجريدة الرسمية عدد 6644 – 14 جمادى الأولى 1439 الموافق ل 1 فبراير 2018
جاء في الجريدة الرسمية عدد 6643 – 11 جمادى الأولى 1439 الموافق ل 29 يناير 2018
جاء في الجريدة الرسمية عدد 6642 – 7 جمادى الاولى 1439 الموافق ل 25 يناير 2018
جاء في الجريدة الرسمية عدد 6641 – 4 جمادى الأولى 1439 الموافق ل 22 يناير 2018
جاء في الجريدة الرسمية عدد 6640 الموافق ل 30 ربيع الاخر 1439 – 30 يناير 2018
جاء في الجريدة الرسمية عدد 6639 الموافق ل 27 ربيع الاخر 1439 – 15 يناير 2018
جاء في الجريدة الرسمية عدد 6638 الموافق ل 23 ربيع الاخر1439 11 يناير 2018

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.