قانون دائرة الأحوال الجعفرية وقانون الأحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري – ورقة بحث كتبها علي العريان
تمهيد:
كفل الدستور الكويتي في المادة 35 حرية الاعتقاد واعتبرها من الحريات المطلقة التي لا يجوز تقييدها ، كما كفل في ذات المادة حرية ممارسة الشعائر الدينية وفرض على الدولة حمايتها و قيدها بقيد مطابقة العادات المرعية وعدم الإخلال بالنظام العام والآداب ، وإذا كانت المذكرة التفسيرية قد بينت بأن العقيدة – التي هي حق مطلق غير قابل للتقييد – مرتبطة بالسرائر أي أنها أمر قلبي ، يظهر جليا بأن الأحوال الشخصية هي جزء أصيل من الشعائر الدينية التي أوجب الدستور على الدولة حمايتها ، فالنصوص الدينية تصف الزواج والوقف والوصية وغيرها بأنها عبادات ، وبما أن ممارسة هذه الأحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري كانت جارية قبل نشأة الدولة ومنذ تكوين أول نواة لتشكيل الإمارة وهي بالبداهة لا تخل بالنظام العام ولا بالعادات المرعية بل إنها صميم هذه الآداب والعادات وأساس من أسسها ، أصبح لزاما على الدولة أن تدفع نحو تشريع قانون الأحوال الجعفرية صونا لهذا الحق الدستوري المسلوب من المواطنين والمقيمين من أتباع المذهب الجعفري في الكويت.
بل إن التداعيات الاجتماعيات الخطيرة لهذا الفراغ والإهمال التشريعي هي انتهاك واضح لمواد أخرى عديدة في الدستور مثل المادة 9 التي تنص على أن (( الأسرة أساس المجتمع ، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن ، يحفظ القانون كيانها ويقوي أواصرها ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة )) ، فهذا الإهمال التشريعي أدى إلى تعارض مخيف ما بين الحكم القانوني و الاعتقاد الديني الشخصي قد يقود – بالفعل أو القوة – إلى المساس بالأعراض و إيقاع البغضاء و النزاع بين أبناء الأسرة الواحدة فيما يتعلق بالإرث والوصية والوقف وغيرها كما سنبينه بتفصيل أكثر لاحقا.
ولا تقتصر المسألة على التزامات المشرع الدستورية بل إنها تتعداها إلى التزامات دولية منصوص عليها في مواطن عدة من الاتفاقيات الحقوقية الدولية التي صادقت عليها الكويت كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
وأما بالنسبة إلى التشريع العادي فينص قانون الأحوال الشخصية الحالي رقم 51 لسنة 1984 والمبني على أحكام مذهب الإمام مالك مع الأخذ بالمذاهب السنية الثلاثة الأخرى في بعض الجوانب وفقا للمصلحة ، ينص هذا القانون في المادة 346 فقرة أ على استحقاق من لا يتبع مذهب الإمام مالك من المسلمين بأن تطبق عليه أحكام مذهبه الخاصة ، وهذا نص المادة (( يطبق هذا القانون على من كان يطبق عليهم مذهب الإمام مالك ، فيما عدا ذلك فيطبق عليهم أحكامهم الخاصة بهم )) وبالتالي فقد فسح القانون المجال أمام تعدد الأجهزة القضائية المختصة بنظر دعاوى الأحوال الشخصية لما لها من ارتباط بعقيدة الفرد.
مقدمة:
صدر قانون تنظيم القضاء قبل الاستقلال من خلال المرسوم رقم 19 لسنة 1959م كما صدر قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 36 عام 1960 ثم صدر قانون تنظيم القضاء الحالي رقم 23 سنة 1990 وصدر قانون المرافعات الحالي رقم 38 سنة 1980 ، هذه القوانين هي الكفيلة بتنظيم المحاكم وإجراءات التقاضي أمامها وتنظيم ضمانات القضاء وتقسيم الدوائر القضائية واختصاص كل منها ، وتبدأ المشكلة بأن أيا من هذه القوانين السابق منها واللاحق لم يتطرق لدائرة أحوال جعفرية علاوة على غياب تشريع منظم لقوانين الأحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري مما اضطر بعض رجال القضاء للرجوع إلى علماء الدين الشيعة للفصل في منازعات الأحوال الشخصية بين أبناء المذهب الجعفري ، وهكذا تعارف أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بفرز دائرة إدارية بداية كل موسم قضائي للنظر في دعاوى الأحوال الشخصية الجعفرية ، ولأنها دائرة إدارية لا يجوز الدفع أمامها بعدم الاختصاص عند اختلاط القضايا ، بل إن درجات أعلى للتقاضي وبالتحديد التمييز لا تقوم بالفصل في هذه الدعاوى وفق المذهب الجعفري ، وبالتالي فأبناء المذهب الجعفري أمام مشكلتين مرتبطتين ارتباطا وثيقا: الأولى هي عدم وجود دائرة أحوال جعفرية منشأة بقانون مما يؤدي إلى عدم إمكان الدفع بعدم الاختصاص ، والمشكلة الثانية هي عدم وجود قانون أحوال شخصية وفق المذهب الجعفري مما يؤدي إلى الفصل في بعض درجات التقاضي بين أبناء المذهب الجعفري وفق المذهب السني مما ينتج تداعيات اجتماعية ودينية خطيرة .
* المشاكل الناتجة عن عدم وجود قانون أحوال شخصية وفق المذهب الجعفري:
كل موضع اختلاف ما بين الفقه الجعفري وقانون الأحوال الموجود حاليا يشكل مشكلة تنعكس على أرض الواقع ، ومن مصاديق هذه المشاكل ما يلي:
– بطلان الطلاق (الطلاق البدعي)
ولعل اختلاف شروط الطلاق بين المذهب الجعفري وسائر المذاهب الإسلامية من أكثر جوانب هذه المشكلة حساسية وخطورة على الصعيد الاجتماعي لارتباط ذلك بالأعراض والأنساب ، وقد تطرق سماحة الشيخ علي حسن غلوم إمام مسجد (خاتم الأنبياء) في منطقة العدان – في إحدى خطب الجمعة المنشورة على شبكة الانترنت[i] – إلى الإشكاليات التي تعتور الطلاق في دائرة الأحوال الشخصية الجعفرية في الكويت مبتدئا ببيان خطورة الطلاق البدعي وعدم إمكان التهاون بشأنه من خلال أحاديث وروايات عن أئمة أهل البيت (ع) وردت في كتب الحديث تحت عنوان “من طلق لغير الكتاب والسنة” مثل ما روي عن عمرو بن رياح عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: بلغني أنك تقول: من طلق لغير السنة أنك لا ترى طلاقه شيئا؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: ما أقوله بل الله عزوجل يقوله ، أما والله لو كنا نفتيكم بالجور لكنا شرا منكم لأن الله عز وجل يقول: (( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت .. الخ))[ii] وروي أن رسول الله (ص) رد طلاق عبد الله بن عمر لأنه كان خلافا للكتاب والسنة[iii] وقد عقب سماحة الشيخ علي حسن غلوم بذكر شروط الطلاق الصحيح ثم أشار إلى عدة جوانب قد يردها الخلل في المحاكم الكويتية بما يلي نصه:
“
1ـ عدم تعيين العدد الكافي من القضاة الشيعة ، حيث يقوم بعض قضاة أهل السنة بهذا الدور ، ومع احترامي الكامل لأشخاصهم ، إلا أنني أتساءل عن مدى إحاطتهم بتفاصيل أحكام الفقه الجعفري وفتاوى الفقهاء في هذا الإطار ، وعن مدى تطبيق الأحكام على مفرداتها الخارجية.
2ـ في الحالات التي يُقدِم فيها الزوج على الطلاق برغبته، فهل يلتزم القاضي عند أخذ التوكيل من الزوج للطلاق بإجراء صيغة الطلاق أمام شاهدين عدلين، والتحقق من توفر سائر الشرائط؟ وما آلية ذلك؟
3ـ من خصوصيات الفقه الجعفري أنه في الحالات التي يرفض فيها الزوج أن يطلق، لابد أن يكون القاضي مجتهداً جامعاً للشرائط، أو مجازاً من قبله، بينما القضاة من أهل السنة وكثير من القضاة الشيعة لا يتوفر فيهم هذا الشرط.
نتائج الوضع السابق:
1ـ الزوجة تصبح مطلقة قانونا ، وزوجة شرعا.
2ـ يمكنها الزواج ـ بعد العدة ـ من الناحية القانونية ، فلو أقدمت على ذلك جهلاً أو عمدا بطل النكاح ، وحرمت على الزوج الثاني مؤبدا.
3ـ لا تستحق نفقة من زوجها الأول ، لأنها طليقته قانونا، بينما تستحقها شرعاً (إن لم تكن ناشزاً).
4ـ يمكن للزوج استغلال هذا الوضع وإبقاء زوجته معلقة ، لعلمهما بتفاصيل الأحكام الشرعية وبطلان مثل هذا الطلاق.
وهناك حالات عديدة في مجتمعنا ـ وللأسف ـ شهدت هذا الوضع ، وهي تعاني من آثار شرعية واجتماعية ونفسية سيئة.
محكمة الاستئناف:
يتوفر في محكمة الاستئناف ـ حالياً ـ اثنان من القضاة الجعفريين المجازين من قبل المجتهد لإصدار أحكام الطلاق الآنفة الذكر ، فلو استأنف أحد الزوجين الحكم كان الحكم الصادر شرعيا ، إلا أن الحاجة قائمة لزيادة عدد القضاة الذين يجب أن تتوفر فيهم الشرائط ، ولضمان استمرارية هذا الوضع في المستقبل أيضاً.
محكمة التمييز:
أما محكمة التمييز فلا يتوفر فيها أي من القضاة الجعفريين المجازين، وعليه لو استأنف أحد الزوجين، وأبطل القاضي حكم محكمة الاستئناف، فالنتائج الشرعية المترتبة ستكون مشابهة لما ذكرناه مسبقاً، فقد تتزوج المطلقة طلاقاً شرعياً بحكم قاضي الاستئناف، ثم يُبطل قاضي التمييز الحكم، مما يعني أنها زوجة الثاني شرعاً، وهي زوجة الأول قانوناً!!”[iv] .
– مشاكل شرعية أخرى
2- اختلاف بعض أحكام الإرث مثل إرث البنت الواحدة أو أكثر ، فإنها وفق القانون – إن كانت واحدة – ترث نصف التركة والباقي للعصبات ، وإن كن أكثر ورثن جميعا ثلثي التركة والباقي للعصبات ، ولكن وفق المذهب الجعفري فالبنت الواحدة ترث النصف فرضا والباقي ردا ، وفي حالة وجود أكثر من بنت فإنهن يرثن الثلثين فرضا والباقي ردا .
3- وأيضا بالنسبة إلى إرث الزوجة فإنها – وفق القانون – ترث ثمن التركة إن كان لها أولاد وإن لم يكن له ولد ورثت ربعها ، وأما الفقه الجعفري فإنه لا يميز بين ما لو كان هنالك ولد أو لا ، كما أنه يعطي الزوجة حق الإرث من المعروش دون الأرض .
4- اختلاف بعض أحكام الوصية مثل مدى اعتبار الوصية الواجبة والإصرار عليها دون موافقة سائر الورثة .
· المشاكل الناتجة عن عدم وجود قانون دائرة الأحوال الجعفرية:
أشرنا سابقا إلى أن عدم وجود كيان قانوني مستقل لدائرة الأحوال الجعفرية بدرجات مختلفة يؤدي إلى عدم إمكانية الدفع بعدم الاختصاص أمام الدائرة الموجودة حاليا إذ أنها لا تعدو أن تكون نتاج توزيع إداري لا يستند إلى تشريع ، خلافا لدوائر أخرى قام المشرع بإنشائها بقانون مثل دائرة الإيجارات والدائرة العمالية والدائرة الإدارية ، و في حال تشريع دائرة أحوال جعفرية يلزم أن تكون جهازا قضائيا متكاملا ذا درجات تقاض متعددة تجنبا لمشكلة إمكانية قيام الدائرة الأعلى بتغيير أحكام الدائرة الأدنى خلافا للمذهب الجعفري وهو ما يعانيه الجعفريون في الكويت حاليا ، بل إن بعض الكتاب طالب بأن يحتوي الجهاز القضائي المذكور على نيابة جعفرية أيضا ، الطبيعة الإدارية لدائرة الأحوال الجعفرية الحالية تجعلها قابلة للزوال في أي لحظة شاءت الإدارة ذلك أو اقتضته الظروف وهذه سلبية أخرى تضاف لما سبق.
وقد نشرت جريدة “الجريدة” في عددها الصادر في 2 ديسمبر 2007 خبرا عن سابقة قضائية توحد عمل محاكم الأحوال الشخصية وذلك حينما اعتبرت محكمة الاستئناف أن قانون الأحوال الشخصية رقم 51 لسنة 1984 يطبق على جميع المواطنين بمختلف مذاهبهم ، حيث رفضت المحكمة – التي أصدرت حكمها برئاسة المستشار فاروق علي الدين – إحالة القضية إلى المحكمة الجعفرية لأن الدائرة الجعفرية ليست إلا دائرة إدارية لا تتمتع بكيان قانوني ، وقالت المحكمة في حكمها التاريخي : (( إن توزيع العمل القضائي بالنسبة لدوائر الأحوال الشخصية ، سواء في المحكمة الكلية أو محكمة الاستئناف ما بين دوائر لأهل السنة وأخرى جعفرية لا يعد سوى توزيع إداري لذلك العمل لا يمنع أي دائرة من نظر باقي منازعات الأحوال الشخصية الأخرى ، وتطبيق أحكام القانون الموضوعي الصحيح الذي يحكم النزاع بها )) مبينة بالقول (( وترى في ضوء المقرر قضاء أن قانون القاضي العام للأحوال الشخصية رقم 51-1984 يحكم النزاع بين الكويتيين المختلفي المذهب )) وكان الحكم قد صدر إثر دفع الزوج المستأنف جعفري المذهب بعدم اختصاص الدائرة السنية (أول درجة) في الدعوى المقامة من زوجته بطلب الحكم بضم حضانتها لأبنائها وصدر لها حكم بالإثبات[v].
وقد أثار هذا الحكم ردود أفعال عديدة إذ ناقش على إثره المجلس الأعلى للقضاء ضرورة إعداد قانون أحوال شخصية جعفري وإحالته للجنة التشريعية في مجلس الأمة ، وكان أبرز من تبنى القضية هو عضو مجلس الأمة آنذاك والمستشار السابق في محكمة الاستئناف حسين الحريتي حيث قال : (( إن وجود قانون للأحوال الجعفرية في الكويت يمثل أهمية كبرى ، وإن الوقت قد حان لوجود مثل هذا القانون الذي سينظم العلاقات الزوجية بين إخواننا أبناء المذهب الجعفري )) وقال عن تبنيه الاقتراح بقانون (( أنا على استعداد لتبني هذا القانون وطرحه على الأخوة في مجلس الأمة والتشاور فيه شريطة أن يكون هناك اتفاق بين رموز المذهب الجعفري على نصوصه ، حتى يكون التشريع متكاملا ومناقشا لأغلب القضايا التي يتعين معالجتها في الفقه الجعفري ))[vi] ومع ذلك لم يتحقق شيء مما سبق – للأسف – منذ سنة 2007 وحتى الآن .
ثمة مشكلة أخرى – ذات ارتباط وثيق بعدم إمكانية الدفع بعدم الاختصاص – تنتج عن عدم وجود قانون دائرة جعفرية وهي وقوع التناقض ما بين الأحكام الصادرة في القضايا المتماثلة بسبب نظرها وفق التشريع الموجود تارة ووفق أحكام الفقه الجعفري تارة أخرى وهو ما يخل بتحقق العدالة .
· الحلول الترقيعية المؤقتة للمشكلة:
يبذل مجلس القضاء الأعلى ورجال القضاء جهودا مشكورة للحد من تداعيات هذا الفراغ التشريعي الخطير ، و من أبرز هذه الجهود ما أشرنا إليه من فرز دائرة أحوال جعفرية فرزا إداريا ، إضافة إلى تضحية بعض القضاة بارتقائهم إلى المحاكم العليا وترجيحهم البقاء في المحكمة الكلية باعتبارها أول درجة لمدة طويلة وذلك كي يضمنوا تطبيق أحكام الفقه الجعفري ولأنهم الأقدر على فهمه وتطبيقه على المنازعات المعروضة ، ولولا هذه التضحية لكانت معضلة أبناء المذهب الجعفري أكبر وأشد ، بل إن تخلي أي منهم عن مهمته لأي سبب من الأسباب سيزيد من وطأة المشكلة.
· العراقيل والعوائق:
دعت جهات وشخصيات عدة من أبناء الكويت إلى المبادرة بتشريع قانون الدائرة والأحوال الجعفرية ، وقد قام فعلا بعض رجال القانون والدين بصياغة بنود القانون إلا أن أيا من القانونين لم ير النور حتى ساعة كتابة هذه الكلمات ، ولعل تشريع قانون لدائرة الأحوال الجعفرية أسهل وأيسر جدا من تشريع قانون الأحوال الشخصية الجعفري ، وذلك لأن مواد القانون الأول قليلة جدا بينما يفترض أن تضاهي مواد القانون الثاني عدد مواد قانون الأحوال الشخصية الموجود حاليا والمتكون من 347 مادة ، بل الأولى تشريع قانون الدائرة أولا ثم قانون الأحوال الشخصية ثانيا لأسباب بينة .
على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها وجهاء ورجالات الكويت من أبناء المذهب الجعفري وغيرهم – وعلى مدى فترة طويلة تقارب الخمس وعشرين سنة – لإصدار القانون إلا أنه لا زال معاقا لأسباب عديدة منها:
1- عدم التفات بعض المشرعين لأهمية وخطورة القانون ، أو عدم اعتباره من أولوياتهم
2- استخدام هذه المطالبة وغيرها كوسيلة من وسائل الضغط والمساومة السياسية طويلة الأمد
3- تعامل البعض مع القضية بنفس طائفي غير مبرر
4- الأزمات السياسية المتتالية التي تمر بها البلاد وخصوصا في السنوات الأخيرة مما أدى إلى تباطؤ وإعاقة العملية التشريعية ككل
5- عدم وجود قضاة شيعة مؤهلين وهي الذريعة التي وردت في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية حيث ذكر ما نصه: (( المحاكم الشرعية هي التي تتولى تطبيق قانون الأحوال الشخصية ، وتسمح الحكومة للشيعة باتباع الفقه الشيعي في قضايا الأحوال الشخصية وقانون الأسرة في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2003، وافقت الحكومة على طلب شيعي بتأسيس محكمة نقض (تماثل المحكمة العليا) للإشراف على قضايا الأحوال الشخصية للشيعة. ولم يكن قد تم تأسيس المحكمة الجديدة مع حلول نهاية الفترة التي يغطيها التقرير لأنّ الحكومة “لم تتمكن من تحديد قضاة شيعة مؤهلين”، وفقاً لما أعلنه مسؤول حكومي ))[vii] ولا شك بأن هذه مجرد ذريعة تتملص من خلالها السلطة من مسؤولياتها إذ من المعروف بأن رجال القضاء في الكويت ليسوا جميعا مواطنين ، فمن الممكن استقدام رجال قضاء أو دين مرشحين من قبل مرجعيات دينية شيعية ومقبولين من قبل السلطات الكويتية للعمل كقضاة في دائرة الأحوال الجعفرية فيما لو أنشئت .
· الاستفادة من خبرات الدول الأخرى:
يمكن تسليط الضوء هنا على التجربة البحرينية بالخصوص ، إذ لم يكن هنالك قانون للأحوال الشخصية في البحرين ، وكان القضاة يعتمدون على تأويلهم وفهمهم الشخصي لأحكام الفقه الإسلامي غير المقننة في الفصل في الدعاوى كل بحسب مذهبه (محكمة شيعية وأخرى سنية) ، ثم شرع أول قانون مدون لتنظيم الأحوال الشخصية وهو قانون رقم 19 لسنة 2009 ولكنه وضع لأبناء المذهب السني بالخصوص ، إذ أن الشيعة رفضوا وضع قانون لهم ينظم الأحوال الشخصية إلا إذا كان هنالك ضمانة دستورية تكفل لهم عدم قدرة البرلمان على تعديله دون الرجوع إلى المرجعيات الدينية[viii] وذلك خشية أن يقوم البرلمان بتعديل القانون بما يخالف أحكام الفقه الجعفري ، وهكذا يجب على أصحاب الشأن في الكويت أن يلتفتوا إلى المحاذير التي أثارها علماء البحرين جديا[ix] ودون أن يشكل ذلك عقبة أمام المطالبة بقانون الأحوال الشخصية في الكويت إذ أن ثمة خلل في المحاكم يجب علاجه وهو قيام الاستئناف والتمييز بالحكم بخلاف أحكام الفقه الجعفري .
أيضا يمكن الاستفادة في وضع قانون الأحوال الشخصية الجعفري من القانون الإيراني الذي قنن أحكام الفقه الخاصة بالأحوال ، إضافة إلى التجربة اللبنانية حيث توجد المؤسسة القضائية الجعفرية الوحيدة في العالم العربي[x] ، كما أن هنالك محاولات فردية اجتهادية يمكن الاستفادة منها مثل ما كتبه الشيخ البحريني محسن آل عصفور بعنوان “قانون الأحوال الشخصية على ضوء الفقه الجعفري” والذي صدر الجزء الأول منه عام 1999.
· نموذج لاقتراح بقانون لإنشاء دائرة الأحوال الشخصية الجعفرية:
تقدم عضو مجلس الأمة لسنة 2012 المبطل بحكم المحكمة الدستورية المحامي عبد الحميد دشتي باقتراح بقانون لإنشاء دائر الأحوال الجعفرية هذا نصه[xi]:
< مادة 1: تنشأ بالمحكمة الكلية دائرة خاصة ضمن إطار التنظيم القضائي ، تختص دون غيرها بنظر جميع طلبات ومنازعات الأحوال الشخصية الجعفرية بما فيها المواريث والولاية والوصاية والحجر والوقف ، وتشكل من قاض جعفري واحد ، وتشتمل على غرفة أو أكثر حسب الحاجة.
< مادة 2: تطبق هذه الدائرة قواعد وأحكام المذهب الجعفري على كل ما يطرح أمامها من طلبات أو قضايا أو منازعات ، وكذلك تطبق أي قانون يتعلق بالأحوال الشخصية الجعفرية.
< مادة 3: ينعقد الاختصاص لدائرة الأحوال الشخصية الجعفرية إذا كان الزوج أو الأب أو المورث أو الموصي أو المحجور عليه أو المفقود أو الواقف جعفري المذهب ، أو كانت مستندات المطالبة صادرة أو موثقة أو مصدقة أمام قاضي الأحوال الجعفرية ، أو كان طرفا الطلب أو الدعوى جعفريين.
< مادة 4: يتولى قاضٍ بدائرة الأحوال الشخصية الجعفرية بالمحكمة الكلية توثيق المحررات الخاصة بالأحوال الشخصية الجعفرية ، بما في ذلك المتعلقة بالزوجية والمواريث الجعفرية والوصايا والأوقاف ، ويجوز لوزير العدل أن يفوض مأذونين جعفريي المذهب في توثيق عقود الزواج الجعفرية على أن يصادق عليها قاضٍ من الدائرة المذكورة.
< مادة 5: تنشأ دائرة بمحكمة الاستئناف تشتمل على غرفة أو أكثر حسب الحاجة ، تختص في النظر فيما يستأنف من الأحكام الصادرة من دائرة الأحوال الشخصية الجعفرية بالمحكمة الكلية ، وتشكل دائرة الاستئناف من ثلاثة مستشارين جعفريين ، وتخصص دائرة أو أكثر من دوائر محكمة التمييز للنظر في الطعون في الأحكام الصادرة من هذه الدائرة الاستئنافية تتبع أمامهما القواعد والإجراءات والمواعيد المبينة في قانون المرافعات المدنية والتجارية.
< مادة 6: يكون إثبات أن الطالب أو المتقاضي جعفري المذهب ، بجميع طرق الاثبات ومنها البينة والإقرار.
< مادة 7: تحيل دوائر المحكمة الكلية بدون رسوم من تلقاء نفسها الدعاوى المنظورة أمامها والتي أصبحت من اختصاص الدائرة المنشأة بمقتضى هذا القانون كما تحيل دوائر الاستئناف بدون رسوم من تلقاء نفسها للدائرة المختصة بموجب هذا القانون وذلك بالحالة التي تكون عليها مع اعلان طرفي الخصومة بالاحالة.
< مادة 8: على وزير العدل تنفيذ هذا القانون، وينشر في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتبارا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وجاء في المذكرة الايضاحية لمشروع القانون بانشاء دائرة الأحوال الشخصية الجعفرية مايلي:
أنشئت محاكم الكويت بموجب قانون القضاء، وبموجبه أيضاً تشكلت المحاكم ومن بين تشكيلات المحاكم أنشئت دائرة الأحوال الشخصية المكونة من عدة غرف وتطبق هذه الدائرة مذهب الامام مالك في البدايات ثم غدت تطبق قانون الأحوال الشخصية بعد صدوره.وقد جرى العمل في المحاكم الكويتية في العقود الأخيرة أمام دائرة الأحوال الشخصية بتخصيص غرفة لنظر منازعات الأحوال الشخصية الجعفرية وهو تخصيص اداري أي لم ينشأ بموجب قانون، وكانت هذه الغرفة تختص بتطبيق قواعد وأحكام المذهب الجعفري على المنازعات والطلبات التي تنظر أمامها، كما يختص قاضيها بتوثيق المحررات بالأحوال الشخصية الجعفرية.
وحيث ان الأحوال الشخصية تعرف بأنها مجموعة من النظم القانونية المتعلقة بشخص الانسان، أو هي مجموعة من المسائل التي يحكمها القانون الشخصي وعليه فالأحوال الشخصية هي مجموعة من القواعد التي تبين المركز القانوني للأشخاص.وقد تختلف التعريفات وصفاً وحكماً باختلاف البلدان، الا ان الغالبية العظمى للبلدان تستلزم تشريعاتها ان تصدر الأحكام في منازعات الأحوال الشخصية الخاصة بهم طبقاً لشريعتهم التي يفصل في المنازعات طبقاً لها.وهو ما سارت عليه التشريعات في دولة الكويت، اذ صدر القانون رقم 51 لسنة 1984 في شأن الأحوال الشخصية ليسير على هذا المنوال، ليرسخ قاعدة تطبيق شريعة المتنازعين عليهم في منازعات الأحوال الشخصية.
وقبل صدور هذا القانون كان القاضي لا يستطيع الخروج عن أحكام مذهب الامام مالك الواجب التطبيق، لذا رؤى عند وضع قانون الأحوال الشخصية المشار اليه الالتزام بالآتي:-
1- الأخذ بأحكام مذهب الامام مالك على ان يؤخذ برأي واحد فيه.
2- الأخذ بالمذاهب الثلاثة الأخرى ، مذهب أبو حنيفة ، مذهب الشافعي ، مذهب أحمد بن حنبل اذا وجدت مصلحة.
3- عدم الخروج عن المذاهب الأربعة إلا في أضيق الحدود
وهكذا كان الأمر ووضع قانون الأحوال الشخصية وفق تلك القواعد ، اذ ان هذا القانون أساسه قواعد وأحكام مذهب الامام مالك باعتباره القواعد العامة لهذا القانون كما أخذ بالمذاهب الثلاثة الأخرى لتحقيق مصلحة ، مع عدم الخروج عن المذاهب الأربعة ، وبالتالي فهذا القانون ينطبق على من كان عليه مذهب الامام مالك قبل صدوره.
لذا أورد قانون الأحوال الشخصية رقم 51 لسنة 1984 في ذيل القواعد والأحكام فيه حكم المادة / 346 التي تنص على:-
أ – يطبق القانون على كل من يطبق عليه مذهب الامام مالك فيما عدا ذلك يطبق عليهم أحكامهم الخاصة بهم.
ب – اما اذا كان أطراف النزاع من غير المسلمين وكانوا مختلفين ديناً أو مذهباً سرت عليهم أحكام هذا القانون.
ومن هذا النص يتضح ان قانون الأحوال الشخصية حدد الجهات التي ينطبق عليها، وبمفهوم المخالفة أخرج من عداهم من الجهات الأخرى التي كانت تنطبق عليهم قواعدهم أو شريعتهم الخاصة قبل صدوره.
لكل ذلك واعمالاً لنص المادة رقم/35 من الدستور التي تنص على حرية الاعتقاد والتي على أساسها تقوم قواعد الأحوال الشخصية، وكذلك اعمالاً لنص المادة/166 من الدستور أيضاً التي تكفل حق التقاضي للناس، وعلى وجه الخصوص تطبيقاً لنص المادة/346 من قانون الأحوال الشخصية رقم 51 لسنة 1984 التي تخرج من نطاق تطبيق هذا القانون من كانت تطبق عليهم أحكامهم الخاصة بهم، فانه تنطبق على أتباع المذهب الجعفري قواعد وأحكام هذا المذهب وتنظره دائرة مختصة ضمن اطار التنظيم القضائي.
تحقيقاً لذلك أعد مشروع القانون المرفق لينشئ محكمة الأحوال الشخصية الجعفرية مكونة من غرفة أو أكثر ضمن التنظيم
القضائي لتكون مختصة بنظر منازعات الأحوال الشخصية الجعفرية وتطبق بشأنها أحكام وقواعد المذهب الجعفري، لذلك نصت المادة الأولى من المشروع على انشاء محكمة خاصة ضمن اطار التنظيم القضائي تختص دون غيرها بنظر جميع طلبات ومنازعات الأحوال الشخصية الجعفرية في كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية بمعناها العام حيث تختص بالخطبة والزواج والطلاق والفرقة والمهر والنفقة والحضانة والولاية والوصاية والقيمومة والنسب والحجر والمفقود والمواريث والوصية والوقف في كل ما يتعلق بما ذكر وفي كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية.
قواعد المذهب الجعفري
وتنص المادة الثانية على الأحكام الواجبة التطبيق على ما يطرح أمام هذه المحكمة من طلبات أو منازعات ، حيث نصت على تطبيق أحكام وقواعد المذهب الجعفري على كل أعمال هذه الدائرة ، والنص على تطبيق أحكام وقواعد المذهب الجعفري يستلزم انشاء محكمة متخصصة في الفقه الجعفري وقادرة على تطبيق قواعد وأحكام المذهب وفي المحصلة يتكون قضاء متخصص ويحمل خبرة كافية في تحقيق العدالة بين أبناء المذهب وفق مذهبهم.
وتنص المادة الثالثة على حالات انعقاد الاختصاص لمحكمة الأحوال الجعفرية، وأسس هذا الاختصاص بحيث يجعل بعض المنازعات ينعقد فيها الاختصاص حصراً لهذه الدائرة وحالات انعقاد الاختصاص لهذه المحكمة تكون اذا الأب أو المورث أو الموصي أو المحجوز عليه أو المفقود أو الواقف جعفري المذهب كذلك اذا كانت المستندات صادرة أو موثقة أو مصدقا عليها أمام قاضي دائرة الأحوال الشخصية الجعفرية ، أو كان طرفا الطلب أو الدعوى أتباع المذهب الجعفري.ويظل اختصاص هذه الدائرة بالنسبة للزواج اذا كان قد تم بالسابق وفق المذهب الجعفري في جميع القضايا المترتبة عليه وكذلك بالنسبة لقضايا الوقف والوصية ومواضيع الأحوال الشخصية الجعفرية الأخرى.
وتنص المادة الرابعة على اختصاص قاضي الأحوال الشخصية الجعفرية بتوثيق المحررات المتعلقة بالأحوال الشخصية الجعفرية ، اعمالاً للمادة الثالثة من قانون التوثيق الذي يجعل توثيق المحررات الرسمية المتعلقة بالوقف والأحوال الشخصية أمام أحد قضاة المحكمة الكلية ، وبناء عليه يختص قاضي الأحوال الشخصية الجعفرية بتوثيق المحررات الرسمية المتعلقة بالأحوال الشخصية الجعفرية ، وهذا الاختصاص ينسحب على جميع المحررات المتعلقة بالمواضيع التي تدخل في اختصاص محكمة الأحوال الجعفرية ، وبجانب اختصاص قضاة هذه الدائرة خول المشروع وزير العدل في تفويض مأذونين جعفريين في توثيق عقود الزواج الجعفرية على ان يصادق عليها قاضي هذه الدائرة.
وتنص المادة الخامسة على انشاء دائرة استئنافية خاصة تشتمل على غرفة أو أكثر حسب الاحتياج تختص بالنظر فيما يستأنف من الأحكام التي تصدر من محكمة الأحوال الشخصية الجعفرية وينحصر استئناف هذه الأحكام أمامها ، ويتم تشكيل محكمة الاستئناف المذكورة من ثلاثة مستشارين من أتباع المذهب الجعفري مراعاة لتوافر قدر كاف من العلم والمعرفة بأمور الفقه الجعفري مع تخصيص دائرة أو أكثر من دوائر محكمة التمييز للنظر في الطعون في الأحكام التي تصدرها هذه المحكمة بمشاركة مستشارين جعفريين ، وتتبع أمام هذه الهيئة الاستئنافية القواعد والإجراءات والمواعيد المبينة في قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وتنص المادة السادسة على وسيلة الاثبات بأن الطالب أو المتقاضي جعفري المذهب ، فيجوز اثبات ذلك بجميع طرق الإثبات القانونية ، ومنها البينة والإقرار ، كما أضافت المادة الى ذلك العلم العام بأن الطالب أو المتقاضي جعفري المذهب.
وتنص المادة السابعة على احالة جميع القضايا المنظورة أمام المحكمة الكلية والتي تدخل في اختصاص محكمة الأحوال الشخصية الجعفرية بموجب هذا القانون الى هذه المحكمة ، كذلك تحيل دوائر الاستئناف المنظورة أمامها استئناف لأي حكم صادر من دوائر الأحوال الشخصية هذه الاستئنافات إلى الدائرة الاستئنافية المختصة بموجب هذا القانون وتحيلها المحاكم في الدرجتين من تلقاء ودون رسوم جديدة بالحالة التي تكون عليها الدعوى ، مع اعلان طرفي الخصومة بالاحالة.
· المراجع والمصادر:
[i] موقع الولاء ، يتعقب على الرابط التالي http://alwalaa.com/detail.asp?inttopicid=92
[ii] الفروع من الكافي ، باب “من طلق لغير السنة” ص58 النسخة الالكترونية
[iii] علل الشرايع ج2 ص506 النسخة الالكترونية.
[iv] موقع الولاء ، يتعقب على الرابط التالي http://alwalaa.com/detail.asp?inttopicid=92
[v] جريدة الجريدة ، النسخة الالكترونية ، العدد الصادر بتاريخ 2 ديسمبر 2007
[vi] جريدة الجريدة ، النسخة الالكترونية ، العدد الصادر بتاريخ 9 ديسمبر 2007
[vii] الموقع الرسمي لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية على الانترنت. يوجد على الرابط التالي: http://arabic.kuwait.usembassy.gov/policy/irfr.html
[viii] تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش حول البحرين لسنة 2010 ، الموقع الرسمي للمنظمة على الرابط التالي http://www.hrw.org/ar/world-report-2011-4
[ix] على الرغم من ذلك يجب جديا أخذ المحاذير التي أثارها شيعة البحرين بعين الاعتبار ، والتي يمكن فهمها تفصيلا من خلال
البيان التالي الذي أصدره مجموعة من العلماء:
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد أثير الحديث بقوة في الفترة الأخيرة عن كتابة مجموعة قوانين في الأحوال الشخصية ، تكون بمثابة المواد المدوّنة التي يرجع إليها القاضي الشرعي ، وتفصل على طبقها المحاكم الشرعية في أمور الزوجية والأولاد والإرث والأوقاف الخيرية ولواحقها ، كما يرجع إليها ـ المحامون ـ وكلاء المتقاضيين في النزاعات، ممّن لهم خبرة وتخصص في القانون ، وذلك كله بغية وصول ذوي الحقوق إلى حقوقهم في النزاعات والخصومات لإقامة القسط والعدل ، وحيث أن مجتمعنا يعتنق دين الإسلام ، وقد نصّ الدستور على أن دين الدولة الإسلام ، فلا بدّ أن تكون قوانينه مستمدّة من الشريعة الغراء ، فهناك ثوابت إسلامية ليس بإمكان أحد تخطيها ، وواضح لدى الجميع تعدد أتباع المذاهب الإسلامية في بلادنا ، فالمذهب الشيعي الجعفري ، والمذهب السني ، في حين وجود ثوابت مشتركة قرآنية ومن السنة النبوية الشريفة .
فلكل مذهب ثوابت تشريعيّة يعتقد أتباعه بها ، كما أن هناك مساحات أخرى من التشريع يملأها بالإستنباط الشرعي كبار الفقهاء أصحاب الفتيا من المذهبين ، ثم إن هناك جملة من الموضوعات الخارجية التي تطبق عليها القوانين الشرعية ، تتطلب تلك الموضوعات مسحاً ميدانياً من ذوي الخبرة والإختصاص في تلك الموضوعات مما ترتبط بآليات المعيشة ومرافقها المختلفة ، إلى غير ذلك مما يرتبط بجانب التوثيق والسندات الرسمية والإدارية ، فمع تعدد هذه الجوانب في المسيرة الشرعية القانونية وعملية التدوين لمواد القانون والعمل بها ، لا بدّ من التنبيه على لأمور التالية :
الأول : إن القوانين الشرعية الثابتة في القرآن والسنة النبوية الشريفة ـ وهي منطقة المشتركات التشريعية الإسلامية ـ ، هي ثوابت شرعية ليست محلاً للتصويت وأخذ الآراء ولا الانتخاب ، ما دام المجتمع المسلم قد انتخب طريقه سلفاً ، وهو الدين الإسلامي الحنيف ، وليس للمجالس النيابية الخيار في قبولها أو رفضها ، بل لا تعرض على المجلس مطلقاً .
الثاني : إن الثوابت المسلّمة التشريعية في كلّ مذهب ليست محلاً للتصويت وأخذ الآراء لدى أتباعه ، ومن ثم لا مجال لفرض تشريعات مذهب على أتباع مذهب آخر ، فضلاً عن جعل هذه المنطقة من مساحة التشريع من صلاحيات المجلس النيابي ، فلا يمكن جعل لوحة الأحوال الشخصية واحدة لكل البلد ، بل لا بدّ أن تكون نسختان أحداهما على طبق المذهب الجعفري ، والأخرى على طبق المذهب السني .
الثالث : إن مساحات التشريعات النظرية الباقية بعد المنطقتين السابقتين ، هي من صلاحية كبار فقهاء كل مذهب ممّن لهم صلاحية الفتيا العامة لدى أتباع كل مذهب ، وذلك بحكم إرجاع القرآن الكريم صلاحية استنباط الأحكام الشرعية وفهمها من أدلتها الشرعية إلى الفقهاء ، في قوله تعالى :{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (122) سورة التوبة . هذا مع أن المجلس النيابي المشتمل على أتباع كلا المذهبين كيف يتصور أن من صلاحياته التصويت بأتباع مذهب على تشريعات المذهب الآخر و العكس.
الرابع : إن تقييم الحال في الموضوعات الخارجية والميدانية والراجعة إلى آليات المعيشة ومرافقها ، والوثائق والسندات الرسمية أمر راجع إلى ذوي الخبرة والاختصاص في تلك الموضوعات والمجالات ، وقول ورأي أهل الخبرة في الموضوعات المختلفة مقرر في الشريعة لدى المذاهب الإسلامية ، ولا مجال للممانعة عن إبداء وجهات نظرهم في حقول الموضوعات بنحو ينتظم في القنوات والأجهزة الرسمية ، ولا بدّ للقضاة الشرعيين من الاعتناء بأقوالهم في تلك الحقول ، وفي رسم الحكم القضائي وتنفيذه من جهة الموضوعات الخارجية .
الخامس : تتحدّد صلاحية المجلس النيابي ومصوباته القانونية في منطقة الأمر الرابع الذي سبق ذكره ، دون مساحات التشريع الثلاث المذكورة في الأمور الثلاثة الأولى ، وهي في الحقيقة عملية تشريع ترتبط بمجال التطبيق والتدبير للعمل التنفيذي للقوانين التشريعية التي قرّرت في الأمور الثلاثة الأولى ، وهي ثوابت الشريعة وثوابت كلّ مذهب ، وفتاوى كبار أصحاب الفتيا العامة في كل مذهب ، والمفروض في المجلس النيابي النموذجي هو إعتبار ذوي الخبرة والكفاءة المؤهلين في كل مجال في لجان متابعة من أعضاءه ، مع الاستعانة بلجان استشارية أخرى من ذوي الاختصاص من خارج المجلس أيضاً ، كي تكون مصوباته مبنية على رؤية علمية ناضجة ، وأمّا اعتماد الأعضاء عديمي الكفاءة والأهلية فذلك سيكون أشبه بمجلس القُصَّر لا القُوَّم بتدبير الصالح العام في النظام الاجتماعي .
السادس : في خضم هذا اللغط الدائر بين وجهات النظر المختلفة والعديدة ، هناك بعض من يحاول أن يستغل الحالة الإبهامية الغامضة لترسيم حدود وفواصل التشريع وصلاحية الجهات فيه ، ليقوم بتضليل الثقافة العامة نحو إستبدال القوانين الشرعيّة بقوانين وضعيّة دخيلة ومستوردة من بيئات منحلّة خلقياً ، قد تصدّع فيها المجتمع الصغير وهو الأسرة .
السابع : لا بدّ في المُصوّبات القانونية للمجلس النيابي من مصادقة المحكمة الدستورية المعبّر عنها في دستور مملكة البحرين في المادة (103) بالجهة القضائية المختصّة بالفصل في النزاعات الدستورية ، ولا بدّ أن تكون هذه المحكمة مؤلفة من فقهاء شرعيين من المذهبين ، وإن ضم إليهم فقهاء في القانون الوضعي ، وذلك كي يتمّ التحري من عدم منافاة مصوبات المجلس الوطني للتشريعات الشرعية في الأمور الثلاثة الأولى التي هي خارجة عن حدود صلاحيات المجلس النيابي .
الثامن : يتبين ممّا تقدم من الأمور أن اللائحتين من قوانين الأحوال الشخصية على المذهبين المتكونة من مواد قانونية شرعية من الأمور الثلاثة الأولى خارجة عن صلاحيات تصويب المجلس ، وهي بمثابة مواد دستورية غير قابلة للتغيير ، ويبقى للمجلس النيابي تصويب المواد التفريعية التطبيقية لتلك المواد التي هي بمثابة التطبيق على الموضوعات الخارجيّة الراهنة ، بعد المصادقة عليها من المحكمة الدستورية .
التاسع : إن ثبات التشريعات الدينية في الأمر الأول والثاني ، وكذلك اختصاص الفقهاء الشرعيين أصحاب الفتيا بالاستنباط في الأمر الثالث ، كل ذلك لا يعني رفض تدوين اللائحتان للأحوال الشخصية بصورة قانون مدوّن من مواد مترتبة منتظمة ، وإنّما يعني الثبات والاختصاص الآنف ذكرهما هو خروج هذه المواد القانونية التشريعية عن صلاحية المجلس الوطني ، ولا يعني نفي ضرورة التدوين لتلك المواد ، بل الضرورة والحاجة لازمة للتدوين وذلك للأسباب التالية .
1/ ضرورة وعي المجتمع بالقانون والتشريعات كي يكون ذلك دارئاً عن هضم الحقوق وإستلابها .
2/ إن من حق المتخاصمين التوكيل في الدعاوى بإستنابة المحامين المختصين ، وعمل المحامين يتوقف على ضبط القوانين الشرعية ضمن مواد مقبولة منتظمة ، يتمكن المحامون من تعلمها والإحاطة بها، ويستحسن بل يستلزم على وزارة العدل فتح دورات تدريبية للمحامين تؤهلهم للإطلاع على القوانين الشرعية.
3/ إن من حق المحكوم عليه في فصل الخصومات أن يستأنف الحكم الصادر عن قاضي آخر بشروط مقررة عند الفريقين ، ولا يخفى إن الوصول إلى إحقاق الحق يتوقف على الإطلاع على المواد القانونية المرتبطة .
العاشر : تضامناً مع موقف علماء البلد النابع من هاجس التخوّف من صيرورة تدوين لائحة للقوانين الشرعية للأحوال الشخصيّة ، ذريعة لفتح باب العبث بالأحكام الشرعية المقررة بتوسط كون القوانين المدوّنة في اللائحة شأنها شأن غيرها من اللوائح القانونية قابلة للرفض والقبول والاستبدال ، يلزم التصريح في اللائحة المدوّنة أن الأحكام الشرعية المعتمدة في الأمور الثلاثة الأولى ليست من صلاحيات المجلس النيابي ، ولا أي هيئة أو جهة أخرى لتعاطي الأخذ والرد فيها ، بخلاف المواد القانونية التفريعية التطبيقية حسب متغيرات الحياة المعاصرة ، والتي سبق الإشارة إليها .
الحادي عشر : اللازم مع كون إرادة الجميع جادّة في النهضة برفع مستوى القضاء الشرعي في الأحوال الشخصية إلى المستوى المطلوب مع الحياة الراهنة ، هو الممانعة من نصب القضاة بطريقة جرّة القلم ، بل اللازم هو التثبت من توفر القضاة على المستوى العلمي اللازم والأوصاف المطلوبة ، عبر تزكية العلماء والمعاهد والحوزات العلمية .
قم المقدسة/ الأول من ربيع الثاني 1424هـ
* الشيخ محمد السند .
* السيد أحمد الماجد .
* الشيخ جعفر العالي .
[x] حوار مع العلامة الشيخ حسن عواد رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان ، أجراه موقف “شفقنا” يتعقب على الرابط التالي: http://www.shafaqna.com/arabic
[xi] صحيفة الوطن الالكترونية ، نشر بتاريخ 29-5-2012 على الرابط التالي: http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?Id=198072
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً