مقال قانوني حول أثر اتفاقية تربس على الفكر الاستثماري الاردني
المرتكزات النظرية في بناء الفكر الاستثماري على ضوء انضمام الأردن إلى اتفاقية “تربس”
الدكتور سامر دلالعة
ليس خفيا على أحد أن انضمام الأردن إلى اتفاقية تربس كان لجملة من الأهداف التي يمكن اختزالها في مرتكزين أساسيين، ينهض الأول على أساس سعي الأردن إلى الوفاء بالتزاماته الدولية تجاه الانضمام إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية، على اعتبار أن العمل بمقتضيات اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية عد شرطا للانضمام إلى اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية الموقع عليها في 15 أبريل بمراكش المغربية، بينما يجنح الثاني نحو القاعدة التي مؤداها العمل على النهوض بالفكر الابتكاري والإبداعي على المستوى الوطني وتوجيه المستثمرين نحو بيئة آمنة تضمن حماية حقوقهم الفكرية المعبر عنها بشكل منتجات كبراءات الاختراع والدوائر المتكاملة، أو الحقوق المميزة لتلك المنتجات كالعلامات التجارية والرسوم والنماذج الصناعية…إلخ
يظهر من خلال استقراء المنظومة التشريعية جملة الجهود التي بذلها المشرع الوطني لأجل الموائمة بين اتفاقية تربس وتلك التشريعات بما يضمن الحماية للحد الأدنى من الحماية التي قررتها تلك الاتفاقية لتلك الحقوق، ويكرس في الوقت ذاته الوصول إلى المقاولات الأجنبية عن طريق تحفيزها على نقل استثماراتها الخارجية إلى الداخل والعمل في بيئة مناسبة ومناخ آمن.
هذه النظرة بتجلياتها تبدو أقرب إلى أن تكون مثالية بعض الشيء، على حين تضحي الحقيقة مغايرة لذلك حين تعترضها جملة من القيود والعراقيل التي تصب في ضعف تلك النصوص عن قدرتها في إثراء الحماية الملائمة أو تحقيق الأهداف التي جاء لأجلها الانضمام إلى اتفاقية تربس. فالقول باعتبار أن هذا الانضمام عد حافزا على توفير البيئة الاستثمارية عن طريق انخراط الحماية القانونية للحقوق الفكرية في جملة ترسانة التشريعات الاستثمارية أمرا تعوزه الدقة والوضوح، ذلك أن الإمعان في البناء القانوني لتلك التشريعات يكشف كثيرا عن مواطن الضعف والقصور الذي من شأنه أن يخالف الآمال المزعومة، وللدلالة على ذلك نتوقف عند قانون العلامات التجارية على سبيل المثال لا الحصر، إذ نجد من جملة إخفاقات المشرع قصر الحماية الجزائية على العلامة التجارية المسجلة مثلا، بحيث تفتقر الحماية التجارية غير المسجلة إلى الدعوى الجزائية حتى لو تعلق الأمر بتقليد علامة علامة مستعملة داخل المملكة، علما أن ارتباط العلامة بالمنتج أمرا مهما وأساسيا ، وارتباط هذا الأخير بجمهور المستهلكين لا يقل أهمية .
من جهة ثانية، يقيد القانون الدعوى الجزائية ضمن قانون العلامات على تحريك الشكوى من المشتكي، مما مؤداه انه في حال تعذر على المشتكي (الذي هو وفقا لقانون العلامات التجارية صاحب الحق في العلامة) إقامة الدعوى الجزائية، فإن ذلك معناه غياب إمكانية التقاضي وبالتالي حماية المصلحة العامة.
هذا الدليل على انبعاث الضعف في الأساس التشريعي لا ينحصر في بوتقة تشريع وحيد ضمن تشريعات الملكية الفكرية، إذ تجد على الشق الآخر قانون براءات الاختراع الذي يصيبه بعضا من أوجه القصور والغموض التي من شانها أن تجعل المستثمر يفكر مليا حين يولي اهتمامه الاستثمار داخل الحدود الوطنية في مجال الاختراعات المتضمنة أصلا لنقل واستثمار التكنولوجيا المتقدمة في مجالات الصنع أو طرائقه او كليهما معا. بحيث نلمس في واقع القراءة المتأنية لمختلف نصوص القانون أنه لم يكن قادرا على تغطية مختلف القضايا التي لها ارتباط بالفكر الاستثماري.
مؤدى ذلك عمليا، غاب عن هذا القانون إيلاء نصا متميزا بموضوع التراخيص الإجبارية أو حتى قضية المنافسة غير المشروعة من قبل صاحب الحق في البراءة المرخص بها جبريا، إذ يعاني المستثمر لبراءة اختراع حاز على ترخيص إجباري بها من فشل المشرع في تغطية الممارسات التعسفية من قبل صاحب الحق في البراءة ليمسي بالتالي فريسة تلك الممارسات اللاأخلاقية، فالمبالغة في أسعار بيع المنتجات المشمولة بالحماية، أو التميز بين العملاء فيما يتعلق بأسعار وشروط بيعها.وعدم توفير المنتج المشمول بالحماية في السوق أو طرحة بشروط مجحفة. ووقف إنتاج السلعة المشمولة بالحماية أو إنتاجها بكمية لا تحقق التناسب بين الطاقة الإنتاجية وبين احتياجات السوق والقيام بأعمال أو تصرفات تؤثر سلبا على حرية المنافسة، وفقا للضوابط القانونية المقررة. كلها أفعال تجعل منها سببا كافيا لدى المستثمر في الإقلاع عن الاستثمار في بيئة الاختراعات داخل الحدود الوطنية في ضوء غياب التغطية التشريعية لتلك الممارسات والاكتفاء بنص المادة 23 من قانون قانون براءات الاختراع التي جاءت –على استحياء- بفكرة التراخيص الإجبارية مع العلم أن موضوع هذه الأخيرة ومبرراتها لا تكفي ولا تشمل بالتغطية حتى تلك الممارسات التعسفية من قبل المخترع، الأمر الذي من شأنه الإضرار بحقوق المستثمر إن لم يرضخ إلى إرادة المخترع وبالتالي الإضرار المباشر به.
عديدة هي الصور والمظاهر التي يتجلى فيها قصور التشريعات الناظمة لحقوق الملكية الفكرية في مواكبة المد الاستثماري والتحفيز عليه، حيث يمتد هذا القصور إلى أنماط مرتبطة بتشريعات أخرى في مجال الملكية الصناعية التجارية وكذا الأدبية والفنية ، الأمر الذي يجعلنا في أمس الحاجة إلى إعادة النظر في فلسفة تلك التشريعات وإعادة صياغتها بما يحقق تلك الغايات.
اترك تعليقاً