أثر التحولات العالمية على القانون الدولي
لقد شكل انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة محطة تحول حاسم في مسار العلاقات الدولية والقانون الدولي فبعد سيادة نظام دولي عكس موازين القوى السائد الذي أفرزته
الحرب العالمية الثانية وترجمت ضوابط في ميثاق الأمم المتحدة، جاءت التحولات المتسارعة لتكشف قصور وعجز مبادئ القانون الدولي عن مقاربة الأوضاع الدولية الجديدة وهو الأمر الذي فتح المجال واسعاً أمام بروز عدة ممارسات فردية ، تتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة مثل :
1- أزمة لوكربي
2- التدخل في الصومال
3- كوسوفو
4- أزمة الخليج الثانية
5- الحرب الأمريكية على العراق.
ومن الواضح أن هذه الوضعية المرتبطة بأزمة القانون الدولي دشنت لواقع دولي جديد طرح فيه بإلحاح مسألة آلية عمل القانون الدولي؟
إن المشكلة الكبرى أو المعضلة التي يواجهها القانون الدولي متمثلة في الهوة الصارخة بين الأهداف التي يفترض من القانون الدولي تحقيقها والأزمة التي يعيشها في ظل التحولات العالمية مثل انهيار الاتحاد السوفييتي، أحداث 11 أيلول، احتلال العراق. هذا الوضع يطرح بشدة إشكالية مصادر خلق القاعدة القانونية الدولية في ظل واقع دولي يتسم بالأحادية انعكس على مجمل القضايا والمنازعات العالمية المعاصرة مما جعل المبادئ القانونية الدولية والمرجعيات الأساسية التي قام عليها محل تساؤل؟
لقد أضحت المقاربات السياسية هي المهيمنة على مثيلاتها القانونية. كما أن النظام الدولي السياسي قد شهد مجموعة تبدلات جذرية سواء على صعيد الأزمات أو الاهتمامات ولكن النظام القانون الذي يعتبر الضابط المفترض في العلاقات الدولية ظل ثابتاً ولم يواكب هذه التحولات. فالتحولات الجديدة أظهرت أن هناك فراغ قانوني على مستوى التأطير. فمثلاً إذا كان التصور في القانون الدولي للحرب على أساس أنها تتم بين دول ذات سيادة فلقد ظهرت نزاعات داخلية لا تخلو من تداعيات دولية مثل
1- أزمة الكونغو
2- أزمة كوسوفو
3- الصراع في الصومال…الخ.
كما أن قضية محارية ومكافحة الإرهاب تطرح وبألحاح جدلية دور الأفراد في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية حيث أصبح هنالك أفراد أو منظمات قادرين على القيام بأعمال حربية وأمنية وهذا الواقع لم يلحضة القانون الدولي وخير دليل على ذلك عدم وجود تعريف واضح للإرهاب ليومنا هذا وهل هنالك تعريف شامل للإرهاب يشمل إرهاب الدول وإرهاب الأفراد وهذا من الأسباب التي حالت دون أدراج المحكمة الجنائية الدولية الأعمال الإرهابية ضمن أختصاصها مباشرة بأستثناء طلب مجلس الأمن منها ذلك. وتوجد صعوبة في الموازنة ما بين حقوق الفرد وحقوق الدولة السياددية وبين الاختصاص العالمي التي تصطدم بمبادئ القانون الدولي التقليدي المرتبطة بالسيادة ومبدأ عدم التدخل ومصالح الدول المتباينة واراداتها وهذا يمكن معرفته بوضوح من خلال تتبع فكرة الاختصاص العالمي للمحكمة الجنائية الدولية .
إذاً هنالك تعارض ما بين تحديات المحافظة على السلم والأمن الدوليين من جهة وضرورة احترام سيادة الدول من جهة أخرى. وهذه الإشكالية واضحة جداً من خلال متابعتنا لما يعرف بعولمة الإرهاب ومكافحته وأيضاً التدخل الإنساني من أجل حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية مما جعلنا أمام واقع ذات اجتهادات وإفرازات تحاول التأسيس لنظريات جديدة لمبدأ عدم التدخل.
وإذا كان الصراع الأيديلوجي ما بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة قد انعكس على عمل مجلس الأمن وعطّل عمله إلا أن محاولات تفعيلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي طرحت الكثير من علامات الاستفهام لدرجة الوصول لقناعة مفادها أن مبدأ عدم استخدام القوة أو التهديد بأستخدامها أصبح في العلاقات الدولية أمراً مثالياً. وهذا جلي من خلال استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة كأداة لسيطرة الدول الكبرى الخمس وخاصة الولايات المتحدة.
المؤشرات والممارسات الدولية تشير إلى أن تطبيق مبدأ عدم التدخل يعبر عن مثالية هذا المبدأ الذي نتج عن حالة الاحباط الذي خلفته الحروب ومحاولة الحد من اللجوء إلى القوة. ولكن وللأسف لقد تحول هذا المبدأ في الممارسة إلى مبدأ سياسي وقانوني اسمه التدخل وهذا واضح من خلال أن كثير من التدخلات التي تتم تحت غطاء أ– نشر الديمقراطية ب- الضرورات الإنسانية ج- حماية البيئة…الخ تتم بشكل يتناقض مع مبادئ القانون الدولي ليعكس في كثير من الأحيان مصالح بعض الدول خاصة عند اللعب على وتر الملائمة ما بين مصالح الفرد من جهة ومصالح الدولة من جهة أخرى .
إن بعض القضايا المطروحة على الساحة الدولية مثل عولمة الإرهاب ومكافحته أو عولمة حقوق الإنسان ما زالت مرتبطة ومقيدة بالاعتبارات الاستراتيجية للدول ولواقع التوازن العالمي سواء ما بين تلك الدول أو بين المنظمات غير الحكومية وبين تلك الدول. فمنذُ انتهاء الحرب الباردة نعيش في مغامرة جديدة تتميز بالغموض والجدلية بين الخطاب الكوني النظري الذي يطمئن العالم لإمكانية إيجاد وتدعيم نظام عالمي يمنح ركائز قوية لإنسانية جديدة وبين الواقع العملي الممارس الذي يقلقنا ويجعلنا نرى في هذا التغير نوعاً من التبشيرية الجديدة للسيطرة تحت غطاء مكافحة الإرهاب ودعم حقوق الإنسان. وكثيراً ما تتحول هذه المبررات كأداة لضغط الأقوياء على الضعفاء وهنا لا نتكلم عن دولة بعينها فمثلاً الحديث باسم الإنسانية قد يكون شكلاً من أشكال الهيمنة وهذا ما رأته بعض الدول من خلال التعليق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث النقاش ما زال حاداً ولم ينته بعد وفقاً لإشكالية الخصوصية وتحديداً الخصوصية الثقافية وهو ما ينطبق أيضاً على مسألة السيطرة والاعتبارات السياسية مما جعل التركيز يتم على ملابسات الصياغة منذ العام 1993 وليس على مضمون القيم التي يحتويها.
أن الازدواجية واضحة من خلال تتبع مبدأ العقوبات الدولية الذي يجب اعتبار هذا المبدأ كأداة لإنشاء نظام عالمي قائم على العدالة واحترام حقوق الإنسان ولكن الواقع يعبر عن عكس ذلك فمنذ التسعينات كانت تلك العقوبات مستهدفة دولاً معضمها من الجنوب، كالعراق، ليبيا، السودان، أفغانستان، رواندا، سيراليون، وإيران أخيراً نتيجة برنامجها النووي وقد يكون من حقنا بل واجب علينا طرح التساؤل التالي :
لماذا لم تفرض عقوبات على دول مثل الصين وروسيا وإسرائيل لخرقها حقوق الإنسان؟
في ظل واقع دولي حالي يعبر عن استمرار زيادة استعمال القوة من قبل أطراف أحادية وهذا الواقع العالمي الذي أصبح مألوفاً وتحديداً في أزدواجية المعايير وهو واقع ما نعيشه حالياً في منطقتنا خاصة فيما يتعلق بملف الأسلحة النووية فإسرائيل خارجة عن كل ما هو مألوف ومنطقي وعادل وبالمقابل إيران وحدها تمثل الخطر الداهم على العالم بأسره ؟
هذه الحقائق والوقائع في ظل الظروف العالمية الحالية تجعلنا أن نصل إلى حقيقة مفادها أن الحديث عن مبادئ
1- عدم استخدام القوة والتهديد باستخدامها
2- المساواة بين الدول
3- مبدأ عدم التدخل جعلت من استاذ القانون الدولي جزءً من التاريخ
اترك تعليقاً