أثـر التفتيـش القضـائي علـى معوقـــات البـت فـي القضــايا
القاضي حلمي الكخن رئيس محكمة استئناف رام الله
أثــر التفتيـش القضـائي علـــى معوقـات البـت فـي القضــايا
واكتسـاب ثقـة الجمهـور
1. أسباب معوقات البت في القضايا.
2. دور التفتيش القضائي في تذليل معوقات البت في القضايا.
مما لا شك فيه أن نظام التفتيش القضائي لدى كافة الدول التي تأخذ به يسعى إلى لعب دور إيجابي وبناء بهدف رفع مستوى أداء العمل القضائي ككل سواء لدى التوجه إلى القضاء إبتداءً أو أثناء نظر القضايا وحتى صدور الحكم فيها أو لدى التوجه إلى دائرة التنفيذ بهدف تنفيذ الأحكام ولعل سرعة إتمام هذه المراحل ونجاعة تحقيقها هو ما يولد الإنطباع بالثقة لدى جمهور المقاضيين بالقضاء ومن هذا ندرك أن للتفتيش أهمية خاصة في التخلص من بعض المعوقات التي تعكس ظلالها على التخلص من مشكلة الإختناق القضائي، ونظراً لتعدد أسباب معوقات البت في القضايا فإن الدور الإيجابي الذي يلعبه التفتيش القضائي يختلف باختلاف أسباب تلك المعوقات، فهو ذو أثر مباشر على بعض الأسباب وغير مباشر على البعض الآخر، لذلك يتوجب على دوائر التفتيش القضائي في كافة الدول أن تعمل إبتداءً على رصد أسباب معوقات البت في القضايا، والتي هي بالتأكيد تختلف من دولة لأخرى من حيث ماهيتها ومن حيث تأثيرها، ومن حيث تأثيرها، وتعمل على تحديد تلك الأسباب بحسب أهميتها، ثم تضع لها الخطط الواقعية التنفيذ بحيث تحقق الغاية المنشودة من وجود نظم التفتيش القضائي والمتمثل كما ذكرنا برفع مستوى العمل القضائي وتحقيق الثقة فيه.
إذاً فإن الأثر الإيجابي الذي يلعبه التفتيش القضائي في التخلص أو الحد من بعض معوقات البت في القضايا يختلف من دولة لأخرى بحسب الأثر السلبي الذي يحدثه ذلك المعوق في الإختناق القضائي، ولعل الخصوصية التي يعيشها مجتمع القضاء الفلسطيني تفرز أسباب ومعوقات لا يعرفها غيره من مجتمعات القضاء العربي، ونخص بذلك الأسباب التي يكون الإحتلال الأجنبي سبباً مباشراً فيه، فالحواجز العسكرية التي تنتشر حول كافة المدة الفلسطينية والتي تعيق حركة المواطنين بحرية، والتي تهدف إلى إذلال المواطنين واعتقال من يجد فيه الإحتلال خطراً على أمنه لها الأثر السلبي الكبير على نجاح العمل القضائي، وتعمل على تعميق وتأصيل مشكلة المعوقات والإختناق القضائي مما يلقي بأعباء ثقيلة على كاهل دوائر التفتيش القضائي التي تشترك بلدانها في مثل هذه الخصوصية، كذلك فإن إقتحام قوات الإحتلال لمراكز الإصلاح والتأهيل في أغلب المدن الفلسطينية واعتقالها أمنياً لبعض المتهمين الجنائيين وكذلك الإجتياح المتكررة للمدن الفلسطينية وتدمير مؤسسات الدولة وبينتها التحتية والدخول إلى مباني المحاكم وتدمير بعضها وتخريب البعض الآخر بعد العبث في ممتلكاتها وفي القضايا والمضبوطات والأدلة والقاصات والكمبيوترات وضياع المستندات يجعل من العبء الملقى على عاتق دوائر التفتيش القضائي التي تعاني بلدانها من ظروف مشابهة كبيرة جداً.
ولتوضيح هذا الأثر السلبي للإحتلال على العمل القضائي نعطي بعض الأمثلة:-
المثال الأول: عمل المحضرين
ليس من السهل أن يتمكن محضر المحكمة من إجتياز الحواجز العسكرية بغية القيام بدوره لتبليغ الأشخاص الذين تقع أماكن سكناهم خارج تلك الحواجز.
حتى في حالة الصعوبة التي يتكبدها المحضر في إجتياز الحاجز العسكري، فإن بعض الحواجز العسكرية تحتاج إلى تصريح خاص لاجتيازها لا يملكه المحضر.
وحتى في حالة إمتلاكه لمثل هذا التصريح إفتراضاً فإن كثيراً من الأحيان تكون تلك الحواجز مغلقة في وجه العامة بمن فيهم حامل التصريح، سواء أيام أعياد الإحتلال وهي كثيرة أو عقب أي نشاط أمني أو خلاف ذلك.
وحتى في حالة فلاح المحضر في إجتياز الحواجز والعثور على الشخص المراد تبليغه، فإن الشخص المعني بالتبليغ لا بد أن يعاني معاناة المحضر في الوصول إلى المحكمة، الأمر الذي يجعل هؤلاء الأشخاص يعزفون عن المغامرة والحضور للمحكمة للشهادة أو لغير ذلك سيما إذا كان لهؤلاء الأشخاص لهم ملف أمني.
المثال الثاني: بخصوص القضاة والموظفين
تعمل الحواجز العسكرية بالحد الأدنى على عرقلة وصول القضاة والموظفين إلى أماكن عملهم بالوقت المناسب، وذلك بالحالة التي يتمكنون فيها من إجتياز الحواجز والأمثلة كثيرة ولا تتوقف عند حد لأنها مستمرة وتتجدد بتغير الظروف والأوضاع السياسية والتي هي أشبه بالرمال المتحركة.
أن هذه المعوقات الفريدة وأثرها السلبي على العمل القضائي يجعل من مهمة دائرة التفتيش القضائي الفلسطينية مهمة صعبة جداً سيما وأن مفتشي المحاكم لديها يعانون من الأثير السلبي لمعوقات الإحتلال كغيرهم من المواطنين.
وعلى سبيل المثال أيضاً فإن قيام مفتشي الدائرة بالقيام بمهمة تفتيشية على إحدى المحاكم يتطلب قضاء وقت طويل بالإلتفاف عن الحواجز العسكرية وصولاً إلى تلك المحكمة في وقت غير مناسب يُفقد عملية التفتيش أحد أهم غاياتها المتمثلة بمراقبة الدوام الصباحي.
وباستبعاد معوقات العمل القضائي التي يدخل الإحتلال سبباً في وجودها أو في تكريسها فإننا نشير بهذه الدراسة لأهم معوقات التفتيش القضائي الفلسطيني وفق دراسة عملية تحليلية لعدد من القضايا المنظورة لدى إحدى محاكم الشمال في فلسطين. حيث اشتملت تلك الدراسة على بيانات مجدولة تساعد المعني بالوقوف على كل قضية للحصول على المعلومات والتفاصيل المبتغاة والمتعلقة بكل جلسة من جلساتها والإجراءات التي اتخذت فيها إلى أن انتهى الجدول بخانة تحليل وتقييم للأسباب والمعوقات التي حالت دون سرعة البت في القضايا.
وبالوقوف على تلك الأسباب نجد معظمها يتكرر في الكثير من القضايا وفي هذه الدراسة نشير إلى أهم تلك الأسباب ونبين أثر التفتيش القضائي على تذليل هذه الأسباب.
أولاً: مشكلة التبليغات
أ. في القضايا الحقوقية (المدنية)
تعاني المحاكم في فلسطين من مشكلة التبليغات في القضايا الحقوقية للأسباب التالية:-
1. عدد المحضرين حيث لا يغطي العدد الموفر من المحضرين إحتياج هذه المحاكم من القيام بعملها بنجاعة وقد كان لدائرة التفتيش وجولاتها التفتيشية والوقوف على عدد القضايا المنظورة لدى كل محكمة وعلى عدد (القضايا المدورة) وكذلك الوقوف على عد القضايا الواردة بشكل شهري ونسبة القضايا المفصولة شهرياً في كل محكمة كان له أثراً هاماً في تحديد إحتياجات كل محكمة بما يعوزها ورفع التوصيات السريعة بهذا الشأن لمجلس القضاء الأعلى بحيث أصبح ولأول مرة تعيين المحضرين لدى المحاكم يقترن بإحتياجاتها المدروسة.
2. عدم تأهيل المحضرين/ إن ضعف المحضرين بأصول عملية التبليغ وفق أحكام القانون يشكل معوقاً أمام القاضي الذي لا يجد سبيلاً سوى التأكيد على إعادة التبليغ حسب الأصول والقانون وفي أحسن الظروف فإنه يقوم بإفهام المحضر كيفية إجراء التبليغ في كل حالة يكون فيه التبليغ بصورة مخالفة للقانون وفي هذا المقام وضعت جولات التفتيش على أعمال المحضرين يد المفتشين على الخلل القانوني الذي يعاني منه بعض المحضرين وذلك بهدف تأهيلهم وإخضاعهم إلى ورش عمل تشرح لهم أسس وأصول التبليغ وفق الأصول القانونية.
3. تهرب المحضرين من القيام بواجبهم وفق مقتضيات القانون.
عادة ما يلجأ المحضرون إلى إجراء التبليغات وفق نهج غير قانوني يسعون فيه إلى تحقيق راحتهم على حساب تعطيل إجراءات التقاضي إذ يلجأون إلى الشرح على ذيل مذكرات التبليغ عبارات منقوصة تجعل من التبليغ باطلاً ويهدفون بذلك إلى كسب الوقت مع إشعار القضاة بأنهم بذلوا جهدهم في إجراء التبليغ ومن أشهر تلك العبارات والتي أصبحت معروفة لدى القضاة وجمهور المحامين والمتقاضين والمفتشين ما يلي:
أ. ذهبتُ إلى بيته عدة مرات ولم أجد أحداً في البيت يقوم مقامه في التبليغ.
ب. لعدم وضوح العنوان أعيدها بدون تبليغ.
ت. تبلغ عنه س من الأشخاص دون أي يبين صفته.
وقد بدأ التفتيش القضائي يؤتي ثمار أكله في مسألة ضبط عملية التبليغ من خلال إنشاء أقلام خاصة بالتبليغات وإلزام المحضرين بمسك سجلات خاصة تبين تاريخ تسلمهم مذكرات التبليغ من قبل رئيس القلم وتبين أيضاً تاريخ إعادة تلك المذكرات إلى رئيس القلم بعد أن جرى تبليغها وكذلك إلزام رئيس القلم بمعاينة قانونية مشروحات المحضر على مذكرات التبليغ حتى إذا تبين له عدم قانونيتها يعيدها ثانية إلى المحضر بإجراء التبليغ وفق أصول القانون مما سهل على دائرة التفتيش مراقبة أعمال المحضرين والوقوف على تقاعسهم في أداء مهامهم المنوط بهم.
ب. في القضايا الجزائية
أظهرت الدراسة سالفة الذكر أن معوقات البت في القضايا الجزائية ناتج عن الأسباب الآتية:-
أ. عدم إحضار المتهمين للمثول أمام المحاكم من أماكن توقيفهم المختلفة (مراكز الإصلاح والتأهيل).
ب. عدم تعاون الشرطة في تنفيذ مذكرات الإحضار أو القبض أو التوقيف.
ت. إعتقال الإحتلال لمتهمين أو لشهود النيابة الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة إجراءات التقاضي أمام المحاكم ويطيل من أمد المحاكمات مما يؤدي إلى تكدس العديد من القضايا الجزائية أمام المحاكم مما يؤثر على تباعد جلسات المحكمة.
بهذا الصدد ترى دائرة التفتيش القضائي أن الحل الأمثل لهذه المعوقات يكمن في إنشاء شرطة قضائية متخصصة تعمل على تنفيذ أوامر القضاء بالسرعة المطلوبة وإلى أن يتم ذلك تبقى هذه المعوقات قائمة ما لم تعمل الشرطة بالتنسيق مع القضاء على حلها مع الإشارة إلى أن لدى الشرطة معوقات خاصة بها تتمثل في عدم توفر العوامل اللوجستية بالإضافة إلى اضطراب الظروف الأمنية التي تعاني منها جراء الفلتان الأمني الذي كان سائداً والذي أثر على عملها بشكل كبير بعدما دمرت قات الإحتلال مراكز الشرطة في العديد من المدة الفلسطينية.
ثانياً: مشكلات تتعلق بالقضاة
1. قلة عدد القضاة.
2. قلة خبرة بعض القضاة خاصة في محاكمة الدرجة الأولى.
3. عدم إلتزام القضاة بمواعيد العمل.
وقد ساهم عمل التفتيش القضائي في رصد حجم العمل بالمقارنة مع عدد القضاة لدى كل محكمة في معرفة العدد اللازم من القضاة في كل محكمة كما وقد أصبح للتفتيش القضائي على أعمال القضاة بغية تنسيب ترفيع من يثبت جدارته الأثر الكبير في رفع مستوى أداء القضاة وتنافسهم نحو الأفضل مما ساهم في خلق الثقة لدى المحامين والجمهور بكفاءة القضاة بالإضافة إلى رفع التوصيات للجهات المختصة لتنظيم دورات تدريبية وورش العمل داخل وخارج فلسطين للنهوض بمستوى القضاة ذوي الخبرات الحديثة والقضاة الجدد وقد تم ذلك، كما أن مراقبة دوام القضاة والموظفين من قبل التفتيش القضائي زاد من إنتاجية العمل.
ثالثاً: مشكلات تتعلق بمباني المحاكم
باستثناء بعض المدن التي أنشأت فيها مباني مخصصة ومهيأة كمحاكم كما في نابلس وجنين لا توجد مباني مناسبة لممارسة العمل القضائي فيها والتي في معظمها عبارة عن شقق في عمارات لا تصلح لاستقبال جمهور المتقاضين كما لا تصلح لمباشرة القضاة لأعمالهم نظراً لضيق تلك الغرف أحياناً ولعدم وجود تهوية مما يؤدي إلى إنتشار الرطوبة فيها بل أنها تدلف في أحيان أخرى بالإضافة إلى صغر مساحة بعض المحاكم حيث يجد رئيس القلم نفسه في مشكلة حقيقية في كيفية تنظيم وترتيب الملفات مما يضطره إلى إستعمال الأرض لوضع الملفات عليها الأمر الذي يعرقل تقديم الخدمات للجمهور ويجعل من القاضي والموظف على حد سواء في وضع نفسي غير مريح لممارسة عمله مما ينعكس سلباً على العمل وخدمة المواطن.
ولذلك فإن التفتيش القضائي بزياراته الميدانية للمحاكم للتعرف على حجم العمل لدى كل محكمة والوقف على رصد مدى ملائمة مباني تلك المحاكم ومدى صلاحيتها لان تكون كذلك ورفع التوصيات اللازمة لمعالجة هذه المشكلة أسهم في الوصول إلى حل نسبي لهذه المشكلة.
وأخيراً يبقى أمام دوائر التفتيش الكثير الكثير من العمل لنيل ثقة الجمهور وذلك من خلال تلقي الشكاوى حول سوء النية في التعامل مع القضايا وأطرافها من كافة الأشخاص الذين يتعاملون مع هذه القضايا من لحظة تسجيلها لدى قلم المحكمة وحتى لحظة الإنتهاء من تنفيذ الأحكام الصادرة فيها، وأصبح المواطن يشعر بوجود مرجعية تحاكي الأخطاء والقصور ما ساهم في تعزيز ثقة الجهود بالقضاء ككل.
اترك تعليقاً