أثر الديمقراطية النيابية على الأنظمة السياسية
أ/ عبد الله كامل محادين
الأنظمة السياسية في ظل الديمقراطية النيابية
إن استحالة تسيير شؤون الدولة الحديثة عن طريق الديمقراطية المباشرة و التي تذهب مبادئها إلى فكرة حكم الشعب السياسي نفسه بنفسه و بتالي ممارسته لسيادة بدون أية واسطة عن طرق الاجتماع أفراد الشعب السياسي وتقرير وبحث ومناقشة أمورهم وتسيير شؤون الدولة و التي كان من دعاتها الفقيه ” جان جاك روسو ” الذي يعتبرها تطبيق المثالي و الحقيقي لسيادة ، وقد عرفت هذه الصورة في بعض المدن اليونانية القديمة مثل” أثنا ” لكن استحالة تطبيق هذه الصورة تظهر في عدة أسباب تكلم عنها الباحثين نسرد من بينها ما يلي :
-اتساع رقعة الدولة وخصوصا إذا امتازت بكثرة سكانها و بتالي استحالت اجتماع كافة أعضاء الشعب السياسي .
-استحالة مناقشة كافة المسائل خاصة التي تتطلب درجة عالية من النضج السياسي و الدراية الشاملة و العميقة بشؤون الدولة
-تحتاج الدولة غلى نوع من السرية في مناقشة بعض الأمور الهامة و الدقيقة و التي لا يمكن معالجتها بطريقة جماعية و مفتوحة وعلنية .
ظهر كذلك ما يسمى بالديمقراطية الشبه مباشرة : وهي تتوسط بين الديمقراطية المباشرة و غير مباشرة و التي سنتطرق لها لاحقا فهي تقوم على انتخاب مجلس نيابي مع محافظة الشعب على حقه في تدخل و ممارسة السلطة ، عن طريق مجموعة من التقنيات و الإجراءات و التي نتذكر منها :
-الاقتراح الشعبي : و المقصود منه أنه يحق لعدد أو مجموعة معينة من المواطنين المبادرة باقتراح تعديل الدستور أو أي قانون معين على المجلس المنتخب .
-الاعتراض الشعبي : يتمثل في حق الشعب الاعتراض على قانون معين حين صدوره ، فيوقف تنفيذه ، إلى حين عرضه على استفتاء شعبي
-الاستفتاء : هو إشراك الشعب في إعطاء رأيه حول شأن أو مسألة معينة .
-حل البرلمان و إقالة النواب : اذ يمكن لعدد أو مجموعة من المواطنين تقديم طلب حل البرلمان وعرضه على الاستفتاء كما يمكنهم إقالة نائب أو عدة نواب و في نظري يعد هذا ورقة ضغط ووسيلة تأثير مهمة امتلكها المواطنون آنذاك نصل بعد ذلك إلى ما سبق ذكره أعلاه ألا وهو الديمقراطية القائمة على النظام النيابي أو ما يسمى بالديمقراطية الغير مباشرة ومفادها أن الشعب يقوم باختيار من يمثله في مباشرة شؤون الحكم بالنيابة عنه و ذلك عن طريق الاقتراع الشعبي كما يقوم هذا الأسلوب في الحكم على تنظيم معين لسلطات الأساسية في الدولة و المعروفة طبعا السلطة التشريعية و السلطة القضائية و السلطة التنفيذية – هناك من يدرج حرية الرأي و يعتبر الصحافة سلطة رابعة لما تلعبه من دور إعلامي يمكنه أن يغر أمور كثيرة على مستوى الرأي العام – ويتمثل فيما يسمى بمبدأ الفصل بين السلطات الذي اعتمدته الأنظمة السياسية الغربية الحرة واعتبرته أساس لسياسة الليبرالية فهو بالنسبة لها يعد وسيلة لمعارضة السلطة المطلقة للملوك أو الحكام ، وحسب طبيعة العلاقة التي توجد بين السلطتين التشريعية و التنفيذية نجد ها تأخذ الصور التالية :
*النظام البرلماني :
الذي يقوم على فكرة التوازن و التعاون بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وعدم ترجيح كفة إحداهما على الأخرى ويقوم هذا التعاون على أساس وجود وسائل التأثير التي تمارسها كل واحدة تجاه الأخرى ، كما يقوم على مجموعة من العناصر و الأسس تتمثل في:
– ثنائية السلطة التنفيذية فهناك رئيس الدولة الذي له دور رمزي و شرفي في العملية التنفيذية و رئيس الحكومة الذي يمارس السلطة التنفيذية و الفعلية
-يمارس التشريع برلمان منتخب إنما يمكن أن تشاركه الحكومة في التشريع عبر اقتراح القوانين ، كما يشارك البرلمان الحكومة في عملية تنفيذ برنامج الحكومة و بيان السياسة العمة و يظهر ذلك عبر أدوات الاستجواب أو لجان التحقيق أو الأسئلة الشفوية منها أو الكتابية
* النظام الرئاسي :
الذي يقوم على فكرة الاستقلال و الفصل التام بين السلطتيين التنفيذية و التشريعية حيث أن العلاقة التي تربطهما تقوم على أساس الاستقلالية ، فكل سلطة تستقل بوظيفتها عن الأخرى و يعتبر النموذج الأمريكي المثالي لنظام الرئاسي ، أما العناصر التي يقوم عليها فتتمثل فيما يلي :
– وحدة السلطة التنفيذية فالرئيس يجمع بين رئاسة الدولة و رئاسة الحكومة
– يمارس السلطة التشريعية برلمان منتخب من الشعب و يمارس التشريع بشكل كامل و مستقل
– الرئيس و حكومته مسئول أمام الأمة و ليس أمام البرلمان
*حكومة الجمعية أو ما يسمى بالنظام المجلسي :
الذي يقوم على فكرة الدمج الكامل لسلطة و مظاهر السيادة في يد البرلمان المنتخب من طرف الشعب و يقوم على العناصر التالية :
-يجمع البرلمان بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و يقوم بتعين الحكومة و من يرأسها من بين أعضاءه
– تتشكل السلطة التنفيذية من هيئة منبثقة من البرلمان يرأسها أحد أعضاء الهيئة
– الحكومة هي مسئولة أمام البرلمان و يمكن للبرلمان إقالتها أو إقالة بعض أعضاءها ، و بالمقابل لا تستطيع الحكومة حل البرلمان
لنصل أخيرا إلى
* النظام المختلط :
و الذي لا يعد في الواقع نظاما أصيلا و متميزا و لكن و هذا ما يستنتج من خلال اسمه أنه عبارة عن مزج بعض من تقنيات النظام الرئاسي و النظام البرلماني و درجات الخلط و المزج تختلف من منطقة إلى أخرى فنجد مظاهر النظام الرئاسي أن لرئيس الجمهورية سلطة واسعة مما يجعله عضوا أساسيا في ممارسة السلطة التنفيذية بل له ميادين خاصة متعلقة بالشؤون السياسة الخارجية و شؤون الأمن و الجيش و له سلطة تعين في مناصب عليا فهو يعين الوزير الأول و يعين باقي الطاقم الحكومي و يقيلهم و كبار الموظفين في الدولة ، كما يتمتع بالسلطة التنظيمية و الخاصة بإصدار القرارات المستقلة . أما مظاهر النظام البرلماني فتظهر في وجود ثنائية السلطة التنفيذية و قيام البرلمان بمراقبة نشاط الحكومة بعدة وسائل فالحكومة مسئولة أمام البرلمان و يمكنه إقالتها بالتصويت على ملتمس الرقابة أو إجبارها على تقديم استقالتها بالموافقة على سحب الثقة و بالمقابل يمكن للحكومة حل البرلمان و مشاركته في الوظيفة التشريعية عن طريق اقتراح القوانين و مناقشتها داخل البرلمان هذه هي أهم صور الأنظمة السياسية في الدولة
اترك تعليقاً