قانون الجنسية السودانية الجديد
أجاز المجلس الوطني تعديلات أجريت على قانون الجنسية تسمح بإسقاط الجنسية عن مواطني جنوب السودان بعد أن أختاروا الإنفصال، وعليه لا يحق لهم البقاء في السودان كمواطنين، إلا بعد أن يتم توفيق أوضاعهم القانونية كأجانب ,
وقد جرت سجالات مكثفة بين العديد من القانونيين والمنظمات الحقوقية والسياسيين حول التداعيات المترتبة على انفصال جنوب السودان ، سيما مسألة الجنسية ، حيث لا تزال أعدادا كبيرة من المواطنين الجنوبيين أوضاعهم معلقة ، وأرتفعت أصوات محذرة من مغبة نشؤ فئات من (البدون) أى اولئك الذين لايحملون جنسية أى من البلدين.
وفى القانون الجديد للجنسية لعام 2013 أضيفت شروط، منها أن يكون الشخص ملتمس الجنسية له مهنة أو وسيلة مشروعة يتكسب منها..إلخ.
المركز السوداني للخدمات الصحفية (smc) أجرى تحقيقا فى هذا الصدد مع الجهات المعنية ، تطرق من خلاله لقانون الجنسية الجديد ، والوضع القانوني لمواطني دولة جنوب السودان المقيمين في السودان ، ووثيقة الحريات الأربع …فالى وقائع التحقيق .
لا خيار لهم
فى البدء ألتقينا اللواء شرطة مصطفى يوسف مصطفى ،مدير دائرة التسجيل بالإدارة العامة للسجل المدني، الذى تحدث عن التعديل الذي اجيز منقبل المجلس الوطني على قانون الجنسية والذى يشرّع إسقاط الجنسية السودانية عن المواطنين «الجنوبيين» بعد الإنفصال ،كما تطرق الى امر «الجنوبيين» الذين لا يحملون جنسية (بدون)،وكذلك الذين رفضوا العودة للجنوب ..
ًفقال ان هذا التعديل أسقط الجنسية السودانية بصورة تلقائية ان اكتسب الشخص حكماً أو قانوناً جنسية جنوب السودان ،وكذلك أسقطها عن العناصر التي أسقطت الجنسية عن والده الذي اكتسب حكماً أو قانوناً جنسية جنوب السودان، وفى حالة كونه لا يحمل الجنسية من دولة جنوب السودان لا يغير في الوضع شيئاً ،لانه مكتسبا لها حكماً .
أما مسألة رفض العودة للجنوب فليس له خيارات فى البقاء أو رفض العودة للجنوب فهذه المسائل محسومة بالقوانين وتعالج وفق القانون.
وبالنسبة لمزاعم رفض الخرطوم لمقترح «الجنسية المزدوجة» بين الشمال والجنوب، فالسودان ٍلم يرفض اقتراح الجنسية المزدوجة ،و حسب علمي فأن مثل هذا الاقتراح لم يطرح من أساسه ،وأنا لم أسمع به ،ولأي دولة في العالم الخيار في أن تقبل أو ترفض مثل هذا الاقتراح وفقاً لمبادئ السيادة والقوانين الدولية.
ليس لهم حقوق
من جانبه قال الخبير القانونى غازي سليمان المحامي: انه ينبغى علينا ان نحتكم إلى الدستور وعندما أتحدث عن الدستور أقصد دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005م في المادة 7/1 منه والتي قول إن (المواطنة أساس الحقوق المتساوية والواجبات لكل السودانيين) .
بمعنى إذا أصبح الشخص مواطناً غير سوداني فليس له حقوق وليس عليه واجبات في دولة جمهورية السودان ،وفي هذا الخصوص أيضاً علينا أن نرجع للمادة (226/10) من دستور السودان الانتقالي 2005م، والتى تنص على أن( إذا جاءت نتيجة الاستفتاء حول تقرير المصير لصالح الانفصال ،فإن أبواب وفصول ومواد وفقرات وجداول هذا الدستور التي تنص على مؤسسات جنوب السودان وتمثيله وحقوقه والتزاماته تعتبر ملغاة) ،بمعنى بموجب هذا الدستور .
وبعد الانفصال وبعد أن أختار الجنوبيون الإنفصال لم تعد لهم حقوق بموجب دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م والمادة (226/10) ألغت أي حقوق وواجبات على ما يُسمى سكان جنوب السودان، وعلينا أيضاً أن نرجع للمادة (7/3) من دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م،والتي نصت بأن القانون ينظم المواطنة والتجنس، ولا يجوز نزع الجنسية عن من أكتسبها بالتجنس إلا بالقانون، وهذا معناه بعد الرجوع إلى دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م علينا أن نرجع إلى(قانون الجنسية والجوازات) والذى تم تعديله أخيراً في المجلس الوطني ،وأسقط الجنسية عن أي مواطن من الإقليم الجنوبي، بعد أن أختاروا الإنفصال ،وعليه لا يحق لهم البقاء في السودان كمواطنين ،إلا بعد أن يتم ترتيب أوضاعهم القانونية وهذا شيء واضح جداً.
الجنسية سقطت تلقائياً بعد الإنفصال
رئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان الفاضل حاج سليمان قال: ان الجنوبيين الذين كانوا متواجديين في السودان كانوا يتمتعون بجنسية الوطن الواحد وهو السودان ،ولكن بحدوث الإنفصال أصبحت هناك دولتان مستقلتان.
ومن المعروف والمعهود قانوناً– بحكم سيادة الدول على أراضيها وسيادة الدول على شعوبها- أن لا يحمل الشخص جنسية دولتين ولذلك الأخوة الذين أختاروا الإنفصال وأصبحت لهم دولة خاصة بهم تسقط عنهم تلقائياً جنسية الدولة الأم ،ولذا فالتعديل الذي أدخل على قانون الجنسية لسنة 1994م ،هو تعديل تم في أغسطس 2011م، حيث أضيفت في قانون الجنسية مادة تعالج هذه الحالة ألحقت بالمادة (10) من القانون الفقرة (2)،وأصبحت تقرأ تسقط تلقائياً الجنسية السودانية إذا اكتسب الشخص حكماً أو قانوناً جنسية دولة جنوب السودان ، والإكتساب الحكمي هو الذي تم بموجب الانفصال ومدى إنطباق توصيف الشخص أو المواطن الجنوبي على ذلك الشخص ، هذا يصبح حكماً وقد أصبح في عداد مواطني دولة جنوب السودان الجديدة .
أو قانوناً بمعنى أنه قد اكتسب الجنسية من الدولة الجديدة وفي الحالتين يصبح كل من اكتسب حكماً أو قانوناً جنسية دولة جنوب السودان تسقط عنه جنسية جمهورية السودان ،ثم من بعد ذلك تأتي التطبيقات العملية على هذه الحالة ،مثل وجود بعض الأخوة الجنوبيين الموجودين منذ فترة طويلة في دولة السودان ،وليس لهم علاقة بجنوب السودان سوى الشكل العام ،وبعض معالم تدل على أنه من الولايات الجنوبية من خلال النقوش الموجودة على الوجه أو الخطوط الموجودة على الجبهة ،لكنه مثلاً وُلد في السودان وأسرته مقيمة في السودان وأجداده كذلك..ألخ ،وهذه حالات موجودة ولم يشاركوا في الانفصال ، وهذه الحالات تدرس على إنفصال من الحالات الكلية ،وتقرأ في إطار قانون الجنسية ،وتقدر على حسب ما تفضي إليه التحقيقات التي تجرى حول طالب الجنسية ،فقد يفضي التحري والتحقيق حول الشخص المعني الى أنه لا علاقة له بدولة الجنوب وأنه مجرد إنتماء الجدود.. وتقدر هذه الحالات بصورة فردية.
وفي تقديري- والكلام لرئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان- ومن خلال بعض النصوص الواردة في القانون، فالجنسية أساساً تمنح بالصورة الفردية ،وليست الصورة الجماعية ،لكن النص ينطبق على كل من تنطبق عليه النصوص التي تعرف الجنوبي حسب قانون الاستفتاء وحسب اتفاقية السلام الشامل.
وبخصوص مسألة الجنسية المزدوجة، قال رئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان… ان (الجنسية المزدوجة هي من الأمور التي لا أقول أن السودان لا يتعامل بها، ولكن تقريباً معظم الدول لا تمنح جنسية لشخص له جنسية دولة أخرى ؛وإذا أخذنا الجنسية المزدوجة بمعنى أن يكون الشخص حائزا على جنسية دولة ،وتأتي وتمنحه جنسية دولة أخرى ،وهذه طبعاً تشكل مشاكل قانونية ومشاكل تتعلق بالقانون الدولي في بعض الأحيان ،وقد تكون الدولة مانحة الجنسية الأولى-والتي يتمتع بجنسيتها المواطن- قد دخلت في عداوة حرب مع الدولة الأخرى التي منحته الجنسية المزدوجة ،وبالطبع هذه مشكلة..
ولكن الجنسية بالتجنيس تمنح للشخص الذي ليس هو من مواطني الدولة المعنية عندما يتقدم بطلب للحصول على الجنسية لأنه لا يستحق جنسية بالميلاد في دولة السودان يمكن أن يستحق جنسية بالتجنيس تعطى له بموجب القانون.
ويضيف حاج سليمان بالقولً:(والشروط الواردة –فى القانون- تمنح الجنسية بالتجنس ،وهذه حالة مخالفة لحالة الازدواجية، وعليه فإن الجنسية بالتجنس تختلف عن «الجنسية المزدوجة « فلا يمكن منح شخص يحوز على جنسية دولة أخرى جنسية بالتجنس، لكن الشخص الذي لا جنسية له، وفقد جنسية دولته لأي سبب من الأسباب، وحتى هذه الأسباب أيضاً لها تقديرات قانونية.
وعدد حاج سليمان شروط منح الجنسية حسب القانون السودانى السارى الآن، قائلاً:(بموجب القانون الدولي فالمجرمون الذين يرتكبون جرائم في بلدانهم ثم يفقدون جنسية بلدانهم مثلاً لا يجوز منحهم جنسية تقيهم من المسألة القانونية من دولهم ،لكن عندنا نحن مثلاً في القانون السوداني (منح الجنسية بالتجنس) حسب ما نص عليه فى المادة السابعة من القانون تحدثت على أنه( يجوز للوزير ان يمنح شهادة الجنسية بالتجنس لأي أجنبي)..
بمعنى أنه ليس بكل المقاييس التي عرفت السوداني.. إذا قدّم طلباً بذلك بالشكل المقرر ،وأثبت للوزير أنه بلغ سن الرشد -وهذه من الشروط التي يجب أن تتوفر في الشخص الذي تقدم بالطلب للوزير لمنحه الجنسية بالتجنس.
وهذا يعني أن القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد لا يستجاب لطلبه ولا يتم التعامل معه ؛وأن يكون كامل الأهلية ،فالشخص الفاقد لأهليته من جنون أو إعاقة أو لأي سبب من الأسباب لا يتعامل معه ؛
-وكذلك من الشروط أن يكون مقيم في السودان إقامة مشروعة ومتصلة لمدة عشرة سنوات ،أو أكثر بمعنى أن المقيم إقامة غير متصلة أو إقامة غير مشروعة ودخل بإجراءات غير مشروعة وأقام في السودان عشر سنوات أو أكثر، فهذا لا ينطبق عليه النص أو أقام عشر سنوات متقطعة. لان شرطا المشروعية والتواصل مهمان جداً..
-وأيضاً من الشروط ؛أن يكون حسن الأخلاق، بمعنى أن لا يكون من سيئ الأخلاق سواء كان سوء أخلاقه عرف به أو اكتسبه بعد أن دخل السودان.. وتقدم بطلبه ولم يسبق الحكم عليه في عقوبة جنائية في جريمة مخلة بالشرف والأمانة وهذه مطلقة أيضاً .
-وهناك شروط أخرى بأن لا تمنح شهادة الجنسية السودانية بالتجنس لأي أجنبي بموجب أحوال البند (1) إلا بعد أن يؤدي طالبٍٍ الجنسية يمين الولاء بالصيغة الواردة في الجدول المحلق بالقانون ،وهذه لضمان أن من يتم منحه الجنسية بالتجنس، أن يكون له ولاء للدولة التي منحته جنسيتها ،ويكتسب الأجنبي الجنسية السودانية بالتجنس من تاريخ منحه الشهادة بذلك. وهذه هي الشروط الواجب توافرها حتى يمنح الشخص الأجنبي الجنسية السودانية بالتجنس.
وبالنسبة للعمر و الكفاءة والإنتاج ،فهذه أضيفت في مادة أن يكون الشخص سليم العقل وهذا جاء في تعديل 2011م حسب المادة (7) (ه) ،وأن تكون له وسيلة مشروعة للكسب في الفقرة (و) من المادة (7) أيضاً،وإذا لم تكن له وسيلة كسب مشروعة يمكن أن يرفض طلبه منحه الجنسية السودانية بالتجنس ،حتى لا يكون السودان ملجأً لفاقدي المهن والعطالة والمتسولين.
الحريات الأربعٍ
اما الحريات الاربع فيقول رئيس لجنة العدل والتشريع (بالبرلمان ) انها لايمكن ان تكون بديلاً للجنسية ،فالجنسية تعطيك كل ما يتمتع به المواطن، أما الحريات الأربع التي أجيزت في الاتفاقية التي تمت بين الشمال والجنوب ،هي حريات محكومة بالقانون ، فحرية التنقل لا تعني أن يدخل المواطن الجنوبي السودان دون علم الأجهزة المختصة بالجوزازات والجنسية والهجرة ، بل لابد أن يدخل بإجراءات مشروعة ، بأن تعلم الجهات المختصة بالشخص الذي دخل أراضيها والوقت المحدد لبقائه وذلك بموجب الاتفاقية المعنية . هذا إجراء أولى، وأيضاً لابد من معرفة الجهة أو الولاية التي ذهب إليها ،وهذا يعني أن تنقله من ولاية إلى أخرى لابد ان يكون معلوم للجهات المختصة،فالمعرفة هي لأغراض سيادة السودان على أراضيه ولأغراض حماية المواطن الأجنبي الذي دخل أرض السودان.
وبالنسبة العمل لابد ان يسجل اسمه و تتخذ كل الإجراءات المختصة بسجل العاملين الاجانب ليعمل وتتابع إجراءاته وفقاً للقانون وفى حالة حدوث اى تجاوز قانونى يفقد حقه في العمل و يتم التعامل معه بموجب القانون ويعاد إلى وطنه، واذا كانت هنالك أي مخالفات تستدعي محاكمة أو ما شابه ذلك تجرى الإجراءات في مواجهته بموجب القانون . فالحريات ليست مطلقة إنما محكومة بالقانون.
كذلك المواطن السوداني الذي ذهب إلى جنوب السودان يتم التعامل معه بنفس الصورة.
الشمال وطناً
اما المواطن الجنوبى مانويل فقد تحدث بشىء من الانفعال وقال: لا أدري لماذا تم الحكم على كل أبناء الأقاليم الجنوبية بإسقاط الجنسية السودانية عنهم، فمثلاً لماذا لم يأتي القرار بأن يعفى أبناء الجنوب المقيمين في الشمال من المشاركة في الاستفتاء باعتبار أن الشمال هو وطنهم ،وكان يجب أن يتم الإقتراع للإستفتاء من أراضي الجنوب فقط ، طالما لم يعطى الحق للشماليين بأن يشاركوا في الاستفتاء بنزع جزء عزيز من أرضيهم ،وهذا الشيء كان يجب أن ينطبق على أبناء الشمال المولودون والمستوطنين في الجنوب، بإعتبار أن الجنوب هو وطنهم ،ومن حقهم ان يعطوا الفرصة لتقرير مصيرهم ، هذا الحق الشمالي والمواطن الجنوبي بإقامته في الأقليم الذي اعتبره وطناً له.
فمثلما تضررنا نحن أبناء الأقاليم الجنوبية من الانفصال ،تضرر أخوة لنا من أبناء الشمال الموجودين في الجنوب من الانفصال ،واعتقد ان وثيقة الحريات الأربعة بقدر أتاحتها للطرفين حرية التنقل والحركة والإقامة والعمل ،إلا أنها مشروطة بالقوانين واللوائح وأعتقد أن الجنسية المزدوجة كان يمكنها أن تكون هي المعالجة الأقرب للحفاظ على الروابط والولاء الذي يكنه «ٍالمواطن» للأقليم الذي نشأ فيه.
اترك تعليقاً