دراسة وبحث قانوني بالاعتماد على القانون الدولي بأحقية العرب الفلسطينين بفلسطين
تغيير اسرائيل للهوية السكانية واقع هش والسكان العرب شهود اثبات علي فلسطينية القدس
مفهوم السيادة علي القدس من وجهة النظر القانونية هو الموضوع الأساس الذي يدحض الادعاءات الاسرائيلية حول القدس.
تلخص الصراع مؤخرا بين الفلسطينيين واسرائيل حول السيادة علي القدس، فما تعريفكم للسيادة من وجهة نظر القانون الدولي، وما هي الحقوق والواجبات المترتبة عليها؟
ــ ان مفهوم السيادة هو مفهوم معقد وصعب التعريف بشكل عام فان تعريف السيادة ظهر عبر العصور في صور مختلفة. فاذا رجعنا الي تعريف بودين في كتاب الجمهورية 1576 وكذلك توماس هويس فاننا نري السيادة تقدم بصورة السلطة المطلقة التي يمارسها الحاكم من اجل قمع اي شغب سياسي يمكن ان يؤدي الي تمزيق الوحدة الوطنية. ومع ذلك فاذا تمعنا في المفهوم الذي قدمه بودين وهويس فاننا نلاحظ ان هذه السلطة المطلقة كانت لمصلحة الشعب وكان هدفها هو حماية الشعب من اهوال الحروب الاهلية التي كانت تنتشر في اوروبا في العصور الوسطي.
ومع مرور الزمن، ومع ظهور كتاب مثل لوك وروسو فاننا نلاحظ ان السيادة قد انتقل مفهومها من مفهوم السلطة المطلقة الي مفهوم سيادة الشعب. ومع ظهور النزعات الديمقراطية في العصور الحديثة فان مفهوم سيادة الشعب أضحي المفهوم الشائع لتعريف السيادة بشكل عام. ولذلك فاننا نري ان التعاريف الحديثة من امثال تعريف لوترباخت جاءت لتعرف السيادة علي انها مجموعة الحقوق المفوضة والتي تنبثق من مصدر عال. وكذلك فان تعريف براونلي جاء ليؤكد هذا المعني من ان السيادة هي الامكانية القانونية التي تمارسها الدولة علي نطاقها الاقليمي وكذلك فهي الوعاء الذي يحتوي سلطات وحقوق السيادة واهلية ممارستها. ثم اردف يقول: ان الشرعية القانونية هي عنصر مهم في تحديد السيادة المشروعة في نطاقها الاقليمي وكذلك فهي الوعاء الذي يحتوي سلطات وحقوق السيادة واهلية ممارستها. مضيفا القول: ان الشرعية القانونية هي عنصر مهم في تحديد السيادة المشروعة في نطاقها الاقليمي.
ما العلاقة بين السيادة وحق تقرير المصير؟الذي يشهد علي ان الشعب هو صاحب السيادة ومصدرها القانون الدولي الحديث الذي اعترف بوجود حق تقرير المصير.
ان حق تقرير المصير الذي ولد مع الثورة الفرنسية وحروب الاستقلال الامريكية لم يتمكن من الظهور كحق دولي معترف به الا بعد الحرب العالمية الثانية خلال فترة حروب الاستقلال التي خاضتها الدول المستعمَرة ضد الدول المستعمِرة. ثم بعد ذلك تطور حق تقرير المصير الي ان اصبح حقا مستقلا عن حروب الاستقلال ليصبح حق جميع شعوب العالم في تقرير مصيرها كما اكدت ذلك محكمة العدل الدولية في قضية الصحراء الغربية عام 1975.
بل ان كثيرا من كتّاب القانون الدولي المعاصر اعتبروا من حق تقرير المصير من النظام العام الدولي تأكيدا علي اهميته. ان تطور حق الشعوب في تقرير مصيرها كحق من حقوق الانسان اسفر عن نتيجتين مهمتين، الاولي: هي أنه طالما صار من حق الشعوب ان تقرر مصيرها فان الشعب هو وحده صاحب حق السيادة علي ارضه، والثانية، وهي نتيجة طبيعية، ان هذا الحق ادي الي الاعتراف بحركات التحرير الوطنية علي انها ممثلة لشعوبها في ممارسة حق تقرير المصير وبالتالي السيادة ما دامت حركات التحرير هذه تعبر عن ارادة الشعب الذي تمثله.اصحاب السيادة علي القدس
أين تضع السكان الاصليين في مسألة تقرير المصير لمدينة القدس؟ وما طريقة تحديد هؤلاء السكان؟
ــ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما هو مفهوم الشعب في حق الشعوب في تقرير مصيرها؟ ان هذا السؤال الذي يروجه بعض كتاب القانون الدولي لاغراض غير موضوعية ويحاولون التشكيك من خلاله بان مفهوم الشعب مفهوم غامض وغير قابل للتحديد ما هو الا محاولة فاشلة لتعطيل حق تقرير المصير عن التطبيق.. وبغض النظر عن الدخول في نقاش عقيم مع مثل هؤلاء الكتاب فان خبراء القانون الدولي العام يعلمون بدون ادني شك بان سكان الارض الاصليين هم علي رأس القائمة التي تحدد مفهوم الشعب فاذا طبقنا هذا المفهوم علي القضية الفلسطينية بشكل عام وعلي القدس بشكل خاص فاننا نري بان سكان فلسطين الاصليين العرب هم الشعب المعني بحق تقرير المصير وبالتالي فهم الوحيدون اصحاب السيادة علي ارض فلسطين بما فيها القدس. وقد سمعنا بعض الكتاب يطرح ما يسمي مشكلة تحديد سكان القدس الاصليين علي انها مشكلة صعبة. وهذا ليس صحيحا.
ان تحديد سكان فلسطين بما فيها القدس ليس من الصعوبة بمكان اذا اخذنا بعين الاعتبار الامور التالية:
(1) ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وذلك الحركات الصهيونية قد عملت علي تشويه الخارطة السكانية في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين. وعلي الرغم من انها نجحت في إحلال مجموعات بشرية يهودية في فلسطين محل سكانها العرب الاصليين فان سكان فلسطين العرب الاصليين سواء منهم الذين يعيشون في فلسطين او الذين اجبروا علي الرحيل او طردوا وكذلك الذين يعيشون خارج فلسطين اقول: ان هؤلاء السكان لا زالوا يملكون وثائق قانونية رسمية تثبت ملكيتهم لاراضيهم وبيوتهم التي اخرجوا منها عنوة وقهرا وكذلك املاكهم الاخري التي نزعت منهم بالقوة ولديهم ايضا الوثائق الرسمية التي تثبت شرعية سكنهم في فلسطين بما فيها القدس.
(2) ان جميع الوثائق والتقارير والدراسات والقرارات التي بحثت قضية فلسطين بما فيها وثائق الامم المتحدة وقراراتها تحتوي علي حقائق واحصائيات دقيقة من خلالها يمكن تحديد سكان فلسطين الاصليين الذين كانوا يقطنون في فلسطين قبل التغيير السكاني المتعمد والمنظم الذي قامت به الحركات الصهيونية.
(3) ان الحقبة الزمنية التي حصل خلالها هذا التغيير السكاني هي حقبة زمنية قصيرة لا تتجاوز جيلين من سكان فلسطين العرب الاصليين وهذا يعني ان معظم هؤلاء السكان لا يزالوا شهودا احياء قادرين علي اثبات حقوقهم السليبة.
وبالتالي فان النتيجة القانونية والطبيعية والمنطقية والعادلة تقول: ان سكان فلسطين العرب الاصليين هم اصحاب السيادة الوحيدون علي ارض فلسطين بما فيها القدس.
القدس كانت مكان التسامح قبل اسرائيل
ما هو الواجب القانوني والاخلاقي لاصحاب السيادة في مدينة القدس (الفلسطينيين) تجاه ابناء الاديان الاخري في المدينة المقدسة؟
ــ طالما اننا حددنا من هو صاحب السيادة علي ارض فلسطين فيجب اولا تطبيق هذا الحق واعطاء سكان فلسطين العرب حقوقهم السليبة ثم بعد ذلك نقول او نسأل: كيف يمكن تحديد الواجب القانوني والاخلاقي تجاه ابناء الاديان الاخري في المدينة المقدسة..
وفي الواقع فاننا لم نسمع عبر العصور منذ الفتح الاسلامي وحتي بداية القرن العشرين عندما احدثت الصهيونية مشكلة الصراع علي فلسطين اقول: لم نسمع عن اي مشكلة دينية في القدس الشريف. بل ان التاريخ شاهد علي ان العرب المسلمين احترموا أصحاب الديانات الاخري ومكنوهم من ممارسة شعائرهم الدينية وحتي الإقامة في القدس والتاريخ يشهد علي ان القدس كانت تقطن من غالبية اسلامية واقلية مسيحية واقلية يهودية وكانوا جميعا يعيشون في سلام جنبا الي جنب ولم يسجل التاريخ مطلقا وجود اي (قلاقل) دينية داخل القدس عبر جميع العصور التي حكم خلالها المسلمون العرب فلسطين علي نمط ما جري في لبنان او يوغسلافيا وهذا يؤكد ان احترام الحرية الدينية كان ممارسا علي ارض الواقع من قبل سكان فلسطين العرب الاصليين.
ما هو موقف القانون الدولي من قيام اسرائيل باجراء تغييرات في المدينة لصالحها قبل التوصل الي تسوية نهائية من خلال تغييرات ديموغرافية في المدينة المقدسة؟
ــ حسب قرارات الامم المتحدة وكذلك قواعد ومبادئ القانون الدولي فان اسرائيل تعتبر محتلا عسكريا لمدينة القدس وبالتالي فعليها الالتزام بمعاهدة جنيف الرابعة المتعلقة بحقوق سكان الارض المحتلة والامتناع عن اي اجراء يؤدي الي تغيير الحقائق الجغرافية والسكانية للقدس.صراع سياسي.. ليس صراعاً قانونياً
هل يبيح القانون الدولي سياسة الولايات المتحدة القائمة علي اساس الفصل بين مسائل الوضع النهائي وقضية القدس؟
ــ مسألة الولايات المتحدة وقضية الصراع حول فلسطين بما فيها القدس هي مسألة تدعو الضمير الانساني للاشمئزاز بل للتقيؤ لأن الولايات المتحدة التي ورثت النظام العالمي الجديد والتي تتصور نفسها القوة الوحيدة التي تستطيع ان تتحكم في مصير الدول الضعيفة قد انسلخت من أبسط قواعد القانون الدولي الحديث الذي كانت من القوي العالمية الفعالة التي ساهمت في انشائه. ان جميع التعابير والشعارات التي روجتها وتروجها الولايات المتحدة وكذلك اسرائيل مثل الارض مقابل السلام وان الصراع علي فلسطين هو صراع سياسي وليس صراعا قانونيا وبالتالي فان القانون الدولي ليس له محل في هذا الصراع وكذلك الفصل بين مسائل الوضع النهائي وقضية القدس وغيرها من الشعارات هي لغة لا يقبلها القانون الدولي المعاصر. ان كل صراع او نزاع ذات صبغة دولية هو صراع قانوني دولي ويجب ان يخضع بكل اجزائه المتكاملة الي قواعد ومبادئ القانون الدولي وبالتالي فان حل مشكلة الصراع علي فلسطين لا يكون حلا عادلا ما لم تطبق عليه قواعد ومبادئ القانون الدولي وخصوصا القواعد المتعلقة بحق تقرير المصير وعدم مشروعية استخدام القوة والاحتلال كوسيلة لاكتساب حق السيادة الاقليمية وحرمة ابادة ***** البشري وقواعد حقوق الانسان وحقوق سكان الارض الاصليين.
ما الموقف القانوني من اعلان القدس عاصمة للدولة الفلسطينية من جانب واحد؟
ــ طالما اننا حددنا في بداية الحديث ان سكان الارض الاصليين هم اصحاب الحق في السيادة علي ارضهم، وطالما اننا ايضا توصلنا الي ان حق تقرير المصير يؤكد حق سكان الارض الاصليين في السيادة علي ارضهم، وبما ان حق تقرير المصير يشمل ضمنا حق الشعب في اختيار نظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني والثقافي في حرية مطلقة غير قابلة للتقييد من قبل اية جهة دولية اخري (طالما انها ضمن اطار احترام حقوق الانسان) اقول: ان النتيجة الطبيعية والمنطقية والقانونية لهذين الحقين (حق السيادة وحق تقرير المصير) هي ان سكان الارض الاصليين هم الوحيدون اصحاب الصلاحية في تقدير وتحديد الحدود الاقليمية وكذلك تحديد العاصمة السياسية والجغرافية بشرط ان لا تمس ممارسة هذه الصلاحية الشرعية الدولية وما نصت عليه مبادئ وقواعد القانون الدولي المعاصر.
وطالما اننا ايضا توصلنا الي ان حق السيادة علي ارض فلسطين بما فيها القدس هو حق سكان فلسطين العرب الاصليين فان اعلانهم بان القدس عاصمة دولتهم الفلسطينية هو ممارسة لهذا الحق ضمن اطار قواعد ومبادئ القانون الدولي وليس فيه مساس بالشرعية الدولية.
ولذلك فاني اري في سؤالكم خطأ جوهريا حيث تضمّن عبارة من جانب واحد لان ممارسة السيادة الاقليمية هو ــ اصلا ــ حق وحيد الجانب منوط بالشعب الاصلي ولذلك فهو ليس ثنائي او ثلاثي الجانب ولذلك ايضا فانه لا يحق لاعضاء الجماعة الدولية ان يقفوا حائلا امام ممارسة هذا الحق حتي ولو كانت الامم المتحدة ذاتها حسبما جاء في المادة 2 من ميثاق الامم المتحدة.
اما ما نسمعه من اعتراض اسرائيل او الولايات المتحدة او غيرها من الدول فان تصرفهم هذا هو مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي ومبادئه وخصوصا عدم تمكين سكان فلسطين العرب الاصليين من ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم، وكذلك فانه تدخل في الامور الداخلية لهؤلاء السكان.
اترك تعليقاً