التلبس في قانون أصول المحاكمات الجزائية
د.ضياء عبدالله عبود الجابر الاسدي
جامعة كربلاء/ كلية القانون
لم يرد في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي تعريفا للتلبس ،وكذلك هو الحال في القوانين الاجرائية في الدول الاخرى، بل اقتصر الامر على ذكر الحالات التي تكون فيها الجريمة مشهودة او متلبس بها.
وازاء سكوت المشرع عن تعريف التلبس عمل الفقه الجنائي جاهداً الى وضع تعريف له فعرف بأنه تقارب زمني بين لحظة ارتكاب الجريمة ولحظة اكتشافها،وعرف ايضاً بأنه تطابق او تقارب زمني بين وقت الرتكاب الجريمة ووقت اكتشافها.
وهذا التطابق يحصل اذا ما كان التلبس حقيقي ويكون كذلك في حالة مشاهدة الجريمة حال ارتكابها،وهذه المشاهدة لايقصد منها المشاهدة العيانية للجريمة ،بل نعتقد ان المشرع لم يكن يقصد حصر هذا الامر على الرؤية العيانية فقط،بل يقصد بذلك ادراك الجريمة بأحدى الحواس الخمس( الرؤية،السمع،الذوق،اللمس،الشم)،وكان من الافضل استخدام مصطلح ارداك الجريمة بدلاً من مصطلح مشاهدة، لان المشاهدة تنصرف الى الرؤية العيانية ،الامر الذي يتسبب بخلق اشكاليات كان المشرع بغنى عنها.
كما ان هذه المشاهدة (الادراك) يكون للجريمة وقت ارتكابها سواء كانت في وقت بدايتها او بعد البدأ بها أو عند انتهائها، أي مشاهدة الركن المادي للجريمة ،كمشاهدة القاتل وهو يطلق الرصاص على المجنى عليه، أو مشاهدة السارق وهو يضع يده في جيب احد الركاب في الباص، أو مشاهدة الجاني وهو يطعن المجنى عليه بالسلاح الجارح، أو مشاهدة المرتشي وهو يأخذ مبلغ الرشوة، أو شم رائحة المخدر وهو بيد المجنى عليه، او تذوق الطعام التالف , أو تلمس الدماء وهي تنزف من المجنى عليه، أو كشف السلاح المحمول أو المخبئ وغير المرخص.
ان هذه المشاهدة تكون للفعل وليس للفاعل وبغض النظر عن عدد مرات ارتكاب الفعل فمشاهدة فعل واحد يكفي لتحقق حالة التلبس، وبغض النظر عن التعرف على الفاعل وهويته من عدمها.
ويجب ان تكون هذه المشاهدة مشروعة ومن قبل من له سلطة منحها القانون له رسمياً وفي نطاق احدى الحالات الاتية التي اوردها القانون في المادة(1/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ:-
أولاً- مشاهدة الجريمة حالة ارتكابها-
ثانيا- مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة.
ثالثاً- تتبع الجاني من قبل المجنى عليه أو تتبعه من قبل الجمهور مع الصياح اثر وقوع الجريمة
رابعاً- وجود الجاني بعد وقوع الجريمة بوقت قريب حاملا آلات وأسلحة أو أمتعة أو أوراق أو أشياء أخرى يستدل منها على انه فاعل في الجريمة أصلي أو شريك
خامساً- وجود آثار أو علامات على جسم الجاني أو ملابسه بعد وقت قريب من وقوع الجريمة
وعند حصول جريمة مشهودة وادراكها من قبل احد اعضاء الضبط القضائي أو وصول الاخبار اليه ، يقوم عضو الضبط القضائي(ضابط الشرطة أو المفوض )بالانتقال إلى محل الحادث بأسرع وقت ممكن بعد إيصال العلم إلى قاضي التحقيق المختص قدر الإمكان ويتخذ الإجراءات اللازمة في القضية والتي تتمثل بما يأتي:-
1– الاستماع وتدوين إفادة المجني عليه إن كان حيا.
2- الاستماع لإفادات الشهود إن وجدوا .
3- ضبط الأسلحة والمحافظة عليها.
4- المحافظة على الأدلة المتوافرة في مسرح الجريمة .
5- تثبيت حالة الأشخاص والأشياء بعمل مرتسم مبسط لها أو إعداد كشف ومنع مغادرة الأشخاص لمحل الحادث .
6- مساءلة المتهم أو سؤاله وليس استجوابه.
7- الاستعانة بالخبراء والمختصين .
اما عن مبررات منح تلك الصلاحيات في حالة التلبس لعضو الضبط القضائيلاشك ان هناك العديد من المبررات والاسباب التي تستدعي منح ضباط الشرطة ومفوضيها صلاحيات خاصة واستثنائية في حالة الجريمة المشهودة لايملكونها في حالة الجريمة العادية ،ومن هذه الاسباب والمبررات ما يأتي:-
1- الحيلولة دون ضياع معالم الجريمة .
2- منع هروب الجاني.
3- جعل مسالة الخطأ في تقدير الأدلة قليل .
4- المحافظة على أدلة الجريمة وتثبيت حالة الأشياء.
وهناك العديد من المعايير التي طرحت للقول بأن هذه الجريمة مشهودة ام لا، وبالتالي ترتب الاثار التي حددها القانون والمتمثلة بمنح الصلاحيات الاستثنائية لضباط الشرطة ومفوضيها في تلك الحالة، ومن ثم التسليم بصحة تلك الاجراءات في ظل الاقرار بتوافر وقيام تلك الحالة(الجريمة المشهودة)،وهذه المعايير اعتمدت المدة الزمنية من لحظة وقوع الجريمة أو اكتشافها، أو افتراض استمرار حالة التلبس، وهي كما يأتي:-
أولاً- التشريع
خلت التشريعات جميعاً من تحديد أو ذكر معيار صريح وواضح للتلبس، وبل ترك الامر للسلطة التقديرية للمحكمة المختصة، على ان تأخذ بنظر الاعتبار وقائع الحادث وملابساته، والمدة التي مضت على حصول الجريمة، وهو امر نراه سليم ،لان المدة تختلف من جريمة الى اخرى وفق ظروف كل حالة على حدة فما يعد متلبس به في جريمة قد لا يعد كذلك في اخرى.
ثانياً- القضاء
عد القضاء الفرنسي (ممثلا بمحكمة النقض الفرنسية /الدائرة الجنائية ) في احد احكامه الصادرة في عام 1991 الجريمة مشهودة وهي جريمة اغتصاب تم الإخبار عنها بعد وقوعها بأربع وعشرين ساعة، فجعل المعيار الزمني للجريمة المشهودة لا يزيد عن (24) اربعة وعشرين ساعة.
اما في مصر فالأمر متروك للسلطة التقديرية للمحكمة، إن تقدير الظروف المحيطة بالجريمة والمدة التي مضت من وقت وقوعها إلى وقت اكتشافها للفصل فيها فيما إذا كانت الجريمة متلبسا بها أو غير متلبس بها موكول إلى محكمة الموضوع ولا معقب عليها في خصوصه
ولكن هذا الرأي منتقد فلابد أن يزيد الوقت عن 24 ساعة فأكثر وان تكون المشاهدة جاءت بطريق مشروع وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على ذلك فقضت بأنه لا يجوز إثبات حالة التلبس بناء على مشاهدة عضو الضبط القضائي من خلال ثقوب أبواب المساكن لما في ذلك مساس بحرمتها والمنافية للآداب كذلك لا يجوز إثبات حالة التلبس بناء على دخول المنزل دون إذن تفتيش باعتبار أن ذلك يشكل جريمة.
احد الممرضين يعمل في مستشفى جمع مواد طبية في منزله بطريق غير مشروع فجاء الطبيب وكسر المنزل وفتحه دون إذن فأبطلت إعماله الإجراءات.
ثالثاً- الفقه
ذهب الفقه باتجاهات عديده بخصوص تحديد المدة الزمنية اللازمة للقول بأن الجريمة مشهودة أو متلبس بها، واضعاً بالحسبان طول المدة الزمنية على وقوع الجريمة أو اكتشافها وكما يأتي:-
1-هناك اتجاه في الفقه يرى أن التلبس يستمر حتى مدة (24 ) ساعة من وقوع الجريمة ،مادام المجرم يحوم في محل الحادث ولم يغادره بعد .
2- هناك من يضع مدة زمنية تمتد بين(6- 8) ساعات لبقاء التلبس .
3-هناك من يضع مدة زمنية تمتد بين (12- 24) ساعة .
4-هناك من يضع مدة زمنية تمتد بين (24- 48) ساعة أي يوم الى يومين من وقت اكتشاف الجريمة لارتكابها .
5- الفقه الفرنسي / يتجه إلى تحديد فترة الجريمة المشهودة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة بأربع وعشرين(24) ساعة كحد أقصى إلا إنه يفضل أن تقل عن (24)ساعة بحيث لا يتجاوز (12) ساعة..
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً