الرجوع في الهبة
يثور تساؤل الكثيرين حول جواز الرجوع في الهبة في القانون الكويتي من عدمه، وبطبيعة الحال يجوز الرجوع في الهبة عن طريق التراضي بين الطرفين الواهب والموهوب له.
فالأصل هو عدم جواز الرجوع في الهبة ولكن استثناء من هذا الأصل يجوز الرجوع في الهبة بشرطين:
الشرط الأول: أن يستند الواهب في الرجوع في الهبة إلى عذر مقبول، ومن الأعذار التي تعتبر مقبولة :-
- أن يخل الواهب بما يجب عليه نحو الواهب إخلالاً يعتبر جحوداً من جانبه.
لما كانت الهبة تبرعاً من الواهب للموهوب له فإن الجزاء الذي ينتظره الأول من الثاني هو الإعتراف بالجميل فإذا جحد الموهوب له جميل الواهب لم يكن مستحقاً للهبة وكان الواهب معذوراً إذا أراد الرجوع فيها.
ومن الأعمال التي تكون جحوداً من الموهوب له أن يتعدى على حياة الواهب أو على حياة واحد من أقاربه ولا يشترط أن تكون الإساءة جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي.
ويبقى لقاضي الموضوع البحث فيما إذا كان العمل الذي صدر من الموهوب له يعد إساءة بالغة للواهب أو أحد أقاربه أو جحوداً.
- ومن الأعذار المقبولة للرجوع في الهبة أن يصبح الواهب بعد الهبة لأي سبب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية.
وليس من الضروري أن يصبح الواهب فقيراً فيكفي أن يصبح الواهب عاجزاً عن توفير أسباب المعيشة لنفسه أو أن يصبح عاجزاً عن الوفاء بنفقة من تجب عليه نفقتهم من زوجة وأولاد وأقارب.
فإذا وقع الواهب في ضيق مالي كان هذا عذراً مقبولاً يجيز الرجوع في الهبة.
ويخضع تقدير ما إذا كان الضيق المالي الذي وقع فيه الواهب يكفي عذراً للرجوع في الهبة إلى قاضي الموضوع.
- أن يرزق الواهب بعد الهبة ولداً يظل حياً إلى وقت الرجوع.
وهنا يكون الواهب وقت الهبة ليس له ولد سواء ذكر أو أنثى وفي هذه الحالة فضل الواهب الموهوب له عن باقي ورثته.
وهذه الحالة تماثل كأن يظن الواهب وقت الهبة أن له ولد وقد مات ففي هاتين الحالتين يكون هذا عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة لأن الدافع على الهبة قد زال، فقد رزق الواهب بولد أو ظهر حياً فيكون ذلك الولد أولى بالمال من الموهوب له فيجوز للواهب في هذه الحالة أن يتقدم للقاضي بذلك العذر ويطلب فسخ الهبة.
- وهنا لا يعتبر الهبة مفسوخة من تلقاء نفسها بل يجب رفع الأمر للقاضي ليحكم بفسخ الهبة.
الشرط الثاني: أن يصدر إذن من القضاء بالرجوع فيجوز استصدار طلب من القاضي بالرجوع في الهبة إذا رأى القاضي أن طلب الرجوع في الهبة له ما يبرره.
ويمتنع الرجوع في الهبة في الحالات الآتية :-
- إذا كانت الهبة من الأم وكان ولدها يتيماً سواء حصل اليتم قبل الهبة أو بعدها :-
فهذه الهبة غرض الواهب منها صلة الرحم وفقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها”.
- إذا كانت الهبة من أحد الزوجين مادامت الزوجية قائمة:-
وفي هذه الحالة لا يجوز للواهب الرجوع في الهبة بغير رضاء الموهوب له، ففي هذه الحالة من الهبة توثيق لعلاقة الزواج بين الزوجين بالهبة. وحتى لا يستطيع أحد الزوجين الرجوع في الهبة يجب أن تصدر الهبة وعلاقة الزوجية مازالت قائمة.
أما إذا تمت الهبة وقت الخطبة أو الطلاق فيستطيع الواهب الرجوع فيما وهب.
- إذا مات الواهب أو الموهوب له:-
فبموت احد المتعاقدين لا يجوز الرجوع في الهبة فإذا مات الواهب امتنع على ورثته الرجوع في الهبة وذلك لأن الرجوع في الهبة من حق الواهب فقط فهو الذي يقدر وحده حق الرجوع في الهبة وهذا الحق لا ينتقل إلى ورثته.
وإذا مات الموهوب له وانتقل الشيء الموهوب إلى ورثته لا يجوز في هذا الحالة للواهب الرجوع في الهبة لأن حق الورثة على الموهوب قد ثبت بالميراث.
- إذا تصرف الموهوب له في الموهوب تصرفاً يخرجه عن ملكه كما إذا باعه أو وهبه للغير.
فإذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب فزالت عنه ملكيته لأي سبب مثل البيع أو الهبة للغير أو الوقف فهنا يمتنع على الواهب حق الرجوع في الهبة. ففي هذه الحالة خرج الشيء الموهوب له من حوزه وملك الموهوب له وفي هذه الحالة حماية للغير الذي انتقل إليه الشيء الموهوب.
- أما إذا كان التصرف غير نهائي بأن باع الموهوب له الشيء الموهوب وتم مثلاً فسخ عقد البيع هنا يعود للواهب حق الرجوع.
- إذا حصل تغيير في ذات الموهوب أو حصلت فيه زيادة من شأنها أن تزيد في قيمته:-
فإذا كانت الزيادة متولده من الشيء الموهوب له كالزرع أو النبات أو الغرس فلا يستطيع الواهب الرجوع في هبته ذلك أن من ملك شيئاً ملك ، فتكون الزيادة المتصلة المتولدة ملكاً خالصاً للموهوب له أما إذا كانت الزيادة في الشيء الموهوب له منفصلة سواء كانت متولدة كريع الدار فإنها لا تمنع الواهب من حق الرجوع.
لأن في هذه الحالة يستطيع الرجوع في أصل الشيء الموهوب دون ضرر بالشيء الموهوب له.
- إذا تعامل الغير مع الموهوب له مع الأخذ بالاعتبار قيام الهبة كالبيع له بثمن مؤجل نظراً لما معه من الشيء الموهوب له :-
كأن يشتري الموهوب له شيئاً من أحد الشركات شيئاً بثمن مؤجل وفي هذه الحالة يأخذ البائع في الاعتبار الشيء الموهوب له للمشتري فهنا حماية للغير واستقرار الأوضاع يمتنع على الواهب الرجوع في الهبة.
- إذا مرض الواهب أو الموهوب له مرضاً يخشى معه الموت :-
ففي هذه الحالة لا يستطيع الواهب أو الموهوب له الرجوع في هبته. ومرض الموت هو الذي يغلب فيه الهلاك فيعجز المريض عن رؤية مصالحه وإدارتها. والسبب في تقييد التصرف الذي يصدر في مرض الموت يرجع إلى أن هذا التصرف يعتبر مضافاً إلى ما بعد الموت وفقاً لنص المادة 519 من القانون المدني.
- إذا كانت الهبة لغرض خيري :-
وفي هذه الحالة لا يجوز للواهب الرجوع في الهبة إلا بالتراضي لأن غرضه من الهبة هو نيل الثواب وقد تحقق بمجرد صدور الهبة.
كأن يهب الواهب جمعية خيرية مالاً لبناء مسجد أو مستشفى، ففي هذه الحالة لا يجوز للواهب الرجوع في هبته.
اترك تعليقاً