أحكام الشرط الجزائي في المسؤولية التقصيرية – فسخ أو بطلان العقد .
الشرط الجزائي في المسئولية التقصيرية:
إذا كان “الشرط الجزائي” قد سمي بهذا الاسم لكونه يشترط عادة في نصوص العقد الأصلي الذي يستحق التعويض على أساسه، إلا أنه لا شيء يمنع من أن يكون في اتفاق لاحق لهذا العقد الأصلي، ولكن قبل وقوع الضرر الذي يقدر الشرط الجزائي التعويض عنه، وذلك حتى لا يلتبس بالصلح أو بالتجديد. بل لا شيء يمنع من أن يكون في اتفاق على تقدير التعويض المستحق من مصدر غير العقد كالعمل غير المشروع وإن كان هذا يقع نادراً، ومن صوره:
أن يتفق عليه في حالة الإخلال بعقد الزواج، إذ الإخلال بهذا الوعد تترتب عليه مسئولية تقصيرية لا عقدية. وكذلك الحال في حالة إبطال بيع ملك الغير، وأيضاً إذا حدد المتعاقدان مبلغ التعويض في حالة فسخ العقد، فالمسئولية التي تتخلف عن فسخ العقد إنما هي مسئولية تقصيرية حدد المتعاقدان بشرط جزائي مبلغ التعويض عنها. وإذا كان الإخلال بالعقد يشكل جريمة جنائية (كجريمة التبديد) واتفق المتعاقدان على شرط جزائي، فإن هذا يكون اتفاقاً مقدماً على التعويض عن جريمة أي عمل غير مشروع.([31])
فإذا حدد المتعاقدان مبلغ التعويض في حالة فسخ العقد أو بطلانه، فالمسئولية التي تتخلف عن فسخ العقد أو بطلانه إنما هي مسئولية تقصيرية حدد المتعاقدان بشرط جزائي مبلغ التعويض عنها. ومثال ذلك: حالة ما إذا اشترط البائع على المشتري، عند الاتفاق على تسديد ثمن المبيع على أقساط، أنه في حالة إبطال عقد البيع أو فسخه بسبب يرجع إلى المشتري، فإن جميع الأقساط المُسددة سابقاً تُعتبر حقاً خالصاً للبائع.
حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه:
“ولئن كان المُقرر أن الشرط الجزائي – باعتباره تعويضاً اتفاقياً – هو التزام تابع لا التزام أصلي في العقد والقضاء بفسخه يرتب سقوط الالتزامات الأصلية فيسقط الالتزام التابع بسقوطها ويزول أثره ولا يصح الاستناد إلى المسئولية العقدية بعد فسخ العقد وزواله، ويكون الاستناد إن كان لذلك محل إلى أحكام المسئولية التقصيرية طبقاً للقواعد العامة، بيد أن ذلك محله أن يكون الشرط الجزائي مُتعلقاً بالالتزامات التي ينشئها العقد قِبل عاقديه باعتباره جزاء الإخلال بها مع بقاء العقد قائماً، فإذا كان هذا الشرط مُستقلاً بذاته غير مُتعلق بأي من الالتزامات فلا يكون ثمة تأثير على وجوده من زوال العقد ما دام الأمر فيه يتضمن اتفاقاً مُستقلاً بين العاقدين، ولو أثبت بذات العقد، لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن عقد البيع العرفي المؤرخ 19/6/1955 قد نص في بنده التاسع على أنه إذا تخلف المشتري عن سداد أي قسط من الأقساط يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار فضلاً عن ضياع ما يكون قد دفعه وصيرورته حقاً مُكتسباً للشركة، وما تضمنه هذا النص هو اتفاق الطرفين على الجزاء في حالة حصول الفسخ، ومن ثم تتحقق لهذا الشرط ذاتيته واستقلاله عما تضمنه العقد الذي فُسِخَ من التزامات مما لا يُعتبر معه هذا الاتفاق التزاماً تابعاً لالتزام أصلي في العقد يسقط بسقوطه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون مُجانباً لصحيح القانون ويستوجب نقضه”.([32])
حالة تطبيقية:
ورد في نموذج لعقد بيع بالأجل (بالتقسيط) – لعقارات – بإحدى الهيئات العامة في مصر بنداً ينص على أنه: “في حالة تخلف المشتري عن سداد قسطين من الأقساط المُستحقة عليه في مواعيد استحقاقها، فتحل باقي الأقساط جميعها دفعة واحدة، وفي حالة عدم سداد المشتري لباقي الأقساط جميعها دفعة واحدة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إنذاره بالسداد، يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بدون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو حكم قضائي، وتعتبر الأقساط السابق سدادها من قبل حقاً خالصاً للهيئة”.
فهذا البند تضمن ثلاثة شروط، شرطان جزائيان يتوسطهما شرط فاسخ صريح. فالشرط الجزائي الأول ينص على حلول جميع الأقساط المتبقية في حالة ما إذا تخلف المشتري عن سداد قسطين من الأقساط التي حل ميعاد استحقاقها. ثم شرط فاسخ صريح ينص على أنه في حالة عدم سداد جميع الأقساط دفعة واحدة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إنذاره بالوفاء فيعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بدون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو حكم قضائي، ثم شرط جزائي ثان ينص على أنه في هذه الحالة تعتبر الأقساط التي قام المشتري بسدادها من قبل حقاً خالصاً للهيئة. فكما سبق القول، فإن من أشترى شيئا ودفع بعض ثمنه وأستأجل (طلب أجلاً) لدفع الباقي، لأجل معين، فاشترط البائع عليه أنه إن لم يدفع الباقي عند حلول الأجل، يكون المعجل ملكاً للبائع، فقبل ذلك، صح الشرط وترتب عليه أثره عند الحنابلة. ويصير مُعجل الثمن ملكاً للبائع إن لم يقم المشترى بدفع الباقي في أجله المحدد.
وبناء على ما تقدم بيانه، فإن الشرط الجزائي الأول هو “التزام تابع” يترتب عليه سقوط حق المشتري في الآجال الممنوحة له بحيث يحل عليه باقي الثمن جميعه دفعة واحدة، وهذا الشرط – بتلك المثابة – وبوصفه التزاماً تابعاً يزول بزوال عقد البيع في حالة ما إذا تقرر بطلانه أو فسخه.
أما الشرط الجزائي الثاني فهو التزام “مُستقل” – وإن كان مثبت في ذات عقد البيع – اتفق فيه الطرفان على تقدير التعويض في حالة فسخ العقد (عند تحقق الشرط الفاسخ الصريح) وقدراه بحجم الأقساط التي قام المشتري بسدادها من قبل. وعليه، يبقى هذا الشرط ويعمل به وينفذ حتى في حالة زوال عقد البيع بتقرير بطلانه أو فسخه (بسبب يرجع إلى المشتري)، على أساس المسئولية التقصيرية وليس على أساس المسئولية العقدية كما سلف القول، حيث أن العقد بعد إبطاله أو فسخه لا يصلح لأن يكون سنداً أو أساساً للتعويض.
ولنا هنا مُلاحظتان:
الملاحظة الأولى:
أنه لا يجوز وصف هذا الشرط الجزائي الثاني بأنه “مُصادرة”([33])، حيث أن المصادرة – وفقاً للدستور المصري – لا تكون إلا بحكم قضائي([34]). وحتى في هذه الحالة فعلى محكمة الموضوع أن تلتفت عن هذا “الوصف” الغير صحيح لطبيعة العلاقة بين الطرفين، وعليها أن تكيف العقد ونصوصه وأن تحدد الطبيعة القانونية لهما على النحو الصحيح دون أن تتقيد في ذلك بما أسبغه الطرفان عليها من أوصاف. حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: “محكمة الموضوع مُلزمة بإعطاء العقود والمُحررات وصفها الحق وتكييفها التكييف القانوني الصحيح حسبما تستخلصه سائغاً من حقيقة الواقع والنية المُشتركة لأطراف هذه المُحررات ودون أن تتقيد في ذلك بتكييف الخصوم لها، إلا أن هذا التكييف (من قِبل محكمة الموضوع) يخضع لرقابة محكمة النقض باعتباره مسألة قانونية تتعلق بتطبيق القانون على الواقع”.([35])
والملاحظة الثانية:
أن هذا الشرط الجزائي (الثاني والمُستقل) وبتلك الصياغة التي صيغ فيها، يمثل “مُقامرة” غير محسوبة بالنسبة لتلك الهيئة، لأنه إذا كانت الأقساط التي قام المشتري بسدادها كثيرة وكبيرة القيمة، فسيكون من حقه طبقاً لنص المادة 224 من القانون المدني المصري أن يطلب تخفيض قيمة هذا التعويض إذا أثبت أنه مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه. أما إذا كانت تلك الأقساط قليلة العدد وزهيدة القيمة (أو حتى في حالة عدم سداد أية أقساط على الإطلاق) فلن يكون من حق تلك الهيئة المطالبة بزيادة التعويض، حيث تنص المادة 225 من القانون المدني المصري – سالفة الذكر – على أنه إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقي فلا يجوز للدائن أن يُطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد أرتكب غشاً أو خطأً جسيماً، علماً بأن الهيئة لن تستطيع أن تثبت أن المدين ارتكب غشاً أو خطأ جسيماً بعدم تنفيذ الالتزام ومع مراعاة أنها هي التي أعدت تلك العقود كنماذج وليس للمشتري أن يتفاوض بشأنها فهو إما يقبلها ككل أو يرفضها ككل (باستثناء طريقة سداد الثمن، إما نقداً وإما مقسطاً، وعدد وقيمة تلك الأقساط). وربما كان من الأصلح لتلك الهيئة أن تعدل صياغة تلك الفقرة بإضافة العبارة التالية: “وتصبح قيمة الأقساط المسددة من المشتري حقاً خالصاً للهيئة إذا جاوزت قيمتها مبلغ …… “كذا”، وإلا التزم المُشتري بسداد ذلك المبلغ للهيئة كتعويض اتفاقي”. فهذا التعديل ينفي من ناحية صفة “المصادرة” على هذا النص، ويؤكد صفته كتعويض اتفاقي عن المسئولية التقصيرية (كشرط جزائي)، ويضمن لها – من ناحية أخرى، أن لا يقل تعويضها في حالة تقرير بطلان العقد أو فسخه (بسبب يرجع إلى المشتري) عن حد معين حتى في حالة سداد أقساط قليلة زهيدة القيمة أو حالة عدم سداد أية أقساط على الإطلاق.
مع ملاحظة أنه:
إذا كانت المماطلة في السداد من جانب المدين القادر محرمة شرعاً، لما ورد في الأثر من أن: “مطل الواجد ظلم”؛ إلا أن فرض غرامات على المدين المتأخر في السداد هي ربا محرم شرعاً، فيحرم فرض غرامات تأخير على من يتأخر في السداد، ويتحمل إثم فرض هذه الغرامات الربوية مجلس الإدارة وكل من أسهم في فرضها وتعاون عل هذا الإثم؛ لأنها رباً مُحرم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء”. (رواه مسلم).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً