الغبن:
عني المشروع بالغبن وعالجه في إطار نظرية عامة، من شأن أحكامها أن تسري على كافة العقود، ما لم يخص القانون بعض منها بحكم مغاير. ويبدأ المشروع في المادة (162) بوضع الأصل العام، ومؤداه أن الغبن بمجرده وذاته، ومن غير أن يأتي نتيجة عيب من عيوب الرضاء، المتمثلة في الغلط والتدليس والإكراه والاستغلال لا يكون له تأثير على العقد، على أنه يورد على هذا الأصل العام تحفظين، يتعلق أولهما بالأحوال الخاصة التي ينص فيها القانون، في صدد عقد من العقود أو تصرف قانوني بوجه عام، على إعطاء الغبن أثرًا معينًا يحدده، ويتعلق التحفظ الثاني بالعقود أيًا ما كانت، إذا ترتب عنها غبن لأشخاص محددين بنوعياتهم، تبينهم المدة (163).
والمشروع إذ يقرر الأصل العام القاضي بأن الغبن بمجرده وذاته لا يكون له تأثير على العقد يتجاوب تمامًا مع الفقه الإسلامي ومع الفكر القانوني المعاصر على حد سواء. ويأتي المشروع في المادة (163) بتحفظ هام على الأصل العام الذي أورده في المادة (162) ومؤدى هذا التحفظ إعطاء أثر للغبن الذي يتضمنه العقد للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، ولجهة الوقف، ولعديمي الأهلية وناقصيها، شريطة أن يكون هذا الغبن فاحشًا، ويتركز هذا الأثر في الترخيص للمغبون في أن يطلب من القاضي تعديل مقابل أدائه، وهو التزام الطرف الآخر، أو تعديل التزامه هو بما يرفع عنه لا كل الغبن، وإنما فقط الفحش فيه.
وتحدد المادة (164) في فقرتها الثانية الغبن الفاحش بما يزيد، عند إبرام العقد على الخمس، والمشروع يريد بذلك قدرًا موحدًا لا يتغير بتغير محل الالتزام، أو بتغير المعقود عليه كما يقول الفقه الإسلامي، والمشروع، إذ يتخالف في هذا الصدد مع ما جاء به الفقه الإسلامي من التنويع في قدر الغبن الفاحش حسب طبيعة المعقود عليه، ذلك التنويع الذي كان له صداه في مجلة الأحكام العدلية، حيث جاءت المدة (164) منها تحدد الغبن الفاحش بنصف العشر في العروض، والعشر في الحيوانات، والخمس في العقارات، فهو يريد التبسيط من وجه، ويتوخى من وجه ثانٍ، التمشي مع مقتضيات العصر المتمثلة في اتساع وتنوع طبيعة المعقود عليه إلى حدود باتت لا تتناهى.
وتجيء المادة (163) في فقرتها الثالثة، لتقضي بأنه لا يحول دون الطعن بالغبن، أن يكون العقد قد أجري عن المغبون ممن ينوب عنه وفقًا للقانون أو أذنت به المحكمة، ذلك لأن النائب قد لا يبذل من العناية بمصلحة من يمثله القدر اللازم الذي تقتضيه مصلحته. والمشروع إذ يقرر حماية الدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة وجهة الوقف وعديمي الأهلية وناقصيها، يتجاوب مع الفقه الإسلامي الذي حرص كل الحرص على مال اليتيم ومال بيت المال ومال الوقف، ومع ذلك فلم يشأ المشروع أن يصل في مدى الحماية إلى حد تقرير عدم صحة العقد كما تقضي المجلة (المادة 356) أو إلى بطلانه كما يقضي القانون العراقي (المادة 124/ 2) مكتفيًا برفع ما فحش من الغبن.
ويجيء المشروع في المادة (164) ويرخص لمن يتعاقد مع المغبون، الذي يطعن بالغبن، أن يتوقى زيادة عبء التزامه بما يرفع الغبن الفاحش، وذلك بمنحه الحق في طلب فسخ العقد، وقد راعى المشروع في منح هذه الرخصة للمتعاقد مع المغبون، أنه من المحتمل أن يكون قد ارتضى العقد لمجيئه على نحو ما تم عليه، بحيث أنه ما كان ليرتضيه بالزيادة التي يراد له أن يتحملها في مدى التزامه، ثم إنه قد يكون في تحميله بهذه الزيادة ما يبهظه، فإذا كان ذلك، فلا أقل من أن يترك له الخيار بين أن يتقبل الزيادة في مدى التزامه بما يرفع عن المغبون فحش الغبن، وبين أن يتحلل من العقد.
على أن المشروع يمنع رخصة توقي الزيادة في الالتزام عمن يكون قد تعاقد مع الدولة أو مع غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، تقديرًا منه للمصلحة العامة التي قد تتأذى من فسخ العقد، والتي ينبغي على المصلحة الخاصة أن تنزوي أمامها. ويورد المشروع، في المادة (165) استثناءً على جواز الطعن على أساس الغبن للدولة ولغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، ولعديمي الأهلية وناقصيها ولجهة الوقف، فهو يمنع هذا الطعن، إذا تم العقد بطريق المزايدة أو المناقصة على نحو ما يقضي به القانون، ووفقًا للإجراءات التي يرسمها، وعلة هذا الاستثناء تتمثل في الرغبة في توفير الحصانة للعقود التي تُبرم عن طريق المزادات أو المناقصات القانونية، وما يترتب على ذلك من التشجيع على الدخول فيها، ثم إن في حصول التعاقد بالمزاد أو بالمناقصة على نحو ما يقضي به القانون ووفقًا للإجراءات التي يحددها الضمان الكافي لمن يريد القانون حمايتهم.
ويعرض المشروع في المادة (166)، للمدة التي ينبغي أن ترفع خلالها دعوى الغبن إعمالاً لحكم المادة (163) ويحدد هذه المدة بسنة واحدة وهي نفس المدة التي حددها لدعوى الاستغلال. وتبدأ مدة السنة من وقت إبرام العقد، بالنسبة إلى الدولة أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة ولجهة الوقف، ومن وقت اكتمال الأهلية أو الموت بالنسبة لعديمي الأهلية وناقصيها، على ألا تتجاوز المدة في أية حال 15 سنة من وقت إبرام العقد، فإن رُفعت دعوى الغبن، بعد المدة القانونية تعين على القاضي الحكم بسقوطها
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً