أحكام القضاء الدستوري العراقي وإشكالية نقض الخبراء – مقال قانوني
اشكالية نقض الخبراء لأحكام القضاء الدستوري/القاضي سالم روضان الموسوي
قبل الخوض في مدى توفر الخبراء المشار اليهم في حكم المادة (92) من الدستور على حق التصويت والمشاركة في القرار القضائي الدستوري والتي جاء فيها الاتي (أولاً:المحكمة الاتحادية العليا هيئةٌ قضائيةٌ مستقلة مالياً وإدارياً.
ثانياً: تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) لابد وان نقف عند النص اعلاه ، لان البعض يؤسس فكرة وجود الخبراء بعضوية المحكمة على عبارة (تتكون المحكمة) وكلمة “تتكون” تعني ان يكون الاعضاء هم الذين ذكروا في النص اعلاه ، وحيث ان مبادئ وطرق التفسير للنصوص فيها قواعد لابد من مراعاتها حتى تصل الى غاية النص وحكمته ومنها ان يفسر النص اجمالا ولا يجزأ ففي صدر المادة وقبل كلمة “تتكون” اشارت الى ان المحكمة (هيئة قضائية) ومفهوم الهيئة القضائية وكلمة “محكمة” بأنها لا تشكل إلا من القضاة ولو كانت نية كاتب الدستور تنصرف الى جعل الخبراء جزء مصوت عند اصدار القرار لأطلق عليها تسمية اخرى غير كلمة (محكمة او هيئة قضائية) وفي التجارب العالمية نجد هناك مؤسسات تتولى الرقابة الدستورية الذي يماثل عمل المحكمة الاتحادية مكونة من قضاة وغير قضاة إلا انها لا تسمى محكمة او هيئة قضائية وإنما اطلق عليها “مجلس دستوري” مثل المجلس الدستوري الفرنسي واللبناني اما المحاكم الدستورية في بقية بلدان العالم التي اطلق عليها تسمية محكمة فإنها لا تشكل إلا من القضاة حصراً ، كما علمنا من خلال وسائل الاعلام ان المشرع العراقي لم يكتف بجعل الخبراء مصوتون وإنما اعطاهم حق النقض وجعل لهم افضلية في اختزال العمل القضائي الدستوري بشخوص هؤلاء الخبراء ، وعلى فرض اذا صدور القانون وتمريره على وفق آلية السلال ، بمعنى (سلة واحدة) فانا سأعرض للحالات التي ستحدث بموجب فرضية مستقاة من الواقع العملي للقضاء لكي اضع امام المشرع العراقي الاشكالات التي ستحصل والدوامة التي ستحدث واختلال المراكز القانونية مما سيؤدي الى انعدام الامن القانوني والاجتماعي وعلى وفق الاتي :ـ
قبل البدء في العرض اطرح السؤال الاتي “هل حق النقض الممنوح للخبراء ( الشريعة والقانون) قبل صدور الحكم القضائي في الدعوى الدستورية ام بعد صدوره ؟
1. اذا كان الجواب قبل صدور الحكم القضائي، فهل نقصد بذلك ان ينقض رأي مازال محل جدل في مداولات الهيئة القضائية؟ لان الحكم القضائي لا يكون إلا بعد كتابة مسودته والنطق به في اليوم المعين ن فهل سنكون امام نقض حقيقي؟ لان كلمة النقض وكما وردت في لسان العرب بأنها افساد ماتم بناءه بموجب عقد او عهد ، اي لا يكون إلا بعد صيرورة الحكم ، وهل تبقى الدعوى انذاك معطلة ام ماذا ؟
2. اذا كان احدهم اقام الدعوى على رئيس مجلس النواب اضافة لوظيفته لإصداره قانون يعتقد فيه الطاعن بعدم دستورية هذا القانون لأنه يخالف ثوابت الشريعة الإسلامية وبعد التدقيق وجد اعضاء الهيئة القضائية ان القانون يتوفر على شرعيته الدستورية ولا يخالف ثوابت الاحكام الاسلامية وتوجهت لرد الدعوى، اي بمعنى رفضها، وفي هذه الحالة تصدى خبير الشريعة ونقض هذا التوجه ، ماذا سيحصل للدعوى والى اين مآلها هل تسقط ام ترد؟ وخلال هذه الفترة سيبقى القانون الذي اعتقد الخبير بأنه مخالف للشريعة ويستمر العمل به لعدم صدور حكم بتعطيله لعدم دستوريته ؟ هذه فرضية تثير اشكال قانوني سيحدث حتما عند العمل على وفق القانون لو تم تمريره.
3. اما اذا نقول ان حق النقض سيكون بعد صدور الحكم فإننا سنواجه الاتي :ـ
أ. اذا صدر حكم المحكمة الاتحادية اصبح بات لان قراراتها باتة وملزمة على وفق حكم المادة (94) من الدستور التي حاء فيها (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة) وهو حكم دستوري اقوى من الحكم القانوني ولا يكون للنقض قيمة انذاك.
ب. لو سلمنا جدلا ان النقض فعالا ، فهل تعاد الدعوى الى ما قبل صدور الحكم وإصدار حكم جديد فيها ؟ ثم ماذا لو اصرت الهيئة القضائية على ذات الرأي فما هو الحل هل تبقى الدعوى مفتوحة دون حسم؟
ج. لنفترض جدلا ان المحكمة استجابت للنقض وأصدرت حكما على وفق مشيئة الخبير الذي استعمل حق النقض وبادر خبير القانون بنقض الحكم الجديد لأنه يعتقد بأنه خالف مبادئ الديمقراطية على وفق حكم الفقرة (1) المادة (2) من الدستور التي جاء فيها الاتي (أولاً: الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع: أ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. ب لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ج لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور) فهل تعاد الدعوى مجددا ام ماذا ؟
د. الفرضية الاخرى ماذا لو طلب الطاعن ابطال عريضة الدعوى الدستورية والخبير يعتقد ان القانون مخالف اما لثوابت الاحكام الاسلامية او لمبادئ الديمقراطية او باب الحريات المذكور في الدستور على وفق حكم المادة (2) من الدستور فهل يبقى للنقض اهمية لان الدعوى طلب ولا يجوز للمحكمة ان تنظر في عدم دستورية القانون إلا بطلب بموجب دعوى أصولية وسيبقى القانون على ما فيه من عيب عدم الدستورية نافذا ويرتب اثاره القانونية ؟
وخلال هذه الدوامة من الجدل فان القانون المطعون فيه سيبقى نافذ ويخلق مراكز قانونية ويرتب التزامات وحقوق تجاه المواطن وبالنتيجة سوف نعطل الاحكام دون مبرر ، فضلا عن انعدام الحل القضائي علما ان وظيفة القضاء هي الفصل في المنازعات والخصومة ، ومع ذلك قد يكون لكاتب الدستور مبررات كتابة النص اعلاه بهذه الكيفية، لأنه افترض ان اعضاء السلطة التشريعية سوف لا يعلمون ما هو الحكم الشرعي وأنهم سيخالفون ثوابت الاحكام الإسلامية مع ان اغلب الكتل والتيارات السياسية في مجلس النواب ، اما اسلامية او ان اعضاء بقية الكتل مسلمون ولهم دراية واضحة في الاحكام الشرعية ، ولتدارك هذا الامر وقبل ان يصير القانون نافذا ويرتب اثار قانونية من الصعوبة تداركها او معالجتها فانا اقترح ان ينتفع مجلس النواب من الصلاحية الممنوحة له بحكم المادة (108) من الدستور بإنشاء هيئات مستقلة وان يشكل هيئة من الخبراء في الشريعة والقانون مهمتها فحص مشاريع القوانين قبل التصويت عليها في حال طلب عدد من انواب لا يقل عددهم عن (25) عضواً وبعد الفحص تعطي هذه الهيئة رأيها في مطابقته للثوابت الاسلامية ومبادئ الديمقراطية وعدم مخالفته لأحكام باب الحريات في الدستور من عدمه؟ ويلتزم المجلس بهذا الرأي ولا يصوت على القانون ونكون قد ابعدنا شبح الخطر في مخالفة الشريعة والمبادئ الديمقراطية وحفظنا الحقوق من الهدر والضياع ، وهذه الفرضيات والمقترح اضعها امام المشرع العراقي ليتحسب لها عند صياغته للنص القانوني لكي نتمكن من اصدار قانون ناضج يراعي احكام الدستور ويحفظ الحقوق.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً