الولاية على القاصر
زامل شبيب الركاض
اقتضت حكمة التشريع استثناء الصغير (القاصر) من التكاليف الشرعية لنقص أهليته وعدم اكتمال عقله ورشده، إذ أنه ليس من العدل تركه يتصرف في أمواله كيف يشاء لعدم قدرته على تمييز مافيه مصلحته من غيره مما يجعله عرضة لخسارة أمواله وهدفاً لضعاف النفوس من أفراد المجتمع، فكان لابد من ضوابط تحد من تصرفاته المالية من خلال فرض الولاية عليه حتى يقوم الولي بحفظ أمواله وصيانة حقوقه وحمايته.
وتعتبر الولاية سلطة شرعية يتمكن بها الولي من إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها لمصلحة الصغير، وهي مشروعة لقوله تعالى: (ولاتؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً، وابتلوا اليتامي حتِى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم فيهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم).
والولاية نوعان ولاية على النفس: وتشمل التربية والحفظ والرعاية والإشراف على شئون القاصر الشخصية كالتزويج والتعليم والتأديب والعلاج، والنوع الثاني ولاية التصرف في شئون القاصر المالية جبراً عليه في حفظ المال واستثماره وإبرام العقود والتصرفات المالية ومراقبة المولى عليه في هذه التصرفات سواء بالاعتراض أو الإجازة أو الإذن له بالبيع والشراء وهذه الولاية قد تكون من القوة بحيث تخول للولى إجبار المولى عليه والاعتراض على سلوك فيه واختياره له، والحيولة بينه وبين التصرفات الضارة.
وتثبت ولاية الصغير للأب جبراً عند توفر شروطها، ولايحتاج الأب إلى اللجوء للمحكمة لفرض ولايته على ابنه، فإن لم يكن له أب تنتقل الولاية إلى وصي الأب إن كان قد أوصى بذلك، وإلا فتكون الولاية للحاكم، ويرى بعض الفقهاء أن للجد ولاية جبرية بعد الأب، وأن ولايته لاتحتاح إلى حاكم ليقيمها، وقد وجه مجلس القضاء الأعلى بأنه لامانع من أن يثبت الحاكم هذه الولاية احتياطياً لحقوق القصر خروجاً من الخلاف.
ويشترط في الولي: البلوغ، والرشد، والعدالة، والحرية، ويحق لولي الصغير عموماً أن يتصرف في مال المولى عليه على الوجه الذي يرى أن فيه مصلحة بدون تعدٍ لقوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلابالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده)، أي لاتقربوا مال اليتيم إلا بما فيه صلاحه وتثميره حتى يبلغ أشده: يعني الحلم والرشد، فإن أتى بتصرف يضر بمصلحة القاصر فعليه ضمان ذلك الضرر، لأنه يكون حينئذ مقصراً، ومن التصرفات الجائزة للولي: الإنفاق على الصغير من ماله وإخراج الزكاة والتجارة بما القاصر دون أن يتقاضى لقاء ذلك أجراً، ويكون الربح كله للمولي عليه، والتجارة بمال القاصر أولى من تركه لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (اتجروا في أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة)، مثل بناء أو شراء عقار من مال الصغير ليستغل مع بقاء الأصل له، وللولي الحق في الإذن للمميز بالتجارة لقوله تعالى: (وابتلوا اليتامى فإن آنستم فيهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم)، ويكون ذلك بتفويضه بأمر البيع والشراء ونحوه في ماله، فإذا قام القاصر المميز بتصرف في ماله مثل البيع والشراء بعد إذن وليه فتكون جميع تصرفاته صحيحة، أما إذا كان غير مأذون له بالتجارة فتكون جميع تصرفاته متوقفة على إجازة وليه فإن أجازها صحت وإلافتكون باطلة.
ونخلص إلى أنه إذا كان الولي يحصل على صك الولاية بمجرد تقديم استدعاء للمحكمة يوضح فيه حاجة القاصر إلى ولي يقوم على شئونه بعد وفاة الأب، وبعد تأكد القاضي من صلاحية الولي وانتفاء الموانع وسماع شهادة شاهدين معدلين بصحة ما ذكر وبصلاحية الولي على القصر من حيث القوة والأمانة. إلا أن الله الحكم العدل الذي لايحتاج المدعى عنده إلى بينة قد توعد الولي الذي يأكل مال اليتيم ظلما بقوله (إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) وسمي المأكول نارا بما يؤول إليه، وعده النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات بقوله: ( اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات). الموبقات أي المهلكات.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً