نطاق اختصاص المحكمة العسكرية لافراد هيئة الشرطة
مجلس الدولة
هيئة مفوضي الدولة
المحكمة الإدارية بالمنصورة
تقرير مفوض الدولة في الدعوى رقم 4826لسنة 34 ق 0
المقامة من /
ضـــد /1- وزير الداخلية 2- مدير أمن دمياط ………………………………” بصفتيهما “.
” الوقائع “
أقام المدعي هذه الدعوى بصحيفة مستوفاة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ ……طلب في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا ،و بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار إنهاء الخدمة ………مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات .
وقال شرحا لدعواه انه نما إلى علمه صدور القرار ………….. بفصله من الخدمة استنادا إلى إدانته في الدعوى رقم ………………….. و معاقبته بالحبس لمدة ستة اشهر مع الشغل و النفاذ و قد تظلم الطالب من القرار المطعون عليه و أقام دعواه الماثلة استنادا إلى شائبة الغلو في الجزاء و التعسف فضلا عن قضائه عقوبة الحبس واختتم المدعى صحيفة دعواه بطلباته سالفة الذكر.
وتدو ول نظر الدعوى بالشق العاجل على نحو ما هو مبين بالمحاضر وبجلسة ……………..حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا و برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه وألزمت المدعى مصروفاته وأمرت بإحالة الدعوى لهيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها.
ونفاذا لذلك وردت الدعوى لهيئة مفوضي الدولة مستوفاة كامل مستنداتها حيث تقرر إعداد هذا التقرير.
الرأي القانوني
وحيث إن المدعى يطلب الحكم بإلغاء قرار جهة الإدارة رقم ……………فيما تضمنه من إنهاء خدمته للحكم عليه في الدعوى رقم ……………اعتبارا من………………..تاريخ التصديق على الحكم مع ما يترتب على ذلك من آثار و إلزام جهة الإدارة المصروفات.
ومن حيث إنه عن شكل الدعوى و لما كانت هيئة المحكمة الموقرة قد حسمته بالقبول في الشق العاجل مما لا يجوز معه إعادة بحثه احتراما لحجية الأحكام القضائية.
ومن حيث إن الفصل في موضوع الدعوى يقتضى أولا تحديد نطاق خضوع أفراد هيئة الشرطة لقانون الأحكام العسكرية بالنظر إلى الطبيعة المدنية لهيئة الشرطة .
و حيث إن المادة 64 من الدستور المصري تنص على أن ” سيادة القانون أساس الحكم في الدولة ” .
وتنص المادة 65 منه على أن ” تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانات أساسيان لحماية الحقوق والحريات ” .
وتنص المادة 68 من على أن ” التقاضي حق مصون و مكفول للناس كافة ، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي ، ……………………” .
وتنص المادة 165 منه على أن ” السلطة القضائية مستقلة ، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ، وتصدر أحكامها وفق القانون ” .
وتنص المادة 166 منه على أن ” القضاة مستقلون ، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة ” .
وقد نصت المادة 167 منه على أن ” يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها وبين شروط وإجراءات تعيين بعضاتها ونقلهم “.
ونصت المادة 172 منه على أن ” مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفى الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى ” .
ونصت المادة 183 منه على أن ” ينظم القانون القضاء العسكري ، ويبين اختصاصاته في حدود المبادئ الواردة في الدستور ” .
وقد نصت المادة 184 منه على أن ” الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية. وتؤدى الشرطة واجبها في خدمة الشعب، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب، وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات، وذلك كله على الوجه المبين بالقانون “.
ومن حيث إن المستفاد من المبادئ الدستورية السالفة أن ” الدستور قد أكد في المادة 165 أن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية فإذا ما قدر المشرع الاختصاص القضائي فإن سلطته في هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج علي نصوص الدستور وعلي الأخص تلك التي تضمنتها المواد 40، 68، 165، 172 بل يتعين عليه التأليف بينها في مجموعها، وبما يحول دون تناقضها فيما بينها أو تهادمها، ومن ثم فلا يجوز إيلاء سلطة القضاء في منازعات معينة إلي غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تكون الضرورة في صورتها الملجئة هي مدخلها، وصلتها بالمصلحة العامة – في أوثق روابطها- مقطوعاً بها، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها وهذه العناصر جميعها ليست بمنأى عن الرقابة القضائية لهذه المحكمة بل تخضع لتقييمها بما لا يُخرج عن نص أي من المادتين 68، 172 من الدستور عن أغراضها التفافاً حولها، بل يكون لمضمونها مجاله الطبيعي الذي حرص المشرع الدستوري علي عدم جواز إهداره ذلك أن ما يقرره الدستور في المادة 167 لا يجوز اتخاذه موطئاً لاستنزاف اختصاص المحاكم أو التهوين من تخصيص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعي وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها “
(حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 5 سنة قضائية 22 بجلسة 4 / 8 / 2001 )
ذلك أن ” السلطة القضائية سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته لا من التشريع، وقد ناط بها الدستور – وحدها – أمر العدالة مستقل عن باقي السلطات، ومن ثم فلا يجوز عن طريق التشريع – إهدار ولاية تلك السلطة كليا أو جزئيا، ولئن نص الدستور الدائم في المادة 167 منه على أن “يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصها” فإن المقصود بذلك أن يتولى الشارع توزيع ولاية القضاء كاملة على تلك الهيئات على نحو يكفل تحقيق العدالة وتمكينا للأفراد عن ممارسة حق التقاضي دون مساس بالسلطة القضائية في ذاتها أو عزل لجان من المنازعات عن ولايتها،ـ فإن تجاوز القانون هذا القيد الدستوري وانتقص من ولاية القضاء – ولو جزئيا – كان مخالفا للدستور “
(حكم المحكمة العليا في الدعوى رقم 13 سنة قضائية 7 بجلسة 16 / 4 / 1977 ).
وحيث إن المستفاد مما سبق أن الأصل في المحاكمات هو خضوع الأفراد لقاضيهم الطبيعي و أن سلطة المشرع في تنظيم المحاكمات بصفة عامة مقيدة بعدم الخروج على الضوابط الدستورية المقررة في هذا الصدد و منها الحق في المحاكمة أمام القاضي الطبيعي فضلا عن أن الخضوع للقضاء العسكري إنما هو – بحسب الأصل – استثناء من القاعدة العامة و هي ولاية المحاكم العادية بنظر كافة المنازعات .
ومن حيث إن المادة 1 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 تنص على أن ” الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية، وتؤدي وظائفها وتباشر اختصاصها برئاسة وزير الداخلية وتحت قيادته، وهو الذي يصدر القرارات المنظمة لجميع شئونها ونظم عملها.
وتنقسم هيئة الشرطة إلى قطاعات نوعية وإقليمية، وذلك بقرار من وزير الداخلية، …………………………
وتتكون هيئة الشرطة من: 1- ضباط الشرطة.2- أمناء الشرطة…………………………………….. ………
ويتولى مساعدو أول ومساعدو وزير الداخلية، ورؤساء المصالح، ومن في حكمهم، ورؤساء الوحدات النظامية، ومأمورو المراكز والأقسام، رئاسة الشرطة، كل في حدود اختصاصه” .
وتنص المادة الثانية من ذات القانون على أن ” الرتب والدرجات النظامية لأعضاء هيئة الشرطة: هي:
1 – الضباط: ………………………………..
2- أمناء الشرطة :- 1- أمين شرطة ممتاز أول. 2- أمين شرطة ممتاز ثان.3- أمين شرطة ممتاز. 4- أمين شرطة أول.5- أمين شرطة ثان. 6- أمين شرطة ثالث.
3- مساعدو الشرطة:……………………………………. …………………………….”
وتنص المادة الثالثة من ذات القانون على أن ” : تختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام والأمن العام والآداب، وبحماية الأرواح والأعراض والأموال وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها، كما تختص بكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة المجالات، وتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات” .
و قد نصت المادة 55 من ذات القانون على أن ” تسقط الدعوى التأديبية بمضي سنة من تاريخ علم رئيس المصلحة أو من له توقيع الجزاء بوقوع المخالفة أو بمضي ثلاث سنوات من تاريخ ارتكابها أي المدتين أقرب، …………………………..ومع ذلك فإذا كون الفعل جريمة جنائية فلا تسقط الدعوى إلا بسقوط الدعوى الجنائية ” .
وتنص المادة 71 من ذات القانون على أن ” تنتهي خدمة الضابط لأحد الأسباب التالية: –
1-………2-……..3-………4-………..5-……..6-……………7-………….
8- الحكم عليه بعقوبة جنائية في إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو ما يماثلها من جرائم منصوص عليها في القوانين الخاصة أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة.ويكون الفصل جوازيا للوزير إذا كان الحكم مع وقف تنفيذ العقوبة.
ومع ذلك إذا كان الحكم قد صدر عليه لأول مرة في جريمة لا تفقده الثقة والاعتبار فلا يؤدي إلى إنهاء الخدمة إلا إذا قدر المجلس الأعلى للشرطة، بقرار مسبب من واقع أسباب الحكم وظرف الواقعة، أن بقاء الضابط يتعارض مع مقتضيات الوظيفة أو طبيعة العمل.”
وتنص المادة 74 من ذات القانون على أن ” إذا حكم على الضابط نهائيا بالعزل أو بالإحالة إلى المعاش انتهت خدمته من تاريخ صدور الحكم ما لم يكن موقوفا عن عمله فتنتهي خدمته من تاريخ وقفه عن العمل إلا إذا قرر مجلس التأديب غير ذلك ” .
وتنص المادة 77 من ذات القانون على أن ” تسري على أفراد هيئة الشرطة أحكام المواد 10، 13، 15، 17 /1، 2، 21، 22، 23، 25، 26، 27 / 1، 2، 3، 32، 33 / 1، 2، 3، 34، 35 عدا الفقرة الأولى منها، 36، 39، 41، 42، 44، 45، 46، 47، 50، 51، 55، 56، 64، 65، 71، عدا البند 2 منها، 72، 74، 75، 76، عدا الفقرة الأولى منها، وذلك كله فيما لا يتعارض مع أحكام هذا الباب.
وتحل المحكمة العسكرية محل مجلس التأديب في حكم المادة 56 والمحكمة العسكرية أو من أصدر قرار الفصل على حسب الأحوال في المادة 74.
وتسري أحكام المواد 11، 17 / 3، 18 وعلى أمناء ومساعدي الشرطة فقط.
كما تسري على أفراد هيئة الشرطة أحكام المواد 12، 14، 16، 20، 24، 27 / 4، 28، 29، 30، 37، 38، 40، 43، 66، 72 على أن يحل محل الوزير والمجلس الأعلى للشرطة مساعد الوزير المختص بالنسبة لأمناء ومساعدي الشرطة ومدير الإدارة العامة لشئون الأفراد بالنسبة لضباط الصف والجنود ورجال الخفر ويحل محل مساعد الوزير مدير الإدارة العامة لشئون الأفراد بالنسبة لأمناء ومساعدي الشرطة ورئيس المصلحة المختص بالنسبة لضباط الصف والجنود و الخفراء ” .
وتنص المادة ( 81 ) من ذات القانون علي أن ” الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها علي أمين الشرطة هي :ـ1 ـ الإنذار 2ـ خدمات زيادة 3ـ الحجز بالثكنة مع استحقاق المرتب كاملا .
4ـ الخصم من المرتب علي الوجه المبين بالمادة 48 / 2
5ـ تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر
6ـ الحرمان من العلاوة
7ـ الوقف عن العمل مع صرف نصف المرتب لمدة لا تجاوز ستة أشهر
8ـ خفض المرتب بما لا يجاوز الربع
9ـ خفض الدرجة بما لا يجاوز درجة واحدة
10ـ خفض المرتب والدرجة معا علي الوجه المبين في 8 , 9
11ـ الحبس أو السجن وفقا لقانون الأحكام العسكرية ويترتب علية الحرمان من نصف المرتب فقط
12ـ الفصل من الخدمة مع جواز الحرمان من بعض المعاش أو المكافأة في حدود الربع .
ولرئيس المصلحة توقيع الجزاءات من 1 إلي 4
ولمساعد الوزير المختص توقيع الجزاءات من 5 إلي 7
وللمحاكم العسكرية توقيع أي من الجزاءات الواردة في هذه المادة ……………..”
و تنص المادة 99 من ذات القانون على أن ” يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية.
كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم.
وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية.
ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه، كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة ” .
ومن حيث إن قضاء النقض الجنائي قد استقر بخصوص خضوع أفراد هيئة الشرطة لقانون الأحكام العسكرية على أنه ” لما كانت المادة 99 من قانون هيئة الشرطة تنص على ” …..” فقد دلت بذلك – و على ما يبين من وضوح عبارات النص – أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب . و ليس أدل على ذلك من النص على أن توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية و الجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عنه في الفقرة 11 من المادة 80 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة و الفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على ضباط الصف و جنود الدرجة الأولى و كذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظامين.
ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه ” … و توقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي …. ” فإنه فضلاً عن أن المذكرة الإيضاحية لا تنشىء اختصاصها و لا يجوز الرجوع إليها عند وضوح النص فإن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1968 بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة و ليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيحة و المقررة لجرائم القانون العام – و هذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 المذكورة و التي لا لبس فيها و لا غموض بل هو ما يؤكده ، نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة و الذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية – و ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة و التي جاء بها ” احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة من أن الشرطة هيئة نظامية و بذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة و ليست جهازاً عسكرياً . إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة و إنما هي هيئة نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة و خاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه و واجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه و السيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته ” .
و إذن فمتى كان ذلك . و كانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية – بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة – تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور كما أتاحت له إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة – فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة و لا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون .
و إذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بتاريخ 24 من أبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري متضمناً في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة و من ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة و التصرف في هذه القضايا ” ، كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري ” النيابة العسكرية ” المنصوص عليها بالقانون رقم 25 لسنة 1966 و كذلك على اختصاص المحكمة العسكرية بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري و اختصاص المحكمة المركزية بنظر الجنح و المخالفات التي تقع في اختصاصها طبقاً للقانون – فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقاً بجرائم القانون العام . لما كان ذلك و كان المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضاد بينه و بين نص القانون المحدد لأوضاعه و شروطه و أنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون و الآخر في لائحته التنفيذية فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة- و من ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به و لا يكون له أي أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة – دون سواها – بالفصل في كافة الجرائم إلا ما أستثنى بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 و يستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص “
(الطعن رقم 1916 سنة قضائية 56 بجلسة 17 / 04 / 1986 )
وفي ذات الاتجاه قضت محكمة النقض بأن ” محاكمة الطاعن أمام المحكمة العسكرية لا تعدو أن تكون دعوى تأديبية ويؤيد هذا النظر صريح عبارات المادة 55 من قانون هيئة الشرطة – التي يسرى حكمها على أفراد هيئة الشرطة، ومن بينهم الطاعن، عملا بنص المادة 77 من ذات القانون – والتي جرى نصها على أن ” …………………………………..”
(الطعن رقم 8643 سنة قضائية 59 تاريخ الجلسة 31 / 10 / 1994 )
و قضت بأنه ” إذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع ، و إذ كان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر استثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام – فإن القول بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى إستناداً إلى القرار الوزاري سالف الذكر – اجتهاد غير جائز بل هو دفع قانوني ظاهر البطلان ” .
(الطعن رقم 5576 سنة قضائية 55 تاريخ الجلسة 13 / 03 / 1986 )
و من حيث إنه من المقرر قضاء ” أنه يجوز الدفع بعدم مشروعية القرارات التنظيمية العامة و ذلك بمناسبة تطبيقها في الحالات الفردية فالمبدأ الذي استقر عليه الفقه و القضاء هو أبدية الدفع بعدم مشروعية القرارات الإدارية التنظيمية ما بقيت هذه القرارات في البنيان القانوني للمجتمع ” .
( راجع رسالة المستشار الدكتور / محمد عبد الحميد مسعود – إشكاليات رقابة القضاء على مشروعية قرارات الضبط الادارى – الطبعة الأولى – 2007 – مطابع هيئة الشرطة – ص 54 و مؤلف الدكتور / محمد عبد اللطيف – قانون القضاء الادارى –الكتاب الثاني –دعوى الإلغاء – دار النهضة العربية –ط2002 ص 151 حتى 160 ) .
ومن حيث إن المستقر عليه في قضاء النقض أن ” الحكم الصادر من محكمة تابعة لجهة قضائية معينة في دعوى من اختصاص جهة قضائية أخرى يكون معيبا بحيث يجوز التمسك بهذا العيب بطرق الطعن المقررة له و لكن متى استنفذت هذه الطرق صار واجب الاحترام أمام محاكم الجهة التي صدر منها و لكنه يكون معدوما لا حجية له أمام محاكم الجهة الأخرى المختصة به فإذا رفعت الدعوى التي سبق أن فصل فيها هذا الحكم أمام الجهة المختصة به فإنها تتجاهل الحكم السابق و تباشر اختصاصها بنظر الدعوى ”
( نقض 26/11/1974 مجموعة الأحكام 25 ص 1286 ، في ذات المعنى مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في 25 عاما – الدائرة المدنية – المكتب الفني –ج1 ص55،57 رقم 238-251 –منشور بمؤلف الدكتور / احمد مليجى –الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات – الجزء الثاني –ص 62 – الطبعة الرابعة الخاصة بنادي القضاة – 2005 ).
وحيث إن المستفاد من كل ما سبق أن المشرع الدستوري أضفى الطبيعة المدنية على هيئة الشرطة و قد راعى طبيعتها النظامية فقرر خضوع الضباط و أفراد تلك الهيئة لقانون الأحكام العسكرية في كل ما يتصل بقيادة القوة النظامية تماشيا مع مهام هيئة الشرطة في حفظ الأمن و النظام بيد أن الخضوع لقانون الأحكام العسكرية يظل كما هو استثناء من الأصل العام و هو كون ضباط و أفراد هيئة الشرطة من المدنيين الخاضعين لولاية المحاكم العادية بحسبها قاضيهم الطبيعي فضلا عن أن المحكمة العسكرية لأفراد هيئة الشرطة إنما هي محكمة تأديبية في المقام الأول لكونها تحل محل مجلس تأديب الضباط وبالتالي لا تختص بأكثر مما يختص به هذا الأخير و من ثم فإن ما درجت عليه هذه المحاكم من الفصل في جرائم القانون العام التي يرتكبها أفراد هيئة الشرطة استنادا إلى المذكرة الإيضاحية لقانون هيئة الشرطة و قرار وزير الداخلية رقم 992/1977 إنما هو تجاوز لاختصاصها المقرر قانونا و غصب لولاية المحاكم العادية و لما كان المقرر أن الاختصاص في المسائل الجنائية من النظام العام و يجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض لارتباطه بسلامة المحاكمة ذاتها و من ثم فان ما يصدر عن المحكمة العسكرية لأفراد هيئة الشرطة من أحكام بخصوص جرائم القانون العام التي يرتكبها أفراد الشرطة إنما هي و العدم سواء بسواء بحسب أن الأحكام الخارجة عن الولاية القضائية تعد من قبيل الأحكام المعدومة و بالتالي يجوز للأفراد بصفة عامة التمسك بعدم مشروعية القرار الوزاري سالف البيان فضلا عن الحق في جحد أي حجية لهذه الأحكام .
وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر علي انه “ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها ويفترض في القرار المسبب انه قام علي سببه الصحيح وعلي من يدعي العكس أن يقيم الدليل علي ذلك إلا أنها إذا ذكرت أسبابا له فأنها تكون خاضعة لرقابه القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون واثر ذلك في النتيجة التي انتهي إليها القرار ،وهذه الرقابة القانونية تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت مستخلصه استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونا،فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع علي فرض وجودها ماديا لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقدا لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفا للقانون “.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 5453 لسنه 41ق جلسة 5/9/2000 )
وحيث انه إعمالا لما تقدم ولما كان الثابت أن المدعي يشغل وظيفة جندي شرطة بمديرية امن دمياط وقدم للمحاكمة العسكرية بالدعوى رقم ……………………..أمام المحكمة العسكرية لأفراد هيئة الشرطة ببورسعيد فرع دمياط بتهمة التربح من أعمال الوظيفة و السلوك المضر بالضبط و الربط العسكري و قد عاقبته المحكمة المذكورة استنادا إلى نصوص المواد115,118,188مكرر أ, 199مكرر من قانون العقوبات بالحبس لمدة ستة اشهر مع النفاذ و غرامة مالية قدرها خمسون جنيها و ذلك بجلسة ……………و قد صدر القرار المطعون عليه بإنهاء خدمة المدعى اعتبارا من تاريخ التصديق على الحكم في ………………….ولما كان ما نسب للمدعي يمثل جريمة من جرائم القانون العام التي تدخل في اختصاص المحاكم العادية على نحو ما تقدم وليست من الجرائم الانضباطية التي تختص بها المحاكم العسكرية وإذ صدر الحكم المشار إليه من المحكمة العسكرية لأفراد هيئة الشرطة في جريمة من جرائم القانون العام فإنه يكون قد صدر منعدما من محكمة لا ولاية لها بإصداره و لا ينهض سببا سليما لإنهاء خدمة المدعى على نحو يضحي معه القرار المطعون عليه فيما تضمنه من إنهاء خدمته مفتقرا لسنده القانوني السليم حريا بالإلغاء مع ما يترتب على ذلك من آثار .
وحيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملا بحكم المادة 184 مرافعات.
فلهذه الأسباب
نرى الحكم :- بإلغاء القرار المطعون فيه على النحو المبين تفصيلا بالأسباب مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
اترك تعليقاً