موقف التشريع السوري والجزائري من مشاهدة المحضون
المؤلف : نواف حازم خالد –نشوان زكي سليمان
الكتاب أو المصدر : مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية /العدد15 ، مجلد 4
ذهب المشرع السوري في قانون الأحوال الشخصية إلى إثبات حق المشاهدة لأبوي المحضون في الفقرة ( 5) من المادة (148) والتي نصت على أن لكل من الأبوين رؤية أولاده الموجودين لدى الآخر دورياً في مكان وجود المحضون وعند المُعارضة في ذلك فللقاضي أن يأمر بتأمين هذا الحق وتعيين طريقة تنفيذه فوراً دون حاجة إلى حُكم من محاكم الأساس وعلى من يعارض في الإراءة أو في طريقتها أن يراجع المحكمة وتطبق على من يخالف أمر القاضي أحكام المادة (482)من قانون العقوبات(1) ويتبين من النص المذكور أن مشاهدة الولد المحضون حق لأبوي المحضون أحدهما على الآخر بشكل دوري وعلى أن تكون المشادة في مكان وجود المحضون.
وأما إذا رفض الحاضن الذي بيده المحضون من إرءته للطرف الآخر في هذه الحالة فللقاضي أن يتدخل ويأمر بتأمين حق مشاهدة المحضون ويُحدد طريقة تنفيذه دون حاجة إلى حُكم، والآ عرض من لم يمتثل لأمر القاضي نفسه للعقوبات المقررة في القانون(2) إلآ أنهُ ما يمكن ملاحظته على النص أن المشرع السوري لم يُحدد مكان مشاهدة المحضون بشكل دقيق وأكتفى بعبارة (مكان وجود المحضون) فيُحتمل أن يكون المحضون في بلده أو في بلد آخر غيره، وكان الاولى بالمشرع السوري أن يُحدد المكان بشكل أكثر دقة وهو محل إقامة المحضون الذي يُقيم فيه في بلأده ،كأن يكون في بيت الحاضنة أُمه أو أبيه إذا كان المحضون بحضانته، وبالرغم من أنه ترك للقاضي السُلطة في تقدير مكان رؤية المحضون وتأمين هذا الحق لصاحب الحق في المشاهدة .
إلآ أن المُلاحظ إن قاضي الموضوع أكثر ما يُمكنهُ فعله لتأمين المكان لصاحب الحق في المشاهدة أن يكون في مديرية التنفيذ فضاُ للنزاع بين الأبوين ، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض السورية في قرار لها جاء فيه (. حيث أن قضية إراءة لأولاد من حيث الزمان والمكان إنما يقدره القاضي تبعاً لمصلحة المحضون ومصلحة الطرفين معاً حتى لا يكون هناك حرج في تطبيق الإراءة من قبل أحد الطرفين وحيث أن القاضي راى أن إراءة الأولاد في محل عمل الأب فيه إضرار بالأُم وأن الرؤية في دائرة التنفيذ هي أوفق لمصلحة الطرفين كي لا يقع إختلاف بينهما في كيفية الإراءة وزمانها..)(3) وأجد أن مُشاهدة أحد الأبوين لولأده المحضون في مديرية التنفيذ لا يخدم مصلحة المحضون، بل يضر بالمحضون والأبوين معاً.
فتنظيم مكان مشاهدة المحضون وتعيينه أمر يعود تقاديره لقاضي الموضوع لا سيما إذا كان صاحب الحق في المشاهدة لم يطلب تحديد مكان مُعين ولم يتفق الأبوين على مكان تتم فيه المشاهدة ، ولكن متى ما اتفاق الطرفان أقر القاضي هذا الإتفاق ما لم يضر بالمحضون، وأما إذا إختلفا فللقاضي تحديد المكان الأصلح لمشاهدة المحضون(4) وهذا ما أيدتهُ محكمة الأنقض السورية في قرار لها جاء فيه (. . وان إختلفا الأبوين على المكان تعين إعتبار دائرة التنفيذ مكاناً للإراءة إلى أن يصار إلى تحديد مكان أصلح لرؤية المحضون)(5) وأعتقد أن الشاطر الأخير من القرار أعلاه فيه إقرار سليم و واقعي في تحديد مكان أصلح لممارسة مشاهدة المحضون، ويكون من الأفضل أن يبادرالقاضي في إقناع الأبوين على الاتفاق واصطحاب المحضون إلى مكان مُريح وأمين من أجل أن ينعم الولد المحضون و يشعر بأنهُ يعيش في جو أُسري ولو لوقت محدود، كدار من دور الحضانة مثلاً التي يتوافر فيها بعض أدوات الترفيه والتسلية التي تجعل من هذه المشاهدة راحة لنفس المحضون ويكون ذلك بإشراف مدير الحضانة وبالتأكيد يكون بأمر صادر من قاضي الموضوع.
وأما عن موقف المشرع الجزائري في قانون الأسرة فقد نص في المادة(64) منه على أن (…. وعلى القاضي عندما يحكُم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة) .
ويستشف من النص بأن القاضي الذي ينظر دعوى إثبات الحضانة لمن يستحُقها من الحاضنين فإنه يتوجب عليه عند الحُكم بإسأندها إلى الأُم أو أب المحضون أو غيرهما حسب الترتيب القانوني لمستحقيها أن يحُكم تلقائياً لأحد الأبوين أو لهما معاً إذا ما أُسندت الحضانة لغيرهُما بحق مشاهدة المحضون في مكان مُحدد ووقت مُعين للإطلاع على أحوال المحضون المعيشية والتربوية والتعليمية والصحية بين يدي حاضنه (6) .
وما يُمكن مُلاحظته من النص أعلاه أن المشرع الجزائري قد أوجب على القاضي عند إثباته الحضانة لحاضن أو لآخر أن يقضي حتماً لأحد الأبوين أوكلاهما معاً بحق مشاهدة المحضون في حالة إسأنده الحضانة لغيرهُما مأن تلقاء نفسه حتى ولولم يطلب منهُ الخصوم ذلك ولكن ألآ يُعد هذا الموقف من المشرع الجزائري في هذه المسألة إخراج القاضي عن دائرة القاعدة القانونية والتي تُفيد بأنهُ لا يجوز للقاضي أن يحكم بما لم يطلبهُ الخصوم في الدعوى ؟ خاصةً وأن حق الخصوم لا يُقيد إلآ بما يُقيدهُ نص القانون? ومن شراح القانون من يرى أنهُ ليس لصاحب الحق في المشاهدة أن يأخذ معهُ المحضون ويتجول به من مكان إلى آخر خارج النطاق المُحدد لهُ لمكان المشاهدة(7) وأجد أن مثل هذا الراي محل نظر لأنهُ أين المشكلة في إصطحاب المحضون من مكان إلى آخر لترفيهه وتوطيد علاقة من يصطحبهُ معهُ خاصة إذا كان صاحب الحق في الرؤية هو من أبوي المحضون لأن الزيارة كما سماها المشرع الجزائري هي ليست القصد منها مشاهدة المحضون فحسب، إنما متابعة شؤونه وتأديبه(8) وتفقد أموره الشخصية .
فلابد من توطيد العلاقة وتمتينها بين من لهُ الحق في مشاهدته والمحضون، وهذا بالفعل ما أيدتهُ المحكمة العليا الجزائرية في قرار لها جاء فيه (…أن الزيارة ليست رؤية المحضون فحسب بل هي متابعة شؤونه والوقوف على أمور ه ولا بد من توطيد علاقة الزائر بالمحضون وتمتينها خاصة إذا كان الزائر هو الأب نفسه أو الأُم إذا كانت الحضانة لغيرها، والزيارة ليست قائمة على الحاضنة أو الزائر، إنما هي أمر مُنظم يضبطها القاضي عند النُطق بإسناد الحضانة لطرف أو لآخر مراعياً في ذلك مصلحة المحضون(9) وفي قرار آخر لنفس المحكمة تجد فيه أن مشاهدة الأُم لولدها في سكن أب المحضون فيه من التقييد لحرية الأُم في المشاهدة في قرار لها جاء فيه (من المُستقر عليه فقهاً وقضاءُ أن حق الشخص لا يُقيد إلآ بما قيدهُ به القانون، فزيارة الأم أو الأب لولدهما حق لكل منهما وعلى من كان عندهُ الولد أن يُسهل على الآخر إستعماله هذا الحق على النحو الذي يراه بدون تضييق أو تقييد فالشرع والقانون لا يبني الأشياء على الت خوف، بل على الحق وحده ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يُعد خرقاً للقانون.
ولما كان ثابتاً في قضية الحال أن المجلس القضائي لما قضى بزيارة الأُم لإبنتها بشرط أن لا تكون الزيارة خارج مقر سكن الزوج، فبقضئه كما فعل تجاوز إختصاصه وقيد حرية الأشخاص وخالف الشرع والقانون، ومتى كان ذلك إستوجب نقض القرار المطعون فيه(10) وأعتقد أن ما ذهب إليه القرار أعلاه محل نظر لأنهُ لا ضير في مشاهدة الأُم ولدها إذا ما إصطحبت أحد محارمها معها في بيت طليقها أب المحضون وهو مكان مُناسب ليشعر فيه الولد بالأمان ، ومن يدري قد تكون في هذه الزيارة بادرة لصفاء القلوب وعودة الحياة الزوجية بين الطرفين يكون سببها المحضون، ولكن ليس لها أن تُطيل في وقت المشاهدة لأنها أصبحت أجنبية عن أب المحضون. لذلك يُمكن القول أن الأصل في تحديد مكان مشاهدة المحضون يكون بالاتفاق بين أبوي المحضون أو بين الحاضن ومن تقرر لهُ حق مشاهدته شريطة أن لا يكون ذلك المكان ضرراً بالمحضون، وأما إذا كان المكان يضر بالمحضون فلا يُعتد بهذا الإتفاق ولا يُمكن للقاضي إقراره والمصادقة عليه بإعتبار أن الإتفاق قد ور د فيه شرط باطل فيبطل الشرط و يصح الإتفاق ويبقى قائماً ليقوم القاضي حسب سُلطته التقديرية بتحديد المكان المناسب الذي ليس فيه ضرر بالمحضون.
__________________
1- نصت المادة (482) من قانون العقوبات السوري رقم(148) لسنة(1949) المعدل على أن الأب والأُم وكل شخص آخر لا يمتثل لأمر القاضي فيرفض أو يُؤخر إحضار قاصر لم يتم الثامنة عشرة من عمر ه يعاقب بالحبس مدة ثلاثة أشهر إلى سنتين أو بالغرامة مائة ليرة.
2- د.محمد حسن مصطفى البغا، وقت الحضانة ورؤية الطفل، بحث منشور في مجلة جامعة دمشق، المجلد (18)، العدد (1) ،السنة 2002 ،، ص15.
3- قرار محكمة النقض السورية/ بالعدد 518 / غرفة شرعية/ 1994 والصادر بتاريخ 15/12/1994 مشار إليه عند د. محمد حسن مصطفى البغا، وقت الحضانة ورؤية الطفل، مصدر سابق، ص 16
4- سعدي أبو حبيب، المرشد في قانون الأحوال الشخصية ، ج 1، تحقيق أديب إستانبولي ، المكتبة القانونية ، ط 3 ، دمشق ، 1997 م ، ص578.
5- قرار محكمة النقض السورية/ بالعدد 770 / غرفة شرعية/ 1992 والصادر بتاريخ 28/11/1992مشار إليه عند د. محمد حسن مصطفى البغا، وقت الحضانة ورؤية الطفل، مصدر سابق، ص 17
6- د.عبد العزيز سعد، الزواج ولطلاق في قانون الاسرة الجزائري ، دار البحث للنشر، ط 3، الجزائر، 1986 م ،. ص 292
7- د.عبد العزيز سعد، مصدر سابق، ص 296 .
8- المراد بتأديب المحضون تهذيبه ورياضة نفسه على محاسن الأخلاق والعادات و حملها على مكارم الأخلاق ولكن وفقاً لمعاني الشرع الإسلامي وموازين ه، ينظر: د.عبد الكريم زيدان، المفصل في احكام المراة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، ج 1، بيروت، 2000 م، ص 123.
9- قرار المحكمة العليا الجزائرية/ بالعدد 59784 / شخصية/ 1990 والصادر بتاريخ 16/4/1990 ، القرار منشور على شبكة الانترنت على الموقع الالكتروني بتاريخ 15/9/2013
http://www//childsrights.org/researches/html/hemaya%20
10- قرار المحكمة العليا الجزائرية/ العدد 79891/ شخصية/ 1990 والصادر بتاريخ مشار إليه عند د.تشوار حميدو زكية ، مصلحة المحضون في الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية ،دار الكتب، العلمية ، بيروت ، ط 1 ، 2008 ، ص223.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً