أحكام واجتهادات قضائية مصرية في تطبيق الضريبة العامة على المبيعات – حد التسجيل
دستورية تطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات (حد التسجيل)
الدعوى رقم 291 لسنة 30 ق “دستورية” جلسة 2 / 11 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من نوفمبر سنة 2019م، الموافق الخامس من ربيع أول سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 291 لسنة 30 قضائية “دستورية”.
المقامة من
ورثة/ محمد كمال مصطفى الحديدى، وهم:
1- نادر محمد كمال مصطفــــى الحديدى
2- ناجى محمد كمال مصطفى الحديدى
3- نبيل محمد كمال مصطفــــى الحديدى
ضد
1 – رئيس الجمهوريــــة
2 – رئيس مجلس الــــــوزراء
3 – وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب المصرية
4- مدير عام مأمورية ضرائب المبيعات المنشية
الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من ديسمبر سنة 2008، أودع المدعون قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة الدعوى المعروضة، طالبين الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991 فيما قضت به من أن يكون حد التسجيل للتاجر مائة وخمسين ألف جنيه، وسقوط الفقرة الثالثة من المادة ذاتها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعين سبق أن أقاموا الدعوى رقم 6485 لسنة 2005 مدنى كلى، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، بطلب الحكم أصليًّا: بإلغاء تسجيل منشأتهم لدى مأمورية ضرائب مبيعات المنشية، لانعدام الأساس القانوني لتحصيل وتوريد الضريبة العامة على المبيعات من مستهلكي الساعات المستوردة التي يتجرون بها. واحتياطيًّا: ندب خبير لتحقيق دفاعهم في شأن طبيعة النشاط الذى يزاولونه، ومدى خضوعه لقانون الضريبة العامة على المبيعات. وذلك على سند من القول بأن نشاطهم هو بيع ساعات بالتجزئة، وهى سلع مستوردة يتم بيعها دون إحداث تغيير في حالتها، وفى إطار تطبيق المرحلة الثانية والثالثة من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادرة بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تم حملهم على التسجيل لدى مصلحة الضرائب العامة على المبيعات؛ ليغدوا ملتزمين بتقديم إقرارات ضريبة شهرية عن نشاطهم المشار إليه، في حين أن هذه السلع سبق تحصيل الضرائب عنها في مرحلة الإفراج الجمركي، بما يحق لهم إلغاء تسجيلهم. ندبت المحكمة خبيرًا انتهى إلى أن تسجيل المدعين كان تسجيلاً اختياريًّا عن نشاطهم بيع ساعات مستوردة، وأنهم قدمـوا إقرارات ضريبية سلبية، وأن مبيعاتهـم خلال فترة التداعي، وبحسبانهم تجار تجزئة، تجاوزت حد التسجيل. وبجلسة 13/10/2008 دفـع المدعـون بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعين برفع الدعوى الدستورية، أقاموا دعواهم المعروضة.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طُبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها، فإذا استُعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل القاعدة القانونية القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعي بين المدعين ومصلحة الضرائب على المبيعات، تدور حول مدى أحقية المصلحة في مطالبة المدعين بفروق ضريبة مبيعات عن النشاط الذى يزاولونه خلال المدة من 19/3/2002 حتى 31/3/2004. ومن ثم يظل المدعون مخاطبين ضريبيًّا عن المــدة المشـار إليها بموجب أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وتعديلاته، بما في ذلك المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 – المطعون على فقرتها الثانية -، ولا يُغير من ذلك إلغاء قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه بموجب المادة الثانية من مواد إصدار القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة، أو ما تضمنه ذلك القانون الأخير من رفع قيمة حد التسجيل.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن “تسري اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القانون المرحلتان الثانية والثالثة من مراحل تطبيق الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
ومع عدم الإخلال بحد التسجيل المنصوص عليه في ذلك القانون بالنسبة للمنتج الصناعي ومؤدى الخدمة والمستورد ومنتج سلع الجدول رقم (1) المرافق لذات القانون يكون حد التسجيل للتاجر مائة وخمسين ألف جنيه.
وعلى التاجر المكلف وفقًا لأحكام هذا القانون أن يتقدم إلى مصلحة الضرائب على المبيعات لتسجيل اسمه وبياناته وفقًا للأحكام المنصوص عليها في المادة (18) من ذات القانون، وذلك خلال ثلاثين يومًا من تاريخ العمل بهذا القانون، على أن يتم تحصيل الضريبة اعتبارًا من أول الشهر التالي لانتهاء تلك المدة”.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى، لانتفاء المصلحة، على سند من أن المدعين غير ملتزمين بأداء الضريبة العامة على المبيعات، لكونها ضريبة غير مباشرة، يتحمل عبئها المستهلك، وينحصر دور البائع في تحصيل الضريبة وتوريدها لمصلحة الضرائب على المبيعات؛ فذلك مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمـة من أن المصلحة – وتندمج فيها الصفة – من الشروط الجوهرية التي لا تُقبل الدعوى الدستورية في غيبتها، وقوامها أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المطروحة أمام محكمة الموضوع، وهى لا تعتبر متوافرة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي لأحكام الدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص – بتطبيقه على المدعى – قد ألحق به ضررًا مباشرًا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة مرتبطًا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة، ويتحدد مفهومها على ضوء عنصرين يحددان معًا مضمونها، أولهما: أن يقيم المدعى – في حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون فيه – الدليل على أن ضررًا واقعيًّا اقتصاديًّا أو غيره قد لحق به. وثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون فيه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئًا عن هذا النص ومترتبًا عليه. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعين إلغاء تسجيل نشاط منشأتهم لدى مأمورية ضرائب المبيعات، لكونهم تجار تجزئة يبيعون ساعات مستوردة دون إدخال أي تغيير على حالتها، وكانت طلباتهم الختامية التى تضمنتها صحيفة دعواهم المعروضة قد انصبت على ما نص عليه عجز الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة على المبيعات المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1991 – المطعون فيه – من أن “يكون حد التسجيل للتاجر مائة وخمسين ألف جنيه”، الذى أخضع تجار الجملة وتجار التجزئة لقيد التسجيل المفروض بنص المادة (18) من القانون رقم 11 لسنة 1991، وعين حد التسجيل لكل تاجر، وهو بلوغُ مبيعاته السنوية مائة وخمسين ألف جنيه. الذى يتضرر المدعون منه، الأمر الذى يكون معه الفصل في دستورية هذا النص، في حدود نطاقه المتقدم، أمرًا لازمًا لتحديد التزامات المدعين القانونية بالتسجيل، وما يستتبعه ذلك من بقاء أو زوال التزاماتهم القانونية المترتبة على اكتساب صفة المكلف، وأخصها الالتزام بالإقرار عن حجم مبيعاته من السلع والخدمات الخاضعة للضريبة وتحصيل الضريبة وتوريدها للمصلحة في المواعيد المقررة قانونًا، وما يترتب على ذلك بحكم اللزوم من اعتبار الضريبة في مثل هذه الحالة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – جزءًا من عناصر تكلفة السلعة المحملة بها، بما يؤدى إلى زيادة تكلفتها، ويؤثر بالضرورة في فرص تسويقها، التى تتحكم فيها قوانين عرض وطلب السلعة في الأسواق، وهو ما يؤثر على حجم تداول السلع التى يتعامل فيها التاجر، الأمر الذى تتحقق معه مصلحة المدعين في الطعن على هذا النص في حدود الإطار المتقدم، بحسبان أن الفصل في دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، مما يتعين معه الالتفات عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة سالف الذكر.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه مخالفة نصوص المواد (8، 38، 40) من دستور 1971، قولاً منهم أن ذلك النص ألزم من بلغ حد التسجيل – وهو مائة وخمسين ألف جنيه – من تجار التجزئة والجملة بالتزامات عديدة، باعتبارهم من المكلفين بتحصيل الضريبة لسلع مستوردة تباع على حالها دون تغيير، رغم سبق سداد الضريبة العامة على المبيعات في مرحلة الإفراج الجمركى، بما يعكس ازدواجًا في تحصيل مبلغ الضريبة، فضلاً عن أن إلزام التاجر بإضافة الضريبة إلى ثمن السلعة وتحصيلها من المستهلك وتوريدها، يؤدى إلى ارتفاع ثمن السلعة وعزوف المستهلك عن الشراء لارتفاع ثمنها، ويجعل كبار التجار الذين بلغوا حد التسجيل أقل بيعًا وكسبًا من التجار الذين لم تبلغ مبيعاتهم حد التسجيل، الأمر الذى يُشكل تمييزًا تحكميًّا بينهم بما يخل بمبدأ المساواة، كما أن ذلك النص يتخذ من الجباية هدفًا، ولم يوازن بين حق الدولة في استئداء دين الضريبة، وبين الضمانات الدستورية والقانونية المقررة في مجال فرضها على أفراد المجتمع، بما يخل بمبدأي تكافؤ الفرص والعدالة الضريبية التى كفلها الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح في خصوص مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات لكونها أسمى القواعد الآمرة، متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعين إلى النص التشريعي المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعى، وكان ذلك النص قد ظل ساريًا ومعمولاً بأحكامه حتى تاريخ العمل بالدستور القائم، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر عام 2014.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة، بدءًا بدستور سنة 1923 وانتهاءً بالدستور الحالى – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – قد رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة، التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للصالح العام.
وحيث إن من المقرر – أيضًا – في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في كل تنظيم تشريعى أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أو عن طريق المزايا أو الحقوق التى يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها بالوسائل المؤدية لها منطقيًّا، وليس واهيًا بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
وحيث إن الدستور الحالى قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التى يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الفرص التى كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالى فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التى تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور الحالى قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه – بما انطوى عليه من تمييز – مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن الضريبة بكل صورها، تمثل في جوهرها عِبئًا ماليًّا على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء التي انتظمها نص المادة (38) من الدستـــــور، ويتعين بالتالي – بالنظـر إلى وطأتهـا وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعى، مهيمنًا عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التى كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، ومن ثم كان منطقيًّا أن يلزم المشرع الدستورى في المادة (38) من الدستور الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الحديثة التى تحقق الكفاءة واليسر والإحكام في تحصيل الضرائب، ونص على أن يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم، وصولاً إلى تحديد المال المحمل بعبئها والمتخذ وعاءً لها، والملتزمين بها الذين تتوافر بالنسبة لهم الواقعة المنشأة للضريبة.
وحيث إن الأصل في الضريبــة العامة على المبيعات – بحسبانها من الضرائب غير المباشرة – أن يتحمل المستهلك عِبْأها، ومن ثم كان يتعين تحصيلها منه مباشرة، باعتبار أنها في حقيقتها ضريبة على الاستهلاك، غير أنه لتعذر تطبيق ذلك من الناحية العملية، لكثرة المستهلكين، وضخامة عددهم وصعوبة تحصيل هذه الضريبة منهم، وزيادة نفقاته، كان منطقيًّا أن يتجه المشرع إلى تحديد ملتزم آخر بأدائها؛ لتحقيق سرعة وسهولة ضبط عملية تحصيل الضريبة، وضمان توريدها إلى الخزانة العامة بما يحقق الغرض المقصود منها وهو الحصول على غلتها لمواجهة الإنفاق العام الناتج عن التوسع في المشروعات العامة التى تتصل بالمجالات المختلفة.
وحيث إن المشرع في مجال تحديده لوسائل تحصيل ضريبة المبيعات، اتخذ من التسجيل لدى مصلحة الضرائب على المبيعات وسيلة لحصر المكلفين والسلع والخدمات الخاضعة للضريبة، والرقابة على تحصيلها وتوريدها، إذ عرفت المادة (1) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المسجل بأنه هو المكلف الذى تم تسجيله لدى المصلحة وفقًا لأحكام هذا القانون، والذى يلتزم طبقًا لنص المادة (5) من القانون ذاته بتحصيل الضريبة والإقرار عنها، وتوريدها للمصلحة في المواعيد المقررة قانونًا، وحددت الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2001 – المطعون فيها – حد التسجيل الإجبارى وهو بلوغ أو مجاوزة إجمالى قيمة مبيعات التاجر خلال الاثنى عشر شهرًا السابقة على تاريخ العمل بالقانون أو في أية سنة مالية أو جزء منها بعد العمل به مبلغ مائة وخمسين ألف جنيه، وعلة هذا التحديد كما جاء بمضبطة جلسة مجلس الشعب السادسة والستين المعقودة بتاريخ 20/5/2001 هو التخفيف عن كاهل صغار التجار الذين لم تصل حجم مبيعاتهم هذا الحد من الإمساك بالدفاتر وتحميلهم عبء التسجيل الإجبارى بضريبة المبيعات، وأن انضمام هذا العدد من التجار، مرتبط بقدرات وإمكانات مصلحة الضرائب في الإشراف وتحقيق الرقابة الفعالة، ومراجعة الإقرارات الضريبية لهذا العدد الذى يمكن أن ينضم للتسجيل عند تطبيق القانون بما يؤدى إلى تحقيق اليسر والسهولة في تحصيل هذه الضريبة، ضمانًا لمصلحة الخزانة العامة، كما أن التجار غير المسجلين بمصلحة الضرائب على المبيعات لا يستفيدون مما يتيحه التسجيل من مزايا أخصها حق المسجل في أن يخصم من الوعاء الضريبى له المبالغ التى سبق تحصيلها منه كضريبة مبيعات عند شرائه السلع، وهو ما لا يتوافر بالنسبة لغير المسجل، الذى يُحاسب ضريبيًّا على إجمالى مبيعاته ودخله دون مراعاة أنها تتضمن ضريبة مبيعات لا يستطيع خصمها من الدخل. فضلاً عن ذلك فإن المشرع بالنص المطعون فيه بتقريره الانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة من مراحل تطبيق قانون الضريبة العامة على المبيعات قد ابتغى تنظيم المجتمع الضريبى وانضباطه وتوسعته ليكون الالتزام بالتسجيل بما يفرضه من انتظام السجلات وإمساك الدفاتر والتعامل بالفواتير المنتظمة وفق حسابات منظمة، وبما يؤدى إليه هذا التسجيل من خصم الضرائب التى سبق سدادها، وإخضاع القيمة المضافة فقط للضريبة بما لا يشكل تكرارًا أو ازدواجية في فرضها، ويقيم توازنًا بين مصالح الأطراف المختلفة، قرره المشرع بقواعد مجردة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا بين المخاطبين بأحكامه ممن بلغوا حد التسجيل المقرر قانونًا. كما أن الأهداف التى توخاها المشرع من تقرير هذا النص – من توسعة دائرة المكلفين، وما يؤدى إليه من تحصيل الضريبة على مختلف السلع والخدمات الخاضعة للضريبة العامة على المبيعات، باعتبارها أحد مصادر إيرادات الدولة – تتصل اتصالاً منطقيًّا ووثيقًا بالتنظيم الذى أتى به النص المطعون فيه، ومن ثم فإن ادعاء مخالفة النص المطعـــــون فيه لمبـــــادئ تكافـــــؤ الفـــــرص، أو العــــــــــدالة الاجتماعيـــــة، أو المساواة بما يخالف المواد (4، 9، 38، 53) من الدستور يكون في غير محله.
وحيث إنه عن طلب المدعى سقوط نص الفقرة الثالثة من النص المطعون فيه، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن السقوط لا يُعد طلبًا مستقلاً بعدم الدستورية، وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التى تملكها المحكمة الدستورية العليا، بمناسبة قضائها في الطلبات الأصلية المطروحة عليها، ويتصل بالنصوص القانونية التى ترتبط بها ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء برفض الدعوى في حدود نطاقها المشار إليه، فإن هذا الطلب يكون حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى حكم آخر من أحكام الدستور.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعين بالمصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً