مبدأ الفصل بين السلطات :
لكي تقوم سلطات الدولة بأداء المهام الملقاة على عاتقها على اكمل وجه ، ولضمان حقوق وحريات الافراد ، وللحيلولة دون استبداد الحكام ، فأنه يجب ان لا تتركز السلطة في شخص واحد او هيئة واحدة ولو كان الشعب نفسه ، فالسلطتان التشريعية والتنفيذية اذا اجتمعتا في هيئة واحدة ، فأن من شان ذلك ان يمكن السلطة التنفيذية من اصدار تشريعات تمنحها سلطات واسعة او ان تصدر قوانين هي في حقيقتها قوانين فردية تفتقر اهم خصائص القانون وهي العمومية والتجريد وتنتفي عن الدولة تبعا لذلك صفة حكم القانون ، كذلك اجتماع التشريع والقضاء في هيئة واحدة ، قد يدفع بالمشرع الى سن قوانين مغرضة تتفق مع الحل الذي يريد تطبيقه علـى الحالات الفرديـة التي تعرض امامه للقضاء فيها ، فيحابي من يشاء و يعصف بحقوق من يريد ، وينطبق هذا القول عند الجمع بين سلطتي التنفيذ والقضاء ايضا اذ تنتفي بذلك رقابة القاضي على عدالة التنفيذ وشرعيته(1). لذلك عمدت الدول في دساتيرها الى عدم الجمع بين السلطات بل اوجبت توزيعها بين هيئات مختلفة ، تمارس كل هيئة احدى السلطات ، وتكون كل سلطة مستقله عن الاخرى ، فتكون هناك سلطة تشريعية تختص بالتشريع ، وسلطة تنفيذية تتولى مهمة تنفيذ القوانين ، وسلطة قضائية تقوم بتطبيق التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية(2).هذا ويلاحظ ان المقصود بهذا المبدأ ليس الفصل التام او المطلق بين السلطات وانما الفصل المرن او النسبي من حيث ضرورة تعاون السلطات ورقابة احداها على الاخرى ولا سيما بين السلطتين التشريعية و التنفيذية لمنع أي منهما من الاستبداد او الانحراف وبالتالي توفير اكبر ضمانة للفرد لتمتعه بحقوقه وحرياته التي كفلها له الدستور . ويعبر عن ذلك الدكتور محسن خليل بالقول ( انه ليس المقصود بفصل السلطات ان تستقل كل هيئة عن الاخرى تمام الاستقلال بحيث تكون كل منهما بمعزل تام عن الاخرى ، اذ ان المقصود بهذا المبدأ عدم تركيز وظائف الدولة وتجميعها في يد هيئة واحدة بل توزيعها على هيئات منفصلة ، بحيث لا يمنع هذا التوزيع والانفصال من تعاون ورقابة كل هيئة مع الاخرى(3)) .
______________________
1- حسين جميل – حقوق الانسان في الوطن العربي – الطبعة الثانية – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – 2001 – ص140 وحسين عثمان محمد عثمان – النظم السياسية والقانون الدستوري – الدار الجامعية – الاسكندرية – من دون سنة طبع – ص179و سليمان محمد الطماوي- النظم الساسية والقانون الدستوري(دراسة مقارنة)- 1988 – ص287
2- عبد الحكيم حسن العيلي – مصدر سابق –ص57
3- محسن خليل – القانون الدستوري والنظم السياسية – 1987 – ص553
مبدأ الفصل بين السلطات في القانون الأساسي العراقي لعام1925 :
بما إن القانون الأساسي قام على اساس نظام برلماني يفترض الفصل بين السلطات على اساس التوازن والتعاون بينهما بما يفرض وجود علاقة متبادلة بين هذه السلطات ، الا أن واضعي القانون الأساسي عمدوا الى تغليب السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية ، فقد عهدت السلطة التشريعية الـى مجلس الأمة والملك استناداً الـى المادة (28) حيث جـاء فيها ( السلطة التشريعية منوطة بمجلس الأمة مع الملك ..) ، ويتألف مجلس الامة من مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الأعيان ، يتكون مجلس النواب بالانتخاب بنسبة نائب واحد عن كل عشرين ألف نسمة من الذكور (المادة/36) مع ملاحظة أن الملك هو الذي يصدر الاوامر بأجراء الانتخاب العام وله حق حل المجلس وتعطيله (المادة/36 الفقرة/2) ، اما مجلس الاعيان يتألف من عدد من الاعضاء لا يتجاوز ربع مجموع النواب معينين من قبل الملك ممن نالوا ثقة الجمهور واعتماده بأعمالهم وممن لهم ماض مجيد في خدمة الوطن والأمة ( المادة/31 الفقرة/1 ) ، ولم يضع القانون الأساسي معايير معينه ودقيقه لمدى ثقة الجمهور واعتماده ، وانما ترك ذلك الى تقدير الملك (1). كما أن الملك هو الذي يصدر الاوامر بأجتماع مجلس الامة ويفتتح هذا المجلس ويعطله ويفضه وفقاً لاحكام هذا القانون ( المادة/26 الفقرة/2 ) ، ولم يقتصر الأمر على تكوين مجلس الامة ، فقد ساهم الملك في ممارسة السلطة التشريعية عن طريق التصديق على مشروعات القوانين بعد صدورها من مجلس الوزراء بصفة قرار وقبل رفعها الى مجلس الأمة ( المادة/62 الفقرة/3 )، كما انه يملك سلطة التصديق على القوانين بعد صدورها من مجلس الأمة ( المادة/63 ) بحيث لا تصدر الا بعد أن يصادق عليها ويأمر بنشرها ( المادة/26 الفقرة/1 ) .
والى جانب اسهامه في التشريع ، مارس التشريع بشكل مستقل عن طريق اصدار مراسيم لها قوة القانون فقد جاء في الفقره (3) من الماده (26) للملك الحق بأصدار مراسيم بموافقة هيئة الوزراء يكون لها قوة القانون شرط ظهور ضرورة اثناء عطلة المجلس لاتخاذ تدابير مستعجلة لحفظ النظام والامن العام او لدفع خطر عام او لصرف مبالغ مستعجله لم يؤدن بصرفها في الميزانية او للقيام بواجبات المعاهدة . ونصت المادة ايضاً على وجوب عرض هذه المراسيم على مجلس الامة في اول اجتماع له عدا ماصدر منها لاجل القيام بواجبات المعاهدات المصدقة من قبل مجلس الامة او المجلس التأسيسي . وهكذا نجد أن الدستور منح الملك سلطة اصدار مراسيم لها قوة القانون أثناء عطلة المجلس من غير أن يشترط دعوة المجلس فوراً او خلال مدة محددة للنظر في امر هذه المراسيم واشترط فقط عرضها على مجلس الأمة في اول اجتماع له من دون الزامه بأن يبت فيها بالقبول او الرفض خلال مدة معينه ، كذلك لم يبين القانون الأساسي حكم هذه المراسيم اذا لم تعرض على المجلس في اول اجتماع له ، وعليه كان ينبغي أن ينص على اعتبارها ملغاة كذلك في هذه الحاله ويكون الالغاء من يوم اجتماع البرلمان . تجدر الإشارة الى انه في حالة رفض المجلس لهذه المراسيم كان على الحكومة اعلان انتهاء حكمها واعتبارها ملغاة من تاريخ هذا الاعلان ، ومعنى ذلك انه على الرغم من رفض المجلس لهذه المراسيم فأنها تظل قائمه الى أن تعلن الحكومة الغاءها وفي هذا اهدار لرقابة المجلس على هذه المراسيم اذ ينبغي ان تعتبر ملغاة من تاريخ عدم اقرار المجلس لها (2).
ولم تقتصر هيمنة الملك على السلطة التشريعية فقط بل امتدت الى السلطة التنفيذية ايضاً المتمثلة بالوزاره ، ويتألف مجلس الوزراء من عدد من الاعضاء لا يقل عن سبعة بضمنهم رئيس الوزراء ( المادة/64 الفقرة/1 ) ، وللملك حق شخصي ومطلق في اختيار رئيس الوزراء واقالته عند الضروره التي تقتضيها المصلحة العامة ، واستناداً الى ترشيح رئيس الوزراء يعين الملك الوزراء ويقبل استقالتهم من مناصبهم ( المادة/26 الفقرة/5 ) . ولم يقف الامر عند هذا الحد في دستور 1925 ، فقد اضيف اليه نص جديد عند تعديل الدستور عام 1943 ، وهو الفقره (3) من المادة (64) والتي تعطي للملك الحق في تعيين وزراء بلا وزاره لغرض الاستفادة من كفاءتهم ومواهبهم وذلك عند الضرورة(3).وعليه يتضح أن الملك كان يسهم فعلياً في اختيار الوزراء سواء كانوا وزراء اعتياديين ام وزراء بلا وزاره وهذا ما اثبته الواقع ، ولم يهيمن الملك على تكوين الوزاره فقط بل هيمن على اعمالها ، فقررات مجلس الوزراء ينبغي أن تعرض على الملك للمصادقه عليها استناداً الى المادة (65) ، ومن خلال سلطة التصديق هذه يستطيع الملك أن يؤخر صدور القرار وان يعدله بل ويستطيع ايضاً أن يلغيه (4). وهكذا يتضح أن الوزارة اصبحت بيد الملك وليس غريباً أن الوزاره التي لاتحظى برضائه لا تبقى في الحكم طويلاً. وفيما يتعلق بالسلطة القضائية ، فقد جاء في المادة (71) على أن (المحاكم مصونة من التدخل في شؤونها ) . والملاحظ أن ماورد في المادة المذكورة انفا لم يكن مطبقاً من الناحية الفعليه ، فقد جعل القانون العراقي السلطة القضائية تحت هيمنة السلطة التنفيذية ، فأمر تعيين الحكام والقضاة وفصلهم ونقلهم وترفيعهم عائد الى وزير العدلية بالرغم من وجود هيئة تعرف ( لجنة امور الحكام والقضاة )، اذ أن الدور الذي تؤديه هذه اللجنة ما هو الادور بسيط للغاية ، بل هي نفسها تحت هيمنة السلطة التنفيذية ، فرئيس هذه اللجنة هو رئيس محكمة التمييز الذي يتم تعيينه بإرادة ملكية من دون قرار من لجنة الحكام والقضاة ، كما أن احد عضويها موظف من موظفي وزارة العدلية او حاكم يعينه الوزير والعضو الثالث هو احد حكام محكمة التمييز او احد رئيسي محكمة التمييز الشرعي (5).
نخلص مما تقدم ، أن الفصل يبن السلطات الذي نص عليه القانون الأساسي العراقي فصل شكلي لم نجد له أثرا في مجال التطبيق والواقع ، فالسلطتان التشريعية والتنفيذية كانتا ضعيفتين بالنسبة للسلطة التنفيذية ، بينما كان الملك نظرياً وواقعياً اقوى من جميع السلطات .
____________________
1- صالح جواد الكاظم وآخرون- النظام الدستوري في العراق- مصدر سابق-ص20
2- السيد صبري – النظم الدستورية في البلاد العربية –– جامعة الدول العربية –معهد الدراسات العربية العالية – القاهره – 1956 -ص 271 .
3- فائز عزيز اسعد – مصدر سابق – ص93 .
4- فائز عزيز اسعد – مصدر سابق – ص 118 .
5- عطا بكري – مصدر سابق – ص 198 .
مبدأ الفصل بين السلطات في دستور 27 تموز 1958 المؤقت :
المعروف ان الدستور ينظم العلاقة بين السلطات من خلال تحديد اختصاصات كل سلطه منهم وكيفية مباشرة تلك الاختصاصات من اجل الاتتجاوز سلطة على اخرى ، فهل سار دستور 1958 المؤقت بهذا الاتجاه ؟ للاسف لم يوفق واضعو الدستور في ذلك ، فقد مورست السلطة من قبل هيئة واحدة هي مجلس الوزراء ، فالسلطة التشريعية عهدت الى مجلس الوزراء بتصديق مجلس السيادة بموجب المادة (21) . ويتألف مجلس الوزراء من رئيس وعدد من الاعضاء ، ولم يبين الدستور الحد الادنى لعدد الاعضاء ولا الشروط الواجب توفرها فيمن يعين وزيراً ، كذلك لم يوضح الدستور ولا قانون السلطة التنفيذية رقم (74) لسنة 1959 أية قواعد تتعلق بتعيين او اقالة او استقالة الوزراء ، ومن ثم يمكن الاستنتاج من مجمل اسلوب رئيس الوزراء ان الاخير كان وراء تعيين واقالة الوزراء (1). اما مجلس السيادة فيتكون من رئيس وعضوين ، غير ان الدستور لم يبين طريقة واسلوب تعيين رئيس واعضاء هذا المجلس ولا الشروط الواجب توافرها فيمن يكون عضوا في المجلس ، ويبدو ان امر تعيين هؤلاء يعود الى رئيس الوزراء ، اما سلطات المجلس فتنحصر في التصديق على القوانين التي يقرها مجلس الوزراء ، الا ان الدستور لم يبين ما اذا كان من حق مجلس السيادة رفض تشريعات مجلس الوزراء او الاعتراض عليها ام انه كان مجبراً على اعطاء موافقته عليها ، كما لم يبين المدة التي ينبغي على المجلس اعطاء موافقته خلالها (2).
وهكذا لم يكن واضحاً الحكم الواجب التطبيق في حالة عدم موافقة مجلس السيادة على مايسنه مجلس الوزراء من تشريعات الامر الذي يدفعنا الى القول ان مجلس السيادة لا يملك حق رفض مشروع يرى مجلس الوزراء ضرورة تحقيقه وهذا ما أثبته الواقع . اما السلطة التنفيذية ، فقد عهدت الى مجلس الوزراء و الوزراء استناداً الى المادة (22) من الدستور . وفيما يخص السلطة القضائية ، فقد نصت المادة (23) على ان ( القضاة مستقلون لاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة او فرد التدخل في استقلال القضاء او فـي شؤون العدالة ، وينظـم القانون الجهاز القضائي ) . ان ادراج مادة في الدستور تقضي باستقلال القضاء لايمكن ان تضمن لوحدها هذا الاستقلال وانما لابد من ادراج الضمانات الاساسية التي تكفل استقلال الحكام والقضاة سواء كانت هذه الضمانات تتعلق بأختيارهم او عزلهم اونقلهم او تأديبهم … ، والملاحظ في هذا الصدد ان دستور 1958 المؤقت لم يضع الضمانات الكافية التي تكفل اختيار الحكام والقضاة او نقلهم او عزلهم … بصورة تحول من دون تدخل السلطة التنفيذية في عملهم وانما ترك ذلك الى القانون . هذا وقد استمر نفاذ قانون الخدمة القضائية رقم ( 58 ) لسنة 1956 المعدل الذي خول مجلس الوزراء ووزير العدلية سلطات واسعة قبل الحكام والقضاة فيما يتعلق بتعيينهم او نقلهم او عزلهم … بالرغم من ان القانون المذكور اوجد لجنة امور الحكام والقضاة فضلا عن ذلك فأن وجود قانون تطهير الجهاز القضائي الذي صدر في العهد الملكي وتبنته الثورة بالقانون رقم (1 ) لسنة 1958 يزيد من ضعف استقلال القضاء ، فالمادة الاولى منه تجيز لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدلية ان يحيل الى التقاعد أي حاكم او قاض اكمل الخامسة والخمسين من عمره او كانت له خدمة تقاعدية لاتقل عن خمس عشرة سنة ، وان يقرر عزل او فصل او انهاء خدمات أي حاكم او قاض او نائب حاكم اذا تبين ان بقاءه في الخدمة اصبح مضراً بالمصلحة العامة بناء على تقرير لجنة من ثلاثة اعضاء يؤلفها وزير العدلية (3). (المادة/2 الفقرة/1) .
مما تقدم يبدو ان مجلس الوزراء هو الحاكم الفعلي في دستور 1958 المؤقت ، اذ انه باشر السلطتين التشريعية والتنفيذية فضلا عن هيمنته على السلطة القضائية وفقاً لمشيئته ولا توجد آية قيود دستورية تحد من استخدامه تلك السلطات في حالة اساءة استخدامه ، وقد قيل ان الجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ربما بررته الظروف او المرحلة الانتقالية التي كان يمر بها القطر. والحقيقة ان الجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في المراحل الانتقالية ليس بحد ذاته موضع انتقاد ، فقد يكون الجمع بين السلطتين ضرورياً لتحقيق الاهداف المرسومة لها شرط وجود تنظيم شعبي يعوض مؤقتاً عن هذه السلطات وكذلك شرط وجود فكر سياسي واضح وراء هذه الاهداف ، الا ان الفترة التي طبق فيها دستور 1958 المؤقت لم يتحقق فيها اي من هذين الشرطين الجوهريين (4).
____________________________
1-صالح جواد الكاظم واخرون – النظام الدستوري في العراق –مصدر سابق – ص33 .
2- نوري لطيف – مصدر سابق – ص 246 .
3- عبد الله اسماعيل البستاني – مصدر سابق – ص 191 .
4- صالح جواد الكاظم واخرون – النظام الدستوري في العراق – مصدر سابق – ص34 .
مبدأ الفصل بين السلطات في دستور 29 نيسان 1964 :
ارتأى دستور 29 نيسان 1964 المؤقت ان تمارس السلطة التشريعية من قبل مجلس الامة (المادة/61) واحال الى القانون مسألة تشكيل هذا المجلس (المادة/62) (1). ثم اضاف بأن يمارس كل من المجلس الوطني لقيادة الثورة ومجلس الوزراء السلطة التشريعية خلال فترة الانتقال وفقاً لقانون المجلس الوطني وبموجب التعديل الدستوري الذي صدر في 14 كانون الاول 1964 كان مقرراً اعطاء السلطة التشريعية الى مجلس شورى وان يتولى هذا المجلس فور انعقاد اول اجتماع له الصلاحيات التشريعية المنوطة بالمجلس الوطني لقيادة الثورة ومجلس الوزراء ، الا ان المجلس المذكور لم ينشأ اطلاقاً ، وحين عدل الدستور في 8ايلول1965 انيطت هذه السلطة بمجلس الوزراء وحده خلال فترة الانتقال (2). الى جانب ذلك خول الدستور رئيس الجمهورية سلطة اصدار مراسيم لها قوة القانون في حالات يقرر وجودها بنفسه (المادة/51) ، كما ان مصادقته على القوانين والانظمة وقرارات مجلس الوزراء هي التي تضفي عليها قوة الالزام (المادة/44) . اما السلطة التنفيذية فقد اودعت الى رئيس الجمهورية والحكومة المعينة من قبله (المواد/64 65 44) ، فقد كان رئيس الجمهورية هو الذي يضع بالاشتراك مع الحكومه السياسة العامة للدوله في جميع النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية ويشرف على تنفيذها (3). (المادة/59) . وفيما يتعلق بالسلطة القضائية ، فقد نصت المادة (46 /ب) على ان يعين رئيس الجمهورية القضاة والحكام وفقا للقانون ، كما نصت المادة(85) على ان (الحكام والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لاية سلطة التدخل في استقلال القضاء او شؤون العدالة وتنظم السلطة القضائية بقانون) ، كما نصت المادة (89) على ان (الحكام والقضاة غير قابلين للعزل وذلك على الوجه المبين في القانون )، وقد احسن المشرع العراقي في ذلك ،كذلك نصت المادة (90) على ان (يعين القانون شروط تعيين الحكام والقضاة ونقلهم وانضباطهم ) ، وقد خول قانون السلطة القضائية رقم ( 26 ) لسنة 1963 في المادة (30) مجلس القضاء صلاحية اصدار القرار في من يراه مستكملاً شروط التعيين في الخدمة القضائية والنظر في ترفيع الحكام والقضاة وفق القانون وكذلك النظر في الاجراءات الانضباطية، واخيراً التحقيق في سلوك الحكام والقضاة والاشراف على استقلال القضاء ، ويتألف هذا المجلس برئاسة رئيس محكمة التمييز وعضوية اقدم نائبين من نواب الرئيس وعند عدم وجودهما اقدم حاكمين من محكمة التمييز ورئيس هيئة التفتيش العدلي ومدير العدل العام واحد حكام محكمة التمييز او رئيس التدوين القانوني يعينه وزير العدل ، هذا ويتم تعيين رئيس محكمة التمييز ونائبه وحاكم محكمة التمييز الدائمي بقرار من مجلس الوزراء ومرسوم جمهوري ، كما خول القانون وزير العدل حق الاشراف والمراقبة على كافة الحكام والقضاة ونواب الحكام والمحاكم والمجالس الطائفية والموظفين المخولين سلطات قضائية (المادة/53) .
يتضح مما تقدم ، ان رئيس الجمهورية كان المهيمن الفعلي على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث جاءت نصوص الدستور معبرة عن تلك الهيمنة ومنسجمة مع توجهاته ، فالواقع الدستوري عكس بدقة الواقع السياسي ، اذ انه منح رئيس الجمهورية سلطات واسعة وكبيرة وجعل دور المؤسسات الاخرى دوراً هامشياً، فقد كانت مجرد ادوات لضمان هذه الهيمنة ، فمثلاً نلاحظ ان المجلس الوطني لقيادة الثورة يتألف من العسكريين فقط والذين يكون لرئيس الجمهورية الدور الفعال في اختيارهم ، ونتيجة لذلك كان هذا المجلس اسمياً ولا يباشر سلطاته الفعلية اذ ان سلطاته انيطت برئيس الجمهورية بموجب المادة (13) ،وتأكيداً لهيمنة رئيس الجمهورية اعلن في 8 ا يلول1965 عن الغاء المجلس الوطني لقيادة الثورة ونقل صلاحياته التشريعية الى مجلس الوزراء ، والحقيقة ان هذا المجلس لم يكن بحال افضل من حال المجلس الوطني لقيادة الثورة لانه كما معروف معين من قبل رئيس الجمهورية ، لذلك كان يقوم بتنفيذ سياسة رئيس الجمهورية ومن الصعوبة بمكان معارضته (4). واخيراً تجدر الإشارة الى ان غياب أي نوع من الرقابة الشعبية او الدستورية جعلت ممارسة رئيس الجمهورية لهذه السلطات شيئاً لايمكن ضبطه او التحكم فيه ، وهذا يفسر واقع عدم تطبيق الحقوق المدنية والسياسية وبقاءها محض نصوص دستورية .
________________________________
1-بالفعل صدر القانون رقم (7 ) لسنة 1967 الخاص بأنتخاب اعضاء مجلس الامة الا ان القانون المذكور لم ينفذ والغي بألغاء دستور 29 نيسان 1964 المؤقت .
2-بموجب التعديل الدستوري الاخير في 17نيسان1968 أضيفت فقرة جديده الى المادة (62) تنص على وجوب دعوة مجلس الامة للاجتماع في مدة اقصاها سنتان تبدأ من تاريخ 10/5/1968، وكذلك تم تعديل المادة (63) المعدلة على النحو الآتي : –
أ- تمارس السلطة التشريعية الى حين انعقاد مجلس الامة مجلس تشريعي يكون مقره في بغداد ويحدد عدد اعضائه وشروط العضوية وطريقة تعيين الاعضاء ومخصصاتهم وتوضح صلاحيات المجلس وكيفية ممارسته لها القانون .
ب- يتولى المجلس التشريعي فور انعقاد اول اجتماع له السلطة التشريعية .
ج- يستمر مجلس الوزراء على ممارسة السلطة التشريعية الى حين انعقاد المجلس التشريعي .
د- يضع المجلس التشريعي مشروع الدستور الدائم على ان يعرض على مجلس الامة في اول دورة انعقاد له للبت فيه .
3- احمد سرحال – النظم السياسة والدستورية في لبنان وكافة الدول العربية – الطبعة الاولى – دار الفكر العربي – بيروت – من دون سنة طبع – ص 27 و صالح جواد الكاظم واخرون – النظام الدستوري في العراقي – مصدر سابق – ص 57 وما بعدها .
4- حميد الساعدي – مصدر سابق – ص183
مبدأ الفصل بين السلطات في دستور21 أيلول1968 المؤقت :
نص دستور 21 ايلول 1968 المؤقت في المادة ( 58 ) منه على ان ( يمارس مجلس قيادة الثورة السلطة التشريعية الى حين انعقاد الجلسة الاولى للمجلس الوطني ) . والملاحظ في هذا الصدد ان المادة ( 58 ) وردت ضمن الفصل الثاني الخاص برئيس الجمهورية وسلطاته ، وكان من الافضل ان ترد ضمن الفصل الاول الخاص بمجلس قيادة الثورة (1). وللمجلس وفق الفقرة ( 7) من المادة ( 47 ) سلطة اصدار قرارات لها قوة الإلزام وفقا لا حكام الدستور والقوانين النافذة اضافة الى ذلك فان مجلس الوزراء كان يشارك مجلس قيادة الثورة في السلطة التشريعية استنادا الى المادة ( 64 الفقرة / 4 ) من الدستور حيث جاء فيها ( تمارس الحكومة الاختصاصات التالية : 4 الموافقة على لوائح القوانين والانظمة ) ، الى جانب ذلك خول الدستور رئيس الجمهورية بموجب المادة ( 50 الفقرة / أ ) سلطة المصادقة على القوانين والانظمة وقرارات مجلس الوزراء . وعلى اثر التعديل الاول للدستور في 12 / 3 / 1969 ، امتلك مجلس قيادة الثورة سلطة مهمة تمثلت في اصدار القوانين والقرارات التي لها قوة القانون من دون الرجوع الى مجلس الوزراء ( المادة/ 44 الفقرة/ 8 ) ، ولابد من الاشارة الى ان الفقرة ( 4 ) من المادة (64) ألغيت بموجب التعديل الدستوري الاخير واصبحت مهمة مجلس الوزراء تنحصر في الأعداد فقط . وبموجب التعديل الدستوري الثالث في 10 /11/1969 ، عدلت سلطة رئيس الجمهورية المتعلقة بتصديق القوانين والأنظمة و أصبحت تتمثل في اصدار القوانين والانظمة والقرارات اللازمة لتنفيذها .
وعليه فان كلا من مجلس قيادة(2).الثورة ورئيس الجمهورية يملك في وقت واحد سلطة اصدار قوانين. اما بالنسبة للسلطة التنفيذية ، فقد عرفت المادة (61 ) الحكومة بانها (السلطة التنفيذية والادارية وتتكون من رئيس الوزراء ونوابه والوزراء ويتولى كل منهم اختصاصه وفق هذا الدستور والقانون ويرأس رئيس الوزراء او أحد نوابه مجلس الوزراء ) . وحين عدل الدستور في 10/11/1969 أصبحت رئاسة الحكومة واجبة لرئيس الجمهورية فهو يمارس سلطات الحكومة ويعاونه مجلس الوزراء ، والحكومة هي السلطة التنفيذية والادارية وتتكون برئاسة رئيس الجمهورية ونائبه ومن نائب او اكثر لرئيس مجلس الوزراء والوزراء ويتولى كل منهم اختصاصه وفق أحكام الدستور والقانون ( المادة/ 61 ) ، كما أنيطت سلطة تعيين الوزراء وقبول استقالاتهم واعفاؤهم من مناصبهم برئيس الجمهورية بعد ان كانت من مهام مجلس قيادة الثورة وسلطاته . وبموجب التعديل الدستوري الاخير في 14/12/1969 عرفت المادة ( 62 ) الحكومة بانها الهيئة التنفيذية والادارية العليا وتتكون من رئيس الجمهورية والوزراء ، وبموجب هذا التعديل اصبح رئيس الجمهورية رئيسا للسلطة التنفيذية يمارسها على الوجه المبين في الدستور(3). نخلص مما تقدم الى ان دستور 21ايلول 1968 المؤقت عزز سلطات رئيس الجمهورية ، فقد مارس السلطتين التشريعية والتنفيذية في وقت واحد من خلال اصداره القوانين والانظمة والقرارات اللازمة لتنفيذها اضافة الى رئاسته للسلطة التنفيذية(4).
______________________
1-حميد الساعدي –– مصدر سابق – ص191
2-رعد ناجي الجدة – دراسات في الشؤون الدستورية العراقية – مطبعة الخيرات – بغداد – 2001 – ص36.
3- صالح جواد الكاظم واخرون – النظام الدستوري في العراق – مصدر سابق – ص90
4- فيما يتعلق بالسلطة القضائية يلاحظ ان النصوص المتعلقة بالسلطة القضائية كانت مقتبسة من دستور 29 نيسان 1964 المؤقت باستثناء نص المادة (87) الخاص بتشكيل المحكمة الدستورية العليا ، لذا لا مجال للحديث عنها .
مبدا الفصل بين السلطات في دستور 16 تموز 1970 المؤقت :
يشير الواقع الدستوري في العراق الـى ان هناك اكثر مـن جهـة تتولى السلطة التشريعية ( مجلس قيادة الثورة ـ رئيس الجمهورية ـ المجلس الوطني ) مع اعتبار مجلس قيادة الثورة الهيئة التشريعية العليا في البلاد . فمجلس قيادة الثورة يملك صلاحية اصدار القوانين والقرارات التي لها قوة القانون ، وكذلك اصدار القرارات في كل ما تستلزمه ضرورات تطبيق احكام القوانين النافذة ( المادة/ 42 ) ، الا ان صلاحيات المجلس التشريعية لا تقتصر على ما ورد في المادة (42) من الدستور ، فالمواد ( 52 53 54 ) من الدستور تناولت الصلاحيات التشريعية الاخرى التي يمارسها المجلس بالاشتراك مع المجلس الوطني والتي تمثلت في اقتراح مشاريع القوانين إضافة إلى إقرار مشاريع مشاريع القوانين المقترحة من قبل رئيس الجمهورية او من قبل ربع عدد أعضاء المجلس الوطني(1). اما بالنسبة لرئيس الجمهورية ، فقد منحه الدستور بموجب المادة (53) حق اقتراح مشاريع قوانين فضلا عن ذلك امتلك رئيس الجمهورية بموجب التعديل (23) الصادر بموجب قرار مجلس قيادة الثورة رقم (15) في 28/1/1993 اختصاصا على قدر كبير من الاهمية يتضمن (سلطة اصدار قرارات لها قوة القانون ) وبذلك يكون قد امتلك سلطة تشريعية مستقلة شبيهة بالسلطة المخولة لمجلس قيادة الثورة بموجب الفقرة ( أ ) من المادة (42) من الدستور المؤقت(2).
اما المجلس الوطني فيملك صلاحية التشريع باعتباره ممثلا عن الشعب ، الا ان ذلك لا يعني ان المجلس الوطني يملك سلطة تشريعية مستقلة بحد ذاتها في مجال التشريع وانما يمارس سلطته التشريعية بالاشتراك مع مجلس قيادة الثورة(3). كما ان حق اعضاء المجلس الوطني بالتقدم باقتراح مشروع قانون مقيد بقيدين، اولهما ان يكون اقتراح مشروع القانون مقدما من ربع عدد اعضاء المجلس ، وثانيهما ان لا يتعلق مشروع القانون بالامور العسكرية او شؤون الامن العام ( المادة / 54 )، وبذلك يكون دستور 1970 المؤقت قد جعل من المجلس الوطني مشرعا أدنى في المرتبة من مجلس قيادة الثورة ورئيس الجمهورية . ولا بد من الإشارة إلى إن الدستور خول مجلس الوزراء بموجب المادة ( 62 الفقرة/أ)صلاحية إعداد مشروعات القوانين بكافة الشؤون وأحالتها إلى السلطة التشريعية بينما يتعذر على المجلس الوطني ( ممثل الشعب ) تقديم المشروعات الخاصة بالشؤون العسكرية والأمن العام . اما فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية ، فقد استحدث مجلس الوزراء بموجب التعديل الاول للدستور استنادا الى قرار مجلس قيادة الثورة رقم (567 )لسنة 1973 ، ويتكون بموجب المادة ( 61-الفقرة/ أ ) من الوزراء ويرأسه رئيس الجمهورية . وعلى اثر التعديل الرابع للدستور عام 1979 اصبح مجلس الوزراء يتكون من نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ويرأسه رئيس الجمهورية واستمر الحال حتى عام 1991 ، فقد عدل الدستور بموجب قرار مجلس قيادة الثورة رقم (83 ) لسنة 1991 واصبح مجلس الوزراء يتكون بموجب الفقرة (أ ) من المادة ( 61 ) من رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ، كما عرفت الفقرة المذكورة مجلس الوزراء بانه الهيئة التنفيذية للسياسة العامة للدولة التي يضعها رئيس الجمهورية ، كذلك نصت الفقرة (جـ ) من المادة (61 ) لرئيس الجمهورية ان يرأس اجتماعات مجلس الوزراء متى راى ذلك .
ويتم تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء وإعفاؤهم من مناصبهم من قبل رئيس الجمهورية بموجب المادة ( 58 الفقرة/ د ) . لا بد من الاشارة الى ان رئيس الجمهورية تولى رئاسة مجلس الوزراء اعتبارا من 29/5/1994 . أما بالنسبة للسلطة القضائية فقد نصت المادة ( 63 الفقرة / أ ) على ان القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون، كما نصت الفقرة ( جـ ) من المادة المذكورة على ان يحدد القانون طريقة تشكيل المحاكم ودرجاتها واختصاصاتها وشروط تعيين الحكام والقضاة ونقلهم وترفيعهم ومقاضاتهم واحالتهم على التقاعد هذا ويتم تعيين القضاة وانهاء خدماتهم من قبل رئيس الجمهورية وفقا للقانون (المادة/ 58 الفقرة / هـ). جدير بالذكر ان قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 خول وزير العدل حق الاشراف على جميع الحكام والقضاة والمخولين سلطات قضائية من موظفين وهيئات ولجان (المادة/ 55 / اولا ) . مما تقدم يتضح ان الدستور منح رئيس الجمهورية سلطات تشريعية وتنفيذية واسعة مما جعله يحتل مركزا متقدما بين مؤسسات جمهورية العراق في ظل دستور 16 تموز 1970 المؤقت .
________________________
1-رعد ناجي الجدة ـ دراسات في الشؤون الدستورية العراقية – مصدر سابق – ص40 وما بعدها
2- رعد ناجي الجدة ـ دراسات في الشؤون الدستورية العراقية – مصدر سابق – ص177
3- رعد ناجي الجدة – التشريعات الانتخابية في العراق – مصدر سابق – ص246
المؤلف : مروج هادي الجزائري
الكتاب أو المصدر : الحقوق المدنية والسياسية وموقف الدساتير العراقية منها
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً