اختلف الفقهاء في ركن الهبة، فيرى الحنفية (1) أن ركنها هو الصيغة أي الايجاب والقبول. وأركان الهبة عند الجمهور (2) أربعة هي: الواهب والموهوب له، والموهوب، والصيغة، فأما الواهب فهو المالك، أما الموهوب له فهو كل انسان ويجوز أن يهب الإنسان ماله كله لأجنبي اتفاقاً، وأما هبة جميع ماله لبعض ولده دون بعض أو تفضيل بعضهم على بعض في الهبة فمكروه عند الجمهور وإن وقع جاز، وأما الموهوب، فكل شيء مملوك، وأما الصيغة فهي الايجاب والقبول ونتناول في هذا المبحث الايجاب والقبول وهل تتم الهبة بمجرد القبض وذلك على التفصيل الآتي:
الايجاب والقبول:
اتفق الفقهاء لكي ينعقد عقد الهبة صحيحاً أن يوجد الايجاب من الواهب، ولكنهم اختلفوا في القبول من الموهوب له.
الحنفية:
ركن الهبة عند الحنفية هو الايجاب من الواهب والقبول من الموهوب له، لأنه عقد كالبيع، ويرى بعض الحنفية أن القبول ليس ركناً في الهبة، وإنما الركن فقط هو الايجاب من الواهب، والقبول لثبوت حكم الهبة، أي أثرها المترتب عليها، وهو نقل الملكية (3).
الجمهور:
يرى جمهور الفقهاء وهم المالكية والشافعية والحنابلة أن ركن الهبة هو الايجاب والقبول من الطرفين فلا ينعقد العقد بدونهما.
صور الايجاب والقبول:
وينعقد الايجاب والقبول باللفظ بأن يقول الواهب للموهوب له وهبتك هذه الدار أو منحتك أو ملكتك بلا ثمن، ينعقد الايجاب، كذلك بالكتابة، والاشارة المفهومة بالنسبة للأخرس، وتصح الهبة بالمعاطاة التي تدل عليها فقد كان النبي (صلى الله عليه واله) يهدي ويهدى إليه وكذلك كان أصحابه يفعلون، هذا هو رأي الشافعية والحنابلة(4). والايجاب إما أن يكون صريحاً كالألفاظ السابق ذكرها وهبتك، وأعطيتك، أهديتك، يكون العقد صحيحاً لأنه تمليك في عرف الناس واستعمالهم. وقد يكون الايجاب مقروناً بقرينة، وهي إما قرينة الوقت (العمري)(5) بأن يقول الواهب: (أعمرتك هذه الدار أو جعلت هذه الدار لك عمري أو عمرك، فإن مت أنا فهي رد على ورثتي) فذلك يعتبر هبة، تكون للمعمر له ولورثته بعد وفاته لصحة التمليك، والتوقيت باطل، لقوله (صلى الله عليه واله): (أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها، فإن من أعمر شيئاً، فإنه لمن أعمره) أي الموهوب له، ذلك لأن الهبة لا تبطل بالشرط الفاسد فخلاف عقود المعاوضات المالية كالبيع، فإنها تفسد بالشرط الفاسد للنهي عن بيع وشرط. وكذلك الايجاب قد يكون مقروناً بقرينة الشرط (الرقبي)(6). بأن يقول: (هذا الدار لك رقبي) يعتبر ذلك عارية عند أبي حنيفة ومحمد يأخذها منه متى شاء وقد استدلوا بما روي عن الرسول (صلى الله عليه واله) أنه أجاز العمري وأبطال القربى. وقال أبو سيف والشافعية والحنابلة إذا قبضها فهي هبة وقوله رقبى باطل ودليلهم ما روي عن الرسول (صلى الله عليه واله): أنه أجاز العمري والرقبى. وأما المالكية فقد أجازوا العمري وأبطلوا الرقبى كالحنفية وعرفوا العمري بأنها تمليك منفعة عقار أو غيره لشخص بغير عوض مدة حياته، فإذا مات المعمر له رجع الشيء المعمر لمن أعمره له إن كان حياً، ولورثته إن كان ميتاً. وأما الرقبى فهي اتفاق اثنين على أن من مات منهما قبل الآخر يكون ماله للحي والقبول، فقد نصت المادة 837:
تنعقد الهبة بالإيجاب والقبول وتتم بالقبض وتنص المادة 838:
الإيجاب في الهبة هو الألفاظ المستعملة في معنى تمليك المال مجاناً كأكرمت ووهب وأهديت والتعبيرات التي تدل على التمليك مجاناً إيجاب للهبة أيضاً كإعطاء الزوج زوجته قرطاً أو حلياً.
وتنص المادة 839: تنعقد الهبة بالتعاطي أيضاً.
القانون السوداني:
تنص المادة من قانون الأحوال الشخصية:
تنعقد الهبة بالإيجاب والقبول، وتتم بالقبض، طبقاً لهذا النص، فإن الهبة تعتبر عقداً لا إرادة منفردة، ولا تتم إلا بالقبول من الموهوب له، وقد يكون هذا القبول صريحاً أو عن طريق القبض. والسبب في جعل الهبة عقدا، واشتراط قبول الموهوب له، أن الهبة وإن كانت تبرعاً، إلا أنها تثقل عنق الموهوب له بالتزامات أدبية تجاه الواهب، قد يرفض الموهوب له بسببها الهبة (7). ولم يشترط النص أن يكون القبول صريحاً، فيصح أن يكون ضمنياً، بل مجرد سكوت الموهوب له بعد علمه بالإيجاب يعتبر قبولاً، فقد نصت المادة 40 / 2 / ب معاملات مدنية: يعتبر السكوت قبولاً بوجه خاص:
أ – إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الايجاب بهذا التعامل وسكت من وجه إليه الايجاب عن الرد وكذلك إذا تمخضت الهبة لمنفعة الموهوب له، فإن سكوته يعتبر قبولاً، م 40/2ج معاملات.
ولكن إذا كانت الهبة بعوض أو فرض فيها الواهب على الموهوب له التزاماً فإن السكوت في هذه الحالة لا يعد قبولا الا اذا كانت الظروف تدل على أن الواهب لم يكن لينتظر تصريحاً بالقبول ولم يرفض الموهوب له الهبة في وقت مناسب… م 40/ ص / أ.ولابد أن يكون القبول مطابقاً للإيجاب، وإلا لم تنعقد الهبة، فلو أعطى الواهب على سبيل الهبة، وقبلا لطرف الآخر على سبيل الإعارة، لم تنعقد الهبة ولا الإعارة وفي ذلك تنص المادة 42/ 1 معاملات: يجب لانعقاد العقد أن يكون القبول مطابقاً للإيجاب.
صور الإيجاب في الهبة:
يصح أن يكون الإيجاب في الهبة صريحاً، ويكون ذلك لفظ يدل على تمليك المال مجاناً كأن يقول الواهب وهبت لك داري، ملكتك داري، أهديتك، الى غير ذلك من الألفاظ، لأن جميع هذه الألفاظ تفيد تمليك العين في الحال بغير عوض وهو معنى الهبة. وكما يكون الايجاب باللفظ يكون بالكتابة الظاهرة، أو بالإشارة المفهرسة من العاجز عن النطق ولو كان قادراً على الكتابة وهذا ما أشارت إليه المادة 269/1 من قانون الأحوال الشخصية حيث تنص: يصح إيجاب الهبة، بكل ما يدل على تمليك المال مجاناً، من لفظ أو كتابة، أو اشارة مفهومة. وتصح الهبة بمجرد التعاطي دون اشتراط ايجاب أو قبول، وهذا ما أشارت إليه الفقرة 2 من المادة 269 حيث تقول: تنعقد الهبة بالتعاطي؟
أولاً: موت الواهب أو فقده اهليته ومن ذلك موت الموهوب له:
إذا مات الواهب أو فقد أهليته قبل أن يرتبط إيجابه بالقبول من الموهوب له، فإن الهبة لا تتم وكذلك الحال إذا مات الموهوب له أو فقد أهليته قبل أن يصدر منه القبول، لأن الإيجاب لم يلاق شخصاً يقبله، إذ أن الهبة أمر خاص بالموهوب له فلا تحل ورثته محله في القبول، وهذا لا يعتبر إلا تطبيق للقواعد العامة حيث نصت المادة 37 من قانون المعاملات المدنية: يسقط التعبير عن الإدارة، فأما العقار فيكون القبض الحقيقي فيه بالسكن فإذا سكن الموهوب له في العقار الموهوب سواء بنفسه أو مع أسرته فيعتبر ذلك قبضاً حقيقياً، كذلك إذا قام بإجارته لشخص آخر، وكذلك الحال إذا تصرف الموهوب له في العقار الموهوب بأي تصرف يدل على الملكية كالبيع والإعارة والهبة وغير ذلك من التصرفات. أما بالنسبة للمنقول فالقبض الحقيقي يتم بالحيازة، وقد يتم ذلك بالمناولة وبالتالي يدخل المنقول في حيازة الموهوب له، ويحدث ذلك إذا كانت طبيعة المنقول في حيازة الموهوب له، ويحدث ذلك إذا كانت طبيعة المنقول تسمح بمناولته، كما إذا كان المنقول نقوداً، بل يصح أن يتم تسليم النقود بتحويل مبلغ من الحساب الجاري للواهب الى الحساب الجاري للموهوب له (8)، وقد يكون المنقول ساعة أو خاتم أو مجوهرات أو كتب، الى غير ذلك من المنقولات التي تنتقل بالمناولة من يد الواهب الى يد الموهوب له، وإذا كان الموهوب حقاً شخصياً، فالقبض يكون بتسليم سند الحق للموهوب له لكي يتمكن من استعماله.
ثانياً: القبض الحكمي:
نصت الفترة ج من المادة 270/2 على القبض الحكمي في العقار ولم تنص على المنقول، حيث تقول: القبض الحكمي في العقار كالتخلية المفضية الى الاستيلاء بلا مانع، والتسجيل لدى السلطات المختصة، وتسليم مفتاح الدار. أوضحت الفقرة ج ثلاث صور يتم فيها القبض الحكمي في العقار، وهي أن يقوم الواهب بتخلية العقار الموهوب بحيث يستطيع الموهوب له الاستيلاء عليه وتسلمه بدون عائق، كأن يفرغ الواهب كل الامتعة التي تخصه من العقار ويطلب من الموهوب له الاستيلاء، كذلك إذا قام الواهب بتسجيل العقار الموهوب لدى السلطات المختصة وهي سلطات الأراضي في أسم الموهوب له. وقال الحنابلة أن القبض شرط لصحة الهبة في المكبل والموزون لإجماع الصحابة على ذلك، أما غير المكيل أو الموزون فتلزم الهبة فيه بمجرد العقد وتثبيت الملك في الموهوب قبل قبضه، واستدلوا بما روي عن علي وابن مسعود أنهما قالا: الهبة جائزة إذا كانت معلومة قبضت أو لم تقبض (9). وقال المالكية: لا يشترط القبض لصحة الهبة أو لزومها، وإنما هو شرط لتمامها، بمعنى أن الموهوب له يمتلك الموهوب بمجرد العقد، وأما القبض متى تتم الهبة ويجبر الواهب على تمكين الموهوب له من الموهوب، ودليلهم أنهم شبهوا الهبة بالبيع، والأصل في العقود أن لا قبض مشترط في صحتها حتى تقوم الدليل على اشتراط القبض (10).
شرح القبض:
يشترط لصحة القبض ما يأتي:
أن يكون القبض بإذن الواهب، فلو قبض بلا إذن لم يملكه ودخل في ضمانه، لأن التسليم غير مستحق على الواهب، فلا يصح التسليم إلا بإذنه، ولأن الإذن بالقبض شرط لصحة القبض فيها شرط لصحتها… الحيوان، إذا أشهد الواهب على الهبة، ولو لم يرفع يده عن الموهوب. طبقاً لهذا النص إذا وهبت الأم لابنها الصغير أو أحد الزوجين للآخر، متاعاً من متاع البيت أو الحيوان، فلا يشترط في هذه الحالة أن يقبض الابن الصغير عن طريق وليه الشيء الموهوب وهو المتاع أو الحيوان، كما لا يشترط أن يقبض الزوج الموهوب له الشيء الموهوب، فيكفي أن تشهد الأم أو الزوج الواهب شهوداً على هذه الهبة، ففي هذه الحالة تنفذ الهبة ويصبح الموهوب ملكا للموهوب له وهو الابن الصغير الزوج، ولو لم يرفع الأم أو الزوج يديهما عن الموهوب.
______________________
1- (المبسوط) ج12، (ص47).
2- (القوانين الفقهية) لابن جزي (ص 366)، (حاشية الدسوقي) ج4، (ص97).
3- (المبسوط)ن ج2، (ص257)، (البدائع) ج6، (ص115)، (حاشية ابن عابدين) ج4، (ص531).
4- (مغني المحتاج) المرجع السابق (ص108)، (فقه السنة)، سعيد السابق (ص390).
5- العمري ما يجعل للإنسان طول عمره، وإذا مات ترد عليه.
6- الرقبى أن يقول الشخص إن مت أنا قبلك فهو لك، وإن مت أنت قبلي فهو لي، سمي ذلك لأن كل واحد منهما يترقب وينتظر موت الآخر قبل موته.
7- (الوسيط في شرح القانون المدني) – السنهوري – ج5، المجلد الثاني (ص29).
8- الوسق ستون صاعاً أو حمل بعير.
9- (المغني) ج5، (ص 653).
10- (بداية المجتهد) ج2/ 324، (حاشية الدسوقي) (4/101)، (شرح الخرش)، ج7، (ص105).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
28 نوفمبر، 2019 at 8:02 م
يعجبني