مقال قانوني عن أركان جريمة الاحتيال
القاضي أحمد الأشقر
مدير مركز الأبحاث والدراسات القضائية
تعتبر جريمة الاحتيال من الجرائم الشائعة في المجتمع الفلسطيني، وغالبا ما يختلط توصيف هذه الجريمة مع النزاع المدني بين الخصوم المستند إلى المسؤولية المدنية بشقيها التقصيرية والعقدية، وهوما يجعل هذه الجريمة من الجرائم التي تحتاج إلى إعمال ذهني من قبل قاضي الموضوع للتحقق من توافر أركان هذه الجريمة وتمييزها عن النزاع المدني.
ولما كان من الثابت أن مقصد المشرع في التجريم يستلزم تحقق أركان واقعة الجريمة المستوجبة للعقوبة والظروف التي أحاطت بها تحققا لا يدع مجالا للشك بما يستفاد من هذه الوقائع دقة الاستدلال وسلامة المأخذ وتحقق المقصد التشريعي من تجريم فعل الاحتيال، فإن المشرع قد نص على أركان محددة وخاصة لهذه الجريمة تتلخص فيما يلي :
1- الركن القانوني ( الشرعي) :
وهو الركن الذي يقوم على قاعدة انه لا جريمة ولا عقوبة إلى بنص، وفيما يتعلق بجريمة الاحتيال في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 نجد أن الركن القانوني يستمد وجوده وشرعية من نص المادة 417 من هذا القانون والتي يجب إعمال محتواها ومؤداها في سبيل الوصول إلى حكم يستند إلى إطار قانوني صحيح.
2- الركن المادي :
يعرف الركن المادي بأنه الفعل الجرمي المعاقب عليه والذي يؤدي إلى النتيجة الجرمية مع ضرورة توافر علاقة سببية تربط بين هذا الفعل والنتيجة المتحققة، وبالنظر إلى نص المادة 417 من قانون العقوبات رقم 16لسنة 60 نجد أن هذه المادة قد عرفت الاحتيال ووسائله بأنه حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراء فاستولى عليها احتيالاً باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام المجني عليه بوجود مشروع كاذب أو حادث أو أمر لا حقيقة له أو إحداث الأمل عند المجني عليه بحصول ربح وهمي أو بتسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال أو الإيهام بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور، أو بالتصرف في مال منقول أو غير منقول وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف به، أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.
ويتضح من هذه المادة أنّ الركن المادي لجريمة الاحتيال يشترط وجود وسائل تعتبر كل وسيلة منها إن تحققت ركنا ماديا صالحا لتوافر شروط التجريم وهذه الوسائل وردت على سبيل الحصر وهي وفق ما يستفاد من متن المادة 417 من قانون العقوبات تتمثل باستعمال طرق احتيالية أو تصرف الجاني في مال منقول أو غير منقول وهو يعلم أن ليس له صفة التصرف فيه أو اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة ، ولكن وجود هذه الوسائل وحدها لا يعد سببا كافيا لتوافر الركن المادي، إذ إنّ من المتفق عليه فقها والمستقر في الاجتهاد القضائي أنه يشترط لقيام الطرق الاحتيالية كركن مادي من خلال الاتيان بأحد الوسائل الاحتيالية أن يدعم الجاني ادعاءاته أو أكاذيبه بأشياء خارجية تساعد على الباسها ثوب الصدق وتؤدي الى إدخال الغفلة على المجني عليه وحمله على تسليم ماله وأن تكون هناك علاقة سببية بين طرق الاحتيال الذي لجأ اليه الجاني وبين الاستيلاء على مال الغير دون وجه حقوذلك باتصال الفعل بالنتيجة من خلال رابطة السببية، وفي هذا تقول محكمة التمييز الأردنية في الطعن رقم 1985 / 134 أن الاحتيال هو فعل الخداع من المحتال ليحمل المجني عليه ليسلمه ماله لكي يستولي عليه، وأنّ المجني عليه ما كان ليقبل بهذا التصرف لو عرف الحقيقة وانه وإن كان الكذب المجرد عن عناصر خارجية لا يؤلف جريمة الاحتيال، لكن اذا استعان المحتال بشخص ثالث او بظرف يدعم الكذب ليعطي الكذب قوة اقتناع ففي هذه الحالة يكون الفعل على هذه الصورة جريمة الاحتيال .
3- الركن المعنوي :
يبدو جليا أن جريمة الاحتيال هي من الجرائم القصدية التي يشترط فيها توافر القصد الجنائي العام وهو علم وإرادة المتهم بارتكابه النشاط الجرمي بالإضافة إلى ضرورة توافر قصد جنائي خاص وهو انصراف نية الجاني الى الاستيلاء على جزء من ثروة الغير بدون حق باستعمال وسيلة احتيالية وفق ما جاءت به المادة 417 من قانون العقوبات النافذ حيث أنّ من المستقر قضاء وفق اجتهاد محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها ومنها الطعن ( الطعن رقم 25947 لسنة 59 ق جلسة 1994/3/20 س 45 ص 412 ) الذي أشار إلى أنه “من المقرر أن مجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة مهما بلغ قائلها في توكيد صحتها لا تكفى وحدها لتكوين الطرق الاحتيالية بل يجب لتحقق هذه الطرق في جريمة النصب أن يكون الكذب مصحوباً بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل المجنى عليه على الاعتقاد بصحته” وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية باعتبار ضرورة قيام المتهم بفعل إيجابي لتحقق الركن المادي في الوسائل الاحتيالية حيث أشارت في الحكم رقم 1976/ 42 إلى أنه “يشترط في جريمة الاحتيال أن يأتي الجاني فعلا ايجابيا ينتحل به الاسم الكاذب أما لو اتخذ موقفا سلبيا بأن ترك الغير يعتقد في صفة ليست له أو اسما غير اسمه واستطاع الحصول بذلك على مبلغ من المال ، فلا يتوافر بذلك ركن الجريمة ويكون من سلم المال قد فرط في حق نفسه” حيث يمكن القول أن الركن المعنوي لجريمة الاحتيال لا يتحقق دون وجود نية لدى الجاني بارتكاب فعل الاحتيال والاستيلاء على مال الغير دون وجه مع توافر علمه وإرادته بارتكاب الفعل الذي يجب ان يكون مصحوبا بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تعزز القناعة بأن الجاني تتوافر لديه نية ارتكاب الفعل وإيهام المجني عليه للاستيلاء على أمواله.
اترك تعليقاً