بقلم ذ المختار العيادي
نائب وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية بتازة حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون العمال وباحث في صف الدكتوراه الوطنية في قانون الأعمال بكلية الحقوق بوجدة
إن اختيارها لموضوع هام وشائك:”الآليات القانونية لمكافحة ظاهرة جنوح الأحداث ” إنما يهدف إلى:
– الوقوف على حصيلة ملائمة النصوص التشريعية الوطنية مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المصادق عليها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نونبر 1989([1]).
– استشراق الآفاق المستقبلية في مجال تدعيم وتطوير حماية الطفل للتمتع بكافة حقوقه.
– إشاعة ونشر ثقافة حقوق الإنسان بصفة عامة، وحقوق الطفل بصفة خاصة على أوسع نطاق. والاستفادة من الخبرات الأجنبية في هذا المجال.
و بهذه المناسبة لا يسعنا إلا أن نستحضر، والمناسبة شرط، روح جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه الذي وقع على الإعلان العالمي لحقوق الطفل بتاريخ 3/2/1992 بنيويورك والذي بين جلالته رحمه الله مدلول مصادقة المغرب على الاتفاقية في رسالته للمؤتمر الثاني لحقوق الطفل بقوله :”… وما تصديقه على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل في شهر يونيو لسنة 1993 إلا دليل على اهتمامنا وحرصنا على تطبيق مبادئها وتوصياتها…”([2]).
وفي هذا السياق العام صدر قانون المسطرة الجنائية رقم 22.01 الذي دعم ضمانات المحاكمة العادلة في حق الطفل الجانح، من خلال إحداث هيئات قضائية للتحقيق والحكم خاصة بالأحداث وحدد سن الرشد الجنائي في ثمانية عشر سنة([3]) وكذا تدابير للحماية والعقوبة، وتدقيق وسائل الرقابة في تنفيذ هذه التدابير وخصوصا مساعدة الحدث الجانح على الاندماج الاجتماعي.
وإن مقاربتنا هذا الموضوع سوف تكون عبر ثلاث مباحث نخصص الأول لرصد الآليات القانونية لمعالجة جنوح الأحداث في مرحلة ما قبل المحاكمة، في حين نخصص المبحث الثاني لتبيان هذه الآليات على مستوى مرحلة المحاكمة، على أن نتعرض لآليات المعالجة في مرحلة ما بعد المحاكمة في مبحث ثالث.
المبــحــث الأول:
آليات معالجة جنوح الأحداث على مستوى مرحلة ما قبل المحاكمة.
تلعب مرحلة ما قبل المحاكمة دور الفاتحة بالنسبة للإجراءات الجنائية، وهي لذلك تطبع القضية المرفوعة إلى العدالة بطابع يتعذر أن يزول في المراحل اللاحقة، ومن ثم فإنها مرحلة دقيقة تنطوي على خطورة وأهمية قصوى سواء بالنسبة لحقوق المتهم أو بالنسبة للدولة في العقاب.
والعلة في إقرار مرحلة تسبق المحاكمة هي ألا تحال على العدالة الجنائية قضايا تنعدم فيها الأسباب الواضحة المقبولة وتوفيرا لوقت القضاء وجهده، حتى لا يهدر في السعي خلف تعقب الأدلة وجمع شتاتها وصونا لحقوق المتهمين من أن يساقوا إلى ساحة العدالة الجنائية في محاكمات متسرعة([4]).
وتنطلق مرحلة ما قبل المحاكمة بالبحث التمهيدي (مطلب أول) الذي يتسم منهجه بالدقة والسرعة و ذلك بالنسبة للقضايا البسيطة التي تستغني عن التحقيق الإعدادي (مطلب ثاني) الذي يشكل الشق الثاني من مرحلة ما قبل المحاكمة والذي يعتبر فرصة ثانية لتمحيص الأدلة على النحو الذي يكفل الحيلولة دون التسرع في المتابعة الجنائية.
المطـلـب الأول:
البــحـث الـتـمهـيـدي
يعرف البحث التمهيدي بكونه :” مرحلة للتثبت من وقوع الجريمة وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها وهي المرحلة التي تسبق التحقيق والمحاكمة”([5]).
وقد أسند المشرع المغربي سلطة التحري عن الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها إلى جهاز الشرطة القضائية وذلك بمقتضى المادة 18 من ق.م.ج وتأكيدا على أهمية الأحداث وخصوصياتهم فقد تم التنصيص على ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث ضمن مكونات الشرطة القضائية بمقتضى المادة 19 من ق.م.ج انسجاما مع ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية وقواعد بكين النموذجية حول جنوح الأحداث.
وإن كانت فرق الشرطة القضائية المكلفة بالأحداث موجودة قبل النص عليها في القانون وذلك في إطار التنظيم الإداري لمختلف مصالح الأمن.
وتهتم شرطة الأحداث بوقاية الشباب والأطفال ضد الفساد والانحراف وتعتمد على أساليب مختلفة للقيام بدورها في هذا المجال فهي تقوم بمراقبة الأماكن المشبوهة التي يرتادها الأحداث والتي تكون إحدى العوامل المساعدة على انحرافهم كالحانات ومحلات القمار واللهو ومحلات الرقص وما شابه ذلك، فكل هذه الأماكن تستدرجهم نحو الإدمان على المخدرات وارتكاب الجرائم.
ودور الشرطة المكلفة بالأحداث لا يقتصر على مجرد ضبط الأحداث والتحقيق في قضاياهم وإحالتها على الجهات القضائية فقط، وإنما يمتد هذا الدور ليصاحب كل مراحل التعامل مع الحدث، لذلك فهي تكون على اتصال وثيق بعدة مجالات كالتعليم ومجالات العمل كالمصانع وكذلك بالهيئات والمجالس والجمعيات المهتمة برعاية الشباب.
غير أن ذلك كله يستدعي تكوين شرطة للأحداث تكوينا خاصا بالنظر لخصوصيات الأحداث وطريقة التعامل معهم تراعى فيها أحدث الدراسات الاجتماعية والنفسية والقانونية والتربوية المتعلقة بالأحداث مع الاستعانة بالخبرات الأجنبية في هذا المجال.
وتجدر الإشارة إلى أن التنصيص على إحداث ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث في المادة 19 من ق.م.ج لا يعني أن محاضر الشرطة المحررة بمناسبة جرائم الأحداث لا تكون صحيحة إلا إذا حررت ووقعت من طرف ضابط شرطة قضائية مكلف بالأحداث بل على العكس من ذلك تكون صحيحة ولها حجيتها القانونية في الإثبات طبقا لمقتضيات المادة 290 من ق.م.ج ذلك أنه قد يرتكب حدث جريمة وتضبط من طرف ضابط شرطة قضائية غير مكلف بالأحداث ومع ذلك فإن إنجازه لمحضر في القضية يكسبها حجيته وقوته الاثباتية وتتميز مسطرة معالجة جرائم الأحداث على مستوى البحث التمهيدي بما يلي:
أولا: عدم إمكانية وضع الحدث الجانح تحت الحراسة النظرية إلا استثناءا:
نصت المادة 460 من ق.م.ج على أنه :“يمكن دون المساس بمقتضيات المادة 470 الآتية بعده، لضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث أن يحتفظ بالحدث المنسوب إليه الجرم في مكان مخصص للأحداث لمدة لا يمكن أن تتجاوز المدة المحددة للحراسة النظرية. وعلية أن يتخذ كل التدابير لتفادي إيذائه.
لا يعمل بهذا الإجراء إلا إذا تعذر تسليم الحدث لمن يتولى رعايته أو كانت ضرورة البحث أو سلامة الحدث تقتضي ذلك، وبعد موافقة النيابة العامة…”
ومعلوم أن مدة الحراسة النظرية طبقا لمقتضيات المادة 80 من ق.م.ج محددة في ثمانية وأربعين ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة أربع وعشرين ساعة بإذن كتابي من وكيل الملك أو الوكيل العام للملك. ونظرا لوضعية الحدث الجانح وخصوصيته فإن المشرع المغربي في المادة 460 من ق.م.ج نص صراحة على أنه “لا يمكن أن تتجاوز المدة المحددة للحراسة النظرية” وعليه فإن مدة وضع الحدث في الحراسة النظرية لا يمكن أن تتعدى ثمانية وأربعين ساعة، بخلاف الرشداء والتي قد تتجاوز فترة وضعهم تحت الحراسة النظرية 48 ساعة يمكن تمديدها لمدة أربع وعشرين ساعة بإذن كتابي من النيابة العامة.
ونظرا لخصوصية وضع الأحداث تحت الحراسة النظرية جرى العمل القضائي على مستوى النيابة العامة على استعمال بدل مصطلح المراقبة النظرية كلما تعلق الأمر بحدث بدل الحراسة النظرية تميزا له عن وضعية الراشدين.
غير أن إخضاع الحدث الجانح لإجراء الحراسة المراقبة النظرية مشروط بتعذر تسليم الحدث لمن يتولى رعايته أو كانت ضرورة البحث أو سلامة الحدث تقتضي ذلك وبعد موافقة النيابة العامة حسبما تنص على ذلك المادة 460 من ق.م.ج كما أن هذا الإجراء مشروط بوضع الحدث بمكان خاص بالأحداث بمخافر الشرطة واتخاذ جميع التدابير الرامية لحمايته وتفاذي إيذائه.
وعلى المستوى العملي غالبا ما تستغني النيابة العامة عن إخضاع الأحداث تحت الحراسة /المراقبة النظرية كلما أمكن التعرف على أسرته بحيث يسلم الحدث لعائلته على أساس تقديمه إلى النيابة العامة في حالة سراح.
ثانيا: إمكانية إخضاع الحدث الجانح لنظام الحراسة المؤقتة خلال فترة البحث التمهيدي:
أتاح المشرع المغربي بصريح المادة 460 من ق.م.ج للنيابة العامة أن تأمر بصفة استثنائية بإخضاع الحدث خلال فترة البحث التمهيدي لنظام الحراسة المؤقتة المنصوص عليها في المادة 471 ق.م.ج إن كانت ضرورة الحدث أو سلامته تقتضي ذلك على أن لا تتجاوز مدة التدبير المأمور به خمسة عشر يوما.
ثالثا: ضرورة إشعار ولي الحدث أو كافله أو حاضنه أو الشخص أو المؤسسة المعهود إليها برعايته بالإجراء المتخذ في حقه انسجاما مع منطوق الفقرة الرابعة من المادة 460 من ق.م.ج.
المـطـلب الثانـي:
التـحـقـيـق الإعـدادي
يتمثل الشق الثاني من مرحلة ما قبل المحاكمة في التحقيق الإعدادي والذي يمكن تعريفه في قضايا الأحداث بأنه: مجموعة التحريات التي يقوم بها قاضي الأحداث (على مستوى محكمة الابتدائية) أو المستشار المكلف بالأحداث (على مستوى محكمة الاستئناف) ويسعى من ورائها إلى تمحيص الأدلة والحجج واستكمال ما تبقى منها وتقرير ما إذا كانت تلك الأدلة كافية لإحالة القضية على هيئة الحكم.
وانسجاما مع المادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل سيما الفقرتين 3 و5 أعطى قانون المسطرة الجنائية لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث الصلاحية المخولة لقضاة التحقيق ومكنهما من إجراء أبحاث يمكن على ضوئها تحديد التدابير الواجب إتخاذها لضمان حماية الحدث وإنقاذه.
وقد نصت المادة 470 من ق.م.ج على أن وكيل الملك إذا ارتأى ضرورة إجراء تحقيق في القضية فإنه يحيلها على قاضي الأحداث وتطبق في هذه الحالة المسطرة المقررة في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي مع مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في الكتاب الثالث من ق.م.ج المتعلق بالأحداث غير أن ما تتميز به مسطرة التحقيق الإعدادي في قضايا الأحداث من طرف قاضي الأحداث هو ضرورة قيامه ببحث اجتماعي لتحديد التدابير الواجب اتخاذها لضمان حماية الحدث وإنقاذه (المادة 474 من ق.م.ج).
وكذا عدم إمكانية إيداع الحدث الذي لم يبلغ 12 سنة كاملة ولو بصفة مؤقتة بمؤسسة سجنية مهما كان نوع الجريمة. كما أن الحدث الذي يتراوح عمره بين 12 و18 سنة لا يمكن إيداعه في مؤسسة سجنية إلا إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري أو استحال اتخاذ أي تدبير آخر وفي هذه الحالة يحتفظ بالحدث في جناح خاص بالأحداث معزول عن أماكن وضع الرشداء ويبقى الحدث على انفراد أثناء الليل حسب الإمكان (المادة 473 من ق.م.ج).
ويمكن لقاضي الأحداث إصدار أمر بإخضاع الحدث لواحد أو أكثر من تدابير نظام الحراسة المؤقتة وذلك بتسليمه لإحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 471 من ق.م.ج.
هذا على مستوى المحكمة الابتدائية، أما على مستوى المحكمة الاستئنافية فإنه إذا كانت الأفعال المنسوبة للحدث تكتسي صبغة جنائية فإن المستشار المكلف بالأحداث بعد قيامه بالبحث المنصوص عليه في المادة 474 من ق.م.ج يجري تحقيقا في القضية حسب الكيفيات المقررة في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي.
فإذا ارتأى أن الأفعال لا تقع أو لم تعد واقعة تحت طائلة القانون الجنائي أو تبين له عدم توفر قرائن قوية ضد الحدث فإنه يصدر أمرا بعدم المتابعة. وإذا ارتأى أن الأفعال تشكل جنحة أو مخالفة أحال الحدث على المحكمة الابتدائية المختصة وبث عند الاقتضاء في استمرار التدابير المشار إليها في المادة 486 من ق.م.ج.
وتتجلى الحماية القانونية للأحداث في هذه المرحلة في كون المستشار المكلف بالأحداث يمكنه طبقا للمادة 486 من ق.م.ج إخضاع الحدث الجانح لنظام الحراسة المؤقتة المنصوص عليها في المادة 471 من ق.م.ج أو لواحد أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 481 من ق.م.ج وذلك بعد إجراء بحث اجتماعي عن الحدث.
من هنا تتجلى رعاية القانون المغربي للحدث الجانح حيث أوجد مسطرة تأخذ بعين الاعتبار مصلحته الفضلى وتقوم على تقويم سلوكه وتحسين تربيته وتهذيبه وأوجد لذلك آليات وأساليب متعددة منها نظام الحراسة المؤقتة وتدابير الحماية والتهذيب ونظام الحرية والتي تهدف في مجموعها إلى بلوغ غاية وحيدة وتحقيق مطلب سام هو حماية الحدث من الانحراف وتقويم سلوكه وإعادة إدماجه في المجتمع.
المبحث الثاني:
آليات معالجة جنوح الأحداث على مستوى مرحلة المحاكمة
تبتدئ مرحلة المحاكمة بتحريك الدعوى العمومية ويمارسها طبقا للمادة 463 من ق.م.ج([6]) عند إجراء متابعة في الجنح والمخالفات التي يرتكبها أحداث وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المنتصب في دائرتها قاضي الأحداث المختص ويمارسها الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في الجنايات والجنح المرتبطة بها المقترفة من طرف الأحداث.
وتطبيقا للمادة 463 من ق.م.ج فإن النيابة العامة وحدها المؤهلة لمتابعة الحدث وتحريك الدعوى العمومية، ومن ثم لا يمكن في أي حال من الأحوال تحريك الدعوى العمومية من قبل الطرف المدني عن طريق الشكاية المباشرة وذلك بصريح الفقرة الثالثة من المادة 463 من ق.م.ج التي نصت على أنه :“لا يمكن إقامة الدعوى العمومية في حق حدث من قبل الطرف المدني”.
وحماية للأحداث أتاح المشرع المغربي للنيابة العامة إجراء صلح في الجنح التي يرتكبها أحداث (المادة 41 من ق.م.ج) وكذا المطالبة بإيقاف البت في الدعوى المرفوعة ضد الحدث في حالة سحب الشكاية أو تنازل المتضرر (المادة 461 من ق.م.ج).
وتتجلى الحماية التشريعية للأحداث في كون النيابة العامة ملزمة طبقا للمادة 461 من ق.م.ج فصل القضية المتعلقة بالحدث إذا وجد معه مساهمون أو مشاركون رشداء بحيث تكون ملفا خاصا للحدث الذي تحيله على قاضي الأحداث أو إلى المستشار المكلف بالأحداث.
وانسجاما مع مقتضيات المادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل أحدث المشرع المغربي سبع هيئات قضائية مكلفة بالأحداث حيث نصت المادة 462 من ق.م.ج على أنه :” مع مراعاة الاختصاصات المخولة لبعض المحاكم بمقتضى نصوص خاصة، فإن الهيئات المكلفة بالأحداث هي:
1- بالنسبة للمحكمة الابتدائية:
أ) قاضي الأحداث
ب) غرفة الأحداث
2- بالنسبة لمحكمة الاستئناف
أ) المستشار المكلف بالأحداث
ب) الغرفة الجنحية للأحداث
ج) غرفة الجنح الاستئنافية للأحداث
د) غرفة الجنايات للأحداث
ه) غرفة الجنايات الاستئنافية للأحداث…”
ومادام أن إجراءات محاكمة الأحداث تختلف حسب نوعية الجريمة المقترفة من مخالفات وجنح وجنايات فإننا سوف نتناول ذلك عبر ثلاث مطالب:
المطلب الأول:
محاكمة الأحداث الجانحين في قضايا المخالفات.
يختص طبقا للمادة 468 من ق.م.ج قاضي الأحداث بالمحكمة الابتدائية بالبت وفقا للمواد 375 إلى 382 والفقرة السادسة من المادة 384 من ق.م.ج في قضايا المخالفات المنسوبة إلى الحدث البالغ من العمر ما بين إثنتي عشرة سنة وثمان عشرة سنة.
وفي حالة ثبوت المخالفة يمكن للقاضي أن يقتصر إما على توبيخ الحدث أو الحكم بالغرامة المنصوص عليها قانونا.غير إنه لا يتخذ في حق الحدث الذي لم يبلغ الثانية عشرة من عمره سوى التسليم لأبويه أو حاضنة أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المعهود إليها برعايته.
ومن أهم المستجدات التشريعية في هذا المجال ما أتاحه المشرع المغربي لقاضي الأحداث لدى المحكمة الابتدائية طبقا للمادة 512 من ق.م.ج وبناء على ملتمس النيابة العامة أن يتخذ لفائدة الحدث الموجود في وضعية صعبة أي تدبير يراه كفيلا بحمايته من بين التدابير المنصوص عليها في البنود 1 و3 و4 و5 و6 من المادة 471 من ق.م.ج([7]). وإذا رأى قاضي الأحداث أن حالة الحدث الصعبة أو النفسانية أو سلوكه العام تستوجب فحصا عميقا أمر بإيداعه مؤقتا لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بمركز مقبول مؤهل لذلك (المادة 514 من ق.م.ج). وتعتبر هذه المستجدات حلا ناجعا لمعالجة وضعية الأطفال في وضعية صعبة كأطفال الشوارع التي ما فتئت تستفحل ببلادنا.
المطلب الثاني:
محاكمة الأحداث الجانحين في قضايا الجنح.
يختص قاضي الأحداث طبقا للمادة 470 من ق.م.ج في الجنح التي تعادل عقوبتها أو تقل عن سنتين حسبا ويبت قاضي الأحداث تحت طائلة البطلان بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط.
ويمكن لقاضي الأحداث في الجنح أن يصدر أمرا يخضع بمقتضاه الحدث لواحد أو أكثر من تدابير النظام الحراسة المؤقتة بتسليمه لأحد الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 471 من ق.م.ج.
وإذا رأى قاضي الأحداث أن حالة الحدث الصحية أو النفسانية أو سلوكه العام تستوجب فحصا عميقا، فيمكنه أن يأمر بإيداعه مؤقتا لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بمركز مقبول مؤهل لذلك (المادة 471 من ق.م.ج). كما يمكن إن اقتضى الحال أن يباشر التدابير السابقة تحت نظام الحرية المحروسة ويكون الأمر الذي يبت في التدابير المؤقتة المشار إليها أعلاه قابلة للإلغاء وقابلة كذلك للاستئناف أمام الغرفة الجنحية للأحداث بمحكمة الاستئناف.
أما بالنسبة للجنح التي تتجاوز عقوبتها سنتين حبسا فتختص بالبت فيها غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية وتتألف طبقا للمادة 477 من ق.م.ج تحت طائلة البطلان من قاض للأحداث بصفته رئيسا ومن قاضيين اثنين وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط.
وتتميز محاكمة الأحداث أمام غرفة الأحداث بالخصوصيات التالية:
– سرية الجلسات:
خلافا لما عليه الأمر في جلسات محاكمة الراشدين المتميزة بالعلانية، فإن محاكمة الأحداث تتسم بالسرية ويتعين على الحدث الحضور بنفسه متؤازرا بممثله القانوني ومحاميه عند الاقتضاء ويجري الاستماع إلى الشهود إن اقتضى الحال حسب الإجراءات العادية ولا يقبل الحضور في المناقشات عدا الشهود والأقارب والوصي أو المقدم أو الكافل أو الحاضن أو الممثل القانوني للحدث أو الشخص أو الهيئة المكلفة برعايته وأعضاء هيئة المحاماة والمندوبون المكلفون بنظام الحرية المحروسة والقضاء والطرف المدني([8]).
ونظرا لما يتميز به الحدث من نفسية هشة وسرعة في التأثر فقد خول المشرع طبقا للمادة 479 من ق.م.ج لغرفة الأحداث أن تأمر في أي وقت وإن خلال موعد انعقاد الجلسات بانسحاب الحدث طيلة المناقشات كلها أو بعضها وذلك إذا تبين أن هذه المناقشات سوف تكون لها انعكاسات سلبية على مستقبل الحدث.
– ضرورة تعيين محام للدفاع عن الحدث:
حيث نصت المادة 475 من ق.م.ج في فقرتها الثانية على أنه :”إذا لم يختر الحدث أو ممثله القانوني محاميا، فيعينه له قاضي الأحداث تلقائيا أو يدعو نقيب المحامين لتعيينه”.
– ضرورة إيقاف البث في قضية الحدث المتابع عن نفس الأفعال وفي نفس القضية مع متهمين رشداء وكان قد تم فصل قضية الرشداء عن القضية المتعلقة بالحدث ما لم يتعارض ذلك مع مصلحة الحدث طبقا لما قررته المادة 476 من ق.م.ج.
وإذا تبين من خلال مناقشة القضية أن الأفعال تكون لها صفة جنحة وأنها ثابتة في حق الحدث فإن غرفة الأحداث تتخذ التدابير التالية حسب الحالات:
1- إذا كان عمر الحدث يقل عن 12 سنة كاملة، فإن المحكمة تنبهه وتسلمه بعد ذلك إلى أبويه أو وصيه أو المقدم عليه أو حاضنه أو كافله أو المكلف برعايته([9]) كما يمكن لغرفة الأحداث الأمر علاوة على ذلك بوضع الحدث تحت نظام الحرية المحروسة بصفة مؤقتة أو بصفة نهائية إلى أن يبلغ الحدث سنا لا يمكن أن يتجاوز 18 سنة.
2- إذا كان الحدث يتجاوز عمره 12 سنة، يمكن أن يطبق في حقه إما تدبيرا أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 481 من ق.م.ج وإحدى العقوبات المقررة في المادة 482 من ق.م.ج أو تكمل هذه العقوبات بواحد أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب.
غير أن ما تجدر الإشارة إليه في هذا الباب ما نصت عليه المادة 462 من ق.م.ج في فقرتها الأخيرة أنه:”لا يمكن تحت طائلة البطلان لأي قاض أو مستشار عين أو انتدب أو كلف بصفة مؤقتة أن يشارك في الحكم في قضايا سبق له أن مارس فيها التحقيق الخاص بالأحداث.
لا يمكن لقضاة غرفة الأحداث أن يشاركوا في الحكم في قضية سبق لهم البت في موضوعها.”
ذلك أنه قد يكون قاضي الأحداث مارس مهامه كقاضي تحقيق في إطار مسطرة التحقيق الإعدادي وتطبيقا للمادة 462 أعلاه لا يمكنه أن يشارك في هيئة الحكم التي تبث في القضية التي سبق أن مارس فيها التحقيق.
وقد يطرح هذا إشكالا في المحكمة الابتدائية التي عين بها قاض واحد للأحداث بحيث أنه في هذه الحالة يتعين على رئيس المحكمة أن يعين قاض يقوم مقام قاض الأحداث بصفة مؤقتة بعد استشارة وكيل الملك تطبيقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 467 من ق.م.ج التي نصت على أنه :”في حالة حدوث عائق يمنع قاض الأحداث من القيام بمهامه، يكلف رئيس المحكمة الابتدائية من يقوم مقامه بصفة مؤقته بعد استشارة وكيل الملك. وتجدر الإشارة إلى أن الأحكام الصادرة عن غرفة الأحداث تنفذ رغم كل طعن ويكون الأمر الذي يبت في التدابير المؤقته قابلا للاستئناف أمام الغرفة الجنحية للأحداث بمحكمة الاستئناف([10]).
المـطلـب الثـالــث:
محاكمة الأحداث الجانحين في القضايا الجنائية
أحدث المشرع المغربي بمقتضى المادة 490 من ق.م.ج غرفة للجنايات خاصة بالأحداث لدى كل محكمة استئناف، وتتألف من مستشار للأحداث بوصفه رئيسا ومن مستشارين اثنين وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط، وتختص بالنظر في الجنايات والجنح المرتبطة بها المنسوبة للأحداث وتبث الغرفة في القضايا المحالة عليها في جلسة سرية، وإذا تبين من خلال المناقشات أن الأفعال ثابتة في حق الحدث يمكن أن تصدر في حقه ما يلي:
– تدبير أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 487 من ق.م.ج أو تكمل هذه التدابير أو تعوضها بالنسبة للأحداث الذين يتجاوز سنهم 12 سنة بعقوبة من العقوبات المنصوص عليها في المادة 482 من ق.م.ج([11]).
– إذا كانت العقوبة الأصلية المقررة للجريمة هي الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة ثلاثين سنة، فإن الغرفة تستبد لها بعقوبة تتراوح بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة سجنا، وهو ما ينسجم مع مقتضيات المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل سيما الفقرة الأولى نبذة –أ- حيث نصت على أنه :” تكفل الدول الأطراف: أ) ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية.
ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة سبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثمانية عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم”.
وتكون قرارات غرفة الجنايات للأحداث قابلة للطعن بالاستئناف أمام غرفة الجنايات الاستئنافية للأحداث([12]) وهو ما يحقق مبدأ التقاضي على درجتين في القضايا الجنائية المنسوبة للأحداث.
وهو ما يتلائم مع ما نصت عليه المادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل النبذة(3) حيث نصت على أنه :”…(3) قيام سلطة أو هيئة قضائية مختصة ومستقلة ونزيهة بالفصل في دعواه دون تأخير في محاكمة عادلة وفقا للقانون، بحضور مستشار قانوني أو بمساعدة مناسبة أخرى وبحضور والديه أو الأوصياء القانونيين عليه، ما لم يعتبر أن ذلك في غير مصلحة الطفل الفضلى، ولا سيما إذا أخذ في الحسبان سنه أو حالته”.
من خلال دراستنا لهذه المبحث يتبين الأهمية التي منحها المشرع للأحداث الجانحين بحيث أنشأ هيئات قضائية خاصة بالنظر في قضايا الأحداث يرأسها وجوبا قاض مكلف بالأحداث، وعلى غرار ذلك أو كل لوكيل الملك وللوكيل العام الملك تعيين قاض للنيابة العامة الذي يضطلع بمهام الأحداث. كما أسند حق رعاية الصلح في الجنح التي يرتكبها أحداث للنيابة العامة والتي أصبح بإمكانها المطالبة أيضا بإيقاف البت في الدعوى المرفوعة ضد حدث في حالة تنازل المتضرر أو سحب الشكاية. غير أن من شأن إعداد قضاة متخصصين في قضايا الأحداث أن يعزز أكثر حماية الأحداث الجانحين، ويحقق عدالة أكثر فعالية في حماية الحدث من الانحراف وتقويم سلوكه وإعادة إدماجه في المجتمع.
المبـحــث الثـالــث:
معالجة جنوح الأحداث على مستوى مرحلة ما بعد المحاكمة
سوف نتعرض في هذا المبحث لدور الهيئات والمؤسسات المهتمة برعاية الجانحين الأحداث في مطلب أول على أن نتعرض للمقتضيات الخاصة بتنفيذ الأحكام الصادرة بمؤاخذة الأحداث في مطلب ثان.
المطــلــب الأول:
دور المؤسسات الإصلاحية في معالجة الأحداث الجانحين وإعادة إدماجهم
يقوم دور المؤسسات المهتمة برعاية الجانحين الأحداث حاليا في إصلاح وتأهيل الأحداث المنحرفين على ركائز ثلاثة يمكن تحديدها على النحو التالي ([13]):
1-فردية العلاج:
ذلك أنه من المتفق عليه اليوم أن لكل حالة انحرافية مسبباتها المستقلة التي يقتضي بحثها بحثا فرديا حتى يمكن الكشف عن الدوافع التي قادت إلى ظهور السلوك المنحرف للحدث الجانح.
2-اختيار طريقة العلاج:
إن تفريد العلاج الذي أشرنا إليه يحتاج في مجال التنفيذ إلى اختيار طريقة علاج لكل حالة إنحرافية، وهذه الطريقة يجب أن تختار على أساس شخصي وليس على مقومات موضوعية.
3-واقعية العلاج:
وهذه الفكرة تتمثل في كون العلاج يجب أن يستهدف إعادة الحدث إلى المجتمع الذي يعيش فيه لمواجهة سلبياته وإيجابياته. وأهم المؤسسات الإصلاحية الرسمية ببلادنا هي مراكز حماية الطفولة التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة والتي يقدر عددها ب 15 مركزا موزعا على مختلف جهات المملكة، معدة لاستقبال الأحداث الجانحين المحالين عليها من السلطات القضائية المختصة بهدف رعايتهم وإعادة تربيتهم وتمكينهم من تأهيل مدرسي ومهني يشمل عدة مجالات وتنقسم مراكز حماية الطفولة إلى ثلاثة أصناف([14]):
1-الصنف الأول: مراكز أو فروع الملاحظة:
تستقبل هذه المؤسسات الأحداث الجانحين لدراسة أوضاعهم وسلوكهم ثم توجيههم. حيث يودع بها الأحداث لمدة تتراوح ما بين ثلاثة أسابيع وثلاثة أشهر حسب الحالة، ليوجهوا بعد ذلك إلى وسطهم العائلي أو إلى مركز إعادة التربية أو إلى مؤسسات أخرى مختصة. ويهدف نشاطها إلى جمع المعلومات المتعلقة بالوسط العائلي والاجتماعي الذي عاش فيه الحدث وسماته السلوكية قبل التحاقه بالمؤسسة ودراسة شخصيته واستعداداته وميولاته المهنية. وعلى ضوء الدراسة تقدم مشاريع توجيه الحدث إلى المؤسسة الكفيلة بإصلاحه.
2-الصنف الثاني: مراكز وفروع إعادة التربية:
يودع بهذه المؤسسات الأحداث الذين تبين من خلال، إقامتهم بمركز الملاحظة أنهم في حاجة إلى تقويم السلوك والإصلاح، وتستغرق مدة الإقامة بها من سنة إلى ثلاثة سنوات.
ويستهدف نشاطها إلى تقويم سلوك الحدث وتقوية شخصيته وتمكينه من مقومات العيش في المجتمع.
3-الصنف الثالث: أندية العمل الاجتماعي:
وتتميز هذه المؤسسات بحياة نصف داخلية، يحال عليها الأحداث من أجل متابعة دراستهم الثانوية خارج المؤسسات، أو العمل بإحدى مرافق الشغل وتحدد مدة الإقامة بها من ستة أشهر إلى سنة وتهدف نشاطها إلى تربية الحدث على حل مشاكله اليومية بنفسه وضمان استقراره كما تتوفر مراكز الطفولة على نظام عمل في الوسط المفتوح، يعنى بتقديم خدمات تربوية واجتماعية للأحداث الذين غادروا مراكز حماية الطفولة ولا زالوا في حاجة إلى الرعاية.
وتضطلع بهذه الخدمات أطر مختصة تتمثل في الباحثات العائليات والمندوبين الدائمين للحرية المحروسة والرعاية اللاحقة، ويضم هذا النظام التربوي ما يلي:
أ- نظام الحرية المحروسة([15]):
يحال عليه الأحداث بتدبير قضائي طبقا لمقتضيات إعادة 481 من ق.م.ج حيث يعهد في دائرة كل محكمة استئناف إلى مندوبين دائمين وإلى مندوبين متطوعين بالإشراف والتتبع التربوي للأحداث.
ويعين مندوب لرعاية كل حدث إما بأمر قضائي من قاضي الأحداث لدى المحكمة الابتدائية وإما بأمر صادر عن المستشار المكلف بالأحداث بمحكمة الاستئنافية، أو بمقرر صادر عن إحدى الهيئات القضائية المشار إليها في المادة 462 من ق.م.ج وتناط بالمندوب مهمة العمل على تجنيب الحدث كل عود إلى الجريمة واقتراح كل تدبير مفيد لإعادة تربيته([16]).
ويرفع المندوب إلى القاضي أو الهيئة التي عينته تقريرا عن مهمته كل ثلاثة أشهر، وعلاوة على ذلك يتعين عليه أن يرفع إلى القاضي أو الهيئة المذكورين تقريرا فوريا عما يعترضه من عراقيل تحول دون قيامه بمهمته([17]).
ب-نظام الرعاية اللاحقة:
يعنى بالأحداث الذين سبق لهم الاستفادة من خدمات مؤسسات حماية الطفولة وفروع العمل في الوسط الطبيعي والذين يحتاجون بعد مغادرتهم لهذه المؤسسات إلى مزيد من الرعاية والمساعدة التي ترتبط أساسا بالجوانب الصحية والتربوية والاجتماعية للحدث، وقد كشفت الممارسة العملية العديد من المشاكل التي تعترض مسيرة قاضي الأحداث منها:
* غياب ممثلي ومندوبي الحرية المحروسة وممثلي مراكز إعادة التربية والباحثات الاجتماعيات:
ذلك أن هؤلاء الأشخاص الذين يعتمد عليهم في السهر على تنفيذ الأحكام الصادرة عن قضاء الأحداث والذين عينوا لكي يكونوا في عون قاضي الأحداث ولكي يقربوا الصورة أكثر منه حتى يستطيع أن يتعامل مع الحدث بشكل واقعي أكثر منه قانوني، يفاجئ القاضي بغياب هؤلاء من جهة وخلو الملفات من تقاريرهم مما يقيد القاضي عند اتخاذ أي إجراء في حق الحدث([18]).
* عدم توفر مراكز إعادة التربية أو التأهيل المهني على التجهيزات الضرورية، بحيث أن الحدث لا ينسجم مع وضعه الجديد وسرعان ما يعمل جاهدا على مغادرة المركز التربوي، خصوصا وأن زملاءه من الأحداث والذين سبقوه يهيؤون له الجو المناسب للفرار من المركز. ومن نتاج مشاكل الفرار إثقال كاهل المحكمة بملفات تتعلق بنفس الأحداث الذين اتخذت في حقهم قرارات بالإيداع وفروا من المراكز المودعين بها وأعيدت محاكمتهم وتكرر فرارهم لعدة مرات، فيجد قاض الأحداث نفسه يدور في حلقة مفرغة([19]).
* عدم وجود مراكز إصلاحية خاصة بالبنات إذا استثنينا مركزي حماية الطفولة عبد السلام بناني بالدار البيضاء ومركز حماية الطفولة الزيات بفاس. مما يطرح مشكل النقل وانقطاع الاتصال بين البنت وأسرتها([20]).
* عدم وجود مراكز إصلاحية خاصة بالأحداث الذين يعانون من أمراض عقلية مما يضطر معه القاضي إلى إبداع الحدث بالمستشفيات العمومية للأمراض العقلية الخاصة بالراشدين مما يؤثر على نفسية الحدث ويزيد من تدهور حالته([21]).
المطلب الثاني:
الأحكام الخاصة بتنفيذ الأحكام الصادرة في حق الأحداث الجانحين.
أقر المشرع المغربي قواعد خاصة لتنفيذ الأحكام الصادرة عن الهيئات القضائية المختصة بالأحداث تستهدف في مجملها عدم تأثيرها على المستقبل المهني للأحداث في حق الأحداث تسجل في سجل خاص يمسكه كاتب الضبط ولا يكون في متناول العموم، وتضمن في السجل العدلي المقررات المحتوية على تدابير الحماية أو التهذيب غير أنه لا يشار إليها إلا في البطائق رقم 2 المسلمة للقضاة وللمصلحة المكلفة بالحرية المحروسة باستثناء أية سلطة أو مصلحة عمومية أخرى.
وإذا تأكد تحسن في سيرة الحدث يمكن لقاضي الأحداث وبعد انصرام أجل ثلاث سنوات ابتداء من يوم انتهاء مدة تدبير الحماية أو التهذيب أن يأمر بإلغاء البطاقة رقم 1 التي تنص على التدبير المتخذ في حقه إما تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو من المقدم عليه أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته([22]).
وتعفى الأحكام الصادرة عن الهيئات القضائية للأحداث من واجبات التسجيل والتنبر، باستثناء ما يرجع منها للبث في الطلبات المدنية إن اقتضى الحال ذلك([23]).
خــــاتــمــــة:
من خلال دراستنا لهذا الموضوع، عبر هذه الصفحات، يتجلى بوضوح الحماية التشريعية للأحداث الجانحين في ظل القانون الجديد للمسطرة الجنائيــة رقم 01-22 بحيث لم يستهدف عقاب الأحداث عن جرائم إقترفوها بل توخى تقويم سلوكهم بقصد إعادة إدماجهم في المجتمع بل أكثر من ذلك يشمل بعنايته الأحداث الموجودين في وضعية صعبة كذلك. وقد سلك القانون الجديد في معالجته لقضايا الأحداث اعتماد مبادئ التكريم والعناية التي أقرتها الشريعة الإسلامية للطفل وأحكام الأوقاف والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب.
ولبلوغ هذا الهدف أحدث المشرع هيئات قضائية متخصصة للنظر في قضايا الأحداث يرأسها وجوبا قاض الأحداث، كما أقر المشرع حماية للأحداث مسطرة قانونية تأخذ بعين الاعتبار مصلحته الفضلى وتقوم على تقويم سلوكه وتحسين سيرته وتهذيبه وذلك بوضع آليات متعددة منها نظام الحراسة المؤقتة وتدابير الحماية والتهذيب ونظام الحرية المحروسة.
غير أن تطبيق هذه المقتضيات القانونية على المستوى العملي لن يتأتى له النجاح في ضمان وصيانة الأحداث الجانحين وإعادة إدماجهم إلا بتوفير الوسائل المادية والبشرية اللازمة من جهة، ومن جهة ثانية تطبيق توصيات لجنة التشريع التابعة للمرصد الوطني لحقوق الطفل المتمثلة في تأصيل وتطوير حماية الطفل للتمتع بكافة حقوقه في الصحة والتعليم والحماية من الاستغلال الاقتصادي ومن كل أشكال سوء المعاملة وخاصة ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال التي أصبحت تتفشى بشكل ملفت للنظر([24]).
الهوامش
([1]) وقد صادق عليها المغرب بتاريخ 19 مارس 1999 ودخلت حيز التنفيذ في 6 يناير 2001.
([2]) بتاريخ 25 ماي 1995 بالقنيطرة.
([3]) نصت المادة 458 من قانون المسطرة الجنائية على أنه :” يتحدد سن الرشد الجنائي ببلوغ ثمان عشرة سنة ميلادية كاملة. يعتبر الحدث إلى غاية بلوغه سن إثنتي عشرة سنة غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه.
يعتبر الحدث الذي يتجاوز سن اثنتي عشرة سنة وإلى غاية بلوغه ثمان عشرة سنة مسؤولا مسؤولية ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه”
-وقد عرف المشرع المصري في قانون الأحداث رقم 31 لسنة 1974 في مادته الأولى الحدث بأنه :” يقصد بالحدث في حكم القانون من لم يتجاوز سنه ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكابه الجريمة أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف”.
([4])د. الحبيب بيهي، حماية حقوق الإنسان في مرحلة ما قبل المحاكمة على ضوء قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور بمجلة الاشعاع عدد:7.
([5]) د. أحمد الخميشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، مكتبة المعارف، الرباط، طبعة1، 1980، ص: 193.
([6]) تنص المادة 463 من ق.م.ج.
([7]) تنص المادة 513 من ق.م.ج على أن أنه :” يعتبر الحدث البالغ من العمر أقل من ست عشرة (16) سنة في وضعية صعبة، إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو تربيته معرضة للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق في الإجرام، أو إذا تمرد على سلطة أبوية أو حاضنه أو الوصي عليه، والمقدم عليه أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته، أو لكونه اعتاد الهروب من المؤسسة التي يتابع بها دراسته أو تكوينه، أو هجر مقر إقامته، أو لعدم توفره على مكان صالح يستقر فيه”.
-للاطلاع أكثر على وضعية الأطفال في وضعية صعبة راجع :” د. محمد الدريج، الأطفال في وضعية صعبة سلسلة المعرفة للجميع، مطبعة النجاح الجديدة، عدد 25، سنة 2002.
([8]) المادة 479 من ق.م.ج.
([9]) المادة 480 من ق.م.ج.
([10]) المادة 484 من ق.م.ج.
([11]) تنص المادة 482 من ق.م.ج على أنه :”يمكن لغرفة الأحداث بصفة استثنائية أن تعوض أو تكمل التدابير المنصوص عليها في المادة السابقة بعقوبة حبسية أو مالية بالنسبة للأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 18 سنة، إذا ارتأت أن ذلك ضروري نظرا لظروف أو لشخصية الحدث الجانح، وبشرط أن تعلل مقررها بخصوص هذه النقطة، وفي هذه الحالة، يخفض الحدان الأقصى والأدنى المنصوص عليهما في القانون إلى النصف…”
([12]) تنص المادة 494 من ق.م.ج في فقرتها الثانية على أنه :” تتكون غرفة الجنايات الاستئنافية للأحداث من مستشار للأحداث رئيسا ومن أربعة مستشارين وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط”.
([13]) راجع د. نشأت ابراهيم جنوح الأحداث، سلسلة الدفاع الاجتماعي، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 134 وما بعدها.
([14]) راجع للمزيد من الإطلاع د.محمد الدريج، الأطفال في وضعية صعبة، سلسلة المعرفة للجميع عدد 25، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء سنة 2002، ص: 183 وما بعدها.
([15]) راجع: ذ/ صقلي حسين محمد، حقوق الطفل في القانون المغربي، مقال منشور بمجلة الملحق القضائي، المعهد الوطني للدراسات القضائية بالرباط، عدد 15، أكتوبر 1985، ص: 161 وما بعدها.
([16]) المادة 497 من ق.م.ج.
([17]) المادة 498 من ق.م.ج.
([18]) للمزيد من الاطلاع راجع: ذ.أمينة زياد، الصعوبات والمشاكل التي تعترض قاضي الأحداث النظر في الدعاوي المعروضة عليه وعند تنفيذ الأحكام الصادرة من ، مقال منشور بمجلة الملحق القضائي الصادرة عن المعهد الوطني للدراسات القضائية بالرباط، عدد 29، مطبعة الامنية 1994، ص: 167.
([19]) ذ.أمينة زياد: مرجع سابق، ص: 168.
([20]) ذ.أمينة زياد، مرجع سابق، ص: 169 و170.
([21]) يراجع صقلي حسين محمد: حقوق الطفل في القانون المغربي، مرجع سابق، ص: 164.
([22]) المادة 507 من ق.م.ج.
([23]) المادة 509 من ق.م.ج
([24]) راجع للمزيد من الاطلاع: ذ.ناصر متيوي- ملائمة النصوص الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل: منهجية عمل –أولويات- اختيارات، مداخلة قدمت بمناسبة الندوة المنظمة من طرف كلية الحقوق بفاس بتعاون مع المرصد الوطني لحقوق الطفل في موضوع: الأسرة والطفولة تحديات ورهانات يومي 23 و24 نونبر 2000، وهو غير منشور.
اترك تعليقاً