يقصد بأسباب الاباحة رفع صفة الجريمة عن الفعل وصيرورته فعلاً مباحاً ومشروعاً اذا ارتكب في ظروف تنتفي فيها العلة من تجريمه بحسب طبائع الأشياء ، كما في رضاء المجني عليه في الأحوال والحدود التي يجوز له فيها التصرف في الحق الذي يحميه القانون جنائياً أو بمقتضى نص تشريعي يقرر اباحة الفعل كما في الدفاع الشرعي واستعمال السلطة أو في ضوء مبادئ النظام القانوني في مجمله كما في استعمال الحق . وهكذا يمكن حصر أسباب الاباحة في أربعة :
1- رضاء المجني عليه .
2- الدفاع الشرعي .
3- استعمال السلطة .
4- استعمال الحق .
وما يجمع بين هذه الأسباب هو خروج الفعل من دائرة التجريم ودخوله في دائرة الاباحة . ومن هنا ترتبط أسباب الاباحة بالركن الشرعي للجريمة اذ تعد في جوهرها نفياً لهذا الركن الشرعي . فكما أن المشرع يجرم الفعل ويعاقب على ارتكابه بمقتضي نص تشريعي وفقاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، فهذا المشرع نفسه يملك وبمقتضي نص تشريعي أيضاً أن يبيح الفعل ويعيده الى أصله من المشروعية . فالجريمة كما يرى البعض هي ثمرة شرطين أحدهما ايجابي يتمثل في نص التجريم والآخر سلبي يستخلص من انتفاء نص يقرر اباحة الفعل والعلة من الاباحة هي في بساطة انتفاء العلة من التجريم . فلئن كان المشرع يجرم الأفعال التي تضر أو تهدد بالأضرار حقاً أو مصلحة جديرة بالحماية ، فانه يقدر في بعض الحالات زوال مبرر هذا التجريم بما يستوجب اباحة الفعل وذلك لأحد سببين : أولهما انتفاء الضرر الذي كان يمكن أن يلحق بالحق أو المصلحة الجديرة بالحماية ، فمن يسلم ما يملكه الى غيره عن وعي واختيار يمنع من اعتبار هذا الغير سارقاً لأن رضاء صاحب الحق في هذه الحالة يعد سبباً صالحاً لاباحة الفعل الذي كان يمكن دون هذا الرضاء أن يعتبر جريمة سرقة . كما أن الطبيب الذي يعطى دواء لمريضه أو يمس بسلامة جسده أو يكشف عورته أو يتسبب في احداث عاهة له لا يعتبر مرتكباً لجرائم اعطاء المواد الضارة أو الايذاء أو هتك العرض أو احداث عاهة متي التزم بأصول مهنته وكان مرخصاً له مباشرتها لأن مزاولة المهن الطبية تمثل سبباً لاباحة ما قد يتمخض عنها من أفعال تشكل بحسب الأصل جرائم . فما قام به الطبيب في هذه الأمثلة كان بقصد العلاج .
ثانيهما رجحان الضرر الذي يلحق بمن توافر لديه سبب الاباحة على الضرر الذي يصيب المجني عليه . وأوضح مثال لذلك حالة الدفاع الشرعي اذ يعتدي شخص على نفس أو مال شخص آخر فلا يكون أمام المعتدي عليه سوى الدفاع في مواجهة المعتدي . فالمشرع هنا يفاضل بين حقين حق المعتدي وحق المعتدي عليه فلا يملك سوى حماية حق الثاني ولو بالتضحية بحق الأول لأن الضرر أو خطر الضرر الذي يلحق بالمعتدي عليه أولى بالانحياز له من الضرر الذي يلحق المعتدي . وهذا الحق الذي يرجحه المشرع على حق آخر قد لا يخص بالضرورة الفرد الذي توافر لديه سبب الاباحة بل قد يتعلق بحق المجتمع كله . ففي استعمال السلطة التي تبرر لمأمور السجن حبس شخص صدر حكم بحبسه أو تبرر لمأمور الضبط القبض على شخص أو تفتيش مسكنه بمقتضى اذن صادر بذلك عن السلطة المختصة انما يرجح المشرع حق أو مصلحة المجتمع بأسره في تنفيذ الأحكام والأوامر ولو كان ذلك على حساب حق أو مصلحة المجني عليه في الحرية أو النقل أو حرمة المسكن .
اترك تعليقاً