تتميز أسباب الاباحة عن موانع المسؤولية الجنائية من حيث الطبيعة والآثار المترتبة . فمن حيث طبيعة كل منهما يمكن القول ان أسباب الاباحة ذات طبيعة موضوعية أو عينية تلتصق بالفعل ذاته ، بينما لموانع المسؤولية طبيعة شخصية أو ذاتية تتعلق بشخص الفاعل . فأسباب الاباحة تتوافر اما لانتفاء الحق الجدير بالحماية أصلاً ، أو لرجحان حق الشخص الذي توافرت لديه الاباحة على حق المجني عليه ، وفي الحالتين فان تقدير اباحة الفعل انما يكون لاعتبارات لصيقة بالفعل ذاته ، وعلى خلاف ذلك موانع المسؤولية ، فهذه الأخيرة تتعلق بشخص الفاعل سواء من حيث انتفاء الوعي أو الارادة لديه . فينتفي الوعي لدى الشخص وتمتنع بالتالي مسؤوليته الجنائية في حالات صغر السن لأقل من سبع سنوات ، والجنون وما يلحق به من مرض نفسي والغيبوبة الناشئة عن فقدان الشعور الاضطراري. كما تنتفي ارادة الشخص في حالتي الاكراه والضرورة . ولاشك أن الوعي والارادة عنصران متعلقان بشخص الفاعل ولا صلة لهما بالفعل في جوانبه المادية . ولهذا يتوافر سبب الاباحة لدى الفاعل على الرغم من تمتعه بكامل الوعي والارادة ، مثل الطبيب الذي يمس بسلامة جسم المريض أثناء اجراء جراحة له .
وثمة آثار قانونية تترتب على التفرقة بين أسباب الاباحة وموانع المسؤولية ، يمكن ايجازها في أربعة : أولها أن أسباب الاباحة تعني رفع صفة الجريمة عن الفعل كليةً ، على نحو يعود فيه لأصله من المشروعية ، بينما يقتصر أثر موانع المسؤولية على عدم مساءلة الفاعل جنائياً وبالتالي عدم خضوعه للعقوبة المقررة ، لكن الفعل يبقى جريمة ويظل محتفظاً بصفته غير المشروعة . ويترتب على ذلك أن من توافر لديه سبب للاباحة لا يخضع لأي جزاء جنائي سواء كان عقوبة أم تدبيراً احترازياً . ولكن الممتنع مسؤوليته يعفى من الخضوع للعقوبة فقط ويظل ممكناً تطبيق أحد التدابير الاحترازية ضده .
ثانيها أن أسباب الاباحة تحول دون مساءلة الفاعل على أي نحو كان سواء كانت هذه المسؤولية جنائية أم مدنية ، فمتى عاد الفعل المشمول بالاباحة فعلاً مشروعاً من جديد فلا وجه لرفع دعوى جنائية هدفها توقيع العقوبة ، ولا دعوى مدنية هدفها الالزام بتعويض الضرر الناشئ عن الفعل . أما موانع المسؤولية فأثرها قاصر على امتناع رفع الدعوى الجنائية ضد الفاعل كالمجنون وصغير السن والمضطر والمكره ، لكن يظل جائزاً رفع الدعوى المدنية بالتعويض ضد أي من هؤلاء لأن ما صدر عنهم من فعل لازال معتبراً جريمة .
ثالثها أن أسباب الاباحة بالنظر لطبيعتها الموضوعية أو العينية يستفيد منها كل من ساهم في الفعل المشمول بها كأصل عام ، بينما تقتصر الاستفادة من موانع المسؤولية ذات الطبيعة الشخصية على من توافرت في حقه فقط دون سواه ممن ساهم في الفعل . فيجوز ملاحقة من حرض أو ساعد المجنون أو صغير السن على ارتكاب الجريمة ، وليس له أن يستفيد من مانع المسؤولية .
رابعها أنه لا يجوز اللجوء الى الدفاع الشرعي ضد رجل الضبط الذي يقوم بالقبض على شخص أو تفتيش منزله بمقتضى أمر صادر عن السلطة المختصة ، كما يمتنع الدفاع الشرعي ضد فعل يعد بذاته من قبيل الدفاع الشرعي . وعلى خلاف ذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد فعل اجرامي صادر عن مجنون ، أو عن شخص تقل سنه عن سبع سنوات .
اترك تعليقاً