أسباب عدم تقنين القانون الإداري بالعراق
يجمع الفقه الاداري على ان القانون الاداري قانون غير مقنن، بل أن المحاولات التي جرت لتقنين هذا القانون في فرنسا ومصر قد أصطدمت بعقبات فنية وموضوعية ، ومع ذلك يرى هذا الفقه أن عدم تقنين هذا القانون في مجموعة واحدة شاملة لم يستبعد وجود بعض التقنينات الجزئية في بعض مجالات وموضوعات القانون الاداري كقانون الوظيفة العامة وقانون الهيئات المحلية وقانون اموال الدولة…الخ. ويعزو الفقه الاداري أسباب عدم التقنين الى مايلي:”1″
1- أن حداثة القانون الاداري تحول دون مثل هذا التقنين. حيث يتفق الفقه الاداري على أن القانون الاداري حديث ألنشأة وأن نظرياته ومبادئه تبلورت وترسخت في عهد قريب جدا في بداية القرن العشرين. لهذا اعتبر هذا القانون حديثا بالمقارنة مع القانون المدني والقانون التجاري اللذين تمتد جذورهما التاريخية الى حقبة زمنية قديمة جدا. “2”
2- أن القانون الاداري سريع التطور نظرا لأرتباطه بالحياة الادارية التي تتسم بالتغيّر السريع وفقا لمتطلبات التطور الاقتصادي والأجتماعي والسياسي. لذلك فأن التقنين يحول دون ملاحقة تلك المتغيّرات ألسريعة في الظروف ويجعل القواعد القانونية متخلفة عن مواكبة التطور الذي يطرأ على الحياة الأدارية وتصبح غير مجدية للعمل الأداري في الدولة .
3- أن حتميّة الدور الأنشائي للقاضي الاداري تحول دون تقنين القانون الاداري الذي يعتبر وليد هذا القاضي الذي يجب أن تبقى له الحرية في خلق وإبتكار القواعد والمبادئ التي تجدد وتطور القانون الاداري وفقا لمتطلبات التطور في حياة الادارة والدولة.
4- أن القانون الاداري بإعتباره يستهدف تحقيق التوازن بين المصلحة العامة وضرورة حماية حقوق وحريات الأفراد ، وبقصد تحقيق هذه الغاية لابد من أن تكون لدى القاضي الاداري القدرة القانونية على إبتكار المبادئ القانونية التي تحقق مثل هذا التوازن ، أما إذا تم تقنين هذا القانون فأن سلطة هذا القاضي ستكون مقيّدة الى حد كبير يجعلها غير قادرة على تحقيق غاية القانون الاداري في هذا المجال”3″.
وفي الواقع يجب أن نشير الى أن تلك التشريعات الجزئية لايمكن أن تشكل ، بأي حال من الاحوال، تقنينا بالمعنى الفني للكلمة لأنها تقتصر على معالجة حالات معيّنة وجزئية وهي لاتتضمن مبادئ قانونية تحكم روابط وعلاقات الأدارة”4″ ، ولايمكن أن تشكل في مجموعها فرعا قانونيا مستقلا لأنها لاتحتوي على عناصر قانونية مشتركة يتكوّن من إجتماعها نظاما قانونيا .
أما تلك الأسباب التي أوردها الفقه الاداري والتي يرى فيها عاملا مانعا لتقنين القانون الاداري فأنها لاتسلم من النقد، إذ أن ألأستناد على النشأة الحديثة لهذا القانون لتبرير عدم التقنين لايمكن أن تتفق مع المنطق، حيث يوجد عدد كبير من التشريعات والتقنينات هي من حيث النشأة أكثر حداثة من القانون الأداري سواء في شكلها أو في موضوعها كالتشريعات الاقتصادية وقانون العمل.
كما أن الأستناد الى الظروف المتطورة والمتغيّرة للحياة الأدارية كسبب أساسي لعدم التقنين فأن مثل هذه الحجة أصبحت تتصل بالماضي وقضت عليها في العصر الحديث فكرة تدخل الدولة في المجال الأقتصادي فضلا عن عدة عوامل أخرى التي تركت تأثيرها ليس فقط على علاقات وأعمال الادارة وانما على مجمل النظام القانوني للدول. بل يمكن أن تكون هناك من التقنينات هي أكثر من القانون الاداري معرضة للظروف ولم يكن تقنينها عائقا من تطوير قواعدها ومبادئها بحسب ظروف التطور ، بل أن التحليل العلمي للقواعد القانونية أو لأي نظام قانوني يوجب التوافق الدائم بين هذا النظام – مهما كانت طبيعته وموضوعه- والواقع الاقتصادي والاجتماعي ومتغيّراته ، ولهذا الغرض يتم تعديل أو الغاء التشريعات القائمة واستبدالها بتشريعات او قواعد جديدة او سد القصور التشريعي في هذه التقنينات كي يمكن أن تلحق تلك التشريعات ذلك التطور والتغيّر ،ولكي يمكن أن تتفاعل وتتجاوب مع متطلبات مصلحة الدولة بكافة أشكالها وألوانها. لذلك فأن سمة التطور ليست صفة لصيقة بقواعد القانون الاداري فقط ومن ثم تكون عائقا أمام تقنينه ، كما يرى البعض، وإنما هي صفة كل نظام قانوني – مهما كان موضوعه- مادام هذا النظام يعكس المصالح الاقتصادية والاجتماعية في مراحل تاريخية متطورة ومتجددة. بل يدرك الفقه الذي ناصر عدم تقنين القانون الاداري بحجة التطور أن مبادئ هذا القانون قد لعبت في أوقات كثيرة دورا رجعيا متخلفا عن مستلزمات التطور الذي طرأ على وظيفة الدولة الرأسمالية”5″ ، فكيف يفسر هذا الفقه موقف القضاء الاداري وقانونه الاداري من منع الدولة من التدخل في إنشاء المرافق العامة في الاحوال التي يكون فيها القطاع الخاص قادرا على القيام بها على الرغم من ان الظروف الاقتصادية أصبحت تفرض مثل هذا التدخل او ان المصلحة العامة –حسب تعبير هذا الفقه – تستلزم مثل هذا الأنشاء وهذا التدخل؟ ، وكيف يمكن لنا ان نفسر موقف هذا القضاء من إخضاع الشركات والمشاريع المؤممة الى القانون الخاص لفترة طويلة نسبيا “6” بينما ذات القضاء يقرر – في العديد من احكامه – أن مثل هذا القانون لايحقق المصلحة العامة .
أليس قيام الدولة بمثل تلك التأميمات فرضته ظروف التطور الاقتصادي الذي كان يجب ان تتواكب معه قواعد القانون الاداري غير المقننة ويصبح إخضاع تلك الشركات والتأميمات والمشروعات المؤممة – بحسب منطق هذا القضاء- الى القانون الاداري وليس الى القانون الخاص ؟. لذلك لايمكن ان نتفق مع الرأي السابق الذي يجعل صفة التطور لصيقة بالقانون الاداري وعائقا امام عدم تقنينه.
اما الحجة الاخرى التي ينطلق منها أنصار عدم التقنين والتي تتمثل بأن التقنين يقيّد من سلطة القاضي الاداري أو يقبر دوره ،حسب تعبير أحد الباحثين ،”7″ في خلق وإبتكار الحلول القانونية وإنشاء القواعد القانونية ، فإن مثل هذا الرأي يتعارض أساسا مع مبدأ المشروعية في كل دولة يقوم نظامها الدستوري على تخصيص هيئة محددة تتولى إنشاء القواعد القانونية ، والتي يجب أن يلتزم القاضي بتطبيقها وعدم إستبعادها لعدم ملائمتها ، لأن تقدير هذه الملائمة ومن ثم تعديل التشريع يبقى من إختصاص الهيئة التشريعية، وإلا سنكون أمام القاضي المشرع، كما ستكون حقوق المواطنين تحت رحمة قانون القاضي الذي لايقيّده سلطان القانون. غير أن ذلك لايعني إعدام الدور الابداعي للقاضي ، فالقاضي يمكن أن يلعب دورا تكميليا للمشرع، ولكن بالأستناد الى التقنين والمصادر التي يحددها المشرع لأستنباط الأحكام القانونية في الاحوال التي لايوجد فيها نص تشريعي يحكم حالة معيّنة أو لسد القصور في التشريع دون ان يحل محل المشرع ويجعل حكمه القضائي قانونا كما يفعل القضاء الاداري في فرنسا ومصر. ولنا في تاريخ القضاء المدني أمثلة كثيرة إستطاع فيها هذا القضاء أن يستند إلى مصادر القانون الذي حددها المشرع لأستنباط أحكام قانونية تسد القصور في التشريع ويتساير مع الظروف الجديدة التي لم ينظمها المشرع!”8″، ويمكن أن نشير في هذا الصدد الى حكم صدر عن القضاء المدني المصري يشخص بدقة الدور الأبداعي للقاضي في معالجة مشكلة تطوير القانون دون أن يكون مشرعا، وهو حكم صادر عن محكمة القاهرة الابتدائية في دعوى تتعلق بمستأجر تنازل عن الشقة المستأجرة لأخيه بالرغم من ان القانون رقم 121 لسنة 1947 يحظر التأجير من الباطن والتنازل عن الأيجار. إذ أن إعمال حكم القانون يؤدي الى طرد المستأجر وهو مايتنافى مع إستفحال أزمة ألسكن. إنطلقت المحكمة من تحليل المصالح لتبيّن ماطرأ من تغيير وتبديل على الفلسفة الاجتماعية فقالت (( أنه بالنظر الى القانون 121 لسنة 1947 من ناحية تاريخ صدوره يبين أنه صدر في وقت كانت السيطرة فيه على مقادير البلاد للاستعمار بمعاونة الاقطاع والرأسمالية ، ولذلك فأنه كان من الطبيعي والمنطقي ان تأتي كافة التشريعات التي صدرت في تلك الحقبة متمشيّة ومتفقة مع ماتريده تلك الطوائف الثلاث من كفالة مصالحها وتحقيق ماتبغيه من سيطرة على مقدرات البلاد . وذلك دون ما نظر الى تحقيق العدالة الاجتماعية بين تلك الطوائف ….والاغلبية الساحقة من المجتمع….)) واضافت المحكمة أنه على رأس النصوص التشريعية التي تحمي مصالح رأس المال المستغل نص المادة الثانية من القانون اعلاه الذي يمنع التأجير من الباطن الا بتصريح كتابي من المالك، وقد درج الكثير من الملاك على إستغلال هذا النص أبشع ألاستغلال وتمكنوا طرد الكثير من المواطنين من المساكن التي يقطنون فيها ، وهو الامر الذي ادى الى استفحال أزمة السكن. ثم شرعت المحكمة في البحث عن الحكمة الحالية من التشريع في ضوء الفلسفة الجديدة للمجتمع فقالت (( أنه يتعيّن على القضاء أن ينظر الى القوانين القديمة التي مازالت قائمة نظرة جديدة تتفق مع القواعد الجديدة التي نص عليها الميثاق وهي قواعد ليست مجرد قواعد خلقية بل هي قواعد الزامية متعلقة بالنظام العام للدولة ومأموريها لتطوير المجتمع والوصول به الى مجتمع الكفاية والعدل فيسهم القضاء بذلك في تطوير المجتمع … ولا مراء في ان سبيل القضاء الى ذلك هو تفسير القوانين المشار اليها بما يتفق قواعد واحكام الميثاق ومايقتضيه ذلك من عدم التقيّد بصريح عبارة تلك القوانين او بالحكمة التي أسست عليها القواعد المذكورة وقت صدورها والبحث عن الحكمة من تلك التشريعات من واقع القواعد الاشتراكية التي تسير عليها الان الدولة .. إذ يتعيّن وجوب تفسير القانون بحسب ظروف الزمان والمكان عند تطبيقه وذلك بأعتبار ان الامم تتطور والظروف الاجتماعية تتغيّر….ان القانون ليس مجرد نظريات هندسية وانما هو مرتبط بعوامل اجتماعية واقتصادية…لذا يجب تفسير القانون في ضوء الفلسفة الجديدة الاجتماعية والسائدة وقت تطبيق القانون.)). “9” وهكذا لم يجعل القضاء المدني من التقنين القائم عائقا أمام القاضي في دوره التكميلي أو يجعله قيّدا على إبداعه في إيجاد ألحلول القانونية للظواهر الجديدة التي لم يلحقها ألتشريع.”10″.
إلى جانب ذلك فإن أنصار عدم تقنين القانون الاداري وصلت بهم المبالغة إلى ألحد الذي يؤدي الى تفضيل سلطة القاضي الاداري على التقنين الذي يحكم نشاط الادارة وعلاقاتها، بينما يؤكد ألمنطق أن أحكام القضاء ليست سوى حلول تجريبية وجزئية على نقيض التقنين الذي يبنى على مبادئ قانونية عامة يسودها التكامل والتناسق المنطقي والعلمي الذي يسهل للآدارة عملها ويجعل علاقاتها القانونية واضحة ومشروعة ومبنية على أسس قانونية دقيقة.
يضاف الى ذلك أن الأعتماد على الاحكام القضائية وتفضيلها على التقنين الاداري سيؤدي بالضرورة الى نزعة تحليلية في دراسة القانون الاداري – وهذا هو الواقع فعلا- ، فيستخرج الحل من نتيجة مكتسبة عن طريق تحليل الوضع المماثل في جوهره للوضع الذي سبق تسويته، ويلجأ في بعض الحالات الى تعديل ذلك الحل المستخرج طبقا للخصائص الجديدة ، ومع ذلك فأن مثل هذه النزعة التحليلية ستصطدم لامحالة بمثالية الأحكام القضائية وبتناقضاتها الكثيرة التي لم تستند الى مفاهيم قانونية محددة كما هو الحال فيما يتعلق بمعايير القانون الاداري .
أن تلك الأسانيد التي إستند اليها الفقه الاداري في فرنسا ومصر لتبرير مزايا عدم تقنين القانون الاداري لايمكن عزلها عن تلك التيارات الفقهية الاخرى التي ترى في التقنين عموما عائقا امام تطور الفكر القانوني، فهذه التيارات ترى أن القانون ( التشريع) قد فقد تلك القدسية التي أضفيت عليه كما ترى أن أسبقيّة الحق في الوقت المعاصر تزيد من أهمية المبادئ “فوق القانونية ” كالممارسة القضائية والعرف والقانون الطبيعي ، ولذلك أصبح عندها القانون هو ليس الذي يقر ويصدر من الهيئة التشريعية وإنما هو – ايضا- تلك المصادر الاخرى التي ينبع منها الحق بوجه عام . لهذا أبدت هذه التيارات أهمية كبيرة للهيئات القضائية لكي يكون لها دورا في صنع القانون ونزعت نحو تقليل دور التشريع وتعظيم أهمية مصادر الحق الاخرى. أن تحليل الخلفية لمثل هذه النزعة الفقهية لايمكن بناءه من خلال الميدان القانوني ، فهذه النزعة هي انعكاس حقيقي للتطور الرأسمالي المعاصر على الرغم من ان الفقيه الفرنسي .بوردو “11” حاول رد أسبابها الى عاملين أساسيين يستتبعا في رأيه ” إنحدار القانون” وهما : تقييد الاختصاصات التشريعية للبرلمان على سبيل الحصر وإستبدال القانون ( التشريع) بإعمال السلطة التنفيذية تحت أشكال مختلفة من بينها التفويض التشريعي لهذه السلطة التي يعتبر الدستور الفرنسي لسنة 1958 مثالا لها، أما العامل الثاني فيرى هذا الفقيه ان التشريع يبقى صالحا طالما أن مهمته الأساسية تنحصر في تنظيم العلاقات القائمة ، غير أن المجتمع يواجه تغيّرات جوهرية تجعل القانون غير ملائم ولهذا لاغرابة ” في إيجاد بنية’ أشد متانة للكائن الجماعي بعد أن يمسي القانون وسيلة غير ملائمة “.
وفي الواقع يمكن الأتفاق على ان القانون ( التشريع) يمكن أن يلعب دورا محافظا غير أن ذلك لايعني أنه غير ملائم للحاجات المتطورة والمتنامية، بل تظهر التجربة التاريخية أن القانون يتسم بأهمية كبيرة في إنشاء وبناء المجتمعات الجديدة “12” ويضمن التحولات الاجتماعية من تشكيلة اقتصادية –إجتماعية متخلفة الى تشكيلة إقتصادية – اجتماعية متطورة على نقيض مصادر الحق الاخرى التي كان دورها – بحسب المعطيات التاريخية – يقتصر على الدفاع عن المواقع القديمة الموالية للعلاقات الاجتماعية المتخلفة ولم تتمكن من التكيّف مع التغيّرات الاجتماعية التي حدثت.
أن خصوم التقنين لايمكن عزل أرائهم عن سياق التطور الذي طرأ على وظيفة الدولة الرأسمالية الحديثة ، فهذا التطور الذي أملى على هذه الدولة التدخل في المجال الاقتصادي ، وإن كان لايمس التناقض الأساسي في النظام الرأسمالي بين الانتاج الاجتماعي والتملك الخاص ، إلا أن الأساليب التي رافقت هذا التدخل يمكن أن تستعمل لغايات تقدمية على يد القوى الديمقراطية في المجتمع، وفي مثل هذه الحالة يصبح الشكل الحقوقي الذي تضفيه الدولة على النشاط الاقتصادي وأساليب تسييره ليس حياديا، وإنما يستجيب هذا الشكل الحقوقي ، الذي تتخذه الهيئات التمثيلية، لمصالح تلك القوى الديمقراطية في نضالها لقيام رقابة ديمقراطية على جهاز الدولة. على هذا الأساس يصبح إعطاء المشرع الدور الرئيسي في تطوير النظام القانوني مبدأ من المبادئ الديمقراطية التي تكونت تاريخيا ، لأن المشرع يتمتع بإمكانات أكبر وبنظرة أكثر شمولا لقطاعات الحياة الاجتماعية المختلفة. لذلك يصبح التشريع ، بفضل دقة ووضوح صياغته، ألوسيلة ألأمثل لتحديد قواعد واضحة للعلاقات الأجتماعية التي تتسم بالتعقد والتنوع. لهذا نرى خصوم التقنين يقفون حائلا أمام أولويّة التشريع لكي لا تصبح المبادئ الأساسية للآنتاج والتبادل والتوزيع الرأسمالية مطروحة على بساط المناقشة العامة في الهيئة التشريعية ويتركز عليها ألأنتباه العام، وهكذا يحمي هؤلاء مصالح الرأسمالية الاحتكارية التي تخشى من المطالب العديدة التي تأتي ، لدى وضع التشريعات، ليس من جانب الطبقة العاملة فقط وانما من الفئات الصغيرة والمتوسطة كذلك، التي تتناقض مصالحها غالبا، في ميدان الأموال مع الرأسمال الكبير. وهذا هو السبب الرئيسي وراء عدم التقنين وتقليل أهمية التشريع لدى الفقه القانوني المعاصر عموما والفقه الاداري خصوصا. كما يصبح عدم التقنين مناسبا للرأسمال الأحتكاري بعد أن إلتحم بجهاز الدولة، لاسيما وأن عدم ألتقنين يفسح المجال واسعا ، بمساعدة السلطة التنفيذية والممارسة القضائية ، للمناورة بحرية أكبر في الدفاع عن مصالح ألاحتكارات طبقا للظروف الزمانية والمكانية المعيّنة “13”.
نخلص من ذلك الى القول بأنه إذا كانت الاوضاع الاقتصادية والسياسية لسيطرة الرأسمال الأحتكاري في البلدان الرأسمالية وفي فرنسا على وجه الخصوص ، تعمل بشكل قوي ضد مبدأ التقنين فيجب أن لايساير فقه القانون الاداري في الدول العربية هذا الاتجاه ويجعل التقنين عديم الفائدة أو عديم ألأهمية ويقتفي أثر الفقه الفرنسي وتبريراته في هذا المجال دون أن يحلل الخلفية التي تحكم هذا الفقه”14″. بل نعتقد ان التقنين يكتسب أهمية كبيرة ويكتسب تطورا جديدا ويلعب دورا بناءا في دولنا الفتيّة التي تسعى الى إقامة نظامها القانوني الوطني المتكامل في سياق تطورها الجتماعي. كما ان التقنين يساعد على حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الاساسية ضد تعسف وإستبداد الادارة بحكم وضوح وثبات القواعد القانونية التي تؤدي الى علم المخاطبين بأحكامها على نقيض عدم التقنين الذي يؤدي الى جهل هؤلاء المخاطبين بالقواعد التي تحكم وتنظم حقوقهم وحرياتهم ، ويجعل قواعد القانون الاداري ذات طابع سري لايعرفها سوى القضاء الاداري وبعض المختصين “15”.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً