النيابة في التعاقد:
تتسم النيابة في التعاقد بأهمية عظيمة، ولذاك أولاها المشروع فائق عنايته، وعمد إلى تنظيمها في إطار نظرية عامة، تتضمن الأسس التي تقوم عليها، وتؤدي على هديها وظيفتها. وهو في ذلك يتجه إلى سد نقص ظاهر في القانون الكويتي الحالي، حيث لا يتضمن نظرية عامة للنيابة. فقد قنع القانون الكويتي الحالي بوضع أحكام في شأن بعض صور النيابة القانونية، وعلى الأخص النيابة عن فاقدي الأهلية وناقصيها، وبوضع أحكام للنيابة الناشئة عن الوكالة. وقد جاء ذلك منه في مواضع مختلفة، تتفرق بين المجلة وقانون التجارة، وغيرهما من التشريعات الكويتية الأخرى، لا سيما المرسوم بقانون رقم (5) لسنة 1959 في شأن التسجيل العقاري، والقانون رقم (4) لسنة 1974 في شأن إدارة شؤون القصر.
تحدد المادة (53) الإطار العام الذي يعمل فيه نظام النيابة في التعاقد. وترسي في هذا الصدد قاعدة أساسية عامة يقول بها الفقه الإسلامي والقانون المعاصر على حد سواء ومؤدى هذه القاعدة أن كل ما يجوز فيه التعاقد بالأصالة يجوز فيه التعاقد بالنيابة، ما لم يقضِ القانون في حالة معينة ولحكمة خاصة يتوخاها وجوب أن يجرى التصرف من الشخص بذات نفسه. وحكم هذه المادة مستوحى من نص المادة 93/ 1 من القانون البولوني ونص المادة (155) من مشروع تنقيح القانون المدني المصري، ومن المادة (108) من القانون الأردني ونص المادة (1382) من القانون البرتغالي.
وتعرض المادة (54) لتحديد سلطة النائب. وتجيء في فقرتها الأولى، تُرسي الأصل العام، ومؤداه أن سلطة النائب تتحدد بسند نيابته بمعنى المصدر المنشئ لها. فإذا كان القانون هو مصدر النيابة، كما هو الشأن في الولاية على عديمي الأهلية وناقصيها تحددت سلطة النائب بما تقضي به أحكامه، وإن كان يجوز للقانون أن يعهد للقاضي في حالات خاصة بتحديد سلطة النائب، كما هو الشأن في الحراسة القضائية. وإذا كان الاتفاق هو مصدر النيابة، كما هو الحال في الوكالة، تعينت سلطة النائب بمقتضاه.
وتأتي المادة (54) في فقرتها الثانية، فتعرض لحالة خاصة. لا تعدم أن تجد لها تطبيقات في واقع حياة الناس، لا سيما في مجال التجارة وهذه هي الحالة التي يعلن فيها الأصيل للجمهور عن طريق الصحف أو غيرها من سبل الإعلام، عن سلطات نائبه، أو يخطر بها شخصًا معينًا أو أكثر، وذلك بما يتجاوز ما يقضي به سند نيابته. وفي مثل هذه الحالة، يخول المشروع لكل من شمله الإعلان أو الإخطار أن يتمسك في مواجهة الأصيل بما تضمنه من سلطات حتى لو تجاوزت ما جاء في أصل النيابة، وحتى لو كان النائب نفسه يجهل هذا التجاوز، وعلة هذا الحكم واضحة فلمن يتعاقد مع النائب أن يركن إلى ما أعلنه أو أخطره به الأصيل. وغني عن البيان أن حكم الفقرة الثانية لا يسري إلى في شأن النيابة الاتفاقية. وهو ما حرص المشروع على أن يخصه به إذ أن سلطة النائب في مجال النيابة القانونية، تتحدد بالقانون ذاته، مراعاةً لما يراه هو من مصلحة الأصيل، ومن ثم لا يكون للنائب من السلطات إلا ما يقرره له القانون نفسه.
وحكم الفقرة الأولى مجرد إعمال للقواعد العامة، وإن كان المشروع قد ارتأى تقنينه، سيرًا على نهج بعض التقنينات الأخرى، ومنها مشروع تنقيح القانون المدني المصري (المادة 156) والقانون الأردني (المادة 109)، أما حكم الفقرة الثانية، ففكرته مستوحاة في عمومها من القانون السويسري (المادة 33/ 3)، وإن كان هو، في حد ذاته، تجديدًا من المشروع اقتضته المصلحة.
وتعرض المادة (55) للشكل الذي يأتي فيه سند النيابة أو مصدرها، عندما يراد بها أن يُجري النائب تصرفًا يتطلب له القانون شكلاً خاصًا لانعقاده.
وهي ترسي القاعدة العامة في هذا الخصوص، ومؤداها أن الشكل المتطلب لقيام التصرف الذي يجريه النائب غير لازم لقيام مصدر النيابة ذاتها، وإن أوردت عليها الاستثناء في الحالة التي ينص فيها القانون على حكم مخالف، كما هو الشأن في الوكالة، حيث يتطلب القانون أن يجيء عقد الوكالة في نفس الشكل المرسوم لانعقاد العقد المناط بالوكيل إبرامه نيابةً عن موكله، وتظهر فائدة هذا النص في حالات النيابة التي تثبت بمقتضى تصرف قانوني، في غير حالات الوكالة، وعلى الأخص بالنسبة إلى حالات النيابة عن الأشخاص المعنوية كالشركات والجمعيات.
وحكم المادة (55) مستوحى من نص المادة (167) فقرة ثانية من القانون المدني الألماني. وتعمد المادة (56) إلى تحديد من يعتد بشخصه، عند النظر في عيوب الرضاء، أو فيما يتطلبه القانون، في بعض الأحوال، من وجوب العلم أو الجهل بظروف معينة، أهو شخص النائب أو شخص الأصيل. وترسي الفقرة الأولى المبدأ العام، وهو وجوب الاعتداد هنا بشخص النائب، لا بشخص الأصيل.
وهذا المبدأ يتمشى تمامًا مع الفكرة التي باتت تسود الفكر القانوني المعاصر، من أن إرادة النائب تحل محل إرادة الأصيل في إبرام التصرف، بمعنى أن النائب عندما يبرم التصرف، يعبر عن إرادته هو، وليس عن إرادة الأصيل. وهذا واضح تمامًا في أغلب تطبيقات النيابة القانونية، ولكن الحكم يسري أيضًا في كافة مظاهر النيابة الأخرى، حتى الاتفاقية منها. وما دام النائب يعبر عن إرادته هو، وجب أن يكون متمتعًا بالإرادة فإن كان عديم الإرادة فإن تعاقده، باعتباره نائبًا عن غيره، يقع باطلاً، كما يبطل تعاقده أصيلاً عن نفسه. وهذا الحكم يتفق تمامًا مع ما قضت به المجلة من عدم صحة توكيل الصبي غير المميز والمجنون (المادة 1457)، ومن أنه يشترط أن يكون الوكيل عاقلاً مميزًا (المادة 1458).
ولا يكفي أن تتوافر الإرادة في النائب، بل يلزم، لصحة التعاقد، أن تجيء إرادته سليمة خالية من العيوب، فإن شاب رضاءه عيب، كغلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال، تأثر به العقد الذي يبرمه باسم الأصيل، في نفس الحدود التي يتأثر بها من يتعيب رضاؤه، حالة كونه يبرم التصرف لحساب نفسه، وذلك حتى لو كانت إرادة الأصيل لم تتعيب، وكما يُعتد بشخص النائب في تحديد عيوب الرضاء. يعتد به أيضًا، دون شخص الأصيل، في صدد ما يتطلبه القانون من وجوب العلم أو الجهل ببعض الظروف الخاصة، أو افتراض هذا العلم أو الجهل.
وقد حرص المشروع، في الفقرة الثانية من المادة (56) أن يعرض للحالة التي تكون النيابة فيها اتفاقية، ويتصرف النائب وفق تعليمات محددة يتلقاها من الأصيل، ليقضي بأنه لا يجوز فيها للأصيل أن يتمسك بجهل نائبه أمرًا كان يعلمه هو، أو كان مفروضًا فيه أن يعلمه، وبأنه يعتد عندئذٍ بما يشوب رضاء الأصيل لمن عيوب الرضاء. وليس في هذا الحكم خروج على القاعدة العامة التي تضمنتها الفقرة الأولى، إذ أن من يتولى أمر التعاقد لحساب غيره، لا يعتبر نائبًا عنه، إلا في حدود ما يجيء فيه التعاقد تعبيرًا عن ذات إرادته، فإن اقتصر أمره على تنفيذ تعليمات الأصيل غلبت عليه، في حدود تنفيذه تلك التعليمات صفة الرسول لا النائب. وحكم المادة (56) في مجموعه، مستوحى من نص المادة (166) من القانون الألماني، الذي سبق أن استوحاه أيضًا القانون المصري في المادة (104)، ثم وجد النص المصري مكانه الرحب في المدونات العربية الأخرى التي نقلت عنه، كالقانون السوري (المادة 105)، والقانون الليبي (المادة 104) والقانون الأردني (المادة 111).
ولم يلتزم المشروع، في الفقرة الثانية من المادة (56) الصياغة التي جاء بها القانون المصري، وانتقلت منه إلى قوانين البلاد العربية الأخرى. فقد أجرى تعديلاً فيها من ناحتين، فأورد أن حكمها يخص من تنشأ نيابته بمقتضى اتفاق، بدلاً من القول بأن حكمها يخص الوكيل، لأن النيابة الاتفاقية في الحقيقة أعم من الوكالة وفق ما يذهب إليه الفكر القانوني المعاصر، الذي أخذ يعزف عن الفكرة التقليدية، التي ترى في النيابة الاتفاقية مجرد وكالة. وفي هذا الخصوص، يتجه المشروع إلى المصدر الأصلي للنص، المتمثل في الفقرة الثانية من المادة (166) من القانون الألماني، حيث خصت حكمها من تعهد إليه النيابة بمقتضى تصرف قانوني، والتعديل الثاني الذي أورده المشروع أنه ذكر وجوب الاعتداد بشخص الأصيل بالنسبة إلى عيوب الرضاء، عندما لا يفعل النائب إلا تنفيذ تعليماته، ولم يقتصر في ذلك على علم الأصيل ببعض الظروف أو افتراض علمه بها. وفي ذلك تجديد تفرضه الملاءمة ويتفادى به عيبًا اتسمت به صياغة النص الألماني، ومن بعده النص المصري وما تبعته من نصوص عربية أخرى.
وتعرض المادة (57) للأثر المترتب على النيابة في التعاقد، وهي تقضي بأنه إذا تم التعاقد بطريق النيابة، فإن كل ما يترتب على العقد الذي يبرمه النائب باسم الأصيل من آثار تنصرف إلى الأصيل، لا إلى النائب، وهي تنصرف إلى الأول مباشرةً، أي دون مرور بذمة الثاني، وهذا هو لب نظام النيابة. ونص المادة (57) مستوحى من نص المادة (105) من القانون المدني المصري، بعد أن أجرى المشروع بعض التعديل في صياغته، توخيًا للدقة والانضباط، فذكر أن آثار العقد تنصرف إلى الأصيل، بدلاً من القول بانصراف الحقوق والالتزامات التي تنشأ من العقد. إذ قد يُقصد بالعقد الذي يبرمه النائب أمر آخر غير إنشاء الحق أو الالتزام، كما إذا أُريد به تعديل حق أو التزام قائم أو نقله أو انقضاؤه. وحرص المشروع أيضًا أن يذكر أن آثار العقد تنصرف إلى الأصيل مباشرةً، ولم يشأ أن يقول إن هذه الآثار تضاف إلى الأصيل، لما في عبارته من انضباط أكبر، يتمثل فيما يقتضيه نظام النيابة من انصراف آثار العقد إلى ذمة الأصيل، دون مرور بذمة النائب.
وتعرض المادة (58) والمادة (59) للحالة التي لا يظهر فيها النائب صفته، عند إبرام العقد، الذي يريد له أن يكون باسم الأصيل ولحسابه. وهي حالة لا تعدم الشيوع في واقع حياة الناس. والأصل أن يتم إعلام المتعاقد مع النائب بأمر النيابة من النائب نفسه، حيث يعلن له صفته. ولكن يستوي مع قيام النائب بإعلان صفته لمن يتعاقد معه أن يعلم هذا الأخير بحصول التعاقد باسم الأصيل ولحسابه من طريق آخر، أو أن يكون مفروضًا فيه حتمًا، وفق ظروف الحال، أن يعلم بذلك، أو كان يستوي عنده أن يكون التعاقد حاصلاً بينه وبين النائب شخصيًا أو بينه وبين الأصيل، بأن كانت شخصية المتعاقد معه ليست ذات اعتبار أصلاً، كما إذا كان قد قام ببيع مال واستوفى ثمنه بتمامه. في كل هذه الحالات الثلاث، لا يكون لمن تعاقد معه النائب مصلحة سائغة ومقبولة في تجاهل الأصيل، بدعوى أن النائب لم يعلن له حصول التعاقد لحسابه. ومن ثم كان مجبرًا على اعتبار التعاقد حاصلاً مع الأصيل. أما إذا لم يعلن النائب، عند التعاقد صفته، ولم يعلم بها المتعاقد الآخر، ولم يكن مفروضًا فيه حتمًا أن يعلم بها، وكانت له مصلحة سائغة في عدم اعتبار التعاقد حاصلاً مع الأصيل، فإنه لا يجبر على اعتبار أن التعاقد قد حصل من النائب بوصفه نائبًا.
هذا هو الحكم الذي تقرره المادة (58) وحكمة تقريره بينة الوضوح، وهو مستوحى من نص المادة (106) مدني مصري بعد إجراء تعديل في الصياغة اقتضته الملاءمة التشريعية، وهو مطابق لحكم المادة (32) فقرة ثانية من مدونة الالتزامات السويسرية ولحكم المادة (552) من قانون التجارة الكويتي، وإن اقتصر على الوكالة، دون غيرها من أحوال النيابة. وتعرض المادة (59) للحالة التي لا يظهر فيها النائب، وقت إبرام العقد لمن يتعاقد معه أنه يتعامل بوصفه نائبًا، حالة كون هذا الأخير غير مجبر على الاعتداد بصفته تلك إعمالاً للمادة (58)، ولم يرتضِ أن يكون التعامل بينه وبين الأصيل. وهي تقرر هنا الحق المتعاقد مع النائب في أن يعتبر التعاقد قد وقع بينه وبين النائب بصفته الشخصية، دون أن يكون ملزمًا باعتبار أنه قد قام بينه وبين الأصيل.
وهذا حكم تمليه المصلحة، فما دام أن النائب لم يظهر صفته، ولم يعلم بها من تعاقد معه، ولم يكن مفروضًا فيه أن يعلم بها، وكان يضره أن يقوم التعاقد بينه وبين الأصيل، وجب التمشي مع حقيقة قصده هو، وهو حصول التعاقد بينه وبين النائب بشخصه. وليس للنائب هنا أن يحاج بأنه قد قصد أن يكون التعاقد باسم الأصيل ولحسابه. وأنه بذلك لم يرتضِ أن يتم التعاقد معه شخصيًا، فالقانون لا يُدخل في اعتباره مجرد النية، إذا ظلت حبيسة النفس، ثم أن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد تطبيق لما سبق للمشروع أن قرره في المادة (38) من أنه يجوز لمن وجه إليه التعبير عن الإرادة أن يعتد به، برغم مخالفته لحقيقة قصد صاحبه، إذا أثبت أنه عول عليه، معتقدًا مطابقته لحقيقة الإرادة، من غير أن يكون من شأن ظروف الحال أن تثير الشك في تلك المطابقة. ونص المادة (59) مستوحى من نص المادة (164) فقرة ثانية من القانون الألماني.
وتعرض المادة (60) للحالة التي يلجأ فيها النائب، بعد انتهاء نيابته، إلى التعاقد باسم الأصيل ولحسابه. ومقتضى القواعد العامة عدم إعمال أثر النيابة في هذه الحالة. فلا تنصرف آثار العقد إلى الأصيل. ولكن المادة (60) تورد على هذا الأصل العام استثناءً هامًا، مؤداه الترخيص لمن تعاقد مع النائب، في اعتبار التعاقد قد حصل على أساس النيابة. شريطة أن يكون هو والنائب عند التعاقد لا يعلمان بانتهاء النيابة، ولم يكن في مقدورهما أن يعلما به، لو أنهما بذلا من الحرص ما تفرضه ظروف الحال على الشخص العادي. وهذ الحكم تمليه المصلحة. فمن شأنه أن يوفر للمعاملات ما ينبغي لها من أسباب الثقة والائتمان والاستقرار.
وقد حرص المشروع – على خلاف الكثير من التقنيات الأجنبية – على أن يصرح بقصر أعمال أثر النيابة بعد انتهائها، لمصلحة حسني النية من الأشخاص، على النيابة الاتفاقية وحدها، دون النيابة القانونية. ذلك لأن النيابة القانونية يفرضها القانون، من غير أن يترك للأصيل حرية اختيار نائبه، ومن ثم فمن المصلحة ألا تبقى قائمة، بعد أن يقرر القانون نفسه انتهاءها. وفضلاً عن ذلك، فالقانون حينما يفرض النيابة القانونية، يفرضها لمصلحة أساسية تتمثل في رعاية من هم في حاجة إلى الحماية من الأشخاص، فكان حريًا بها أن تنتهي آثارها، بعد أن يقول هو بوصولها إلى أجلها. ثم إن الأصيل في النيابة التعاقدية، دون النيابة القانونية، هو الذي ينشئ منذ البداية سند النيابة. فهو بالتالي يسهم في إقامة المظهر الذي يقع، فيما بعد، الانخداع به.
وتعرض المادة (61) للحالة التي يبرم فيها شخص باسم آخر عقد، من غير أن تثبت له في الحقيقة صفة النيابة عنه، إما لانتفاء هذه النيابة أصلاً، أو لكون العقد قد أبرم منه خارج حدود نيابته. وتواجه المادة (61) في فقرتها الأولى – هذه الحالة بالنسبة إلى الأصيل، لتقرر عدم انصراف آثار العقد إليه، إلا إذا حصل إقرار منه على نحو ما يقضي به القانون، وهذا حكم تمليه القواعد العامة، والإقرار هنا يتمشى في مصدره مع مصدر النيابة ذاتها، فإن نشأت النيابة من الاتفاق، كان للأصيل أن يجري الإقرار. وقد تمثل هذا الحكم، في شأن الوكالة، في القاعدة التي يقول بها الفقه الإسلامي والقانون المعاصر على حد سواء وقننتها المجلة بدورها في المادة (1453) منها، وهي أن الإقرار اللاحق أو الإجازة اللاحقة، كالوكالة السابقة. أما إذا كانت النيابة قانونية، وجب أن يحصل الإقرار ممن يمنحه القانون السلطة في إجرائه.
وتأتي الفقرة الثانية من المادة (61) لتواجه حالة انتفاء النيابة أو تجاوزها، من غير أن يحصل إقرار للتصرف بالنسبة إلى المتعاقد مع النائب. وهي تقرر لهذا المتعاقد الحق في مطالبة النائب بالتعويض عن الضرر الناجم له بسبب عدم نفاذ التصرف في مواجهة الأصيل، وبالتالي بسبب تفويت الصفقة عليه. ويلزم لاستحقاق التعويض أن يكون النائب مقصرًا، وهو يُعتبر كذلك، ما لم يثبت أنه لم يعلم في الحقيقة بانتفاء نيابته أو بانتهائها أو بتجاوزها، وأنه لم يكن في مقدوره أن يعلم بذلك أو أنه بذل من الجهد ما يبذله الشخص العادي، كما أنه يلزم أيضًا لا ستحاق التعويض، أن يكون المتعاقد مع النائب حسن النية، بأن كان يجهل انتفاء النيابة أو انتهاءها أو تجاوز حدودها، وأنه لم يكن في استطاعته أن يعلم بذلك، لو أنه بذل من الجهد ما تُمليه ظروف الحال على الشخص العادي. وهذه الفقرة مستوحاة من المادة (554) من قانون التجارة الكويتي مع إجراء تعديل فيها، يتمثل في استلزام حصول التقصير ممن اتخذ صفة النيابة، لإمكان مطالبته بالتعويض.
وتعرض المادة (62) لحالة تعاقد النائب مع نفسه، بأن يبرم النائب العقد وحده، وإن تعددت صفته، ويتصور هذا الوضع في إحدى حالتين: فإما أن يبرم شخص العقد، بوصفه نائبًا عن غيره وأصيلاً عن نفسه، وإما أن يبرم شخص العقد بوصفه نائبًا عن كل من طرفيه. وإذا كان من شأن إعمال فكرة النيابة في ذاتها أن يجيز التعاقد مع النفس، إلا أن ملابسات هذا النوع من التعاقد تدعو إلى الارتياب فيه، في الكثير الأغلب من حالاته، ومن أجل ذلك تنظر التقنينات في الدول المختلفة إلى هذا التعاقد بعين الحذر وهي تتغاير مع ذلك في الوسيلة، فمنها ما يجيزه كقاعدة ولكنه يحرمه في بعض الحالات على سبيل الاستثناء، ومنها ما يمنعه كقاعدة، وإن أجازه في بعض الحالات على سبيل الاستثناء. وأغلب التقنينات تسير في الاتجاه الأخير، كالقانون الألماني (المادة 181)، ومشروع القانون الفرنسي الإيطالي (المادة 37) ومشروع تنقيح القانون الفرنسي (المادة 58)، والقانون المصري (المادة 108) والقوانين العربية الأخرى التي استوحته، مثل القانون السوري (المادة 109) والقانون الليبي (المادة 108)، والقانون الأردني (المادة 115).
وقد آثر المشروع هذا الاتجاه الأخير بحظر تعاقد النائب مع نفسه باسم من ينوب عنه في صورتيه، على أنه لا يقرر هذا الحكم إلا على سبيل أنه يمثل أصلاً عامًا، يمكن له أن يُخالف ويُلزم لإمكان مخالفته أن يأذن به مصدر النيابة على نحو قاطع الدلالة، سواءً أكان هو القانون أو الاتفاق. والمشروع في ذلك، فضلاً عن أنه يتمشى مع أغلب التقنينات الأجنبية والعربية، يتفق في حكمه مع ما يسير الفقه الإسلامي عليه، وقننته المجلة في المادة (1488) في شأن الوكالة بالشراء، وفي المادة (1496) في شأن الوكالة بالبيع، كما تقنن أيضًا في المرسوم بقانون رقم (5) لسنة 1959، الخاص بالتسجيل العقاري. وإذا تعاقد النائب مع نفسه، من غير أن يؤذن فيه، كان متجاوزًا حدود النيابة. ومن ثم فلا ينفذ تصرفه في حق الأصيل، ما لم يحصل إقراره وفقًا للقانون. وتحظر المادة (63) على النائب أن يحل محله شخصًا آخر غيره، يقيمه نائبًا مكانه، ما لم يسمح له بذلك مصدر نيابته من قانون أو اتفاق، وهذا حكم يتمشى مع أساس من أسس النيابة، متمثلاً في أنها شخصية لا تنتقل من صاحبها إلى غيره، ما لم يوجد إذن خاص. وحكم المادة (63) مستوحى من المادة (55) من مشروع تنقيح القانون المدني الفرنسي الذي تضمنته أعمال لجنة التنقيح لعام 1946/ 1947.
وتعرض المادة (64) للحالة التي تنتهي فيها النيابة، ويكون قد سبق للنائب أن تسلم ما يدل عليها، كسند توكيل أو إقرار أو حكم تعيين، وهي تُلزم النائب بالمبادرة برد ما قام شهيدًا على نيابته فور انتهائها، فإن كان سند نيابته قضائيًا التزم بأن يودعه قلم كتاب المحكمة، أو جهة حكومية أخرى مناسبة. ويستهدف المشروع بهذا الحكم حماية الغير، الذين قد يُتخذ سند النيابة، بعد انتهائها أداة لخديعتهم، كما أنه يستهدف أيضًا في النيابة الاتفاقية حماية الأصيل بمنع المتعاقد مع النائب من التمسك في مواجهته بأعمال النيابة استنادًا إلى حسن نيتهم. والمادة (64) مستوحاة من المادة (175) من القانون الألماني ومن المادة (58) من مشروع تنقيح القانون المدني الفرنسي الوارد في مجموعة أعمال لجنة التنقيح لسنة 1946/ 1947.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً