بواسطة باحث قانوني
إعداد : السيد محمد الطاهر الحمدي
مدير التكوين المستمر بالمعهد الأعلى للقضاء
بسم الله الرحمان الرحيم
جـرائـم الفـسـاد فـي القطـاعين العـام والخـاص
مـقـدمـة
إن الفساد مصطلح راج استعماله في عديد العلوم العانية بالسلوك البشري في أبعاده الفردية والجماعية العقلية منها والانفعالية .
ومثال ذلك علوم النفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة وكذلك العلوم الدينية.
على أن مصطلح ” الفساد ” اقتحم أخيرا المجال القانوني لتتداول مفرداته ومترادفاته ومصطلحاته في النصوص القانونية الوطنية الجزائية منها والمدنية وكذلك في الاتفاقيات الدولية والإقليمية.
وهذا يقودنا إلى استنتاج منطقي هو أن التعاطي مع الفساد كسلوك فردي أو ظاهرة اجتماعية يستدعي بالضرورة تدخل أكثر من علم وأكثر من اختصاص باعتبار أن الأمر يتعلق بدراسة التركيبة الذهنية والنفسية للكائن البشري التي قد تدفعه تحت تأثير مطامعه أو مطامحه إلى إتيان أفعال تتعارض مع مقتضيات الصالح العام والمصلحة الوطنية وتتنافر مع القيم الأخلاقية والدينية.
وعلى هذا الأساس فإن أي برنامج يهدف إلى محاصرة ظاهرة الفساد ومقاومتها بهدف القضاء عليها أو الحد منها يستدعي بالضرورة تناول هذه الظاهرة من زوايا جميع العلوم التي تساعد على فهمها وتحليلها وتفكيكها قبل مواجهتها وإعلان الحرب عليها.
ذلك أن تدخل القانون لمعالجة أوضاع الفساد ومظاهره لا يكفي لضمان زوال الظاهرة أو انحصارها أو انتفائها باعتبار أن التاريخ قد أثبت لنا بأن الردع القانوني لا يمكنه وحده إلغاء الظاهرة الإجرامية أو التقليص منها لارتباط ذلك بأبعاد سيكولوجية وسوسيولوجية وأخلاقية لا يمتلك القانون ناصيتها.
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن ارتباط الإنسان بالفساد هو ارتباط تاريخي ويكاد يكون بيولوجيا .
فقد سجّل لنا النص الديني ومثاله النص القرآني هذه العلاقة منذ بداية الخلق بل ومنذ أن كان الإنسان مجرّد مشروع لم يتجسد بعد في شكل ماديّ .
إذ ورد في سورة البقرة ما يلي ” وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك. قال إني أعلم ما لا تعلمون ” .( سورة البقرة الآية 30 ).
إن هذه الآية تكشف لنا أمرين أساسيين :
– أن الفساد يتعارض مع منطق الاستخلاف ومقتضياته وهو أمر اهتدت إليه الملائكة .
– أن تركيبة الإنسان النفسية والذهنية تهيؤه إلى ارتكاب أعمال فساد . وأن مقاومة هذه الأعمال يتم من خلال نشر وعي الاستخلاف وثقافته.
ومهما تكن خلفية موقف الملائكة من الإنسان الخليفة قبل خلقه فإن ذلك يكشف لنا حقيقة تاريخية وهي أن الإنسان دائم التمرّد على قيم الضبط السلوكي . كما أن التطور العلمي والتكنولوجي أكسبه جرأة مبالغ فيها أحيانا على ملامسة الممنوع والمحظور باستعمال كل ما هو متاح من الوسائل والإمكانيات .
وأمام تطور مظاهر الفساد في المجتمعات المعاصرة وانتقاله من الوضع البسيط إلى الوضع المركب والمنظم , اتجه جهد المجتمع الدولي إلى سنّ اتفاقيات وبروتوكولات تردع الفساد وتحاصره كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2004 وكذا فعلت بعض الكيانات الإقليمية ومثالها مجموعة الاتحاد الأوروبي واتحاد دول جنوب أمريكا ومجموعة دول إفريقيا.
كما نشطت حكومات الربيع العربي بعد أن استقر لها الأمر في اتجاه الإسراع بسنّ النصوص القانونية والترتيبية واتخاذ الإجراءات الإدارية لمكافحة مختلف مظاهر الفساد التي تورطت فيها النظم السياسية السابقة بعد أن كان فسادها من عوامل الثورة عليها .
ولمقاربة هذا الموضوع في المستويين الوطني والدولي وجب الحديث عن مجالات الفساد ومظاهره من منظور القانون الجزائي في مبحث أول لنخلص بعد ذلك إلى الحديث عن معالجة مظاهر الفساد.
المبحث الأول : مجالات الفساد ومظاهره من منظور القانون الجزائي
إن ما دفع الدول والمنظمات الدولية والكيانات الإقليمية إلى معالجة ظاهرة الفساد هو انتشارها بشكل ملفت لم يعد من الحكمة السكوت عليه . وقد طال ذلك مختلف المؤسسات الوطنية وحتى الدولية في القطاعين العام والخاص. بل تسرّب الفساد إلى المنظمات الدولية والإقليمية الناشطة في مختلف المجالات العسكرية منها والمدنية.
كما كشفت بعض الثورات وخاصة العربية منها فضائح السلط السياسية والنظم الحاكمة في مجالات الفساد بالرغم من وجود تشريعات جزائية رادعة لها سعت هذه النظم إبّان حكمها في سنّها والتفنّن في أحكامها .
تعريف الفساد :
لم تعرّف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد مصطلح الفساد واكتفت بتعداد مجالاته ومظاهره وطرق مكافحته .
إلاّ أن المشرع التونسي بعد الثورة ارتأى ضرورة تعريف هذا المصطلح على ضوء الاتفاقية الأممية المذكورة التي صادقت عليها الدولة التونسية.
فقد نصّت المادة الأولى من المرسوم الإطاري عدد 120 لسنة 2011 المؤرخ في 14 نوفمبر 2011 على أنّه : ” يهدف هذا المرسوم الإطاري إلى مكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص وذلك خاصة بتطوير جهود الوقاية منه وتيسير كشفه وضمان تتبع مرتكبيه وردعهم ودعم المجهود الدولي للحد منه وتقليص آثاره والعمل على استرجاع عائداته.”
كما عرّفت المادة الثانية الفساد بـ ” سوء استخدام السلطة أو النفوذ أو الوظيفة للحصول على منفعة شخصية. ويشمل الفساد خاصة جرائم الرشوة بجميع أشكالها في القطاعين العام والخاص والاستيلاء على الأموال العمومية أو سوء التصرّف فيها أو تبديدها واستغلال النفوذ وتجاوز السلطة أو سوء استعمالها والإثراء غير المشروع وخيانة الأمانة وسوء استخدام أموال الذوات المعنوية وغسل الأموال.”
ويفهم من ذلك أن جرائم الفساد هي جرائم متعددة تأخذ أشكالا ومظاهر مختلفة وينشط الفاعلون فيها في القطاعين العام والخاص.
الفرع الأول : جرائم الفساد في القطاع العام
يتميز مجتمع الدولة المعاصرة بتنظيمه الإداري المحكم بشكل تتوزع الاختصاصات بين ما هو مركزي وما هو جهوي أو محلي. وتقوم الإدارة بتسيير المرافق العامة وتنشيطها وفق سياسات تخدم التوجهات العامة للدولة .
غير أنّ هذه الأدوار الرسمية للإدارة وللناشطين فيها لا تمنع الأخيرين من التورط في ممارسات فساد بسعي منهم أو من المتعاملين معها وكان هذا سببا لتدخل القانون الجزائي لردع هذه السلوكات المخلّة نظرا لخطورتها على سير المرافق العامة.
وتأخذ هذه الجرائم أشكالا مختلفة لعلّ أخطرها :
– جرائم الرشوة
– الاختلاس والاستيلاء على المال العام
– استغلال النفوذ
– الإثراء بدون موجب …
الفقرة الأولى : جرائم الرشوة
تتكون الرشوة من جريمتين مستقلتين :
– جريمة الإرشاء : وهي ذلك الفعل الصادر من المتعامل مع الإدارة من أجل الحصول على خدمة في وقت قياسي أو بمقتضى إجراءات مختصرة أو مخالفة للمقتضيات المشروطة أحيانا أو من أجل حرمان الغير من خدمة مشروعة ويدفع للموظف القائم على الخدمة أو لغيره مقابلا على ذلك أو يعد به .
– جريمة الارتشاء : وهي سعي الموظف العمومي وبفعل إيجابي منه في الحصول على منافع له أو لغيره مقابل القيام بعمل أو الامتناع عنه , أو قبول منافع أو عروض مقابل تقديم الخدمة التي هي من صلاحياته.
ولخطورة هذه الجرائم خصصت لها اتفاقية الأمم المتحدة لمقاومة الفساد مادتان هما المادة 15 والمادة 16 .
فقد نصّت المادة 15 على ما يلي : ” تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية, عندما ترتكب عمدا :
(أ) وعد موظف عمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها, بشكل مباشر أو غير مباشر, سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر, لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية؛
(ب) التماس موظف عمومي أو قبوله, بشكل مباشر أو غير مباشر, مزية غير مستحقة, سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر, لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية. ”
كما نصّت المادة 16 على ما يلي : ” 1- تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم القيام, عمدا, بوعد موظف عمومي أجنبي أو موظف مؤسسة دولية عمومية بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها, بشكل مباشر أو غير مباشر, سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر, لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية, من أجل الحصول على منفعة تجارية أو أي مزية غير مستحقة أخرى أو الاحتفاظ بها فيما يتعلق بتصريف الأعمال التجارية الدولية.
2- تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم قيام موظف عمومي أجنبي أو موظف في مؤسسة دولية عمومية عمدا, بشكل مباشر أو غير مباشر, بالتماس أو قبول مزية غير مستحقة, سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر, لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية.”
ونفهم من هذين النصين أن ظاهرة الفساد قد تسربت أيضا داخل أجهزة المنظمات الدولية العمومية كما تورط فيها موظفون تابعون لإدارات أجنبية.
أما على مستوى التشريع الجزائي التونسي, فقد خصّص المشرّع الباب الثالث من الجزء الأول من الكتاب الثاني من المجلة الجزائية إلى الجرائم المرتكبة من الموظفين العموميين وأشباههم.
فبدأ بتعريف الموظف العمومي ضمن أحكام المادة 82 التي ورد فيها : ” يعتبر موظفا عموميا تنطبق عليه أحكام هذا القانون كل شخص تعهد إليه صلاحيات السلطة العمومية أو يعمل لدى مصلحة من مصالح الدولة أو جماعة محلية أو ديوان أو مؤسسة عمومية أو منشأة عمومية أو غيرها من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عمومي.
ويشبه بالموظف العمومي كل من له صفة المأمور العمومي ومن انتخب لنيابة مصلحة عمومية أو من تعينه العدالة للقيام بمأمورية قضائية. ”
وهو تعريف أضيق من ذلك الذي اعتمدته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي ورد في مادتها الثانية ما يلي : ” لأغراض هذه الاتفاقية :
(أ) يقصد بتعبير ” موظف عمومي ” :
‘1’ أي شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا لدى دولة طرف, سواء أكان معيّنا أم منتخبا, دائما أم مؤقتا, مدفوع الأجر أم غير مدفوع الأجر’ بصرف النظر عن أقدمية ذلك الشخص؛
‘2’ أي شخص يؤدي وظيفة عمومية, بما في ذلك لصالح جهاز عمومي أو منشأة عمومية, أو يقدم خدمة عمومية, حسب التعريف الوارد في القانون الداخلي للدولة الطرف وحسب ما هو مطبّق في المجال القانوني ذي الصلة لدى تلك الدولة الطرف؛
‘3’ أي شخص آخر معرّف بأنه ” موظف عمومي ” في القانون الداخلي للدولة الطرف.
بيد أنه لأغراض بعض التدابير المعينة الواردة في الفصل الثاني من هذه الاتفاقية, يجوز أن يقصد بتعبير ” موظف عمومي ” أي شخص يؤدي وظيفة عمومية أو يقدم خدمة عمومية حسب التعريف الوارد في القانون الداخلي للدولة الطرف وحسب ما هو مطبّق في المجال المعني من قانون تلك الدولة الطرف,
(ب) يقصد بتعبير ” موظف عمومي أجنبي ” أي شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا لدى بلد أجنبي, سواء أكان معينا أم منتخبا؛ وأي شخص يمارس وظيفة عمومية لصالح بلد أجنبي, بما في ذلك لصالح جهاز عمومي أو منشأة عمومية؛
(ج) يقصد بتعبير ” موظف مؤسسة دولية عمومية ” أي مستخدم مدني دولي أو أي شخص تأذن له مؤسسة من هذا القبيل بأن يتصرف نيابة عنها؛”.
على أن المشرع التونسي فصل بين جريمتي الإرشاء والارتشاء فخصص المواد 83 و84 و85 لجريمة الارتشاء وهي تلك التي يرتكبها الموظف العمومي إذ ورد بالمواد المذكورة ما يلي:
المادة 83 . ” كل شخص انسحبت عليه صفة الموظف العمومي أو شبهه وفقا لأحكام هذا القانون ويقبل لنفسه أو لغيره بدون حق سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة عطايا أو وعودا بالعطايا أو هدايا أو منافع كيفما كانت طبيعتها لفعل أمر من علائق وظيفته ولو كان حقا لكن لا يستوجب مقابلا عليه أو لتسهيل إنجاز أمر مرتبط بخصائص وظيفته أو للامتناع عن إنجاز أمر كان من الواجب القيام به يعاقب بالسجن لمدة عشرة أعوام وبخطية قدرها ضعف قيمة الأشياء التي قبلها أو ما تم الوعد به على أن لا تقل الخطية عن عشرة آلاف دينار.
وتقضي المحكمة بنفس الحكم بحرمان المحكوم عليه من مباشرة الوظائف العمومية ومن تسيير المرافق العمومية ونيابة المصالح العمومية.”
المادة 84. ” إذا كان الموظف العمومي أو شبهه هو الباعث على الإرشاء فإن العقاب المنصوص عليه بالفصل 83 ( جديد ) من هذه المجلة يرفع إلى ضعفه. ”
المادة 85. ” إذا قبل الموظف العمومي أو شبهه عطايا أو وعودا بالعطايا أو هدايا أو منافع كيفما كانت طبيعتها جزاء عما فعله من أمور من علائق وظيفته لكن لا يستوجب مقابلا عليها أو عما امتنع عن فعله وكان من الواجب عليه عدم القيام به يعاقب بالسجن لمدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار.”
أما جريمة الإرشاء فقد خصّها المشرع بأحكام مستقلة جاءت بها المواد 91 و 92 و93 :
المادة 91. ” يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار كل شخص يرشو أو يحاول أو يرشو بعطايا أو بوعود بالعطايا أو هدايا أو منافع كيفما كانت طبيعتها أحد الأشخاص المشار إليهم بالفصل 82 ( جديد ) من هذه المجلة لفعل أمر من علائق عمله ولو كان حقا لكن لا يستوجب مقابلا عليه أو لتسهيل إنجاز أمر مرتبط بخصائص عمله أو للامتناع عن إنجاز أمر كان من الواجب القيام به.
وهذا العقاب ينسحب على كل شخص توسط بين الراشي والمرتشي.
ويرفع العقاب إلى ضعفه إذا وقع جبر الأشخاص المشار إليهم بالفصل 82 ( جديد ) من هذه المجلة على اقتراف الأفعال المذكورة تحت طائلة العنف أو التهديد المسلط عليهم شخصيا أو على أحد أفراد عائلتهم.”
المادة 92. ” يكون العقاب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ألف دينار إذا لم يحصل من محاولة الإرشاء أثر بالفعل.
ويكون العقاب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها ألفا دينار إذا لم يحصل من محاولة الجبر بالضرب أو التهديد أثر بالفعل. ”
المادة 93. ” لا عقاب على المرشي أو الواسطة الذي قبل كل محاكمة يخبر من تلقاء نفسه بالارتشاء ويأتي في آن واحد بما يثبت ذلك.”
ويفهم مما سبق عرضه أن المشرّع تدرّج في ردع جرائم الإرشاء من الجنحة إلى الجناية وذلك بحسب نتائجها والطرق المستعملة فيها إلاّ أنه في نفس الوقت كافأ المرشي أو الواسطة الذي يخبر من تلقاء نفسه عن تلقي الموظف العمومي لرشوة ويقدم دليلا على ذلك, بأن أعفاه من العقاب . والهدف من ذلك هو تشجيع الإعلام عن ارتكاب هذه الجرائم قبل المحاكمة من أجلها.
على أن المشرع أقر أحكاما خاصة بجرائم الإرتشاء المقترفة من القضاة صلب المواد 88 و 89 و 90 من المجلة الجزائية والتي ورد فيها ما يلي :
المادة 88. ” يعاقب بالسجن مدة عشرين عاما القاضي الذي يرتشي بمناسبة جريمة تقتضي عقاب مرتكبها بالإعدام أو بالسجن بقية العمر سواء كان أخذ الرشوة لمصلحة المتهم أو لمضرته.”
المادة 89. ” إذا وقع بموجب ارتشاء القاضي عقاب المتهم بالسجن لمدة معينة بعقاب أشد فنفس العقاب يحكم به على ذلك القاضي على أن لا يقل العقاب المحكوم به على هذا الأخير عن عشرة أعوام سجنا.”
المادة 90. ” يعاقب بالسجن مدة عام كل قاض لم يجرح في نفسه, فيما عدا الصور المنصوص عليها بالفصل 83 وما بعده من هذه المجلة, بعد قبوله علانية أو خفية ممن هو طرفا في قضية منشورة لديه أشياء أو قيما أو أي مبالغ مالية.”
الفقرة الثانية : جريمة استغلال النفوذ
هي شكل من أشكال التعمش من الرشوة. ففي هذه الصورة لم يتلق الفاعل مقابلا عن القيام بفعل من علائق وظيفته أو الامتناع عنه وإنما هو يستغل علاقته بأصحاب القرار حقيقية كانت أو وهمية من أجل الإيقاع بضحاياه من طالبي الخدمة ويحصل على نفع مقابل ذلك.
فقد نصّت المادة 87 من المجلة الجزائية على مايلي : ” كل شخص استغل ما له من نفوذ أو روابط حقيقية أو وهمية لدى موظف عمومي أو شبهه ويقبل بنفسه أو بواسطة غيره عطايا أو وعودا بالعطايا أو هدايا أو منافع كيفما كانت طبيعتها بدعوى الحصول على حقوق أو امتيازات لفائدة الغير ولو كانت حقا يعاقب بالسجن لمدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار والمحاولة تستوجب العقاب.
ويرفع العقاب إلى ضعفه إذا كان مرتكب الفعل موظفا عموميا أو شبهه.”
أما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فقد توسّعت في هذا الشأن بان جرّمت في نفس الوقت الأفعال الصادرة عن مدّعي النفوذ وعن الساعين إلى الانتفاع من نفوذه.
فقد ورد بالمادة 18 ما يلي : ” ينظر كل طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية, عندما ترتكب عمدا :
(أ) وعد موظف عمومي أو أي شخص آخر بأي مزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها, بشكل مباشر أو غير مباشر, لتحريض ذلك الموظف العمومي أو الشخص على استغلال نفوذه الفعلي أو المفترض بهدف الحصول من إدارة أو سلطة عمومية تابعة للدولة الطرف على مزية غير مستحقة لصالح المحرّض الأصلي على ذلك الفعل أو لصالح أي شخص آخر؛
(ب) قيام موظف عمومي أو أي شخص آخر, بشكل مباشر أو غير مباشر, بالتماس أو قبول أي مزية غير مستحقة لصالحه هو أو لصالح شخص آخر, لكي يستغل ذلك الموظف العمومي أو الشخص نفوذه الفعلي أو المفترض بهدف الحصول من إدارة أو سلطة عمومية تابعة للدولة الطرف على مزية غير مستحقة.”
الفقرة الثالثة : تجـاوز السـلـطـة
والمقصود بذلك أن يمنح الموظف العمومي لطالب الخدمة امتيازات لا حق له فيها بموجب القانون ومخالفة لقواعد المنافسة من أجل الفوز بالصفقات العمومية.
فقد ورد بالمادة 87 مكرر : ” يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار كل موظف عمومي أو شبهه يقبل لنفسه أو لغيره بدون حق سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة عطايا أو وعودا بالعطايا أو هدايا أو منافع كيفما كانت طبيعتها لمنح الغير امتيازا لا حق له فيه وذلك بمقتضى عمل مخالف للأحكام التشريعية والترتيبية الضامنة لحرية المشاركة ولتكافؤ الفرص في الصفقات التي تبرمها المؤسسات العمومية والمنشآت العمومية والدواوين والجماعات المحلية والشركات التي تساهم الدولة أو الجماعات المحلية في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة.”
مع العلم أن رئيس الدولة التونسية السابق كان يتدخل شخصيا في مجريات الصفقات العمومية من أجل ترشيح أحد الفائزين بها وفي ذلك مخالفة صريحة للنصوص المنظمة للصفقات العمومية التي تباشرها لجنة خاصة لها وحدها صلاحية فرز العروض واختيار أنسبها على مستوى العروض الفنية وعروض الأسعار. وهذا أمر لاحظته لجنة تقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد في تقريرها الصادر في 2011.
كما ورد بالمادة 19 من اتفاقية الأمم المتحدة ما يلي : تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لكي تجرّم تعمد موظف عمومي إساءة استغلال وظائفه أو موقعه, أي قيامه أو عدم قيامه بفعل ما, لدى الاضطلاع بوظائفه, بغرض الحصول على مزية غير مستحقة لصالحه هو أو لصالح شخص أو كيان آخر, مما يشكل انتهاكا للقوانين.
الفقرة الرابعة : الإثراء غير المشروع
اعتبر المرسوم الإطاري عدد 120 المشار إليه أعلاه الإثراء غير المشروع من جرائم الفساد, وهو أمر أقرّته اتفاقية الأمم المتحدة صلب أحكام المادة 20 التي ورد فيها ” تنظر كل دولة طرف, رهنا بدستورها والمبادئ الأساسية لنظامها القانوني, في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم تعمّد موظف عمومي إثراءً غير مشروع, أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسيا إلى دخله المشروع.”
وقد وقفت لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد بتونس على عديد مظاهر الإثراء غير المشروع لشخصيات تابعة للنظام السابق أو متمعشة منه.
الفقرة الخامسة : الاختلاس والاستيلاء على أموال عمومية
إن الموظف العمومي هو مستأمن على ما بين يديه من المال العام فلا يصرفه إلاّ فيما هو مخصّص له ولا يعمل فيه يده بما يحقق له منفعة شخصية. لذلك جاءت النصوص الجزائية صارمة في هذا الصدد وذلك من أجل تحصين المال العام وحمايته من أطماع القائمين عليه.
لذلك خصص المشرع التونسي أحكاما خاصة لردع هذا السلوك وردت بها أحكام المواد 95 و96 و97 :
المادة 95. ” يعاقب بالسجن مدة خمسة عشر عاما وبخطية تساوي مبلغ ما يحكم بترجيعه الموظفون العموميون أو أشباههم الذين يأخذون أموالا باطلا وذلك بأن يأمروا باستخلاص أو يقبضوا أو يقبلوا ما يعرفون عدم وجوبه أو يتجاوزوا المقدار الواجب للإدارات المنتسبين إليها.
كما يمكن زيادة على ذلك الحكم عليهم بالعقوبات التكميلية المقرّرة بالفصل 5 من هاته المجلة.”
المادة 96. ” يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرة الحاصلة للإدارة الموظف العمومي أو شبهه وكل مدير أو عضو أو مستخدم بإحدى الجماعات العمومية المحلية أو الجمعيات ذات المصلحة القومية أو بإحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية أو الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة بنصيب ما أو الشركات التابعة إلى الجماعات العمومية المحلية مكلّف بمقتضى وظيفه ببيع أو صنع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب استغل صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة أو خالف التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار إليهما.”
المادة 97. ” يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تساوي قيمة الفائدة المتحصل عليها كل شخص ممن ذكر بالفصل المتقدم أخذ أو قبل أي ربح لنفسه أو لغيره بأي كيفية كانت في أمر تولى إدارته أو الإشراف عليه أو حفظه كليا أو جزئيا أو أخذ أي فائدة كانت في أمر هو مكلف بالإذن بالدفع فيه أو بتصفيته. ”
المادة 98. ” على المحكمة في جميع الصور المنصوص عليها بالفصلين 96 و 97 أن تحكم فضلا عن العقوبات المبيّنة بهذين الفصلين بردّ ما وقع الاستيلاء عليه أو اختلاسه أو قيمة ما حصل عليه من منفعة أو ربح ولو انتقلت إلى أصول الفاعل أو فروعه أو اخوته أو زوجه أو أصهاره وسواء بقيت تلك الأموال على حالها أو وقع تحويلها إلى مكاسب أخرى.
ولا يتحرر هؤلاء من هذا الحكم إلا إذا أثبتوا أن مأتى هذه الأموال أو المكاسب لم يكن من متحصل الجريمة.
وللمحكمة في جميع الصور الواردة بالفصلين المذكورين أن تسلط كل أو بعض العقوبات المقرّرة بالفصل الخامس على أولئك المجرمين.”
ولمزيد حماية المال العام جرّم المشرّع التونسي مساهمة الموظف العمومي في رأسمال منشأة خاصة تخضع لرقابته بحكم وظيفته أو مشاركته في تسييرها حتى وإن كان ذلك بعد انتهاء صفته الوظيفية.
كما جرم تعاطي الموظف العمومي لنشاط خاص له علاقة بمباشرة مهامه دون ترخيص مسبق في ذلك . وهو ما نصت عليه المادتان 97 مكرر و 97 ثالثا.
المادة 97 مكرر. ” يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار كل موظف عمومي يعمد وهو في حالة المباشرة أو عدم المباشرة أو الإلحاق إلى المساهمة بنفسه أو بواسطة بعمل أو برأس مال في سير منشأة خاصة خاضعة بحكم مهامه لرقابته أو كان مكلفا بإبرام العقود معها أو كان عنصرا فاعلا في إبرام تلك العقود.
ويحطّ العقاب إلى عامين والخطية إلى ألفي دينار بالنسبة إلى الموظف العمومي الذي استغل صفته السابقة وعمد إلى هذه المساهمة قبل انقضاء خمس سنوات من انقطاعه نهائيا عن ممارسة مهامه وذلك لتحقيق فائدة لنفسه أو لغيره أو لإلحاق ضرر بالإدارة.”
المادة 97 ثالثا. ” يعاقب بالسجن مدة عامين اثنين وبخطية قدرها ألفا دينار كل موظف عمومي يعمد وهو في حالة المباشرة أو عدم المباشرة أو الإلحاق إلى ممارسة نشاط خاص بمقابل له علاقة مباشرة بمهامه دون أن يكون له ترخيص مسبق في ذلك.
وتضبط شروط الحصول على ترخيص من قبل الإدارة وإجراءاته بأمر.
ويستهدف إلى نفس العقاب كل موظف عمومي يقترف هذا الفعل قبل انقضاء خمس سنوات من انقطاعه نهائيا عن ممارسة مهامه ولم يكن مرخصا له قانونا في ذلك.”
كما يشمل الاختلاس أيضا الاستيلاء على الرسوم والعقود والوثائق والمنقولات التابعة للمؤسسات العمومية التي يعمل الموظف العمومي لديها وهو مضمون المادتان 99 و100 :
المادة 99 . ” يعاقب بالسجن مدة عشرين عاما وبخطية تساوي قيمة ما وقع الاستيلاء عليه, كل موظف عمومي أو شبهه والمؤتمن أو المحتسب العمومي, وكل مدير أو عضو أو مستخدم بإحدى الجماعات العمومية المحلية أو الجمعيات ذات المصلحة القومية أو بإحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية أو الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها مباشرة أو بصفة غير مباشرة بنصيب ما أو الشركات التابعة إلى الجماعات العمومية المحلية الذي تصرف بدون وجه في أموال عمومية أو خاصة أو اختلسها أو اختلس حججا قائمة مقامها أو رقاعا أو رسوما أو عقودا أو منقولات كانت بيده بمقتضى وظيفه أو حوّلها بأيّ كيفية كانت. وتنسحب وجوبا أحكام الفصل 98 على الجرائم المنصوص عليها بهذا الفصل. ”
المادة 100. ” يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها ألف دينار كل موظف عمومي أو شبهه يسرق أو يختلس أو يزيل العقود أو الرسوم المؤتمن عليها بمقتضى وظيفه ويمكن الحكم عليه زيادة على ذلك بالعقوبات التكميلية المقرّرة بالفصل 5 من هاته المجلة.”
أما اتفاقية الأمم المتحدة فقد خصصت لهذه الجريمة أحكاما خاصة صلب المادة 17 التي ورد فيها : ” تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم قيام موظف عمومي عمدا, لصالحه هو أو لصالح شخص أو كيان آخر’ باختلاس أو تبديد أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خصوصية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم موقعه, أو تسريبها بشكل أخر.”
الفرع الثاني : جرائم الفساد في القطاع الخاص
لقد سبق أن أشرنا إلى أن الفساد هو انحراف سلوكي أخلاقي يضرب القطاع العام ويطال كذلك مؤسسات القطاع الخاص ويزداد الأمر سوءا في الدول القائمة على اقتصاديات السوق التي ينشط اقتصادها ضمن قوانين المنافسة الحرّة وحرية الأسعار.
وقد ركزت اتفاقية الأمم المتحدة على ثلاث مظاهر أساسية للفساد في القطاع الخاص وهي الرشوة والاختلاس وغسل العائدات الإجرامية.
الفقرة الأولى : الرشوة في القطاع الخاص
نصّت المادة 21 من اتفاقية الأمم المتحدة لمقاومة الفساد على ما يلي : ” تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية, عندما ترتكب عمدا أثناء مزاولة أنشطة اقتصادية أو مالية أو تجارية :
(أ) وعد أي شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص, أو يعمل لديه بأي صفة, بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها, بشكل مباشر أو غير مباشر, سواء لصالح الشخص نفسه أو لصالح شخص آخر, لكي يقوم ذلك الشخص بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما, مما يشكل إخلالا بواجباته؛
(ب) التماس أي شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص, أو يعمل لديه بأي صفة’ أو قبوله, بشكل مباشر أو غير مباشر, مزية غير مستحقة, سواء لصالح الشخص نفسه أو لصالح شخص آخر, لكي يقوم ذلك الشخص بفعل ما, مما يشكل إخلالا بواجباته.”
أما المرسوم الإطاري عدد 120 فقد أشار في مادته الثانية إلى الرشوة في القطاعين العام والخاص دون إحالة صريحة على النصوص المنطبقة عليها .
الفقرة الثانية : اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص
ورد صلب المادة 22 من اتفاقية الأمم المتحدة : ” تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم تعمد شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص, أو يعمل فيه بأي صفة, أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري, اختلاس أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية خصوصية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم موقعه.”
كما ورد بالمادة 253 من القانون الجزائي التونسي : ” أن الإنسان الذي يذيع موضوع مكتوب أو تلغراف أو غير ذلك من الكتائب التي لغيره بدون رخصة من صاحبها يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أشهر “.
ذلك أن إذاعة مضمون هذه الوثائق الداخلية الخاصة قد يستفيد منها منافسو هذه المؤسسات بما تحتويه من أسرار مهنية خاصة. وقد يكون الدافع إلى ذلك مزدوجا بسعي من العامل بالمؤسسة الذي توجد تحت يده هذه الوثائق أو يمكنه الحصول عليها والطرف الأجنبي الذي يسعى إلى الإضرار بمؤسسة خصيمة أو منافسة من خلال الحصول على وثائق سرية خاصة بها.
وتدخل تحت طائلة الفساد جرائم المادة 138 من المجلة الجزائية التي ورد فيها ما يلي : ” يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها أربعمائة وثمانون دينارا مدير المصنع أو النائب أو المستخدم الذي يفشي أسرار الصنع به أو يطلع الغير عليه. والمحاولة موجبة للعقاب. ”
كما يمكن اعتبار أحكام المادة 264 من المجلة الجزائية الواردة تحت عنوان ” في السرقات وغيرها مما هو مشبه بها ” أنها تنطبق على الاختلاسات والسرقات في القطاع الخاص إذ ورد فيها : ” يكون العقاب بالسجن لمدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا بالنسبة إلى كل أنواع السرقات والاختلاسات الواقعة في غير الصور المبينة بالفصول من 260 إلى 263 من هذه المجلة.”
الفقرة الثالثة : خيانة الأمانة
أورد المرسوم الإطاري عدد 120 خيانة الأمانة ضمن قائمة جرائم الفساد .
وبالرجوع إلى أحكام المجلة الجزائية نجد أن المشرع قد خصّص لها المادة 297 التي ورد فيها : ” يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا كل من يختلس أو يتلف أو يحاول أن يختلس أو يتلف سندات أو نقودا أو سلعا أو رقاعا أو وصولات أو غير ذلك من الكتايب المتضمنة لالتزام أو إبراء أو القاضية بهما لم تسلم له إلاّ على وجه الكراء أو الوديعة أو الوكالة أو التوثقة أو الإعارة أو لأجل عمل معين بأجر أو بدونه بشرط ترجيعها أو إحضارها أو استعمالها في أمر معين قاصدا بذلك الإضرار بأربابها أو المتصرفين فيها أو من هي بأيديهم.
ويكون العقاب بالسجن مدة عشرة أعوام إذا كان الجاني وكيلا أو مستخدما أو خادما أو أجير يومه لصاحب الشيء المختلس أو وليا أو وصيا أو ناظرا أو مقدما أو مؤتمنا أو متصرفا قضائيا أو مديرا لوقف أو مستخدما به.”
الفقرة الرابعة : غسل الأموال
يقصد بغسل الأموال إخفاء عائدات الفساد باعتماد طريقة توظيف لها يخفي شبهة مصدرها ويكسبها مظهر الأموال المشروعة.
فقد نصّت المادة 23 من اتفاقية الأمم المتحدة : ” 1- تعتمد كل دولة طرف, وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي, ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية, عندما ترتكب عمدا :
(أ) ‘1’ إبدال الممتلكات أو إحالتها, مع العلم بأنها عائدات إجرامية, بغرض إخفاء أو تمويه مصدر تلك الممتلكات غير المشروع أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته؛
‘2’ إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للمتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها, مع العلم بأن تلك الممتلكات هي عائدات إجرامية؛
(ب) ورهنا بالمفاهيم الأساسية لنظامها القانوني :
‘1’ اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع العلم, وقت استلامها, بأنها عائدات إجرامية؛
‘2’ المشاركة في ارتكاب أي فعل مجرّم وفقا لهذه المادة, أو التعاون أو التآمر على ارتكابه, والشروع في ارتكابه والمساعدة والتشجيع على ذلك وتسهيله وإسداء المشورة بشأنه.
2- لأغراض تنفيذ أو تطبيق الفقر 1 من هذه المادة :
(أ) تسعى كل دولة طرف إلى تطبيق الفقرة 1 من هذه المادة على أوسع مجموعة من الجرائم الأصلية؛
(ب) تدرج كل دولة طرف في عداد الجرائم الأصلية, كحد أدنى, مجموعة شاملة من الأفعال المجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية؛
(ج) لأغراض الفقرة الفرعية(ب) أعلاه, تشمل الجرائم الأصلية الجرائم المرتكبة داخل الولاية القضائية للدولة الطرف المعنية وخارجها. غير أن الجرائم المرتكبة خارج الولاية القضائية للدولة الطرف لا تمثل جرائم أصلية إلا إذا كان السلوك ذو الصلة يعتبر فعلا إجراميا بمقتضى القانون الداخلي للدولة التي ارتكب فيها وكان من شأنه أن يعتبر فعلا إجراميا بمقتضى القانون الداخلي للدولة الطرف التي تنفذ أو تطبق هذه المادة لو كان قد ارتكب هناك؛
(د) تزود كل دولة طرف الأمين العام للأمم المتحدة بنسخ من قوانينها المنفذة لهذه المادة وبنسخ من أي تغييرات تدخل على تلك القوانين لاحقا أو بوصف لها؛
(هـ) يجوز النص على أن الجرائم المبينة في الفقرة 1 من هذه المادة لا تسري على الأشخاص الذين ارتكبوا الجرم الأصلي, إذا كانت المبادئ الأساسية للقانون الداخلي للدولة الطرف تقتضي ذلك.”
كما خصص القانون التونسي لجرائم غسل الأموال نصا خاصا وهو القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. فقد عرف هذه الجريمة صلب المادة 62 التي ورد فيها : ” يعد غسلا للأموال كل فعل قصدي يهدف, بأي وسيلة كانت, إلى التبرير الكاذب للمصدر غير المشروع لأموال منقولة أو عقارية أو مداخيل متأتية, بصفة مباشرة أو غير مباشرة, من جنحة أو جناية.
ويعتبر أيضا غسلا للأموال, كل فعل قصدي يهدف إلى توظيف أموال متأتية, بصفة مباشرة أو غير مباشرة, من جنحة أو جناية, أو إلى إيداعها أو إخفائها أو إدارتها أو إدماجها أو حفظها أو إلى المساعدة في ذلك.
وتجري أحكام الفقرتين المتقدمتين ولو لم ترتكب الجريمة المتأتية منها الأموال موضوع الغسل داخل تراب الجمهورية.”
المادة 63 : ” يعاقب مرتكب غسل الأموال بالسجن من عام إلى ستة أعوام وبخطية من خمسة آلاف دينار إلى خمسين ألف دينار.
ويمكن الترفيع في المبلغ إلى ما يساوي نصف قيمة الموال موضوع الغسل.”
المادة 64 : ” يكون العقاب بالسجن من خمسة أعوام إلى عشرة أعوام وبخطية من عشرة آلاف دينار إلى مائة ألف دينار إذا ارتكبت الجريمة :
– ممن اعتاد القيام بعمليات غسل الأموال.
– ممن استغل التسهيلات التي خولتها له خصائص وظيقته أو نشاطه المهني أو الاجتماعي,
– من قبل مجموعة منظمة.
ويقصد بمجموعة منظمة على معنى هذا الفصل كل مجموعة تكونت لأي مدة كانت مهما كان عدد أعضائها وكل وفاق وقع بقصد التحضير لارتكاب جريمة أو عدة جرائم.
ويمكن الترفيع في مبلغ الخطية إلى ما يساوي قيمة الأموال موضوع الغسل. ”
المادة 65 : ” يعاقب مرتكب جريمة غسل الأموال, إذا كانت عقوبة السجن المستوجبة للجريمة الأصلية التي تأتت منها الأموال موضوع عملية الغسل تتجاوز ما هو مقرر للجريمة المشار إليها بالفصلين 63 و64 من هذا القانون, بالعقوبة المستوجبة للجريمة الأصلية إذا كان على علم بها.
ولا تؤخذ بعين الاعتبار في ضبط العقوبة المستوجبة لجريمة غسل الأموال سوى ظروف التشديد المقترنة بالجريمة الأصلية التي علم بها مرتكب جريمة غسل الأموال.”
المادة 66 : ” تنسحب العقوبات المشار إليها بالفصول المتقدمة, حسب الحالة, على مسيري الذوات المعنوية وعلى ممثليها إذا ثبتت مسؤوليتهم الشخصية عن هذه الأفعال.
ولا يمنع ذلك من تتبع هذه الذوات إذا تبين أن عملية الغسل تمت لفائدتها أو إذا حصلت لها منها مداخيل أو إذا تبين أن غسل الأموال يمثل الغرض منها ويكون العقاب بخطية تساوي خمس مرات قيمة الخطية المستوجبة للذوات الطبيعية ويمكن الترفيع فيها إلى ما يساوي قيمة الأموال موضوع الغسل.
كما لا يحول ذلك دون سحب العقوبات التأديبية المستوجبة بمقتضى التشريع الجاري به العمل عليها بما في ذلك حرمانها من مباشرة النشاط لمدة معينة أو حلها.”
المادة 67 : ” يجب على المحكمة الإذن بحجز الأموال موضوع الغسل وكذلك ما حصل, مباشرة أو بصفة غير مباشرة , من جريمة غسل الأموال وباستصفائها لفائدة الدولة.
وفي صورة عدم التوصل إلى الحجز الفعلي فإنه يقع الحكم بخطية لا تقل في كل الحالات عن قيمة الأموال التي وقعت عليها الجريمة لتقوم مقام الاستصفاء.
كما يمكن للمحكمة حرمان المحكوم عليه من مباشرة الوظائف أو الأنشطة المهنية أو الاجتماعية التي استغل بمقتضاها التسهيلات المخولة له لارتكاب عملية أو عدة عمليات غسل أموال وذلك لمدة لا يمكن أتتجاوز خمسة أعوام.
ويمكن الحكم بالمراقبة الإدارية على مرتكبي غسل الأموال مدة خمسة أعوام.
ولا يمنع ذلك من الحكم بكل أو بعض العقوبات التكميلية الأخرى المقررة قانونا.”
المادة 94. ” تحجز لخزينة الدولة الأشياء المعطاة أو المأخوذة في كل صور الرشوة.”
يفهم مما سبق عرضه بأن جرائم الفساد حاضرة بشكل واضح ضمن أحكام المجلات القانونية الجزائية الوطنية وكذلك ضمن الاتفاقيات الدولية .
إلا أنه قد يبدو من المستحسن إصدار نصوص قانونية جديدة وموحدة وفق رؤية شمولية مستحدثة خاصة بجرائم الفساد في جميع أبعادها. ذلك أن النصوص المستعملة حاليا هي نصوص قديمة نسبيا ولا تستحضر الأبعاد الحديثة لجرائم الفساد في مستوى الارتكاب والردع.
المبحث الثاني : مقاومة الفساد
إن الفساد ظاهرة تاريخية كما سبق أن أسلفنا وهو من الأمراض الاجتماعية التي طالت جميع القطاعات العامة منها والخاصة وتضررت منه جميع الفئات والأوساط عدى تلك التي استفادت منه بشكل مباشر أو غير مباشر.
فقد ساهم الفساد في تبديد الثروات الوطنية وتعطيل حركة التنمية وإفساد قواعد المنافسة الشريفة والإضرار بحقوق الإنسان في ما له علاقة بالخدمات وغيرها.
بل إن الفساد تطور في العهود الأخيرة ليلتحق بصنف الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
لذلك نشطت الاتفاقيات الدولية من أجل محاصرة هذه الظاهرة وإقناع الدول من أجل سنّ قوانين وطنية ناجعة لمواجهتها ثم توحيد الجهود الدولية لمحاصرتها.
وتتخذ مقاومة الفساد مظاهر مختلفة بعضها وقائيّ وبعضها الآخر ردعيّ.
الفرع الأول : الوقاية من الفساد
إن الوقاية من الفساد تستدعي التدخل في مستوى الأسباب والمناخات المؤدية إلى رواجه وانتشاره ومقاومتها في أبعاد أفقية وعمودية تطال قطاع الوظيفة العمومية وكذلك القطاع الخاص .
* الفقرة الأولى : قطاع الوظيفة العمومية : شهد هذا القطاع توظيفا غير مسبوق في مجالات الفساد بسعي من المنتمين إليه أو المتعاملين معه .
لذلك فإن الأمر يستدعي اتخاذ جملة من الإصلاحات تهدف إلى تحصين الإدارة ضدّ الاختراق من داخلها أو من خارجها ويتم ذلك بتوخي جملة من السياسات الناجعة والتي يمكن تعداد أهمها كما يلي :
أولا : الإصلاح الإداري : يتعين على الدول المعنية بمكافحة الفساد أن تعيد النظر في نظمها الإدارية وسياساتها المعتمدة في ذلك من أجل سدّ المنافذ أمام إمكانية التجاوزات ذات الصلة بالفساد.
ذلك أنّ تورط الإدارة العامة في ممارسات فاسدة عن طريق القائمين عليها والناشطين فيها يدلّ على هشاشة هذا النظام الإداري في مستوى الانتداب والترقية والتعيين بالخطط المتقدمة .
لذلك نصّت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمكافحة الفساد في مادتها السابعة :”
1- تسعى كل دولة طرف, حيثما اقتضى الأمر ووفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني, إلى اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم لتوظيف المستخدمين المدنيين, وغيرهم من الموظفين العموميين غير المنتخبين عند الاقتضاء, واستخدامهم واستبقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد تتسم بأنها :
(أ) تقوم على مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية, مثل الجدارة والإنصاف والأهلية ؛
(ب) تشتمل على إجراءات مناسبة لاختيار وتدريب أفراد لتولي المناصب العمومية التي تعتبر عرضة للفساد بصفة خاصة وضمان تناوبهم على المناصب عند الاقتضاء ؛
(ج) تشجع على تقديم أجور كافية ووضع جداول أجور منصفة, مع مراعاة مستوى النمو الاقتصادي للدولة الطرف المعنية ؛
(د) تشجع على وضع برامج تعليمية وتدريبية لتمكين أولئك الموظفين من الوفاء بمتطلبات الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العمومية, وتوفر لهم التدريب المتخصص والمناسب من اجل إذكاء وعيهم بمخاطر الفساد الملازمة لأداء وظائفهم. ويجوز أن تشير هذه البرامج إلى مدونات أو معايير سلوكية في المجالات التي تنطبق عليها.
2- تنظر كل دولة طرف أيضا في اعتماد تدابير تشريعية وإدارية مناسبة, بما يتوافق مع أهداف هذه الاتفاقية ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي, لوضع معايير تتعلق بالترشيح للمناصب العمومية وانتخاب شاغليها.
3- تنظر كل دولة طرف أيضا في اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية المناسبة, بما يتسق مع أهداف هذه الاتفاقية ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي, لتعزيز الشفافية في تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العمومية وفي تمويل الأحزاب السياسية, حيثما انطبق الحال.
4- تسعى كل دولة طرف, وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي, إلى اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم تعزز الشفافية وتمنع تضارب المصالح.”
ويفهم من هذه المادة أن مقاومة الفساد يتطلب اعتماد مسار تصاعدي قاعدته إشاعة الوعي بمخاطر الفساد بين العامة وتحصين الأنفس ضده وهذا يقتضي التدخل في مستوى البرامج التعليمية والمناهج التكوينية مرورا باتخاذ مقاييس تكرّس الشفافية عند الانتداب بحيث يقع قبول الكفاءات التي تجمع بين الاقتدار العلمي والمهني والانضباط الأخلاقي ثم دعم تكوين هذه الكفاءات مهنيا وأخلاقيا من أجل ضمان جودة الأداء ثم توزيع المسؤوليات على المتميزين منهم على قاعدة الجدارة .
هذا إلى جانب إقرار نظام تأجير مناسب يغني الإطار الإداري عن الحاجة ويوصد في داخله ومن حوله منافذ الطمع والفساد. ذلك أن ضعف الأجور والرواتب في قطاع الوظيفة العمومية يكون عادة مبرّرا نفسيا للسقوط في الانحرافات المهنية ومدخلا لاغتصاب طهارة الموظف وتدنيس شرفه المهني من خلال استدراجه إلى مآثم الفساد.
وفي هذا الإطار نصّت المادّة الخامسة من المرسوم الإطاري عدد 120 لسنة 2011 المتعلق بمكافحة الفساد على ما يلي : ” تضمن الدولة إقرار برنامج شامل لتبسيط الإجراءات الإدارية وتعصيرها خاصة عن طريق اعتماد تكنولوجيات الاتصال والمعلومات في إسداء الخدمات الإدارية وترشيد التصرف في الموارد والنفقات والمشتريات العمومية.”
ثانيا: وضع خطة استراتيجية لمقاومة الفساد
إن مقاومة الفساد تحتاج إلى رؤية استراتيجية وإلى خطة ذات معالم واضحة تأخذ بعين الاعتبار مقتضيات التأثير على السلوك البشري وتوجيهه نحو تمثل قيم التعفّف والانضباط السلوكي والأخلاقي .
على أن تراعي هذه السياسة ضرورة تشريك كل الفصائل الناشطة في المجتمع .
ومن مقتضيات هذه الاستراتيجية أيضا تعهد النصوص القانونية والترتيبية بالتعديل وإعادة تركيب أحكامها بالقدر الذي يسمح باستيعاب المهمة الجديدة وتأطيرها وخدمتها.
فقد نصّت المادة الثالثة من المرسوم الإطاري المشار إليه أعلاه : ” تضمن الدولة إدراج مكافحة الفساد كمحور رئيسي في برامج التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية بناء على منهج :
– شمولي يغطي كافة مجالات تدخلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة,
– تشاركي يسمح بتجنيد كل طاقات المجتمع من أفراد ومنظمات وقطاعات عامة وخاصة,
– تفاعلي يمكن من تبادل المعلومات بين مختلف المتدخلين وتنسيق جهودهم.
كما جاء بالمادة الرابعة ما يلي : ” تضمن الدولة تنفيذ سياستها في مجال مكافحة الفساد وذلك بوضع النصوص القانونية والترتيبية المستوجبة والآليات التي تضمن احترامها وباتخاذ التدابير والإجراءات العملية لتعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة واحترام القانون.”
كما ورد بالمادة الخامسة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ما يلي : ”
1- تقوم كل دولة طرف, وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني, بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد, تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة.
2- تسعى كل دولة طرف إلى إرساء وترويج ممارسات فعالة تستهدف منع الفساد.
3- تسعى كل دولة طرف إلى إجراء تقييم دوري للصكوك القانونية والتدابير الإدارية ذات الصلة, بغية تقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته.
4- تتعاون الدول الأطراف فيما بينها ومع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة, حسب الاقتضاء ووفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني, على تعزيز وتطوير التدابير المشار إليها في هذه المادة. ويجوز أن يشمل ذلك التعاون المشاركة في البرامج والمشاريع الدولية الرامية إلى منع الفساد.”
ثالثا : إحداث هيئات متخصصة لمكافحة الفساد
لقد تناولت جلّ التشريعات جرائم الفساد بالردع والملاحقة على الوجه الذي ذكر في المبحث الأول .إلاّ أن إسناد هذه المهمة إلى الأجهزة العادية القضائية منها والإدارية قد يهمّش الاهتمام بها والتركيز عليها لكثرة الملفات المعروضة على الجهات المعنية بالنظر.
لذلك اتجه التفكير في إنشاء كيانات وهيئات متخصصة يراعى في انتداب أعضائها ما يلي :
• التفرّغ لدراسة ملفات الفساد والبحث فيها مع الاستقلالية التامة إداريا وماليا
• اختصاص المنتمين إلى هذه الهيئات في مختلف التخصصات المساعدة على كشف الفساد. ذلك أن هذه الملفات تحتاج إلى أكثر من خبرة وأزيد من اختصاص في المجالات القانونية والمحاسبية والجبائية والمالية … .
لذلك دعت اتفاقية الأمم المتحدة لمقاومة الفساد الدول الأطراف إلى إحداث هذه الهيئات المتخصصة إذ ورد بالمادة 6 ما يلي :
1- تكفل كل دولة طرف, وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني, وجود هيئة أو هيئات, حسب الاقتضاء, تتولى منع الفساد, بوسائل مثل :
( أ ) تنفيذ السياسات المشار إليها في المادة 5 من هذه الاتفاقية, والإشراف على تنفيذ تلك السياسات وتنسيقها, عند الإقتضاء ؛
( ب ) زيادة المعارف المتعلقة بمنع الفساد وتعميمها.
2- تقوم كل دولة طرف, وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني, بمنح الهيئة أو الهيئات المشار إليها في الفقرة 1 من هذه المادة ما يلزم من الاستقلالية, لتمكين تلك الهيئة أو الهيئات من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة وبمنأى عن أيّ تأثير لا مسوّغ له. وينبغي توفير ما يلزم من موارد مادية وموظفين متخصصين, وكذلك ما قد يحتاج إليه هؤلاء الموظفون من تدريب للاضطلاع بوظائفهم.
3- تقوم كل دولة طرف بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة باسم وعنوان السلطة أو السلطات التي يمكن أن تساعد الدول الأطراف الأخرى على وضع تنفيذ تدابير محددة لمنع الفساد.
كما نص المرسوم الإطاري التونسي على إحداث هذه الهيئة وحدد لها صلاحياتها.
فقد نصّ بالمادة 12 :” تحدث هيئة عمومية مستقلة تسمى ” الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ” تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي.
كما نصّت بالمادة 13: ” تتولى الهيئة القيام خاصة بالمهام التالية :
1- اقتراح سياسات مكافحة الفساد ومتابعة تنفيذها باتصال مع الجهات المعنية,
2- إصدار المبادئ التوجيهية العامة باتصال مع الجهات المعنية لمنع الفساد ونظم ملائمة لكشفه,
3- الكشف عن مواطن الفساد في القطاعين العام والخاص,
4- تلقي الشكاوى والإشعارات حول حالات الفساد والتحقيق فيها وإحالتها على الجهات المعنية بما في ذلك القضاء.
5- إبداء الرأي في مشاريع النصوص القانونية والترتيبية ذات العلاقة بمكافحة الفساد .
6- تيسير الاتصال بين مختلف المصالح والجهات المعنية بمكافحة الفساد وتدعيم التفاعل فيما بينها,
7- جمع المعطيات والبيانات والإحصائيات المتعلقة بالفساد لإحداث قاعدة بيانات بهدف استغلالها في إنجاز المهام الموكولة إليها,
8- نشر الوعي الاجتماعي بمخاطر الفساد عن طريق الحملات التحسيسية وإقامة الندوات واللقاءات وإصدار النشريات والأدلة وتنظيم الدورات التدريبية والإشراف على برامج التكوين,
9- إنجاز البحوث والدراسات ذات العلاقة بمكافحة الفساد أو المساعدة على إنجازها. ”
رابعا : سنّ مدونات لقواعد السلوك السوّي
إن الفساد هو سلوك منحرف بكل المعايير القانونية والسياسية والأخلاقية لذلك لا مناص من وضع مدونات سلوكية أو مجلات تضبط الأخلاقيات المهنية وتضع المعنيين بالوظيفة العمومية أمام مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية .
وتأخذ المبادئ السلوكية عموما شكلين :
– شكل المدونات وهي مرجعيات توجيهية مكتوبة توجه أصحاب المهن والوظائف نحو السلوك القويم وتنبه إلى خطورة الانحرافات عند أدائها أو بمناسبتها.
– مجلات قانونية تكون أكثر صرامة وأكثر إلزاما وتأخذ مجرى القانون وتوجه الموظف إلى ضرورة الالتزام بمقتضيات السلوك المستقيم وتوصّف السلوك المنحرف حسب أعراف المهنة وتضع العقوبات التأديبية له.
ولأهمية هذه المدونات أوردت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أحكاما خاصة بها إذ ورد بالمادة 8 ما يلي :
“1- من أجل مكافحة الفساد, تعمل كل دولة طرف, ضمن جملة أمور, على تعزيز النزاهة والأمانة والمسؤولية بين موظفيها العموميين, وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني.
2- على وجه الخصوص, تسعى كل دولة طرف إلى أن تطبق, ضمن نطاق نظمها المؤسسية والقانونية, مدونات أو معايير سلوكية من أجل الأداء الصحيح والمشرّف والسليم للوظائف العمومية.
3- لأغراض تنفيذ أحكام هذه المادة, على كل دولة طرف, حيثما اقتضى الأمر ووفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني, أن تحيط علما بالمبادرات ذات الصلة التي اتخذتها المنظمات الإقليمية والأقاليمية والمتعددة الأطراف, ومنها المدونة الدولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين, الواردة في مرفق قرار الجمعية العامة 51/59 المؤرخ 12كانون الأول/ ديسمبر 1996.
4- تنظر كل دولة طرف أيضا, وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي, في إرساء تدابير ونظم تيسر قيام الموظفين العموميين بإبلاغ السلطات المعنية عن أفعال الفساد, عندما يتنبهون إلى مثل هذه الأفعال أثناء أداء وظائفهم.
5- تسعى كل دولة طرف, عند الاقتضاء ووفقا للمبادىء الأساسية لقانونها الداخلي, إلى وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عن أشياء منها ما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين.
6- تنظر كل دولة طرف في أن تتخذ, وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي, تدابير تأديبية أو تدابير أخرى ضد الموظفين العموميين الذين يخالفون المدونات أو المعايير الموضوعة وفقا لهذه المادة. ”
كما ورد بالمرسوم الإطاري التونسي في مادته السادسة ما يلي : ” على الهياكل العمومية والأشخاص المكلفين بتسيير مرفق عمومي اعتماد :
مدونات سلوك تحدد واجبات مستخدميها وحقوقهم,
أدلة إجراءات تحدد بدقة ووضوح شروط وإجراءات إسداء الخدمات,
مبادئ توجيهية لمنع الفساد ونظم ملائمة لمكافحته طبقا لإطار عام يحدد بالتنسيق مع الهيئة.”
خامسا : بعث أجهزة للمراقبة والمحاسبة
لقد ساهم ضعف أجهزة الرقابة الإدارية والمحاسبة التأديبية وعدم جاهزيتها أحيانا في مزيد الترويج لمسوّغات الفساد وخلق حالة من الاطمئنان النفسي لدى المتورطين بما يشجعهم على التمادي في التمعّش من الخدمات التي يقدمونها بغير وجه حق.
لذلك أوصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بدعم هذه الأجهزة ومدها بالوسائل الكفيلة بالتدقيق في مظاهر الفساد وكشف المستور منها سعيا للمحاسبة واسترداد الحقوق العامة.
كما جاء بالمادة 8 من المرسوم التونسي ما يدعم هذا التوجه حيث ورد فيها : ” تعتمد الدولة نظم تدقيق وتقييم داخلية وخارجية لأداء السلط والهياكل العمومية بهدف تطوير مساهمتها في مكافحة الفساد وإجراء المراجعة الضرورية عند الإقتضاء.”
سادسا : دعم استقلالية القضاء
إن القضاء هو أحد الأذرع التي تستعملها الدولة في مكافحة الفساد باعتبار أنه الجهاز الرسمي المؤهل قانونا لتتبع جرائم الفساد وردعها .
وحتى يكون هذا الجهاز مستعدا للمشاركة في مواجهة ظاهرة الفساد, فإنه من البديهي أن يكون في منأى عن هذه الظاهرة وغير متورط فيها .
لذلك خصّصت اتفاقية المم المتحدة المذكورة آنفا عنوانا خاصا بالجهاز القضائي حيث ورد في المادة 11 ما يلي :”
1- نظرا لأهمية استقلالية القضاء وما له من دور حاسم في مكافحة الفساد, تتخذ كل دولة طرف, وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني ودون مساس باستقلالية القضاء, تدابير لتدعيم النزاهة ودرء فرص الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي .
2- يجوز استحداث وتطبيق تدابير ذات مفعول مماثل للتدابير المتخذة عملا بالفقرة 1 من هذه المادة داخل جهاز النيابة العامة في الدول الأطراف التي لا يشكل فيها ذلك الجهاز جزءا من الجهاز القضائي, ولكي يتمتع باستقلالية مماثلة لاستقلاليته.”
أما على المستوى الوطني فقد عمدت الدولة التونسية المشكّلة غداة الثورة إلى استهداف الفساد داخل الجهاز القضائي من خلال إعفاء عدد من القضاة ( ما يزيد عن 70 ) من الذين تورطوا في سلوكات مهنية أو شخصية منافية لمقتضيات الاستقلالية والنزاهة والحياد.
كما مهدت لأعمال الجهاز القضائي في مكافحة الفساد من خلال أعمال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ( والتي سميت في البداية باللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد ) التي تولّت فتح ملفات الفساد والتحرّي فيها وتجميع أدلتها ثم إحالتها على القضاء.
ثم اهتدت وزارة العدل إلى ضرورة إحداث قطب قضائي بتونس العاصمة مهمته النظر في الجرائم الاقتصادية والمالية كمظهر من مظاهر الفساد .
الفقرة الثانية : الوقاية من الفساد في القطاع الخاص
لا شك أن القطاع الخاص يستفيد من المناخات العامة التي تساعد على الحد من مظاهر الفساد والتي منها إشاعة ثقافة المواطنة والشرف المهني . إلا أن ذلك وحده لا يكفي بل يتجه اتخاذ إجراءات خاصة ومن أهمها :
– تقرير المسؤولية الجزائية للذوات المعنوية
– بعث جهاز مراقبة للناشطين في القطاع الخاص
أولا – تقرير المسؤولية الجزائية للذوات المعنوية
إن المسؤولية الجزائية للشخصيات الاعتبارية لم تقرر في عديد التشريعات الوطنية بشكل مبدئي لما قد يبدو في ذلك من تعارض مع مبدإ شخصية العقوبات وصعوبة تطبيق بعضها على الذوات المعنوية ومثال ذلك عقوبة السجن وعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة.
إلا أن انتشار تورط الذوات الاعتبارية في اقتراف أخطر الجرائم وخاصة المالية منها, دفع عديد التشريعات إلى التدخل وتقرير المسؤولية الجزائية للذوات المعنوية كلما توفرت شروطها.
لذلك قرر المشرع التونسي مسؤولية الذوات المعنوية جزائيا في عديد النصوص ( النصوص الخاصة بالبيئة, النصوص الخاصة بالجرائم الجبائية, جرائم مقاومة الإرهاب وغسيل الأموال … ) ثم جاء المرسوم الإطاري عدد 120 من خلال تعريفه لمصطلح المساءلة . إذ ورد بالمادة الثانية أن المساءلة تعني : ” إقرار مبدأ إخضاع كل شخص طبيعي أو معنوي يثبت ارتكابه لإحدى جرائم الفساد للمسؤولية الجزائية والمدنية والتأديبية وذلك بقطع النظر عن صفته أو وظيفته.”
أما اتفاقية الأمم المتحدة لمقاومة الفساد فقد ورد في مادتها 26 ما يلي : ” 1- تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير, تتسق مع مبادئها القانونية, لتقرير مسؤولية الشخصيات الاعتبارية عن المشاركة في الأفعال المجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية.
2- رهنا بالمبادئ القانونية للدولة الطرف, يجوز أن تكون مسؤولية الشخصيات الاعتبارية جنائية أو مدنية أو إدارية.
3- لا تمسّ تلك المسؤولية بالمسؤولية الجنائية للشخصيات الطبيعية التي ارتكبت الجرائم.
4- تكفل كل دولة طرف, على وجه الخصوص, إخضاع الشخصيات الاعتبارية التي تلقى عليها المسؤولية وفقا لهذه المادة لعقوبات جنائية أو غير جنائية فعّالة ومتناسبة ورادعة, بما فيها العقوبات النقدية.”
ثانيا : إنشاء جهاز رقابي للمؤسسات الناشطة في القطاع الخاص
قد تبدو فكرة بعث جهاز وطني مهمته متابعة نشاط مؤسسات القطاع الخاص مخالفا لمقتضيات قوانين المنافسة وحرية النشاط داخل سوق المال والأعمال .
لكن إذا نظرنا للمسألة من زاوية استحقاقات النظام العام الاقتصادي والمالي, فإن ترك المؤسسات الاقتصادية دون رقابة على أدائها وأنشطتها قد يسهل عملية انخراطها في أعمال مشبوهة تضرّ الاقتصاد العام.
لذلك لا بد من إقرار نظام مراقبة عليها من خارجها ( إذ توجد غالبا أنظمة رقابة داخلية ) من لدن جهاز رسمي متخصص هدفه :
• مراقبة أنشطة المؤسسات من حيث المشروعية سواء تعلق الأمر بمداخلها وبمجالات توظيف هذه المداخيل .
• مراقبة علاقاتها في الداخل والخارج : فكم من مؤسسة ذات صيت في سوق الأعمال تورطت في عمليات مشبوهة من جراء علاقاتها والأمثلة على ذلك كثيرة على الصعيد الوطني والدولي.
• مراقبة ظروف نشأتها : ذلك أن عديد المؤسسات وقع بعثها فقط من أجل تعاطي أنشطة وقتية أو مشبوهة . ومثال ذلك أن حاشية الرئيس التونسي السابق وعائلته تفننوا في إنشاء مؤسسات من أجل اصطياد فرص للربح المشط من خلال ترشيحها من قبل الرئيس للفوز بصفقات عمومية وكذلك الانتفاع بأملاك عمومية مختلفة ضمن إجراءات الخوصصة وبشكل مخالف للقانون والتراتيب الإدارية المعمول بها. بل أن عديد النصوص تصدر أو تنقح لإعطاء الشرعية القانونية لأنشطة هذه الكيانات التي تلد وتختفي وتنفصل وتنظمّ بشكل سلس ومبطّن دون التفطن إليه.
الفرع الثاني : بعض الإجراءات الخاصة في مكافحة الفساد
إن مقاومة ظاهرة الفساد تحتاج إلى سلسلة من الخطط والاستراتيجيات بعضها وقائي كالذي ذكر وبعضها زجري ردعي . بعضها وطني والبعض الآخر دولي.
وبما أن الناشطين في مجالات الفساد يتسلحون بالإمكانيات المالية المترتبة أساسا من العائدات المشبوهة التي تسهل عليهم توظيف التكنولوجيا والعلاقات وحتى النفوذ السياسي الوطني والدولي, فإنه لا بد من تسخير إمكانيات مشابهة أو ملائمة لتتبع هذه الشبكات واسترجاع الأموال المنهوبة التي كثيرا ما تغادر حدود الوطن الذي سلبت منه لتنفذ إلى أسواق عالمية وتختفي في زحمة الأعمال .
وعلى هذا الأساس اعتمدت بعض القوانين الوطنية المستندة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بعض الإجراءات الخاصة نذكر منها :
• إجراءات المصادرة
• إجراءات استرجاع الموال المهربة
• التعاون الدولي
الفقر الأولى : مصادرة عائدات الفساد
إن المصادرة هي مؤسسة قديمة تتخذ شكلين أساسيين :
– مصادرة قانونية : كأن يصدر قانون يقضي بمصادرة أملاك معينة تابعة لبعض الأشخاص ومثاله مصادرة أملاك البايات في تونس غداة الاستقلال ومصادرة أملاك الرئيس السابق لتونس وحاشيته وأفراد عائلته بعد الثورة .
– مصادرة جزائية : تقضي بها المحاكم في شكل عقوبات تكميلية وهو إجراء تتخذه أيضا بعض الإدارات مثل إدارة الديوانة ( الجمارك ) .
وعلى هذا الأساس سعت الدولة التونسية غداة الثورة إلى إصدار مرسوم في مصادرة أموال وممتلكات على ملك الرئيس السابق وعائلته وحاشيته والمقربين منه وهو المرسوم عدد 13 لسنة 2011 المؤرخ في 14 مارس 2011 الذي ورد في مادته الأولى : ” تصادر لفائدة الدولة التونسية وفق الشروط المنصوص عليها بهذا المرسوم وفي تاريخ إصداره, جميع الأموال المنقولة والعقارية والحقوق المكتسبة بعد 7 نوفمبر 1987 والراجعة للرئيس السابق للجمهورية التونسية زين العابدين بن الحاج حمدة بن الحاج حسن بن علي وزوجته ليلى بنت محمد بن رحومة الطرابلسي وبقية الأشخاص المبينين بالقائمة الملحقة بهذا المرسوم وغيرهم ممن قد يثبت حصولهم على أموال منقولة أو عقارية أو حقوق جراء علاقتهم بأولئك الأشخاص.
ولا تمس المصادرة المقررة بمقتضى هذا المرسوم من حقوق الدائنين في المطالبة بالوفاء بديونهم المترتبة قبل 14 جانفي 2011 على أن يتم ذلك وفق الإجراءات المحددة بأحكام هذا المرسوم. ”
كما نصت المادة الثالثة على إحداث لجنة تسمى لجنة المصادرة تتكون من قضاة عدليين وإداريين وماليين وبعض ممثلين عن وزارات أخرى تكون مهمتها القيام بجميع الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة لنقل الأموال العقارية والمنقولة والحقوق لفائدة الدولة.
ومن اجل ذلك فإنه يحق لها :
– طلب جميع المعلومات التي تمكنها من القيام بمهامها والاطلاع على الوثائق التي تطلبها من الهياكل الإدارية والمؤسسات العمومية والخاصة مهما كان صنفها ومن جميع المحاكم مهما كانت درجتها دون أن تجابه بالسر المهني .
– طلب الإذن بإجراء جميع أعمال البحث والتقصي التي يخولها التشريع الجاري به العمل وتعيين خبراء بغرض الكشف عن الأموال المنقولة والعقارية والحقوق المصادرة .
– طلب إجراء جميع الإجراءات التي تمكن من حفظ المكاسب المصادرة من المحاكم المختصة.
أما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فقد خصصت لذلك المادة 31 التي ورد فيها:
” 1- تتخذ كل دولة طرف, إلى أقصى مدى ممكن ضمن نظامها القانوني الداخلي, ما قد يلزم من تدابير للتمكين من مصادرة:
(أ) العائدات الإجرامية المتأتية من أفعال مجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية, أو ممتلكات تعادل قيمتها قيمة تلك العائدات؛
(ب) الممتلكات أو المعدات أو الأدوات الأخرى التي استخدمت أو كانت معدة للاستخدام في ارتكاب أفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية.
2- تتخذ كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير للتمكين من كشف أي من الأشياء المشار إليها في الفقرة 1 من هذه المادة أو اقتفاء أثره أو تجميده أو حجزه, لغرض مصادرته في نهاية المطاف.
3- تتخذ كل دولة طرف, وفقا لقانونها الداخلي, ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتنظيم إدارة السلطات المختصة لممتلكات المجمدة أو المحجوزة أو المصادرة, المشمولة في الفقرتين 1 و 2 من هذه المادة.
4- إذا حوّلت هذه العائدات الإجرامية إلى ممتلكات أخرى أو بدلت بها, جزئيا أو كليا, وجب إخضاع تلك الممتلكات, بدلا من العائدات, للتدابير المشار إليها في هذه المادة.
5- إذا خلصت هذه العائدات الإجرامية بممتلكات اكتسبت من مصادر مشروعة, وجب إخضاع تلك الممتلكات للمصادرة في حدود القيمة المقدرة للعائدات المخلوطة, مع عدم المساس بأي صلاحيات تتعلق بتجميدها أو حجزها.
6- تخضع أيضا للتدابير المشار إليها في هذه المادة, على نفس النحو وبنفس القدر الساريين على العائدات الإجرامية, الإيرادات أو المنافع الأخرى المتأتية من هذه العائدات الإجرامية, أو من الممتلكات التي حولت تلك العائدات إليها أو بدلت بها, أو من الممتلكات.
7- لأغراض هذه المادة والمادة 55 من هذه الاتفاقية. تخول كل دولة طرف محاكمها أو سلطانها المختصة الأخرى أن تأمر بإتاحة السجلات المصرفية أو المالية أو التجارية أو بحجزها. ولا يجوز للدولة الطرف أن ترفض الامتثال الأحكام هذه الفقرة بحجة السرية المصرفية.
8- يجوز للدول الأطراف أن تنتظر في إمكانية إلزام الجاني بأن يبين المصدر المشروع لهذه العائدات الإجرامية المزعومة أو للممتلكات الأخرى الخاضعة للمصادرة, ما دام ذلك الإلزام يتوافق مع المبادئ الأساسية لقانونها الداخلي ومع طبيعة الإجراءات القضائية والإجراءات الأخرى.
9 – لا يجوز تأويل أحكام هذه المادة بما يمس بحقوق أطراف ثالثة حسنة النية.
10 – ليس في هذه المادة ما يمس بالمبدإ القاضي بأن يكون تحديد وتنفيذ التدابير التي تشير إليها متوافقين مع أحكام القانون الداخلي للدولة الطرف وخاضعين لتلك الأحكام.”
الفقرة الثانية : استرجاع عائدات الأموال المهربة
إن المتورطين في عمليات الفساد وخاصة أولئك التابعون للسلطة السياسية القائمة يتفنون في إخفاء ثمار الفساد وعائداته باعتماد طريقة تهريبها إلى الخارج وإيداعها بحسابات بنكية محصنة أو تداولها في سوق الأعمال ضمن أنشطة غسيل الأموال من خلال بعث أو الانتماء إلى مؤسسات استثمارية لا تظهرها بشكل واضح في الصورة.
لذلك خصصت اتفاقية الأمم المتحدة لهذه المسألة المادة 52 التي ورد فيها ما يلي :”
1- تتخذ كل دولة طرف, دون إخلال بالمادة 14 من هذه الاتفاقية, ما قد يلزم من تدابير, وفقا لقانونها الداخلي, لإلزام المؤسسات المالية الواقعة ضمن ولايتها القضائية بأن تتحقق من هوية الزبائن وبأن تتخذ خطوات معقولة لتحديد هوية المالكين المنتفعين بالأموال المودعة في حسابات عالية القيمة, وبأن تجري فحصا دقيقا للحسابات التي يطلب فتحها أو يحتفظ بها من قبل, أو نيابة عن, أفراد مكلفين أو سبق أن كلفوا بأداء وظائف عمومية هامة أو أفراد أسرهم أو أشخاص وثيقي الصلة بهم. ويصمم ذلك الفحص الدقيق بصورة معقولة تتيح كشف المعاملات المشبوهة بغرض إبلاغ السلطات المختصة عنها, ولا ينبغي أن يؤول على أنه يثني المؤسسات المالية عن التعامل مع أي زبون شرعي أو يحظر عليها ذلك.
2- تيسيرا لتنفيذ التدابير المنصوص عليها في الفقرة 1 من هذه المادة, تقوم كل دولة طرف, وفقا لقانونها الداخلي ومستلهمة المبادرات ذات الصلة التي اتخذتها المنظمات الإقليمية والأقاليمية والمتعددة الأطراف لمكافحة غسل الأموال, بما يلي :
(أ) إصدار إرشادات بشأن أنواع الشخصيات الطبيعية أو الاعتبارية التي يتوقع من المؤسسات المالية القائمة ضمن ولايتها القضائية أن تطبق الفحص الدقيق على حساباتها, وأنواع الحسابات والمعاملات التي يتوقع أن توليها عناية خاصة, وتدابير فتح الحسابات والاحتفاظ بها ومسك دفاترها التي يتوقع أن تتخذها بشأن تلك الحسابات؛
(ب) إبلاغ المؤسسات المالية القائمة ضمن ولايتها القضائية, عند الاقتضاء وبناء على طلب دولة طرف أخرى أو بناء على مبادرة منها هي, بهوية شخصيات طبيعية أو اعتبارية معينة يتوقع من تلك المؤسسات أن تطبق الفحص الدقيق على حساباتها, إضافة إلى تلك التي يمكن للمؤسسات المالية أن تحدد هويتها بشكل آخر.
3- في سياق الفقرة الفرعية 2 (أ) من هذه المادة, تنفذ كل دولة طرف تدابير تضمن احتفاظ مؤسساتها المالية, لفترة زمنية مناسبة, بسجلات وافية للحسابات والمعاملات التي تتعلق بالأشخاص المذكورين في الفقرة 1 من هذه المادة, على أن تتضمن, كحد أدنى, معلومات عن هوية الزبون, كما تتضمن, قدر الإمكان, معلومات عن هوية المالك المنتفع.
4- بهدف منع وكشف عمليات إحالة العائدات المتأتية من أفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية, تنفذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفعالة لكي تمنع, بمساعدة أجهزتها الرقابية والإشرافية, إنشاء مصارف ليس لها حضور مادي ولا تنتسب إلى مجموعة مالية خاضعة للرقابة. وفضلا عن ذلك , يجوز للدول الأطراف أن تنظر في إلزام مؤسساتها المالية برفض الدخول أو الاستمرار في علاقة مصرف مراسل مع تلك المؤسسات, وبتجنب إقامة أي علاقات مع مؤسسات مالية أجنبية تسمح لمصارف ليس لها حضور مادي, ولا تنتسب إلى مجموعة مالية خاضعة للرقابة, باستخدام حساباتها.
5- تنظر كل دولة طرف في إنشاء نظم فعّالة لإقرار الذمة المالية, وفقا لقانونها الداخلي, بشأن الموظفين العموميين, وتنص على عقوبات ملائمة على عدم الامتثال. وتنظر كل دولة طرف أيضا في اتخاذ ما قد يلزم من تدابير للسماح لسلطاتها المختصة بتقاسم تلك المعلومات مع السلطات المختصة في الدول الأطراف الأخرى, عندما يكون ذلك ضروريا للتحقيق في العائدات المتأتية من أفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية والمطالبة بها واستردادها.
6- تنظر كل دولة طرف في اتخاذ ما قد يلزم من تدابير, وفقا لقانونها الداخلي , لإلزام الموظفين العموميين المعنيين الذين لهم مصلحة في حساب مالي في بلد أجنبي أو سلطة توقيع أو سلطة أخرى على ذلك الحساب بأن يبلغوا السلطات المعنية عن تلك العلاقة وأن يحتفظوا بسجلات ملائمة فيما يتعلق بتلك الحسابات. ويتعين أن تنص تلك التدابير أيضا على جزاءات مناسبة على عدم الامتثال. ”
أما على المستوى الوطني فقد تم إحداث لجنة وطنية لاسترجاع الأموال المهربة بالخارج والمكتسبة بطريقة غير مشروعة مهمتها تنسيق الجهد الوطني بين جميع الهيئات الوطنية العانية بالموضوع ( منها لجنة المصادرة واللجنة الوطنية لمكافحة الفساد واللجنة الوطنية للتحاليل المالية ) والجمعيات كما تقوم بربط الصلة بالمنظمات الشبيهة في العالم .
غير أن استرجاع الأموال المهربة هي عملية معقدة على مستوى الإجراءات باعتبار أن الدول التي توجد لديها هذه الأموال تشترط أحيانا شروطا مجحفة أو أنها تماطل في الاستجابة أو تساوم عليها وتربط ذلك أحيانا بضرورة احترام حقوق الإنسان.
وخلاصة القول أن مجال التعاون الدولي مع دول الربيع العربي في خصوص استرجاع الأموال المهربة لا يزال ضعيفا بسبب خلفيات الدول المعنية بالمطالب والتي تنقصها الحماسة الكافية للحرص على ذلك لأسباب سياسية أو لاعتبارات مصلحية نفعية. خاصة أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد شجعت على التنسيق الدولي في ذلك واعتبرت أن مجرد المصادقة على الاتفاقية يؤدي إلى تطبيق أحكامها عند عدم وجود نص خاص في مستوى القانون الوطني.
الفقرة الثالثة : التعاون الدولي
إن مساحات التعاون الدولي في مجالات مكافحة الفساد هي مساحات فسيحة ساهمت في رسم حدودها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي دخلت حيز النفاذ بتاريخ 29 ديسمبر 2003 كما ساهمت في ذلك الاتفاقيات الإقليمية مثل اتفاقية البلدان الأمريكية لمكافحة الفساد المعتمدة بتاريخ 29 مارس 1996 واتفاقية مكافحة الفساد بين موظفي الجماعات الأوروبية أو موظفي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي اعتمدها مجلس الاتحاد الأوروبي بتاريخ 21 ماي 1997 وكذلك اتفاقية مقاومة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية التي أقرتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بتاريخ 21 نوفمبر 1997 واتفاقية القانون الجزائي حول الفساد التي أقرتها اللجنة الوزارية لمجلس أوروبا في 21 جانفي 1999 وكذلك اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومحاربته المعتمدة بتاريخ 12 جوان 2003.
فقد ورد بالمادّة الأولى باتفاقية الأمم المتحدة لمقاومة الفساد ما يلي : ” ( ب) ترويج وتسيير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد, بما في ذلك مجال استرداد الموجودات؛ ”
فمجال التعاون الدولي حسب اتفاقية الأمم المتحدة يهم عديد المسائل لعل أهمها :
– مشاركة الدول في البرامج والمشاريع الدولية الرامية إلى منع الفساد ومقاومته .
– التنسيق بين جميع الدول المعنية من أجل مكافحة جرائم الفساد بمختلف أنواعها بما في ذلك جرائم غسل الأموال .
– إجراء الأبحاث والتحقيقات المشتركة من أجل الكشف عن جرائم الفساد وتتبع مرتكبيها سعيا نحو محاكمتهم.
– تسليم المجرمين المتورطين في جرائم فساد .
– التنسيق الفني وتبادل المعلومات والخبرات في مجالات مقاومة الفساد …
ولا يفوتنا أن نشير في النهاية إلى أن اللجنة الوزارية التابعة لمجلس الاتحاد الأوروبي قد أقرت بتاريخ يوم 06 نوفمبر 1997 عشرين (20) مبدأ توجيهيا لمكافحة الفساد وهي كالآتي :
– اعتماد إجراءات ناجعة لمقاومة الفساد بما في ذلك تحسيس الرأي العام بخطورتها والتشجيع على السلوكات المتطابقة مع القيم الأخلاقية.
– تجريم الفساد في مظهريه الوطني والدولي
– ضمان استقلال الأشخاص المكلفين بالرقابة والتحقيقات والتتبع في جرائم الفساد بالقدر الذي يضمن إنجاز مهماتهم دون تلقي أية تأثيرات مخالفة لوظائفهم وتوفير الإمكانيات الضرورية لهم لتجميع الإثباتات وحماية الأشخاص المساعدين على كشف هذه الجرائم مع الحفاظ على سرية التحقيقات.
– اتخاذ إجراءات ناجعة لحجز عائدات الفساد ونتائجه ومصادرتها.
– اتخاذ إجراءات لمنع استعمال ذوات معنوية كواجهة لإخفاء ارتكاب جرائم فساد.
– العمل على الحد من الحصانات إزاء الأبحاث وأعمال التتبع وزجر جرائم الفساد وجعلها في حدود ما هو ضروري في مجتمع ديمقراطي .
– دعم الاختصاص داخل الهيئات المكلفة بمكافحة الفساد ومدها بالإمكانيات المادية وتوفير التكوين المناسب لأعضائها بما يساعد على حسن الأداء .
– ضمان أن التشريعات الجبائية والسلط القائمة على تنفيذها تساهم في مكافحة جرائم الفساد بطريقة ناجعة ومنسجمة وخاصة فيما يتعلق بعدم خصم مصاريف مشبوهة من قاعدة التوظيف
– السهر على أن يأخذ النظام الإداري المعتمد بعين الاعتبار مقتضيات مكافحة الفساد في مستوى التسيير واتخاذ القرارات وذلك من أجل ضمان حد أدنى من الشفافية المطلوبة في أداء مهامه .
– السهر على أن تراعى القواعد المنظمة لحقوق الموظف العمومي وواجباته, مقتضيات مكافحة الفساد وذلك من خلال سن قواعد تأديبية خاصة وناجعة واعتماد مجلات تضبط أخلاقيات الموظف العمومي وتوجهه نحو السلوك المطلوب .
– السهر على إخضاع أنشطة الإدارات العمومية إلى إجراءات خاصة لمراقبة حساباتها .
– تقرير أهمية إجراءات مراجعة الحسابات وتدقيقها في مكافحة جرائم الفساد خارج مجال الوظيفة العمومية .
– السهر على أن يدرج نظام المسؤولية الإدارية مسؤولية الأعوان الإداريين على أعمال الفساد التي يرتكبونها
– اعتماد إجراءات خاصة بالصفقات العمومية تكرس الشفافية وتضمن المنافسة الشريفة ولا تشجع الراشين .
– التشجيع على وضع المترشحين في خطط نيابية لمدونات سلوك يتقيدون بها ووضع قواعد تمنع تسرب الفساد إلى تمويل الأحزاب السياسية والحملات الانتخابية .
– ضمان حرية الإعلام في تلقي معلومات حول الفساد أو نشرها في حدود ما هو مسموح به في مجتمع ديمقراطي.
– السهر على أن يتضمن القانون المدني أحكاما تدعم مكافحة الفساد وذلك باعتماد إجراءات تيسر حماية حقوق المتضررين من أعمال الفساد .
– دعم البحث العلمي حول الفساد
– التأكد من أنه قد وقع الأخذ بعين الاعتبار في مقاومة الفساد ارتباط ذلك بالجرائم المنظمة وغسيل الأموال.
– دعم التعاون الدولي في أوسع نطاقه في جميع مجالات مكافحة الفساد.
الخـاتـمـة
إن الحديث عن الفساد هو حديث عن خط مستقيم في المفهوم الهندسي لا بداية له ولا نهاية.
إلا أن ذلك لا يجب أن يكون بحال من الأحوال مدعاة إلى الإحباط والتسليم بالعجز. ذلك أن إصرار الفاسدين يجب أن يقابله إصرار مضاعف من المقاومين للفساد تدعهم في ذلك قناعاتهم بأن المعركة لا بد أن تحسم في الأخير لصالح أصحاب العزائم الصادقة والنوايا الحسنة . فالصراع مع الفساد هو في حقيقته صراع مع الفقر والتخلف والاستبداد وأن الموازين الأساسية في تقييم السلوك البشري هي موازين أخلاقية بامتياز ترجع إليها كل السلوكات وتنضبط بثوابتها .
لقد كشف لنا وضع الإنسانية عبر التاريخ الماضي والحاضر المعاش أن السياسة قهر وظلم واستبداد بلا أخلاق وأن العلم كارثة ( أسلحة الدمار الشامل وغيرها من الأسلحة الفتاكة الأخرى ) بلا أخلاق وأن المال مهلك ومدمر بلا أخلاق ( بحكم تحكم أصحاب رؤوس الموال في مقدرات المجتمعات وسياساتها ) وبأن الحياة لا طعم لها ولا قيمة بلا أخلاق … .
إن الإنسانية مطالبة بعد نكباتها المتعددة وانتكاساتها المتكررة وعثراتها القاتلة أن ترمم ما أمكن ترميمه من تركيبتها النفسية والذهنية وأن تتلبس قيم العفة والشرف والطهارة والمواطنة والوطنية كثقافة وكأيديولوجيا.
على أن هذه المضامين لم تصمد في المجتمعات المعاصرة أمام شيوع ثقافة تركز على الأبعاد الفردية والذاتية فتتسع لدى الإنسان أبعاد الأنانية وتغيب مساحات المقاسمة والمشاركة والإيثار … .
وقد حاربت الحداثة عن انحراف أو غباء ظاهرة التدين في العالم وخاصة في العالم العربي والإسلامي بحجة محاصرة التطرف والارتداد الفكري فخسرت بذلك المجتمعات البشرية رافدا من روافد الإصلاح وسلاحا من أسلحة مواجهة الفساد وتطهير الأذهان والنفوس من نزعات تحارب فضائل الاجتماع وحقوق المواطنة .
لذلك : ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ” ( الروم 41 )
والله وليّ التوفيق
اترك تعليقاً