دراسة وبحث قانوني فريد عن البيع الدولي للبضائع
مقدمة :
يعتبرالبيع الدولي في أساسه بيعا للبضائع و بالتالي فانه يثير كافة المشاكل التجارية و القانونية المتعلقة ببيع البضائع الا انه يستمد صفته الدولية من وجود البائع و المشتري في دولتين مختلفتين
و يهتم البائع في البيوع الدولية بتوفير ضمان له للحصول على ثمن البضاعة المبيعة بينما يعنى المشتري بألا يدفع الثمن قبل أن يتحقق من ارسال البضاعة اليه و تلعب البنوك دورا هاما في هذا الصدد عن طريف نظام الاعتماد المستندي كما يشارك الناقلون و المؤمنون أيضا في توفير ضمانات البيع الدولي للبضائع لا يتضمن فقط النص على الالتزام بالتسليم و الالتزام بدفع الثمن ، انما يتضمن كذلك مسائل أخرى مثل نقل البضاعة من دولة البائع الى دولة المشتري و التأمين على البضاعة و كذلك طريقة سداد الثمن و تتميز العقود الدولية لبيع البضائع بخصائص لا تتوفر في البيوع الداخلية فالبيع الدولي للبضائع تتصل به اتصالا لازما بعض العقود الدولية الأخرى مثال دلك عقد نقل البضائع بحرا أو جوا و عقد تصديرها و عقد التأمين على البضائع كما أن دفع الثمن يتم من خلال عقد فتح الاعتماد المستندي الذي يبرمه المشتري مع البنك المراسل و بالتالي فان البيع الدولي للبضائع يكون وحدة من العقود الدولية ترتيط معا ككل .تشكل عمليى التبادل التجاري الدولي و قد اهتمت بعض الهيئات الدولية بوضع قواعد موحدة للبيع التجاري الدولي سواء في شكل شروط عامة أو عقود نمودجية أو اتفاقيات دولية .
فما هو مفهوم البيع الدولي للبضائع ؟ و ماهي الخصائص التي تميزه ؟
و ماهي المعايير المعتمدة لتحديد دوليته ؟ و ماهو موقف الاتفاقيات من هذه المعايير ؟
أسئلة ضمن أخرى سنحاول الاجابة عنها من خلال التصميم التالي :
التصميم :
المبحث الأول : مفهوم و خصائص البيع الدولي للبضائع
المطلب الأول : تعريف عقد البيع الدولي للبضائع
الفقرة الأولى : التشريعات الاجنبية
الفقرة الثانية : التشريع العربية
المطلب التاني : خصائص عقد البيع الدولي للبضائع
الفقرة الأولى : المسماة ، الرضائية ، ملزمة للجانبين
الفقرة الثانية : معاوضة ، محدد القيمة ، ناقل الملكية
المبحث التاني : الطبيعة الدولية لعقد بيع البضائع
المطلب الأول : المعايير المحددة لطبيعة العقد الدولي للبضائع
الفقرة الأولى : المعيار القانوني
الفقرة الثانية : المعيار الاقتصادي
المطلب الثاني : موقف الاتفاقيات الدولية من المعايير المحددة للطبيعة الدولية
الفقرة الاولى : الاتفاقيات الدولية التي دلت على التعريف القانوني المتطور بشكل صريح
الفقرة الثانية : الاتفاقيات الدولية التي دلت على التعريف القانوني المتطور بشكل ضمني:
المبحث الأول : مفهوم و خصائص عقد البيع الدولي للبضائع
المطلب الأول : تعريف عقد البيع الدولي للبضائع
سنحاول من خلال هذا المطلب التطرق لتعريف التشريعات المقارنة للبيع الدولي للبضائع و كدا تعريف المشرع المغربي
الفقرة الأولى : التشريعات الاجنبية
_ التشريع الانجليزي : ” يلتزم البائع بنقل الملكية و لكن العقد لاينقلها مباشرة ”
_التشريع الألماني : تنص المادة 446 فقرة أولى على أنه : ” بموجب عقد البيع يلتزم البائع بشيء ما بتسليمه الى المشتري و ينقل ملكية هذا الشيء اليه ”
_ التشريع السويسري : نصت المادة 184 على أنه : ” البيع عقد يلتزم بمقتضاه البائع بتسليم المبيع الى المشتري و ينقل الملكية إليه مقابل الثمن الذي يلتزم المشتري بأدائه له “
الفقرة التانية : التشريعات العربية
_ التشريع المصري : فيعرفه بأنه :” عقد يقصد به نقل ملكية شيء أو حق مالي اخر مقابل تمن نقدي ”
_ التشريع اللبناني : ” عقد يلتزم فيه البائع أن يتفرغ عن ملكية شيء و يلتزم فيه الشاري أن يدفع ثمنه ”
_ التشريع السوري :” عقد يلتزم يه البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حق مالي أخر في مقابل ثمن نقدي
التشريع الأردني : ” البيع اتفاق يلتزم بموجبه احد الطرفين بتسليم شيء و الاخر بتأدية ثمنه
_ التشريع المغربي :” عقد بمقتضاه ينقل احد المتعاقدين للاخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الاخر بدفعه له
المطلب التاني : خصائص عقد البيع الدولي للبضائع
من خلال تعريف عقد البيع الدولي لليضائع يتضح أن لهذا الاخير خصائص تميزه عن باقي العقود المشابهة له و تتمتل في انه :
الفقرة الأولى : المسماة ، الرضائية ، ملزمة للجانبين
_ عقد من العقود المسماة : و هو عقد و هو عقد منتشر و شائع في الواقع العملي يبرمه الافراد تحت اسم معين يعرف به لذلك فقد تدخل المشرع لتنظيمه ووضع أحكام خاصة به من ذلك مثلا عقود البيع و المقايضة و الايجار و الوكالة
_ عقد من العقود الملزمة للجانبين : و يسمى ايضا العقد التبادلي لانه يولد التزامات متقابلة في ذمة كلا العاقدين حيث يصبح كل واحد منهما دائنا و مدينا في نفس الوقت من ذلك مثلا البيع الذي يلتزم معه البائع بنقل ملكية المبيع في مقابل التزام المشتري بدفع الثمن
_ عقد من العقود الرضائية : العقد الرضائي هو العقد الذي ينعقد مرتبا لكافة اتاره القانونية بمجرد تراضي ارادتين أو أكثر بحيث لا يتطلب المشرع لانعقاده شكلا معينا و انما يكفي تراضي الطرفين المتعاقدين على عناصر العقد أي يكفي التعبير عن الارادة لاجل انعقاد العقد أيا كان شكل هذا التعبير سواء كان شفاهة أو كتابة أو بالاشارة الدالة على الموافقة على العقد .
الفقرة الثانية : معاوضة ، محدد القيمة ، ناقل الملكية
_ عقد معاوضة : تقوم هذه الخاصية على ان كل طرف من الطرفين المتعاقدين البائع و المشتري ياخد مقابلا لما يقدم للطرف الاخر اذ ان البائع يحصل على ثمن نقدي في مقابل نقل ملكية الشيء المبيع الى المشتري و يجب ان يكون التمن الذي يحصل عليه البائع متناسبا مع قيمة الشيء المبيع هذا و يشترط في الثمن ان يكون مبلغا من النقود
_ عقد محدد القيمة : في عقد البيع الدولي الذي يبرمه التجار في الدول المختلفة يجب أن يكون محدد القيمة لان كل من الطرفين المتعاقدين و هما البائع و المشتري يعلم أو يستطيع أن يعلم في لحظة ابرام العقد مقدار ما ياخد و مقدار ما يعطي
و ذلك بتحديد المبيع من حيث الصنف و الصفات و الخصائص و درجة الجودة و المقدار أو الوزن أو عدد الوحدات يجب أن ينص العقد على طريقة تغليفها و نوع الاغلفة و الطرف الذي يتحمل نفقاته .
_ عقد ناقل للملكية : يلتزم البائع في عقد البيع بان ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا أخر و الالتزام بنقل الملكية يعد اثرا مباشر لعقد البيع فالعقد بذاته لا ينقل الملكية مباشرة و انما يتم نقل الملكية بناء على التزام البائع بنقلها و هذا الالتزام يتولد عن عقد البيع و قد صار الالتزام ينقل الملكية في القوانين الحديثة ليس من طبيعة البيع فحسب بل من مستلزماته أيضا فكل عقد بيع لا بد أن ينشأ التزاما في ذمة البائع بنقل ملكية المبيع الى المشتري تنفيدا لالتزامه بذلك أي قيامه بالأعمال الازمة لذلك
المبحث التاني : الطبيعة الدولية لعقد بيع البضائع
سنحاول في هذا المبحث التطرق للطبيعة الدولية لهذا العقد من خلال الحديث عن المعيار القانوني و الاقتصادي الذي يحدد طبيعة هذا العقد و موقف الاتفاقيات منه .
المطلب الأول : المعايير المحددة لطبيعة العقد الدولي للبضائع
في سبيل الكشف متى يكون العقد دوليا، اقترح الفقه معياران، معيار قانوني يعتد بعناصر الرابطة العقدية ومدى تطرق الصفة الأجنبية لهذا العناصر كلها أو بعضها، ومعيار اقتصادي يعبر عن مدى اتصال الرابطة العقد بمصالح التجارة الدولية .
الفقرة الأولى : المعيار القانوني
يقوم التعريف القانوني التقليدي على فكرة أساسية مفادها إن العقد يعد دوليا فيما لو اتصلت عناصره القانونية بأكثر من نظام قانوني واحد، وعلى ذلك فانه يتعين الكشف عن مدى تطرق الصفة الأجنبية إلى العناصر القانونية المختلفة للعقد وهو في هذا يميل إلى التسوية بين العناصر القانونية للرابطة العقدية، بحيث يترتب على تطرق الصفة الأجنبية إلى أي منها اكتساب العقد للطابع الدولي، فهو لا يميز بخصوص العناصر القانونية للعقد، والتي قد تتطرق إليها الصفة الأجنبية، بين العناصر الفاعلة أو المؤثرة والعناصر غير الفاعلة أو المحايدة.
وباستقراء بسيط للاتفاقيات الدولية نجدها أنها لا تقر هذا التعريف القانوني الجامد ولا تنحو منحاه، بل على العكس من ذلك فهي تميز بين العناصر القانونية للعقد التي تطرقت لها الصفة الأجنبية، ولا تختار إلا العنصر الفاعل والمؤثر الذي يملك بذاته القدرة على ربط العقد بالنظام القانوني لأكثر من بلد حقيقة وواقعا، كان يُشاهد مثلا انتقال الأموال والخدمات عبر الحدود، والمساس بالمصالح الاقتصادية للبلدين كلاهما.
هكذا فالاتفاقيات تكاد تتفق جميعها على اعتبار عنصر الجنسية عنصر قانوني محايد في العقود التجارية الدولية، لا يصلح كأساس لإضفاء الطابع الدولي على هذه العقود، ومن الاتفاقيات التي أشارت لذلك صراحة نذكر اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع[2]، اتفاقية العربية للتحكم التجاري عمان 1978[3]، اتفاقية هامبورغ بشأن عقود النقل البحري[4]، اتفاقية لاهاي 1964 بشان البيع الدولي الأشياء المنقولة المادية[5]، اتفاقية جنيف 1983 بشان التمثيل في البيع الدولي للبضائع[6]، اتفاقية بشان فترة التقادم في البيع الدولي للبضائع[7]، وما قيل عن عنصر الجنسية يقال عن عنصر محل إبرام العقد ضمنيا من خلال إهمال الاتفاقيات الدولية لاعتباره وذكره.
بالمقابل اعتبرت الاتفاقيات الدولية بالإجماع على أن عنصر اختلاف موطن مؤسسات الأطراف هو العنصر القانوني الفاعل، القادر بذاته على إضفاء الطابع الدولي على العقود التجارية، لأن من آثاره نقل محل العقد من دولة لأخرى، وبالتالي ارتباط العقد والمساس باقتصاد أكثر من دولة واحدة.
من هنا يظهر أن الاتفاقيات تتخير عناصرها، ولا تنتصر إلا للعنصر القانوني الذي تطرقت له الصفة الأجنبية والذي بموجبه يرتبط العقد بمجال أكثر من بلد وتتجاوز إطار اقتصاد دولة واحدة.
ونود الإشارة هنا إلى أننا لا نستطيع إصدار حكم قيمي منذ الوهلة الأولى على عنصر من عناصر القانونية للعقد، والقول بكونه محايد أو فاعل، فالذي يحدد طبيعته ومدى فاعليته وتأثيره هو موقعه في كل رابطة عقدية على حدة، فعنصر الجنسية أو محل إبرام العقد قد يكون عنصرا فاعلا يستطيع بذاته على ربط العقد بشكل واقعي وملموس بين قانون دولتين من خلال المساس بمصالح اقتصاد كلاهما، كما انه بالمقابل قد نصادف حالات يكون معها خلال عنصر اختلاف موطن مؤسسات الأطراف عنصر محايد من ذلك مثلا الحالة التي يبرم فيها شخصين لكل منها مؤسسة في بلد مختلف، عقد بيع في بلد ثالث، بموجبه يبيع احدهما للآخر سلعة موجودة بهذا البلد، ويتم تسليمها بذات البلد، وعملة أداء الثمن كانت بعملة هذا البلد.
وإذا كان هذا كل ما يتعلق بالمعيارالقانوني التقليدي، فماذا عن المعيار الاقتصادي؟.
الفقرة الثانية : المعيار الاقتصادي
اقترح الفقه تعريفا حديثا للعقد الدولي، كرد فعل عن تطرف المعيار القانوني الجامد الذي استناد على تطرق الصفة الأجنبية لعنصر من عناصر العقد ودون أي تمييز بينها تقول بدولية العقد، ولو أن العملية لا تكاد تبرح المجال الاقتصادي لدولة واحدة، هكذا يعتبر هذا الفقه بان العقد الدولي هو العقد الذي يربط بين مصالح اقتصاد أكثر من دولة، أو هو العقد الذي من آثاره انتقال الأموال والخدمات عبر الحدود، وهو العقد الذي بمقتضاه تتجاوز العملية المجال الاقتصادي لدولة واحدة، أو هو العقد الذي يمس المصالح التجارية الدولية عموما.
باستطلاع الاتفاقيات الدولية نجدها لا تأخذ بهذا التعريف أعلاه، كضابط مستقل وقائم الذات لتحديد دولية العقد كشرط مسبق لتطبيق مقتضياتها، والعلة في ذلك أن الاتفاقيات تعتبر ما يسمى المعيار الاقتصادي ما هو إلا مقتضى من مقتضيات وموجب من موجبات، حيث أن انتقاء الاتفاقيات الدولية للعنصر القانونية الحاسمة مثل عنصر اختلاف مؤسسات الأطراف وجريان تنفيذ العقد في الخارج، واختلاف نقطة الوصول عن دولة القيام، واختلاف مكان الشحن عن مكان التفريغ، فهذه وغيرها تؤدي لا محالة إلى انتقال الأموال والخدمات عبر الحدود، وتجاوز المجال الاقتصادي لدولة واحدة، وبالتالي إدراك الغايات التي يسعى إليها أنصار المعيار الاقتصادي.
المطلب الثاني : موقف الاتفاقيات الدولية من المعايير المحددة للطبيعة الدولية
الفقرة الاولى : الاتفاقيات الدولية التي دلت على التعريف القانوني المتطور بشكل صريح
إن الاتفاقيات الدولية التي تتبنى التعريف القانوني المتطور وبشكل صريح، هي تلك الاتفاقيات التي تعتبر دوليا العقد الذي إذا تطرقت الصفة الأجنبية لعنصر من عناصره القانونية. وليس أي عنصر إنه عنصر حاسم يستطيع بذاته الربط بين مصالح دولتين حقيقة وواقعا، وبالتالي فهي تستعبد العناصر الأخرى الغير مؤثرة والحيادية، مثل عنصر الجنسية ومحل إبرام العقد وتكتفي بعنصر واحد، وذلك في سبيل الحد من توسع نطاق تطبيقها أكثر مما يلزم.
وتكاد الاتفاقيات التي تنتمي لهذا الصنف تتفق على كون العنصر الذي يحقق الأهداف المذكورة هو عنصر اختلاف محل إقامة مؤسسات أطراف العقد، والأمثلة عن هذه الاتفاقيات كثيرة نذكر منها: اتفاقية الأمم المتحدة بشان عفو البيع الدولي للبضائع (فبينا 11 ابريل 1980)، الاتفاقية الموحدة بشان البيع الدولي للبضائع ( لاهاي 1964)، والاتفاقية الموحدة لتكوين formation عقد البيع الدولي للأشياء المنقولة المادية، والاتفاقية الموحدة بشان التمثيل representation في البيع الدولي للبضائع (جنيف 1983)، والاتفاقية الموحدة بشان التمويل بالكراء الدولي.
ولابد هنا من الإشارة إلى أن عنصر اختلاف موطن الأطراف قد يكون أحيانا عنصرا محايدا، وبالتالي لا يمكن اعتماده كضابط لإضفاء الطابع الدولي على العقود التجارية، لذلك وجد من الفقه[8] من وجه لاتفاقية فيينا 11 أبريل 1980، انتقادا لكونها ذكرت عنصر اختلاف موطن منشآت الأطراف دون نعت أو تخصيص، بحيث أن اعتماد هذا الضابط بهذا الشكل قد يؤدي بنا إلى نتائج غير منطقية، من ذلك اعتبار العقد دوليا استنادا لعنصر قانوني محايد، في حين أن العقد لا يكاد يبرح المجال الاقتصادي لدولة واحدة، وانه كان على الاتفاقية المذكورة أن تحدو حذو اتفاقية لاهاي 1964 بان تشرط إلى جانب اختلاف المكان الذي يوجد به منشآت أطراف البيع أن يتضمن هذا الأخير عنصر خارجي يقتضي حدوث أمر خارج حدود الدولة الواحدة وضربت لذلك بعض الأمثلة كانتقال البضاعة، أو أن يتم التفاوض على العقد في دولتين مختلفتين، أو أن يتم التسليم في دولة غير دولة مجلس العقد، إلا أنه وللحقيقة نشير إلى أن اتفاقية فيينا قد تنبهت لمثل هذه الثغرة ونصت بمقتضى الفقرة الثانية من المادة الأولى أنه لا يلتفت إلى كون أماكن عمل الأطراف توجد في دول مختلفة إذا لم يتبين ذلك من العقد أو من أي معاملات سابقة بين الأطراف، أو من المعلومات التي أدلى بها الأطراف قبل انعقاد العقد أو في وقت انعقاده.
هذا وقد وجدت مجموعة أخرى من الاتفاقيات التي تعتبر أن العنصر القانوني الفاعل والحاسم والقادر بذاته على جعل العقد يتصل بأكثر من قانون دولة واحدة هو عنصر مكان التنفيذ بدول مختلفة، ومن الاتفاقيات التي تبنت هذا العنصر القانوني نذكر، الاتفاقية المتعلقة بعقود السفر الدولي (بروكسيل 1970) واتفاقية هامبورغ بشأن عقود النقل البحري واتفاقية فارسوفيا 10/02/1929 بشأن النقل الجوي الدولي، واتفاقية جنيف 1956 بشان عقود النقل الدولي للبضائع عبر البر.
الفقرة الثانية : الاتفاقيات الدولية التي دلت على التعريف القانوني المتطور بشكل ضمني:
توجد اتفاقيات لها طريقة خاصة في تحديد العقد الدولي، بحيث أنها لا تكلف نفسها عناء تعيين العنصر القانوني الذي يمكن اعتباره كعنصر قادر بذاته على إضفاء الطابع الدولي على العقد، بل تكتفي فقط بالإحالة على مقتضيات الاتفاقيات التي من جنسها، ومن أمثلة هذا الصنف من الاتفاقيات نجد مثلا الاتفاقية الموحدة بشأن شراء الفاتورات الدولي، والتي تعتبر أن عقد شراء الفواتير يكون دوليا عندما يكون ناشئا عن “عقد بيع دولي للبضائع” وفي نفس الإطار نجد اتفاقية لاهاي 1915 بشان البيوع ذات الطابع الدولي للأشياء الدولي، والتي كذلك نصت بمقتضى الفترة الأولى من مادتها الأولى على أن تطبق الاتفاقية على البيوع “ذات الطابع الدولي للأشياء المنقولة المادية ” فكلا الاتفاقيتين لا يعرف دولية العقد.
وفي نظرنا أنهما لا يخرجان عن التعريف القانوني الذي سطرناه، ودليلنا في ذلك إنها تحيل على اتفاقيات تبنت المعيار القانوني المنظور صراحة، إضافة انه بالتأمل في مقتضيات المواد الأولية نجد أنها تصب في مصب واحد هو التعريف القانوني الانتقائي، فمثلا اتفاقية لاهاي 1955 تشير في المادة الثالثة منها لقاعدة تنازع يكون بمقتضاها العقد منظما بمقتضى قانوني بلد إقامة البائع، الأمر الذي نستنتج أن هذه الاتفاقية كغيرها تجعل من عنصر اختلاف مؤسسات الأطراف ضابط لإضفاء الدولية على العقد.
وإلى جانب هذا الشكل من الاتفاقيات المذكورة، يوجد كذلك شكل آخر من الاتفاقيات التي كذلك تستعمل عبارات مبهمة في تحديد دولية العقد، نذكر من ذلك على سبيل المثال اتفاقية روما 19 يونيو 1980 بشان القانون المطبق على الالتزامات التعاقدية، والتي جاء في مادتها الأولى “تطبق الاتفاقية حين توجد أوضاع تتضمن تنازع قوانين حول الالتزامات التعاقدية”، وهي نفس العبارة التي استعملتها اتفاقية لاهاي 22 دجنبر 1986 بشان البيع الدولي للبضائع بمقتضى فقرتها الثانية من المادة الأولى لتحديد دولية العقد كشرط مسبق لتطبيق مقتضياتها، إلا أن هذا الإبهام والغموض من استعمال عبارة كتنازع القوانين، سرعان ما يتبدد عندما نعلم أن منهج تنازع القوانين لا يجد مجالا له إلا في إطار التعريف القانوني وليس له أي دور في إطار غيره من التعاريف (الاقتصادي مثلا)، بل إن الأمر يزداد جلاءا بتفحص مقتضيات المواد اللاحقة، حيث نجد مثلا إن اتفاقية روما المذكورة تتضمن بعض القواعد التي من خلالها يمكننا أن نستخلص تعريف للعقد الدولي من صلبها، فمثلا نصت المادة الثالثة في فقرتها الثالثة على قاعدة فيها تعريف للعقد الداخلي كما يلي: “اختيار الأطراف لقانون أجنبي لا يقبل عندما تكون جميع عناصر العقد توجد وقت هذا الاختيار داخل بلد واحد”، وبمفهوم المخالفة يمكن استنباط تعريف للعقد الدولي كالتالي يكون دوليا العقد الذي لا تكون جميع عناصره تتموضع ببلد واحد، وتعريف آخر نستنتجه من الفقرة الأولى من مادتها الرابعة التي جاء فيها “العقد يحكمه قانون البلد الذي يتصل به هذا الأخير بمقتضى روابط أكثر وثوقا”، من أن العقد الدولي هو العقد الذي له روابط مع أكثر من بلد واحد.
بناء على كل ما سبق نعتقد أن الاتفاقيات بصنفيها الصريح والضمني لا تعتمد أي من المعايير التي قال بها الفقه الحديث منه والتقليدي، بل لها مقاربة خاصة في التعامل مع مفهوم العقد الدولي، باختصار انه تعريف قانوني متطور يعتبر العقد دوليا العقد الذي تتطرق الصفة الأجنبية لعنصر من عناصره القادرة بذاتها على ربط العقد بأكثر من بلد واحد حقيقة وواقعا لا تجريدا ونظريا.
اترك تعليقاً