دراسة وبحث قانوني قيم عن القاضي الإداري وتقييد الحرية السياسية
المقدمة:
يثير حكم إدارية الرباط حدود حرية تأسيس الأحزاب السياسية وحالات وأسباب بطلان تأسيسها، مما يدفع الباحث في هذا الموضوع إلى طرح مجموعة من التساؤلات ترتبط بهذا الإطار حول ما إذا كان مجرد تصريح صادر عن مسؤول حزبي تقتضي من الجهات المعنية من رفع دعوى قضائية لحل وإبطال الحزب؟ أم أن هناك معايير وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها؟ وكيف يتعامل القضاء الإداري في مثل هذه القضايا الحساسة؟
وقبل الخوض في الموضوع، تجدر الإشارة إلى وقائع القضية التي يمكن تلخيصها في كون وزارة الداخلية المغربية قامت بواسطة محاميها بالتقدم بمقال قضائي لدى المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 6 غشت 2007، يرمي إلى إبطال وحل الحزب الديمقراطي الأمازيغي، وذلك بالإستناد إلى مقتضيات المواد 53 و4 من قانون الأحزاب السياسية( ).
وأصدرت المحكمة الإدارية المذكورة بتاريخ 07/04/2008 حكمها في الشكل: في الطلب الأصلي بقبول الطلب وفي طلب إدخال الغير في الدعوى بعدم قبول الطلب، وفي الموضوع بإبطال الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي مع ترتيب الآثار القانونية.
وسنحاول تحليل الحكم والتعليق عليه باعتماد التصميم الآتي:
أولا: معطيات المنازعة والإشكاليات القانونية.
ثانيا: نتائج الحكم على الإجتهاد القضائي.
أولا: معطيات المنازعة والإشكاليات القانونية
أثار الحكم موضوع التعليق عدة ردود أفعال من جهات سياسية( ) وأكاديمية( )بين مؤيد للدعوى والحكم ومعارض لهما، ذلك لما تضمنه الحكم من اجتهاد فريد في تفسير وتأويل النص القانوني.
وقد يتضح للوهلة الأولى من خلال الإطلاع على حيثيات الحكم أن هذا الأخير لا يتضمن أي إشكال أو غموض، إلا أن التمعن والتدقيق فيه قد يؤدي إلى ملاحظة مجموعة من الإشكاليات القانونية والتي سنعرض لها في هذا المقال على الشكل التالي:
I- حول الجهة المختصة:
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فوزارة الداخلية تقدمت بطلبها الرامي إلى إبطال وحل الحزب السياسي المسمى”الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي”، في إطار المادتين 4 و53 من قانون الأحزاب السياسية، فما هو مضمون هاتين المادتين؟
المادة 4 المذكورة تعتبر باطلا وعديم المفعول كل تأسيس لحزب سياسي يرتكز على دافع أو غاية مخالفة لأحكام الدستور أو القوانين أو يهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو بالوحدة الترابية للمملكة، كما اعتبر أيضا باطلا وعديم المفعول كل تأسيس لحزب سياسي يرتكز على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، أو يقوم بكيفية عامة على كل أساس تمييزي أو مخالف لحقوق الإنسان.
أما المادة الثانية السابقة الذكر التي اعتمدتها وزارة الداخلية من أجل إبطال وحل الحزب فتتضمن منح الإختصاص للمحكمة الإدارية بالرباط الحق في النظر في طلبات الإبطال المنصوص عليها في المادتين 4 و15 من نفس القانون وكذا في طلبات الحل في حالة عدم الإمتثال لأحكامه وذلك بطلب يقدمه كل من يعنيه الأمر أو النيابة العامة.
يتضح مما سبق أن الجهة القضائية المختصة بحكم القانون للفصل في مثل هذه القضايا هي المحكمة الإدارية بالرباط، على الرغم من دفوعات المدعى عليه بكون جهة القضاء العادي هي المختصة لأن الأمر يتعلق “بتصريحات شخصية للأمين العام ولا تهم الحزب في شيء”، وهنا عبرت المحكمة الإدارية على أنه لأن كانت هذه الأخيرة غير مختصة بالبث في الجرائم الناتجة عن سوء ممارسة حرية الرأي والتعبير، فإن ذلك لا ينزع عنها سلطة تكييف الوقائع بعد التثبت من قيامها المادي حتى وإن كانت صادرة عن شخص ذاتي متى تمسك الأطراف بتلك الوقائع لتدعيم الإدعاءات أو وسائل الدفاع دون أن تصل إلى حد القول بقيام أركان الجريمة، كما أن ولاية المحكمة للبث في النزاع الحالي، مستمد من مقتضيات المادة 53 من القانون المتعلق بالأحزاب السياسية، الذي يعطي للمحكمة الإدارية بالرباط اختصاص البث في مدى مطابقة الحزب للمادة 4 من القانون المذكور، مما يتعين استبعاد الدفع المثار بهذا الخصوص، سيما وأنه لم يكن في شكل دفع صريح بعدم الإختصاص النوعي الشيء الذي يعفي المحكمة من البث فيه بحكم مستقل”.
الأمر الثاني أو الإشكال الثاني الذي أثاره الحكم محل الدراسة هو الأساس القانوني الذي يستمد منه وزير الداخلية الحق في طلب حل أو إبطال حزب سياسي، خصوصا إذا علمنا بأن المادة 53 من قانون الأحزاب السياسية لم تشر صراحة إلى اختصاص وزير الداخلية، إذ اكتفت بعبارة”كل من يعنيه الأمر” أو النيابة العامة.
وقد فسرت المحكمة الإدارية عبارة “كل من يعنيه الأمر” إلى كون رغبة المشرع انصرفت إلى توسيع دائرة المدعين حسب مدارس التفسيرات التي تقر بالأخذ بعموم اللفظ، وأن تخصيصه يقتضي مناقشة المصلحة في الطعن. وباعتبار اختصاص وزير الداخلية في مجال الأحزاب السياسية في إطار مقتضيات وروح القانون 04/36 مما يجعله أخص من يعنيهم الأمر بتقديم طلبات الإبطال والحل المنصوص عليها في المادة 53 المذكورة، الشيء الذي تكون معه مصلحته ومن ثم صفته في تقديم تلك الطلبات قائمة في نازلة الحال، مما يتعين معه رد الدفع المثار بهذا الخصوص.
إلا أن التساؤل المطروح هو هل بإمكان المواطنين أو جمعيات أو أحزاب معينة رفع دعوى أمام القضاء الإداري من أجل إبطال حزب سياسي معين في حالة عدم امتثال هذا الأخير لأحكام القانون؟ وماذا سيكون موقف المحكمة الإدارية بالرباط إذا تم تقديم دعوى في هذا الشأن؟ هل ستعتمد نفس التفسير السابق وبالتالي شمول الفئة المذكورة في زمرة من يعنيهم الأمر؟ أو ستحكم برفض الطلب أو بعدم الإختصاص؟
حسب رأينا نرى بأن القضاء الإداري كما عودنا من خلال أحكامه الجريئة قادر على أن يخطو مثل هذه الخطوة ويفسر النص السابق تفسيرا واسعا يذهب في اتجاه إمكانية رفع مثل هذه الدعاوى من قبل فئة واسعة ممن يعنيهم الأمر طبعا مع عقلنة مثل هذه الدعاوى حتى لا تمارس بشكل اعتباطي.
بعدما تطرقنا لمناقشة الجهة المختصة سواء في رفع دعوى إبطال الأحزاب السياسية وكذا الجهة المختصة في البث في مثل هذه الدعاوى سننتقل إلى نقطة ثانية أو إشكالية أخرى وتتعلق بإمكانية الجمع بين طلب الإبطال وطلب الحل في نفس المقال.
II- الجمع بين طلب الإبطال وطلب الحل:
جاء في الفصل 13 من قانون المسطرة المدنية( )”إذا قدمت عدة طلبات في دعوى واحدة من طرف مدع واحد ضد نفس المدعى عليه بث فيها ابتدائيا إن تجاوز مجموع الطلبات القدر المحدد للحكم انتهائيا ولو كان أحدها يقل عن ذلك”.
يتضح من خلال المادة المذكورة أن الأمر لا يثير أي إشكال، إلا أن الأمر مخالف عن ذلك فالإبطال حسب المادة 15 من قانون الأحزاب السياسية تتم في أجل 30 يوما من تأسيس الأحزاب، وهذا ما لا ينطبق على هذه النازلة، أما مسطرة حل الحزب التي تضمنها المقال الإفتتاحي للدعوى فتختلف عن مسطرة الإبطال، إذ أنها تقام وفق إجراءات أخرى وبعد طلب وزير الداخلية من أجهزة الحزب تسوية الوضعية القانونية وهذا ما لم تقم به وزارة الداخلية.
وبالتالي يطرح التساؤل حول مدى إمكانية الجمع بين طلبين يستلزمان اتباع مسطرة وإجراءات مختلفة عن بعضها البعض، فبالعودة إلى حيثيات الحكم نجد بأن المحكمة كانت لها وجهة نظر خاصة، إذ اعتبرت أن جمع وزير الداخلية بين طلب الإبطال وطلب الحل بموجب مقال واحد ليس له تأثير على الوضعية الشكلية للدعوى.
“وحيث لئن كان وزير الداخلية قد التمس إبطال الحزب وكذا حله في إطار المادة 53 من قانون الأحزاب السياسية، غير أنه لما كانت آثار الإبطال تختلف عن آثار الحل على مستوى الجزاء الزجري كما هو منصوص عليها ضمنا في مقتضيات المادة 53 من نفس القانون، وأنه لما كان الثابت مما نوقش أعلاه أن الحزب المدعى عليه يقع تحت طائلة المادة 4 التي نصت على جزاء البطلان الذي يؤدي إلى جعله وكأن لم يكن منذ نشأته، مما يتعين معه الحكم بإبطاله، ويبقى طلب الحل غير ذي موضوع”.
من خلال الحيثية السابقة يتضح بأن المحكمة اعتمدت على طلب الإبطال مع استبعاد طلب الحل لعموم موضوعيته، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو ذاك الإختلاف الموجود بين الإبطال والبطلان. فبالرجوع إلى قواعد الإلتزامات والعقود( ) نجدها ميزت بين المفهومين واعتبرت أن البطلان بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر ولا يسري عليه أثر التقادم عكس دعوى الإبطال التي تتقيد بأجل التقادم حسب كل قانون، والحالة هذه تتقادم دعوى الإبطال بمرور أجل شهر من تاريخ تأسيس الحزب.
وبالرجوع إلى مواد القانون رقم 04/36 نجدها استعملت عبارة إبطال سواء في المادة 4 أو المادة 15 مما يؤكد مرة أخرى عدم دقة المشرع أثناء صياغته للنص القانوني وترك المجال غامضا، وهذا ما استدعى من القاضي الإداري تأويل هذا النص لملائمته مع النازلة، وذلك على أساس أن مقصود المشرع من عبارة إبطال المتواجدة في المادة 4 من قانون 04/36 هو البطلان المرتبط بماهية ووجود الحزب… والقول بخلاف ذلك يؤدي إلى إفراغ نظرية البطلان من محتواها، طالما أن المتواتر عليه فقها وقضاء( )، أن العمل الباطل لا ينتج أي أثر قانوني ولا يتحصن بمرور الأجل.
كما تجدر الإشارة في هذا الإطار وكما عبر عن ذلك الحكم أن البطلان المقرر بمقتضى المادة 4 من القانون المشار إليه يستند إلى عناصر تؤدي إلى فناء الحزب منذ قيامه لفقدانه ماهية الوجود، فلا مجال للتمسك بعدم رجعية القوانين بعلة أن الحزب تأسس قبل دخول قانون الأحزاب الجديد حيز التنفيذ، ذلك أن أسباب البطلان وإن كانت قائمة قبل دخول قانون الأحزاب الجديد حيز التنفيذ، فإنه احتفظ بها من ضمن الأسباب التي تؤدي إلى القول بالبطلان في ظله أيضا، لذلك فاستمرارها إلى الحزب يوجب البطلان في ظل هذا القانون الأخير.
بعد الحديث عن الإشكاليات القانونية التي أثارها الحكم والتطرق لمدى حنكة القاضي الإداري في التعامل مع مثل هذه القضايا سننتقل إلى نقطة ثانية لا تقل أهمية عن الأولى ويتعلق الأمر بنتائج الحكم على الإجتهاد القضائي الإداري.
ثانيا: نتائج الحكم على الإجتهاد القضائي الإداري
لا شك في كون الحكم محل التعليق تضمن اجتهادا قارا في مادة تقييد الحقوق السياسية بصفة عامة وتقييد الحق في تأسيس حزب سياسي بصفة خاصة، سواء من خلال التحديد المفاهيمي (I)، أو على مستوى تقييد الحرية السياسية (II).
I- على مستوى التحديد المفاهيمي:
كما هو معلوم يهدف الطلب المقدم من طرف وزارة الداخلية إلى حل وإبطال الحزب الديمقراطي الأمازيغي وذلك في إطار المادتين 4 و53 من قانون الأحزاب السياسية، فإلى أي حد يمكن اعتبار معه هذا الجمع بين الطلبين صحيحا من الناحية القانونية والمسطرية؟
فالإبطال حسب المادة 15 من قانون الأحزاب السياسية يكون داخل أجل 30 يوما من تاريخ تأسيس الاحزاب، وبالرجوع إلى تاريخ تأسيس الحزب المعني بالأمر نجده قد عقد مؤتمره ما بعد التأسيس (مؤتمر الملاءمة مع القانون الجديد) في يوم 13 فبراير 2007، بهذا يكون قد تجاوز تاريخ التأسيس بحوالي 172 يوما، فكيف يا ترى تعاملت المحكمة الإدارية مع مثل هذا الإشكال ؟
المحكمة الإدارية بالرباط ميزت في هذا الإطار بين مفهوم الإبطال المقصود في المادة 15 من القانون المذكور ومفهوم إبطال الحزب المنصوص عليه في المادة 4 من نفس القانون، ذلك أن الأول ينصرف إلى الإجراءات الشكلية المتعلقة بمسطرة تأسيس الأحزاب السياسية، بينما ينصرف الثاني إلى حالة البطلان المرتبطة بماهية وجود الحزب، ومن ثم فإن المشرع لم يحدد أجلا معينا لتقديم مثل هذه الطلبات الأخيرة، والقول بخلاف ذلك- حسب المحكمة الإدارية- يؤدي إلى إفراغ نظرية البطلان من محتواها طالما أن المتواتر عليه فقها وقضاء أن العمل الباطل لا ينتج أي أثر قانوني( ) ولا يتحصن بمرور الأجل، كما أن المشرع لم يحدد أجل تقديم طلب الحل.
بعدما التطرق للمبدأ القار في هذا الحكم والمتمثل في تحديد مفهوم الإبطال في كل من المادة 4 والمادة 15 سننتقل إلى نقطة مهمة عالجها الحكم واعتبرت العمود الفقري لمضمون هذا الإجتهاد والمتمثلة في تقييد ممارسة الحرية السياسية المتجسدة في حق تأسيس حزب سياسي.
II- على مستوى تقييد الحرية السياسية:
لابد من الإشارة في البداية إلى سياق صدور هذا الحكم والمتسم بالتوتر في العلاقة بين وزارة الداخلية والحزب المعني بالأمر، والتي انتهت برفع دعوى في هذا الإطار إلى المحكمة الإدارية من أجل إبطال تأسيس هذا الحزب.
وعلى الرغم مما يمكن أن يقال عن خلفية وأسباب هذه الدعوى، فإن المحكمة الإدارية بالرباط ليس أمامها سوى الإحتكام إلى المنطق والعدل، وهذا ما تبين بحق في هذا الإجتهاد.
فبالرجوع إلى الدستور المغربي لسنة 1996( )، نجده يضمن لكل مواطن حرية التنظيم عن طريق تأسيس الجمعيات والإنخراط فيها بما في ذلك تأسيس حزب سياسي لاعتبار هذا الأخير يهدف دوره إلى تمثيل وتنظيم المواطنين انطلاقا من الدور الأساسي في العمل الجيد للنظام الديمقراطي، ولكنه بالمقابل أقر بإمكانية الحد من تلك الحرية بموجب قانون.
وهذا ما تبناه المشرع المغربي في القانون رقم 04/36، مؤكدا على مبدأ حرية تأسيس الأحزاب السياسية وعلى أهمية وظائفها، ومقرا بإمكانية الحد من تلك الحرية خلال جميع المراحل، عبر اللجوء إلى الجهات القضائية التي تبث في ما يحال عليها من طلبات بعد ضمان المحاكمة العادلة التواجهية، وفي إطار مبدأ تعدد درجات التقاضي.
ومن بين التقييدات التي ترد على حرية تأسيس الأحزاب السياسية ما تضمنته المادة 4 من القانون المذكور التي أسست عليها وزارة الداخلية طلبها بإبطال الحزب وحله، والتي تنص على أنه “يعتبر باطلا أيضا وعديم المفعول كل تأسيس لحزب سياسي يرتكز على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، أو يقوم بكيفية عامة على أساس تمييزي أو مخالف لحقوق الإنسان”.
وعودة إلى الأسباب التي اعتمدتها وزارة الداخلية في طلبها والمتمثلة في كون مصطلح “الأمازيغي” في تسمية الحزب تؤكد التوجه اللغوي والعرقي للحزب، وكذا تنصيص القانون الأساسي للحزب على الحاجة التنظيمية إلى تأطير الامازيغيين والتعبير عن رؤاهم وتصوراتهم للحقل السياسي المغربي، هذا بالإضافة إلى تنصيص القانون الأساسي على التفكير في خلق مؤسسات للقضاء الشعبي واعتبار الأعراف الأمازيغية مصدرا للتشريع.
الدعوة إلى رد الإعتبار في التاريخ القضائي المغربي لما قبل تأسيس المجلس الأعلى، وكذا تصريحات الأمين العام للحزب التي تدعوا إلى مراجعة العلاقة مع العرش على أساس أعراف المغرب التي كانت سارية قبل نشأة الحركة الوطنية، وكذا مواقفه من المؤسسات الرسمية ومن السلطة المركزية ومن المغرب والعروبة( ).
واعتمادا على الأسباب المذكورة سلفا، وبعد التأكد من صحتها من قبل المحكمة الإدارية تبين لها بجلاء أن الحزب المدعى عليه إنما تأسس ويهدف من خلال برنامجه السياسي إلى تمثيل فئة محددة من المواطنين المغاربة على أساس المرجعية الأمازيغية دون سواها، بما تم التعبير عنه من قبل الأمين العام، وما تضمنه البرنامج السياسي وديباجة النظام الأساسي، بالإضافة إلى ما تعكسه تسميته بالتركيز على الأمازيغية، بما يجعله قائما على أساس لغوي وعرقي( ).
وقد اعتبرت المحكمة الإدارية أن تركيز الحزب المدعى عليه على فئة من المواطنين دون سواها، استنادا على أساس لغوي أو عرقي ينطوي على دعوة صريحة إلى تجزيء المجتمع والنيل من اندماجه وتلاحمه، والحال أن الأحزاب السياسية مدعوة إلى تعبئة جهود وطاقات جميع مكونات المجتمع وقواه الحية لرفع التحديات الداخلية والخارجية للبلاد عن طريق تفعيل المواطنة الإيجابية بهدف تحصين المسار الديمقراطي في مجتمع يشيع الحرية والمساواة( ).
كما أن أسس الحزب وأهدافه كما هي مرسومة في برنامجه السياسي توحي بأن هناك فصلا بين المكونات البشرية للمجتمع، والحال أن الدستور المغربي يؤكد مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، ومن تم فإن المواطنة من خلال رباط الجنسية هي التي تحدد حقوق والتزامات الجميع، وليس هناك أي نص تشريعي أو تنظيمي يعتبر تمييزا سلبيا تجاه أي أحد من المواطنين بسبب دينه أو عرقه أو لغته أو جهته، مما يجعل ما تمسك به الحزب من ضرورة تفعيل مضامين الإتفاقيات الدولية حول التمييز الإيجابي في غير محله لعدم وجود مفهوم الأقليات في بنية المجتمع المغربي بالشكل الذي تحدده تلك الإتفاقيات.
علاوة على ما سبق، ذهبت المحكمة الإدارية في إطار دحضها للحجج التي قدمها الحزب لتبرير وجوده إلى اعتبار الأمازيغية أولا وقبل كل شيء أصلا ومكونا من مكونات المغرب القديم والحديث مما يجعلها ملكا لجميع المغاربة، ومن ثم لا يمكن تجزيء تمثيلها وانفراد هيئة دون أخرى بادعاء ذلك التمثيل على المستوى السياسي، تماما كما هو الشأن بالنسبة للمعطى الديني، طالما أنهما – إلى جانب مكونات أخرى- من القواسم المشتركة بين عموم المواطنين.
قد تبين مما سبق، أن المحكمة الإدارية أسهبت في تعليل حكمها وأوضحت المقصود من الحرية السياسية المضمونة للأفراد سواء على المستوى الدولي( ) أو على المستوى الوطني( )، هذا ما إن لم تتم تقييدها من قبل القوانين الوطنية متى كانت هذه التقييدات ضرورة للحفاظ على كيان المجتمع الديمقراطي.
على سبيل الختم:
شكل الحكم موضوع التعليق قيمة مضافة وقفزة نوعية في سياق الإجتهادات المتعددة التي تصدرها محاكمنا الإدارية، وذلك عبر توضيحه للعديد من المفاهيم، وسد الثغرات على كل من يحاول استغلال نسبية النص القانوني وتأويله لصالح خدمة الأفكار المتطرفة الساعية إلى تفريق كيان المجتمع وإيقاظ الفتنة بين المغاربة.
هذا وتجدر الإشارة في الأخير إلى المجهودات الجبارة التي يبذلها جهاز القضاء بصفة عامة والقضاء الإداري بصفة خاصة في ميدان حماية الحقوق والحريات، وذلك رغم الإكراهات والصعوبات التي تعترضه .
المصادر المعتمدة
“القانون الجديد للأحزاب السياسية، قراءات متقاطعة”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 56، 2007.
القانون رقم 90-41 المحدثة بموجبه محاكم إدارية.
الدستور المغربي المراجع بموجب استفتاء 13 شتنبر 1996.
قانون الإلتزامات والعقود المغربي.
العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
أحمد الخنبوبي:”دعوة وزارة الداخلية لحل الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي.. بين القانون والسياسة”، وجهة نظر، عدد 42، خريف 2009.
اترك تعليقاً