دراسة قانونية حول إتفاقيات إستثمار البترول
بحث أعده د. أحمد المفتي كبير الإستشاريين بوزارة العدل السودانية :
إتفاقيات استثمار البترول
تتعدد أنواع اتفاقيات البترول ولكل نوع منها اشتراطات تميزه وذلك على النحو التالي :
(أ) الامتيازات التقليدية :
إن أحد أسباب الصراع الدولي حول البترول كان هو تنافس شركات البترول الأمريكية والأوربية حول مصادر البترول الموجودة في الدول الأجنبية وعلى وجه الخصوص دول العالم الثالث التي كان معظمها أما تحت الاستعمار المباشر أو مستقلاً ولكن ضعيفاً وقابلاً للتأثير الأجنبي (1).
والذي يهمنا من ذلك التنافس هو أنه لم تترتب عليه النتيجة المتوقعة للتنافس وهي تقديم شروط تعاقد مجزية لدول العالم الثالث المالكة للمصادر البترولية وخلافا لما هو متوقع فقد تم تنظيم ذلك التنافس عن طريق عقد اتفاقيات بين حكومات الدول التي تتبع لها شركات البترول الأمريكية والأوربية (2)
أما فيما يتعلق بعلاقة تلك الشركات التعاقدية مع دول العالم الثلاث المعنية فإن تلك الشركات وجدت في عدم اكتمال تلك الدول وجهلها التام بشئون البترول فرصة سانحة للحصول على البترول بمقابل اسمي ، ولقد وجدت تلك الشركات بالتنسيق فيما بينها إن اتفاقيات الامتياز التقليدية هي الأداة القانونية المناسبة لتحقيق ذلك الغرض.(3) ولعل ذلك هو السبب الأساسي في أن كافة اتفاقيات البترول التي أبرمت بين شركات البترول ودول العالم الثالث المالكة للمصادر البترولية منذ نهاية القرن الماضي وحتى مطلع القرن الحالي كانت دون استثناء عبارة عن اتفاقيات امتياز تقليدية.
وعلى وجه التحديد ظهرت اتفاقيات الامتياز أول الأمر في اندونيسيا وبعض الأقطار الأخرى في نهاية القرن الماضي ، أما امتيازات الشرق الأوسط فإنها بدأت بالامتياز البريطاني (امتياز دارسي) الذي أبرم في إيران 1901م أما في بقية أنحاء العالم فإن نظام الامتياز قد ظهر بين الحربيين العالميتين (4).
وعلى الرغم من أن ذلك النوع من اتفاقيات البترول قد اندثر في معظم أنحاء العالم نسبة لشروطه المجحفة إلا أنه ما زال مستخدماً في عدد محدد من الدول النامية ،كما أن كثيراً من عقود الإيجار وتراخيص البترول المعمول بها حالياً في كثير من الدول تحمل بعض ملامح الاميتازات التقليدية وتتلخص الخصائص الرئيسية للامتيازات التقليدية في الآتي :
*كبر مساحة الامتياز بحيث تغطي في بعض الحالات كل مساحة القطر المعني وفي كثير من الحالات لا تتضمن الاتفاقية برنامج تخلي إجباري عن بعض المساحات كما هوالحال اليوم.
*طول مدة سريان الامتياز حيث تتراوح بين 60 و 75 عاماً وفي حالة الكويت بلغت 92 عاماً.
قلة العائدات المالية للحكومة المضيفة وتتمثل في مبلغ أتاوة بسيط وثابت ولا يرتبط بقيمة البترول المنتج ولا بالأرباح التي تعود على الشركة المنقبة ( على سبيل المثال 4 شلنات عن كل طن بترول يتم انتاجه).
• تسيطر الشركة المنقبة سيطرة تامةعلى كافة العمليات بما في ذلك برنامج البحث وتحديد الحقول المنتجة وتحديد سقوفات الانتاج وتحديد الأسعار.
• تعتبر الأموال التي تصرفها الشركة المنقبة على العمليات البترولية مساهمة مباشرة في رأس المال وليست مصروفات تسترد من الانتاج وفق برنامج معين.
ونجمل استعراضنا للامتيازات التقليدية بتعليق كاتب امريكي حيث قال عنها إنه لم يحدث في التاريخ الحديث أن تصرفت أي حكومة في ثرواتها الطبيعية بمثل ذلك السخاء ولتلك المدة الطويلة مقابل نذر يسير من العائدات(5)
(ب)الامتيازات الحديثة :
بمرور الأيام وتغير الظروف التي جعلت دول العالم الثالث توافق على توقيع اتفاقيات الامتياز التقليدية ظهر في عالم التنقيب عن البترول ما يعرف بالامتيازات الحديثة ولعل أبلغ وصف للامتيازات الحديثة أنها امتيازات تقليدية أدخلت عليها بعض التعديلات لصالح الدول المضيفة.
ولتعديل قد يكون فيما يتعلق بمساحة الترخيص حيث ينص الامتياز الحديث على مساحة أقل وعلى برنامج زمني للتخلي عن تلك المساحة وكمثال على ذلك أن المادة 9 من قانون الثروة البترولية لسنة 1972م تنص على أنه لا يجوز أن تجاوز منطقة الترخيص 800 كيلو مترا مربعاً ،أما المادة 10 فإنها تنص على أن لا تتجاوز منطقة عقد الإيجار 250 كيلو متراً مربعاً إلا بموافقة راس الدولة وترك القانون المذكور موضوع التخليات ليعالج في الاتفاق الذي يبرم بين الطرفين.
وقد يكون التعديل فيما يتعلق بمدة السريان حيث ينص الامتياز الحديث على مدة سريان أقصر بكثير من مدة سريان الامتياز التقليدي التي سبق أن أشرنا إليها وفي هذا الصدد نجد أن المادة 9 من القانون المشار إليه أعلاه تنص على أن لا تزيد مدة الترخيص عن أربع سنوات ويجوز مدها لفترة اضافية لا تتجاوز سنتين.
ولعل أكبر أوجه الخلاف بين الامتيازات التقليدية والامتيازات الحديثة هو أن الأخيرة تنص على عائدات مالية اضافية سواء كانت في شكل أتاوة أو ضريبة على أرباح شركة التنقيب أو منح تدفع للدولة المضيفة عند التوقيع على الاتفاقية أوعند اكتشاف البترول أو عند وصول الانتاج إلى معدلات معينة وتعتبر الدفعات التي تتم في شكل أتاوة أو ضرائب هي أهم أنواع العائدات المالية التي تنص عليها الامتيازات الحديثة لذلك فقد رأينا أن نتطرق لتاريخ الأتاوة والضرائب بشئ من التفصيل فيما يلي من فقرات :
*أن (الاتاوة) أو (الريع) أو الدفعات المقررة هي مسميات لمعنى واحد في اتفاقيات الامتياز البترولي وهي تعني الدفعات النقدية أو العينية التي يلتزم صاحب الامتياز بأدائها إلى الدوة المضيفة وذلك عن كل وحدة انتاج بترولي يحصل عليها(6).
والحكومة هي صاحبة الشأن في تقاضي الأتاوة في البلاد العربية ويرجع ذلك إلى أن ملكية باطن الأرض تعود إلى الدولة (وليس إلى مالك سطح الأرض كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية) ويترتب على ذلك أن يصبح للدولة الحق في تقاضي الأتاوة والضريبة معاً لذلك السبب اعتبرت شركات البترول أن الاتاوة مكملة للضريبة ولم تفلح الدولة المنتجة في تنفيق الأتاوة اعتبارها مصاريف تشغيل إلا في تاريخ لاحق.
وهناك معياران لتحديد الأتاوة ،فهي إما تكون عبارة عن مبلغ معين عن كل وحدة من الإنتاج الصافي وقد شاع استخدام ذلك المعيار في اتفاقيات ما قبل الحرب (العالمية الثانية) مع الاختلاف في تقدير ذلك المبلغ من اتفاق إلى آخر (7) وأما ان تكون عبارة عن نسبة مئوية معينة من الإنتاج السنوي ،وقد تبنت غالبية اتفاقيات ما بعد الحرب المعيار الأخير حيث أن المعيار الأول تعسفي لعدم ارتباطه بأسعار البترول المنتج وكمياته ولقد حدد الكثير منها تلك النسبة ب 12.5 وإن كانت بعض الاتفاقيات قد رفعت تلك النسبة إلى 40%(8) وفي مقابل دفع الأتاوة أعفت كافة الاتفاقيات التي أبرمت في فترة ما قبل الحرب صاحب الامتياز من الخضوع للقوانين الضريبية الوطنية.
وخلال 1947 – 1949 قامت إيران بأول محاولة لتعديل امتيازات ما قبل الحرب وتبين مبدأ المشاركة العادلة في الأرباح إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل وانتهت بتأميم صناعة البترول في إيران سنة 1951م(9)
ولقد أفلحت فنزويلا فيما فشلت فيه إيران حيث أصدرت سنة 1948 قانوناً يقضي بفرض ضريبة على أرباح شركات البترول بحيث لا يقل نصيب الحكومة عن 50 % من صافي أرباح تلك الشركات وبذلك تكون فنزويلا هي أول دولة تقر مبدأ مناصفة الأرباح وقد هجرت فنزويلا ذلك المبدأ نحو الأحسن عاام 1958م حين أصدرت قانوناً (إجراء من جانب واحد) ينص على أن لا يقل نصيب الحكومة عن 605 من صافي الأرباح دون حاجة إلى تعديل الامتياز (10).
وفي عام 1949 أعدت سكرتارية الأمم المتحدة دراسة تبنت فيها تقرير خبراء الاقتصاد الذي بحث مشكلات التنمية الاقتصادية للدول الآخذة في النمو والذي ورد فيه أنه من حق تلك الدول الحصول على عائد ضريبي مجز من الاستثمارات الاجنبية وأنه يمكن تفادي الازدواج الضريبي بإبرام اتفاقيات ضريبية ثنائية بين الدول المصدرة لرأس المال والدول المضيفة ،كما يمكن للدول الأخيرة وقتذاك أن ترفع ضرائبها إلى القدر الذي لا يحمل المستثمر الأجنبي عبئا اضافياً (11)
وفي السعودية جرت مفاوضات مع شركة ارامكو انتهت باصدار مسومين في 4/11/ 1950 و 26/12/1950 فرضاً ضريبياً دخل نسبتها 50% وفي 30/12/1950
ابرم اتفاق تكميلي بين الحكومة وارامكو خضعت بمقتضاه أرامكو لضرائب الدخل المقرر في المرسومين وتعهدت الحكومة بعدم فرض ضرائب أعلى ولعل السبب الذي جعل السعودية تفرض الضرائب بإجراء من جانب واحد هو رغبتها في إرساء سابقة قانونية تستند إليها مستقبلا (12) كذلك عدلت ليبيا اتفاقياتها البترولية بمرسوم صدر في 22/11/1965م ووافق عليه البرلمان في 9/12/1965م ونص على قاعدة مناصفة الارباح ،وهكذا نجد أنه في اعقاب تلك السابقة التي أرستها السعودية أصدرت معظم الدول العربية قوانين تفرض ضريبة على الدخل بحيث أنه إذا أضيفت الأتاوة لضريبة الدخل لبلغت المدفوعات الاجمالية لصاحب الامتياز 50% من أرباحه الصافية وبعد إدخال نظام المشاركة في الشرق الأوسط تجاوزت بعض الاتفاقيات مبدأ مناصفة الأرباح وأصبحت تنص على نسبة أكبر لصالح الدولة.
وخارج منطقة الشرق الأوسط نهجت اندونسيا نفس نهج فنزويلا حيث أصدرت قانونها رقم 440 لسنة 1960 والذي هجرت بمقتضاه مبدأ مناصفة الأرباح ونصت على أن لا يقل نصاب الحكومة عن 60% ولقد اعترضت الشركات على ذلك القانون على اعتبار أنه تعديل من جانب واحد ولكنها عادت ووافقت عليه لاحقاً. ومن ناحية أخرى نجد أنه منذ تبني نظام الضرائب في اتفاقيات الامتياز في المنطقة العربية ثارت مشكلة تتعلق بطبيعة الأتاوة وما إذا كان يجب معاملتها باعتبارها قرضاً من الاستحقاق الضريبي أو باعتبارها نفقات انتاج تخصم من الدخل كما هو الحال في كافة الدول الرئيسية المنتجة للبترول خارج المنطقة العربية.(13) وبعد مفاوضات طويلة مع الدول العربية المنتجة للبترول اذعنت الشركات ( جنيف 12/11/1964م) وقبلت تعديل اتفاقياته الامتياز وادخال الأتاوة ضمن عناصر النفقات . واشترطت الشركات مقابل ذلك أن تحصل على خصم على الأسعار المعلنة ، كما اشترطت اللجوء إلى التحكيم بصورة إجبارية في حالة نشوء أي نزاع بينها وبين الحكومة وقد وافقت كل من السعودية وليبيا وقطر والكويت وإيران على مقترحات الشركات أما العراق فقد رفضت عرض الشركات بسبب الشروط غير المالية التي اقترنت بالعرض.(14) وبناء على ذلك صدر قرار الأوبك رقم 49 المتخذ في المؤتمر السابع المنعقد في جاكرتا خلال الفترة 26 – 28 نوفمبر معتبرا الأتاوة جزءا من النفقات مقابل شروط معينة تاركاً للدول حرية قبول عرض الشركات أو رفضه وقد قامت الحكومات التي طبقت ذلك القرار بتعديل اتفاقياتها كما يلي : – قطر في 1964م ، إيران في 1965 السعودية في 1965 ، ليبيا 1965 ، الكويت في 1967(15)
(ج) المشاريع المشتركة
المشاريع المشتركة (عقد المشاركة) عبارة عن اتفاق بين الحكومة أو مؤسسة البترول الوطنية) والشركة ،تتحمل الشركة المنقبة بموجب عقد المشاركة تكاليف البحث بمفرده في حالة عدم وجود اكتشاف تجاري ويلزم عقد المشاركة الشركة المنقبة ببرنامج حفر معين وباستثمار مبالغ معينة وببرنامج تخليات ،وقد ينص عقد المشاركة على أن تتحمل الشركة المنقبة كافة التكاليف في مرحلتي البحث والتنمية على أن تستردها من قيمة الإنتاج وفق نسب سنوية محددة تخصم من قيمة الإنتاج لأغراض ضريبة الدخل ، وقد تقتصر التكاليف التي تتحملها الشركة المنقبة على مرحلة البحث فقط. وفي بعض الحالات لا يعطي عقد المشاركة الشركة المنقبة الحق في استرداد تكاليف البحث فعلى سبيل المثال نجد أن كافة الاتفاقيات التي أبرمت في النرويج بعد عام 1973م لا تعطي الشركة المنقبة الحق في استرداد تكاليف البحث حتى في حالة اكتشاف البترول بكميات تجارية (16)وتدفع الحكومة حصتها في رأس مال عقد المشاركة بواحد أو أكثر من الطرق الآتية :
• منح حقوق بحث وتنمية وانتاج في مجال البترول.
• منح حق استخدام البنيات الأساسية والتسهيلات التي تمتلكهم الحكومة.
• إعطاء معلومات.
• منح تسهيلات مصرفية
• تأجيل أواعفاء الأتاوات والضرائب
• منح حوافز استثمار فيما يتعلق بتحديد نسبة الاستهلاك أو استرداد التكاليف.
• دفع المساهمة نقداً بعد الاكتشاف التجاري.
وتتأثر حصة الحكومة في عقد المشاركة بتقييم اشركة المنقبة لمخاطر عمليات البحث وكمية الانتاج المتوقعة وتكاليف التنمية والتشغيل ..الخ وبنا ء على ذلك تتفاوت حصة الحكومة في عقد المشاركة تفاوتاً كبيراً من قطر إلى آخر.
وتأخذ المشاركة أحد الأشكال الإدارية التالية (17)
1- تكوين شخصية اعتبارية تكون ملكيتها مساهمة بين الحكومة ( ومؤسسة البترول الوطنية) والشركة المنقبة وتخضع تلك الشخصية للضرائب ويوكل لها أمر انتاج البترول وتسويقه حسبما ينص عقد المشاركة وفي تلك الحالة يقسم صافي الأرباح التي تحققها تلك الشخصية بين الحكومة أومؤسسة البترول الوطنية والشركة المنقبة حسب نسبة مشاركة كل منهما في رأس مال الشخصية الاعتبارية ويطلق على ذلك النوع Italian Approach
2- أن يكون لكل من الحكومة ( أو مؤسسة البترول الوطنية ) والشركة المنقبة حصة غير مفرزرة في منطقة البحث والبترول المنتج منها دون حاجة إلى تكوين شخصية اعتبارية منفصلة حيث تتولى الشركة المنقبة القيام بكافة العمليات وذلك الترتيب معمول به على سبيل المثال في النرويج والمملكة المتحدة.
3- تكوين شراكة غير ربحية نيوكل لها أمر تنفيذ كافة عمليات التنمية والانتاج نظير مبلغ معين وتقوم الحكومة (أو مؤسسة البترول الوطنية) والشركة المنقبة بتوفير المبلغ المطلوب وتقوم الشركة التي تم تكوينها بتسليم البترول المنتج إلى الحكومة أو مؤسسة البترول الوطنية والشركة المنقبة حسب ما تنص اتفاقية المشاركة وتفضل الشركات الأمريكية ذلك النوع من التعامل وهو يوافق طموح الحكومات المضيفة في تكوين شخصية اعتبارية محلية ويطلق عليه The Approcach Approah(19) وكما هو الحال في نظام الامتياز نجد أن من محاسن عقود المشاركة أنها تحمل الشركة المنقبة المخاطر المالية المتعلقة بالبحث وفي بعض الأحيان مخاطر التنمية كذلك وتعتبر الدول النامية عقود المشاركة وسيلة لاكتساب المهارات الإدارية والفنية التي تتطلبها العمليات البترولية ونجد أن بعض تلك العقود تنص على ان تتولى مؤسسة البترول الوطنية عمليات التشغيل فور استرداد الشركة المنقبة للمبالغ التي صرفتها. وعقود المشاركة تعني المشاركة في رأس المال والإدارة واقتضاء حصة الأرباح (بنسبة المساهمة في رأس المال) باعتبارها عائداً لرأس المال المستثمر وليس باعتبارها ضريبة على دخل الشركة المنقبة ،ولعل ذلك هو وجه الخلاف الأساسي بين الامتيازات الحديثة (مناصفة الأرباح) وعقود المشاركة. وتجدر الإشارة إلى أن العائدات المالية للحكومة في حالة عقود المشاركة تتأثر سلباً بحق الشركة المنقبة في بيع البترول بأسعار مخفضة للشركات التابعة لها وبحق الشركة في تحديد أسعار البيع بصورة أمه ، كما تتأثر تلك العائدات سلباً بفوائد القروض التي تحصل عليها الشركة المنقبة من الشركات التابعة لها ويقتصر ذلك القول على اتفاقيات البترول التي يكون عائد الحكومة المالي فيها عبارة عن ضريبة دخل على صافي الأرباح ، أما تضخيم التكاليف (القابلة للاسترداد) التي تكون الشركة المنقبة قد تكبدتها في عمليات البحث أو خلافه فإنه يمكن أن يحدث في ظل أي نوع من أنواع اتفاقيات البترول.
ومن الناحية التاريخية ظهرت عقود المشاركة في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية لتحقيق رغبتين : رغبة الحكومة في السيطرة على ثرواتها البترولية وتحقيق أكبر عائد مالي منها ورغبة شركات البترول الصغيرة (سواء كانت تملكها الحكومة مثل ابن الأيطالية أو كان يملكها القطاع العالمي الخاص مثل الشركات الأمريكية واليابانية الصغيرة ) في تأمين مصادر أجنبية للبترول الخام.
إن فكرة استبدال اتفاقيات الامتياز بعقود مشاركة وهي الفكرة التي أعقبت فكرة زيادة العائدات المالية عن طريق فرض ضرائب على دخل الشركات ،كانت رائدتها إيران في الشرق الأوسط ،وكان ذلك عام 1957 حين دخلت شركة البترول الإيرانية الوطنية NIOC والتي أجبرتها مقاطعة شركات البترول لها عند تأميم صناعة البترول في إيران عام 1951م على السماح باستمرار عمليات شركات البترول بموجب اتفاقيات الامتياز في مشروع مشترك مع شركة أجيب الحكومية الأيطالية ،وفي نفس ذلك العام وقعت شركة أيني الأيطالية (الشركة الأم لشركةة أجيب) مشروعاً مشتركاً آخر مع جمهورية مصر العربية. أما في السودان فإن قانون الثروة البترولية لسنة 1972م عقد أعطى ا في المشاركة في استغلال البترول في حالة اكتشافه بكميات تجارية على ألا تزيد المساهمة عن 50% من رأس مال الشركة المنقبة (المادة 11) ولكن لم يجعل القانون المشاركة الزامية حيث نص على نظام الامتياز (مناصفة الأرباح) كبديل لها (المادة م14- أ) أما أول مشاركة في الامتيازات القائمة التي تحقق لها وجود البترول بكميات تجارية فهي ما قامت به حكومة الجزائر في 19/10/1968م ففي ذلك التاريخ عدلت الجزائر الامتياز الذي سبق أن منحته لشركة جيتي وحصلت شركة البترول الوطنية (سوناتراك) على 51% من مصالح شركة جيتي في الجزائر اعتباراً من 31/12/1967م وتم تعويض جيتي ببترول خام يسلم على دفعات لمدة أربع سنوات (20) ولا نغفل أن أقدم الامتيازات في منطقة الشرق الأوسط (على سبيل المثال: امتياز دارسي سن 1901 وامتياز شركة نفط العراق سنة 1925 ، قد نصت على مشاركة الحكومة في راس مال الشركة المنقبة إلا أن تلك النصوص كانت صورية ولم تنفذ خاصة فيما يتعلق بموضوع المشاركة في إدارة العمليات والإشراف عليها (21).
ولقد حظيت فكرة تعديل الامتيازات القائمة بإدخال نظام المشاركة باهتمام منظمة الأوبك حيث تضمن قرارها رقم 16/90 الصادر في يونيو8196 الاعتراف بنظام المشاركة باعتباره أحد الأهداف التي تسعى المنظمة لتحقيقها ونصعلى الآتي :”لما كانت اتفاقيات الامتياز النافذة حالياً قد جاءت خلواً من شريط يضمن المشاركة الحكومية في ملكية الشركة صاحبة الامتياز فإنه يحق للحكومة – على أساس مبدأ الظروف المتغيرة – أن تحصل على مشاركة معقولة في هذه الملكية وإذا كان مثل ذلك الشرط قد تضمنته فعلاً بعض الاتفاقيات إلا أن الشركات المعنية قد تجنبت تنفيذه الأمر الذي يتعين معه أن يشك معدل المشاركة المنصوص عليه في تلك الاتفاقيات الحد الأدنى لما ينبغي الحصول عليه من مشاركة(22).
ولم تكتف الأوبك بمجرد إعلان رغبتها في تطبيق نظام المشاركة بل تابعت الموضوع بالدراسة إلى أن جاءت الدورة الاستثنائية لمؤتمر الأوبك الخامس والعشرين المنعقد في بيروت في 22/9/1971م والتي اتخذ المؤتمر فيها قرارين هامين : أولهما خاص بتعديل الأسعار بعد إعادة تقييم الدولار الأمريكي ،ولقد تم حل ذلك الموضوع نهائياً باتفاقية الأسعار بعد إعادة تقييم الدولار الأمريكي ، ولقد تم حل ذلك الموضوع نهائياً بإتفاقية جنيف حول التعديلات النقدية الموقعة في 20/1/1972م وقد أبرمت تلك الاتفاقية بين الدول المنتجة للبترول والشركات العاملة فيها وقضت برفع سعر خامات الخليج العربي شرقي المتوسط بمقدار 8.49% كما وضعت تلك الاتفاقية أساساً لتفادي التقلبات المستقبلية في الأسعار عند تقلب أسعار العملات التي تدفع بموجبها الضرائب إلى الحكومات المعنية والقرار الثاني هو الذي يهمنا وقد جاء تحت الرقم 25/135 ونص على مشاركة البلدان المنتجة للنفط في الامتيازات البترولية القائمة.
وفي 21/1/1972م وتنفيذاً لذلك القرار 25/135 بدأ وزراء بترول الدول الأعضاء في المنظمة مفاوضاتهم مع ممثلي اثنتي عشرة شركة بترولية . وفي مرحلة لاحقة أعلنت المنظمة أن بلدان الخليج قد عهدت إلى الشيخخ أحمد زكي يماني بالتفاوض نيابة عنها وبعد مفاوضات دامت تسعة أشهر توصل الشيخ يماني إلى إبرام اتفاق نيويورك الذي يقضي بتعديل اتفاقيات الأمتياز القائمةفي دول الخليج .وقد تولى المفاوضات نيابة عن مجموعة شركات البترول جورج بيرسي النائب الأول لرئيس مجلس إدارة شركة استاندارد أويل أوف ينوجرسي ،وقد صدقت على ذلك الاتفاق كل من السعودية وأبو ظبي وقطر بينما أرفضته العراق وليبيا والجزائر وإيران ونيجيريا وفنزويلا.()
وأما فيما يتعلق بنسب المشاركات قبل اتفاق نيويورك وبعده فإنها قد تفاوتت تفاوتاً كبيراً حسب ظروف كل دولة ، وقد بلغت تلك النسبة 51% في اتفاق شركة النقط الكويتية الوطنية وشركة هسبا نويل سنة 1967 بينما بلغت 50% في اتفاق شركة بترومين وشركة أجيب سنة 1967 ولم تتجاوز تلك النسبة 10% في اتفاق السعودية والشركة اليابانية سنة 1957م وبلغت 20% في اتفاق الكويت ومجموعة شركات شل سنة 1961م و 40% في اتفاق بترومين واو كسيراب سنة 1965(24)
(د) اقتسام الإنتاج (25)
إن المتمعن في النظام التشريعي الخاص بالتنقيب عن البترول في السودان وهو قانون الثروة البترولية يجد أن ذلك القانون عند صدوره عام 1972م قد ألزم المسئولين بأن يكون تعاقدهم مع شركات البترول إما باتفاقيات امتياز حديثة (تنص على أتاوة وضريبة على أرباح الشركة) أو اتفاقيات مشاركة في رأس مال الشركة المنقبة(26)
وتجدر الإشارة إلى أن شركة شيفرون قد بدأت نشاطها التنقيبي في السودان بموجب رخص صادرة بموجب ذلك القانون ، وفي عام 1975م تم تعديل القانون المذكور أعلاه حيث أضيفت إليه مادة جديدة هي المادة 35 التي تنص على (27)
على الرغم من أحكام هذا القانون يجوز لوزير الطاقة والتعدين بموافقة رئيس الجمهورية أن يعقد أي اتفاقيات للبحث عن البترول وتنميته واستغلاله تنص على قسمة الانتاج بين الحكومة والطرف المتعاقد الآخر وفقاً للشروط والتعهدات والأحكام المضمنة في تلك الاتفاقات أو تنص على البحث عن البترول وتنميته واستغلاله بأي صورة أخرى يتم الاتفاق عليها وتحكم تلك الاتفاقيات حقوق ومصالح والتزامات الطرفين المتعاقدين وتسود نصوصها على أي حكم مخالف من أحكام هذا القانون بالقدر الذي يزيل التعارض بينهما.
وهكذا فتح ذلك التعديل الباب على مصراعيه للتعاقد وفق أي نوع من أنواع اتفاقيات البترول بعد أن كان التعاقد مقصوراً على إبرام امتيازات حديثة أو عقود مشاركة ، ولقد استفادت شركة شيفرون من تلك المرونة حيث دمجت كافة التراخيص التي منحت لها في اتفاقية اقتسام انتاج واحدة وهي الاتفاقية موضوع هذه الدراسة التي أبرمت عام 1975م ، ومن ناحية أخرى نجد أن كافة اتفاقيات البترول الأخرى التي أبرمت في السودان هي عبارة عن اتفاقيات اقتسام انتاج.
ومن الناحية التاريخية نجد أن اندونيسيا هي رائدة اتفاقيات اقتسام الانتاج في
العالم وكان ذلك في الستينات من هذا القرن.
وتتخلص السمات الرئيسية لتلك الاتفاقيات في الآتي :-
يتحصل المقاول (الشركة المنقبة) مخاطر عمليات البحث كما هو الحال في عقود المشاركة.
يقسم الإنتاج إلى جزئين ” زيت التكاليف” لمقابلة التكاليف وزيت الأرباح الذي يقسم بين الحكومة (أو مؤسسة البترول الوطنية) والمقاول وفق نسب تحددها الاتفاقية.
وعلى الرغم من أن اتفاقيات اقتسام الإنتاج لم تنص على دفع أتاوة عند بداية التعامل بها إلا أن بعض اتفاقيات اقتسام الإنتاج التي أبرمت في السنوات الأخيرة فرضت على المقاولين دفع أتاوة للحكومة(28).
ومن محاسن اتفاقيات اقتسام الانتاج بالنسبة للدول المضيفة هي أنها تمكن تلك الدول من الحصول على عائد مالي منذ بدء الانتاج وذلك عن طريق التصرف في حصتها من الزيت المنتج . أما الاتفاقيات التي تجعل عائدا الدولة عبارة عن جزء من أرباح الشركة فإنها تلزم الدولة بالانتظار إلى حين تقديم الشركة لحساباتها بالإضافة إلى ذلك فإن تعريف كلمة(تكاليف) في اتفاقيات اقتسام الإنتاج لا تشمل في كثير من الأحيان تكاليف التمويل كما هو الحال في الاتفاقيات التي تأخذ بنظام ضريبة الدخل.
ومن جانب آخر فإن اتفاقيات اقتسام الإنتاج قد تنص على زيادة نصيب الحكومة في حالة ازدياد معدلات الإنتاج أو ارتفاع أسعار البترول ولقد ابتكرت ماليزيا طريقة معقولة لحل مشكلة زيادة الأسعار حيث ألزمت المقاول بدفع 70% من تلك الزيادة إلى الحكومة في شكل ضريبة أرباح اضافية وتمشياً مع ذلك الاتجاه أبرمت اندونيسيا في عام 1974م اتفاقية مع فيلبس وتنكو ألزمتهما فيها بدفع ضريبة أرباح اضافية قدرها 85% في حالة حدوث زيادة في أسعار البترول(29)
ومن إيجابيات اتفاقيات اقتسام الإنتاج كذلك أن جميع البترول المكتشف يظل مملوكاً للحكومة حتى نقطة التصدير بما في ذلك حصة المقاوص في ذلك البترول وذلك الوضع يعكس بيادة الدولة لى مواردها البترولية حيث أنه يعطيها الحق في التصرف في البترول المنتج وتعويض المقاول عن حصته نقداً إذا لزم الأمر ، بالإضافة إلى ذلك نجد أن اندونيسيا قد خطت باتفاقيات اقتسام الانتاج خطوة اخرى نحو الامام حيث ضمنتها نصاً يجعل ملكية المعدات التي يشتريها المقاول تؤول إلى شركة البترول الوطنية بمجرد وصول تلك المعدات إلى اندونيسيا(30)أما فيما يتعلق بالضرائب فإن اتفاقيات اقتسام الإنتاج لا تفرضها وتكتفي الحكومات بنصيبها من الإنتاج ، ولكن في السنوات الأخيرة ونسبة لوجود نص في قانون الضرائب الأمريكي يمنح شركات البترول الأمريكية اعفاءات ضريبية إذا ما أثبت الشركة أنها قد دفعت ضرائب في الدول المضيفة أصبحت اتفاقيات اقتسام الانتاج تتضمن نصاً يلزم شركات البترول بدفع ضريبة دخل تقوم الحكومة المضيفة بدفعها نيابة عنهم وتعطيهم ايصالاً بذلك.
وقد اثر ارتفاع أسعار البترول في بداية السبعينات على محتوى عقود اقتسام الانتاج حيث أبرمت ليبيا عقد اقتسام انتاج شركة موبيل ادخلت فيه الكثير من الابتكارات ، من ذلك أن العقد نص على أن تتحمل موبيل كافة تكاليف عمليات البحث ولا تستردها لو تم اكتشاف البترول بكميات تجارية والابتكار الهام الثاني هو أن الحكومة الليبية تدفع لموبيل 85% من تكاليف عمليات التنمية (على اليابسة) على أن تسترد موبيل تلك المبالغ (مع الفائدة) على عشرين قسط سنوي أما منذ أن تبلغ الكميات المنتجة 80 مليون برميل وأما بعد ثلاث سنوات من بدء الإنتاج (ايهما يأتي مبكراً) أما فيما يتعق بالمناطق البحرية تدفع الحكومة الليبية لموبيل 305 من تكاليف عمليات التنمية (دون فائدة) و 305 من تكاليف عمليات التنمية (فائدة) على أن تستردها موبيل وفق الشروط التي سبق ذكرها ونصت الاتفاقية على أن تأخذ لييبا 85% من الانتاج على اليابسة و 81% من الإنتاج من المناطق البحرية.(31)
(هـ) عقود الخدمة
تتلخص أهم سمات هذا النوع الخامس من اتفاقيات البترول في احتفاظ الحكومة بملكية البترول المكتشف بالإضافة إلى سلطة التصرف فيه ، وتوكل الحكومة أمر البحث عنه وتنميته وانتاجه إلى الجهة التي تملك رأس المال الكافي والخبرة الفنية اللازمة . وقد تطلق على ذلك النوع من اتفاقيات البترول أسماء مختلفة : عقود عمل عقود تشغيل … الخ .وأحياناً تغطي تلك العقود مرحلة واحدة من مراحل التنقيب وقد تكون شاملة بحيث تغطي جميع المراحل من مرحلة المسوحات الجيوفيزيائية وحتى مرحلة التسويق.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الخبراء القانونيين في مجال اتفاقيات البترول يصنفون عقود اقتسام الإنتاج منفردة على أساس أنها نوع قائم بذاته من اتفاقيات البترول وهو الاتجاه اذي تبنته الأمم المتحدة . كما أننا أردنا أن تأخذ اتفاقيات اقتسام الإنتاج قسطاً وافراً من النقاش إذا أن كافة اتفاقيات البترول المبرمة في السودان هي عقود اقتسام انتاج(31) ومهما يكن من أمر فإن الاختلاف في التصنيف لا تترتب عليه أي نتائج عملية إذ أنه لا يوجد أي اختلاف في الرأي حول مضمون عقود الخدمة ومضمون عقود اقتسام الإنتاج.
ومن ناحية عامة يمكن تصنيف عقود الخدمة إلى نوعين وتتلخص السمات الأساسية للنوع الاول في أن الشركة المنقبة توفر رأس المال المطلوب لعمليات البحث والتنمية على أن تسترده (مع الفوائد) خلال سنوات محددة بعد مرحلةالإنتاج ، أما نقداً أو عن طريق إعطائها الحق في شراء جزء من الإنتاج لمدة محددة بسعر مخفض ، وعند بدء الإنتاج تتولى الحكومة دفع كافة تكاليف التشغيل.
ولقد استخدم ذلك النوع من عقود الخدمة لأول مرة في أواخر الستينات من هذا القرن بين الأقطار المنتجة للبترول وشركات البترول الأجنبية التي ترغب في كسب مصادربترول أجنبية مؤكدة.
ومن أمثلة ذلك أن شركة ايراب التي تملكها الحكومة الفرنسية ابرمت عقدي خدمة في ايران والعراق في عامي 1966 و1968 على التوالي ، وكانت الشركة الفرنسية مجرد وكيل يعمل بمقابل ويقع عليها عبء توفير كافة الأموال اللازمة للعمليات البترولية . وفي حالة عدم اكتشاف البترو لا تسترد الشركة الفرنسية المبالغ التي صرفتها على عمليات البحث أما في حالة اكتشاف البترول فإن المبالغ التي صرفتها الشركة الفرنسية حتى مرحلة الاكتشاف تعتبر قرضا (دون فائدة) مدته خمسة عشر عاماً تسدده الحكومة في شكل بترول خام . كما تعتبر مصاريف عمليات التنمية قرضا (بفائدة) تسدده الحكومة خلال مدة أقصر ، ويكون للشركة الفرنسية مقابل خدماتها الحق في شراء جزء من البترول المنتج (35 –40% في إيران و 30% في العراق) بسعر مخفض ولا تخضع الشركة الفرنسية لأي ضريبة دخل في الدولة المضيفة باعتبار أن أنشطتها غير ربحية ولكن في الاتفاقية العراقية نجد أن الشركة الفرنسية ألزمت بدفع أتاوة نسبتها 13.5 على أساس الاسعار المعلنة ،كما ألزمت بدفع منحة اكتشاف تبلغ 15 مليون دولار امريكي وكانت مدة البحث 8-9 سنة في إيران و 6 سنوات في العراق ، أما فيما يتعلق بعمليات الإنتاج فإن المدة كانت 25 سنة في إيران و 20 سنة في العراق.
أما السمات الاساسية للنوع الثاني من عقود الخدمة فهي أن الحكومة تتحمل كافة مخاطر البحث (أوبعضها) وتستأجر الشركة المنقبة للتنفيذ ، ونجد أن الاتفاق على ذلك النحو يقلل من المقابل الذي تدفعها الحكومة للشركة المنقبة نظير خدمات الأخيرة ويجري العمل بذلك النوع في السعودية وتبلغ الرسوم التي تدفع لأرامكو نظير خدماتها أقل من 20 سنتاً للبرميل (24) وبمقارنة عقود الخدمة مع الامتيازات وعقود اقتسام الانتاج وعقود المشاركة نجد أن عقود الخدمة تحقق عائداً أكبر للحكومة ولكن من ناحية أخرى نشير إلى أن عقود الخدمة قد أمكن استخدامها حتى الآن في مناطق العالم التي ترى شركات البترول أن مخاطر البحث فيها قليلة أو التي ترجح أنها سوف تكتشف فيها البترول بكميات كبيرة مثل ايران ونيجيريا والبرازيل وبناء على ذلك يمكن القول بأن عقود الخدمة ليست خياراً متاحاً لكثير من الأقطار . وذلك يعني أنه إذا أرادت الاقطار التي تتوافر فيها تلك المقومات إبرام عقود خدمة فقد يتطلب ذلك تحسين شروط تلك العقود لصالح الشركات المنقبة مما يجعل العائد من عقد الخدمة المبرم لا يختلف عن العائد من الأنواع الأخرى من اتفاقيات البترول.
ومن الجوانب السلبية لعقود الخدمة هي أنها لا تشكل حافزاً كافياً للشركات المنقبة لتقليل تكلفة العمليات في مرحلة التنمية حيث أن الشركة المنقبة سوف تستحق عائداً ثابت القيمة دون اعتبار للمبالغ التي تم صرفها.
ولقد أثر ارتفاع أسعار البترول الذي بدأ في عام 1973م في تغيير محتوى عقود الخدمة لصالح الحكومات فعلى سبيل المثال نجد أن إيران أبرمت في عام 1974م عقد خدمة مع شركة دينمكس الألمانية التزمت دينمكس بموجبه بدفع منحه توقيع قدرها 32 مليون دولار أمريكي بالإضافة إلى دفع منحة انتاج والمقابل الوحيد الذي تحصلت عليه الشركة الألمانية هو شراء 35-40 من الإنتاج السنوي لمدة 15 سنة بسعر يقل عن سعر السوق بنسة 3-5% والتزمت الشركة الألمانية مقابل ذلك بتحمل كافة مخاطر عمليات البحث على أن يستردها في حالة اكتشاف البترول بكميات تجارية(35)
(و) مباشرة الدولة للعمليات البترولية
في بعض الأحيان نجد أن الدولة المنتجة تتحمل كافة المبالغ المطلوبة للعمليات البترولية وكافة المخاطر وتباشر كافة العميات وتحصل في مقابل ذلك على نسبة 1005 من البترول المنتج وذلك هو المقصود بمباشرة الدولة للعمليات البترولية.
ولا يتطلب ذلك الأمر أن تتوافر لدى الدولة كافة تلك الإمكانات المادية والفنية حيث أن الخبرات الفنية يمكن توظيفها بمقابل والمبالغ المطلوبة يمكن افتراضها ونجد أمثلة ذلك في الهند وفيتنام حيث تم استئجار الخبرة الفنية في الحالتين ، أما فيما يتعلق بالتمويل قامت حكومة الهند بتوفير تكاليف عمليات البحث فقط واقترضت المبالغ التي تحتاجها لعمليات التنمية . أما فيتنام فإنها تحصلت على تكاليف عمليات البحث من الحكومة النرويجية جزء منها قرض والجزء الآخر منحة(36).
وفي أحيان اخرى نجد ان الدولة تنفذ العمليات البترولية وتتحمل مخاطر البحث في المناطق التي تكون نسبة المخاطر فيها قليلة.
أما فيما يتعلق بالمناطق التي ترتفع فيها نسبة المخاطرة فإنها تتعاقد مع شركة الأجنبية بحيث تتحمل الشركة مخاطر البحث وذلك الأسلوب المزدوج تبنته كثير من الأقطار مثل ايطاليا والهند وفيتنام وأقطار أمريكا اللاتينية وعلى وجه الخصوص المكسيك التي لها تاريخ طويل في ذلك المجال.
إن قيام الدول بالعمليات البترولية عن طريق المؤسسة أو المؤسسات الوطنية له فوائد كثيرة تشم تحقيق السيطرة التامة على تلك الثروة الاستراتيجية والحصول على عائد مادي مناسب وتنفيذ كافة الأهداف المضمنة في سياسة الدولة البترولية سواء كانت في مجال المحافظة على البيئة أو تدريب الكوادر المحلية أو المحافظة على الاحتياطي أو خلاف ذلك . ولكن من الناحية العملية نجد أن قلة الموارد المالية وصعوبة الاقتراض والمخاطر التي تواجه المبالغ المستثمرة في مجال البترول تحول دون قيام كثير من الدول بالعمليات البترولية.
ومن ناحية أخرى فإن اسناد عمليات البحث والتنمية لجهة واحدة ( مؤسسات البترول الوطنية) يحول دون الاستفادة من الأساليب التكنولوجية المتوافرة لدى الشركات الأخرى وتوجد حالات كثيرة فشلت فيها شركة معينة في العثور على البترول في حين تمكنت شركة أخرى من اكتشافه في نفس المنطقة وذلك بسبب اختلاف الأساليب التكنولوجية لدى كل شركة(37).
بعد ذ لك الاستعراض الموجز لأنواع اتفاقيات البترول نشير إى أن بعض الدول قد
تشريعات تلزم مؤسسة البترول الوطنية بالتعاقد وفق نوعين من اتفاقيات البترول ولعل خير مثال على ذلك هو الفقرة 2 من قانون البترول الايراني الصادر في 6 أغسطس 1974م التي تلزم شركة النفط الإيرانية بالتعاقد على اساس خدمة . ومنعت بعض التشريعات الأخرى ابرام امتيازات مثال ذلك المادة 3 من القانون رثم 97 لسنة 1967 التي منعت شركة النفط العراقية من الدخول في اتفاقيات امتياز أو ما يشبه ذلك.
أما في السودان فإن الوضع أصبح أكثر مرونة حيث ترك الباب مفتوحاً لاختيار نوع التعاقد المناسب وفي ذلك تنص المادة 25 من قانون الثروة البترولية لسنة 1972م على أنه يجوز عقد اتفاقيات للبحث عن البترول وتنميته واستغلاله تنص على اقتسام الانتاج أو تنص على البحث عن البترول وتنميته واستغلاله بأي صورة أخرى تم الاتفاق عليها.
اترك تعليقاً