بحث قانوني عن العقوبات البديلة
أن إجراءات المتابعة البديلة تعني أن يتم الفصل في النزاع بين الطرفين بالرضائية ووفق إجراءات مبسطة وبدون مرافعات أمام قضاة الحكم الذين اذا بقي لهم دور فيقتصر على مجرد المصادقة على تلك الإجراءات البديلة بأوامر بسيطة أو الفصل في طلبات الطعن في بطلانها لانعدام صحة الرضائية وهو ما يعني إعطاء دور فعال للنيابة العامة وأطراف الخصومة والجهات الادارية و الوسطاء في فض النزاع بالرضائية قبل اللجوء للقضاء بل أن تلك الرضائية قد تستمر حتى أثناء المرافعة القضائية بوضع حد لها باتفاق الأطراف بل تكون أحيانا بعد صدور الحكم في النزاع
أما العقوبة البديلة فهي التي تسهل تلك الاجراءات البديلة كاللجوء للتعويض بدل العقوبة الجزائية أو الغرامة أو التدابير الوقائية كعقوبة بديلة بدل الحبس
إلا أن تلك البدائل تلاقي معارضة من خصوم التساهل في الإجراءات والعقوبة البديلة وهم يستندون في معارضتهم خاصة إلى المبادئ التالية :
1) مبدأ الشرعية القانونية :/ فقانون العقوبات في نظر بعض رجال القانون هو اداة ملائمة لمكافحة ظاهرة الإجرام لذلك يرى أصحاب مبدأ الشرعية أنه لا ينبغي ان تبقى أي جناية او جنحة او مخالفة بدون ملاحقة ومحاكمة قضائية كل ذلك لأنهم يرون أن قانون العقوبات قد تم وضعه لكي يطبق بكل حسم وشدة وهو ما يستلزم التطبيق الكامل من طرف قضاة محترفين بناء على متابعة وجوبية لكل جريمة من النيابة العامة بدون منحها سلطة تقديرية في ذلك أو منح غيرها أي دور في تحريكها أو إنهائها بل يرى اصحاب هذا المبدأ أن الجريمة لا يمكن القضاء عليها الا بالتشدد المضطرد للعقوبة ولتطبيقها بدون أي بديل
2) مبدأ النظرية الفلسفية :/ يرى الفيلسوف الالماني ( كانت ) أن التطبيق المؤثر للقانون على مرتكب الجريمة هو بالنسبة للسلطة القضائية واجب حقيقي أما الفيلسوف ( روسو ) فيرى بأن السلطة العقابية يقع عليها واجب عدم التساهل مع مرتكب الجريمة طالما ان فعله يعد مثابة اعلان صريح للحرب ضد اسس المجتمع ذاته وهو ما يؤيده (دركاهم ) باعتبار الملاحقة الجزائية والتطبيق الصارم للقانون يسمح بتأكيد الضمير الجماعي
3) مبدأ اختصاص السلطة القضائية :/
فالقاضي طبقا لمبدأ الفصل بين السلطات هو الحارس الطبيعي للحريات الفردية وان اللجوء إلى العقوبات البديلة وفق إجراءات المتابعة البديلة أمر يعصف بوظيفة القاضي فتصبح النيابة العامة هي السلطة المختصة بالتصرف في الجرائم الجزائية وبالتالي يصبح القضاء تابعا للسلطة التنفيذية بل ان علاج النزاع في العديد من الحالات البديلة قد يعهد به إلى أشخاص غير مؤهلين لمهمة القضاء مما يجعل النظام القضائي مفككا ومشتتا ومشوشا بدرجة كبيرة وهو ما يؤدي إلى التفكير في ممارسة مهنة العدالة بواسطة قضاة (عفويين) وبالعودة إلى الإجراءات البدائية عن طريق التحكيم عوض القضاة المحترفين
4) مبدأ العلانية وحماية حق الدفاع :/ اذ أن الإجراءات البديلة تكون عادة في سرية ودون حضور المحامي ودون مراعاة حقوق الدفاع مما يؤدي إلى خطورة التحيز او المحاباة وتعرض الأطراف إلى الضغوط وكذلك يترتب على عدم العلانية اهتزاز صورة العدالة وانعكاس ذلك على الوقاية العامة من الجريمة
إلا أن المؤيدين (للعقوبات البديلة وإجراءات المتابعة البديلة) يرون عكس ذلك استنادا إلى المبررات اللاحقة وبناء عليها يتم عرض مبسط للبدائل المقترحة كل ذلك في مبحثين اثنين على النحو التالي :
المبحـــــــــــــــــــــــث الأول :/ مبررات اللجــــــــــوء للبدائــــــــــــــــــــل :/
أولا :/ المبررات العمليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة :/
1)) ارهاق القضاة بكثرة القضايا البسيطة:/
أن كثرة عدد القضايا المطروحة على القضاة أثقل كاهلهم وبدد جزءا من وقتهم وجهدهم في الجرائم البسيطة التي لا تستحق المرافعات وفق الإجراءات العادية وهو ما يترتب عليه أحد الأمرين التاليين:
* أما تأخير الفصل في القضايا بصورة تسلط على المتهمين فترة طويلة من الزمن وما يصاحب ذلك من تأثير سيء عليهم كما أن الضحايا يطول انتظارهم سواء للقصاص او التعويض .
* او التسرع في الفصل في القضايا بدون دراسة وبصورة تمس بحقوق الدفاع وتضر بتحقيق العدالة بدون اجتهاد
*وهو ما تترتب عنه ضرورة التخفيف عن كاهل القضاة لضمان تفرغهم للقضايا الخطيرة بالدراسة والبحث
2 ) تطور الجرائم البسيطة نتيجة التطور الإقتصادي والإجتماعي والثقافي :/
نتيجة تطور الحياة الاقتصادية وازدياد الأنشطة الصناعية واستخدام السيارات والآلات والتكنولوجيا الحديثة وما يتبعها من وثائق وإجراءات معقدة وما صاحب ذلك من كثرة المخالفات مما أدى إلى ظهور الحاجة إلى البحث عن وسائل بسيطة وسريعة وأكثر فاعلية لمواجهة الجرائم المترتبة على الأنشطة الحديثة بدلا من الوسائل التقليدية المتمثلة في تحرير المحاضر واجراء المتابعة التلقائية من طرف النيابة والمحاكمة العادية من طرف القضاة لذلك ظهر التصالح في الجرائم الاقتصادية والمالية
كما أنه نتيجة تطور الحياة الاجتماعية والثقافية وتعقد علاقات الأفراد في المجتمع ادى كل ذلك إلى كثرة الجرائم البسيطة بين أفراد الأسرة الواحدة والجيران وفي المهن وفي غيرها من العلاقات الاجتماعية والثقافية مما تطلب اللجوء إلى الصلح والوساطة بين أفراد تلك الجماعات المحكوم عليها بالبقاء في اطار علاقات وثيقة قد يؤدي استمرار الخلاف بينها إلى زعزعة عملها واستقرارها وبالتالي إنهيار المجتمع
وقد أثبت التطبيق أن قانون العقوبات قد فشل في أداء وظيفته بسبب تشتيته لآلاف الأسر والجماعات دون أن يحل مشكلة الاجرام .
3) كثرة المحبوسين لمدة قصيــــــرة :/
ان اكتظاظ المؤسسات العقابية بالمحبوسين لمدة قصيرة أدت إلى فشل تلك العقوبة في تربية المحبوسين نظرا لتكدسهم في تلك المؤسسات العقابية التي أصبحت غير كافية للقيام بدورها الحقيقي في العقوبة الطويلة وتربية المحبوسين بل اصبحت تلك العقوبات القصيرة وسيلة للعود للجريمة
4) ارتفاع نفقات التقاضي :/
ان المخاصمات القضائية البسيطة قد أثقلت كاهل الدولة بنفقات كثيرة وكذلك الأطراف الذين لا يحصلون عادة على تعويضات تغطي تلك النفقات الباهظة
5) إهمال تطبيق القانون تطبيقا فعالا :/
وجود نصوص قانونية متراكمة لا تستعمل في الغالب نتيجة انشغال النيابة ومساعديها بالقضايا الخطيرة فيهملون العنايا بالقضايا البسيطة وذلك بحفظها آليا أو إحالتها على المحكمة بدون بحث أو إثبات كما أن قضاة الحكم أصبحوا يضعون عقوبات تلقائية بدون أي هدف عقابي أو تربوي وبدون البحث في الأدلة أو الإجتهاد في القانون المطبق
6) إشكالات تنفيذ الأحكام القضائية :/
* عدم تنفيذ عقوبة الاعدام منذ سنة 1992تحت ضغط منظمات حقوق الإنسان
* اللجوء إلى الحبس الموقوف النفاذ بكثرة وبدون أي تأثير على سلوك المدان ودون اللجوء للعود او الدمج للعقوبة الموقوفة مع العقوبة الثانية أو إتخاذ أي عقوبة بديلة بل أن العقوبة الموقوفة أصبحت تقرر تلقائيا في حالة عدم ثبوت الوقائع وعدم اقتناع القاضي بالأدلة أو بأركان الجريمة
* عدم تحصيل الغرامات وعدم حصول الضحايا على التعويضات المحكوم بها
*عدم تنفيذ نظام الورشة الخارجية وغيرها من الأنظمة البديلة لعقوبة الحبس بعد الحكم بها .
7) إمكانية تدارك نقائص البدائل :/
يمكن تدارك نقائص العقوبة البديلة واجراءات المتابعة البديلة عن طريق التشريع المحكم والتطبيق السليم على النحو التالي :
*وضع نصوص قانونية تبين كل ذلك بدقة وتوضح ارادة المشرع من جهة في التفريق بين الجرائم المحددة على سبيل الحصر والتي لا تقبل فيها البدائل وغيرها من الجرائم البسيطة التي يفتح فيها المجال لتلك البدائل
*ضمان حق الدفاع بصورة وجوبية ولو عن طريق المساعدة القضائية وذلك قبل البدء في اجراءات المتابعة البديلة
*تنظيم النيابة العامة تنظيما هيكليا يضمن استقلاليتها عن السلطة التنفيذية في مجال المخاصمة البديلة على الأقل وذلك بانشاء منصب النائب العام التابع لرئيس الجمهورية وتقسيم اختصاصاته بين المتابعات العادية والمتابعات البديلة واحداث أجهزة مساعدة للنيابة العامة خاصة منها جعل الضبطية القضائية تابعة للنيابة العامة اداريا وقضائيا وانشاء أجهزة ادارية وشبه قضائية خاصة منها بالتحكيم والوساطة والتصالح ضمن اطار عام اجتماعي وقضائي
ثانيا :/ المبررات التقليدية :/
ا) المبررات التاريخيـــة :/
1) لقد عرفت الحضارات القديمة الغرامة كعقوبة أصلية قبل الحبس وذلك بعد أن عرفت التعويض أو الدية مقابل القصاص
2) كما عرفت تلك الحضارات القديمة التحكيم الاختياري قبل القضاء الرسمي كتحكيم إجباري
3) كان تحريك الدعوى العمومية مقصورا على شكوى الضحية أو ذوي حقوقها قبل ظهور نظام النيابة العمومية حديثا
4) لقد كانت المرافعة كتابية امام القضاء الفرعوني ولم يكن يسمح بها شفاهة تجنبا لطول الإجراءات وتأثير المحامين على القضاة
ب)المبررات الاجتماعية :/
أنالعرف الامازيغي قد استقر خاصة في منطقة القبائل وبني مزاب وغيرهما على الأخذ بمايلي :
1) العقوبات الأصلية البديلة :/
* ان اغلب العقوبات مالية تتمثل في الغرامة والدية
* نبذ عقوبة الحبس لان الامازيغي يقدس الحرية الفردية
* الاخذ بعقوبة النفي (الأبعاد ) و العزل
* المصادرة للأموال
2) إجراءات المتابعة الجزائية البديلة:/
* التحكيم والمصالحة التي تقوم بها الجماعة .
* الحق في التنازل عن المتابعة سواء مقابل الدية أو بدونها
* تحمل القبيلة لدفع الدية عوضا عن المذنب خاصة في حالة القتل غير العمدي .
جــ)) المبررات الدينية ( وفقا للشريعة الاسلامية ):/
I) البديل في جرائم القصاص :/
1)عقوبات بديلة لجرائم القصاص::/
* الدية عقوبة أصلية في جرائم القصاص شبه العمدية وغير العمدية
* الدية عقوبة بديلة في حالة قبولها من الضحية أو أهلها في جرائم القصاص العمدية
2)العفو بدون ديةوالصلح بدية أو بدونها وفي الحالتين تسقط عقوبة القصاص
II) البديل في جرائم الحدود :/
1) تحديدها على سبيل الحصر وهي: (* الحرابة * البغي * السرقة * الزنا * شرب الخمر * القذف * الردة )
2) موانع الحدود :/
* توبة الجاني :/ وتكون عند الجمهور في الحرابة فقط ويرى الشافعية وبعض الحنابلة أن التوبة تسري على كافة الحدود
* القرابة و الزوجية :/ ويرى الجمهور سقوط الحدود للقرابة في جرائم السرقة والحرابة والقذف والبغي فقط
* الكفر: فلا تقام الحدود على غير المسلمين خاصة في حدي شرب الخمر والزنا
3 ) العفو في الحدود :/
* عفو المجنى عليه في حد القذف سواء قبل أو بعد رفع الحد إلى الوالي وبالتالي لا تحرك الدعوى الجزائية بالنسبة للقذف إلا بناء على شكوى من المجنى عليه وعدم التنازل عنها
* عفو المجنى عليه في حد السرقة قبل رفع الحد للوالي .
4) درء الحدود بالشبهات سواء كانت متعلقة بالدليل أو الحق أو تطبيق النصوص
III) البدائل في جرائم التعزير :/
1) التعزير كجريمة هي كل معصية لاحد فيها ولا قصاص ولا دية وتكون المعصية لله أي تمس حقوق الجماعة ونظامها أو لحق آدمي أي تمس حقوق الأفراد
2) يباشر التعزير القاضي بما له من سلطة تقديرية فيختار القاضي العقوبة الملائمة
3) يقبل العفو من طرف ولي الأمر سواء كانت الجريمة ماسة بالجماعة او بالأفراد
4) ينظر فيها إلى شخصية المجرم والجريمة معا
5) عند الشبهة يعوض الحد او القصاص بالتعزير
6) بعض أنواع التعزير البديل * الغرامة والتعويض * التغريب أو الابعاد * الوعظ * التوبيخ * الهجر * التهديد بالعقوبة * التشهير بالمجرم* العزل من الوظيفة * المصادرة * الازالة كهدم البناء المقام في الشارع *الصيام * الكفارة بعتق رقبة
IV))دور جهات الإتهام في الصلح وفقا للفقه الإسلامي :/
أن نظام الإتهام في الفقه الإسلامي قد إخذ من جهة بمبدا الإتهام الفردي( الخاص) في جرائم الحق الخاص(القصاص والدية والتعزير في جرائم الإعتداء على مصلحة فردية)) ومن جهة ثانية إخذ بمبدا الإتهام الشعبي في جرائم الحق العام ((جرائم الحدود والتعزير في جرائم الإعتداء على مصلحة عامة )) ومن جهة أخرى أخذ بمبدا الإتهام العام من طرف الحاكم أو من ينوب عنه كالمحتسب عامة ووالي المظالم وصاحب الشرطة إستثناء
وكان المحتسب يباشر الدعوى الجزائية العامة فيما يخرج عن ولايته القضائية تأسيسا على مبدأ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) فالمحتسب يجمع بين وظيفة الشرطة المانعة والنيابة العامة المباشرة للدعوى الجزائية العامة وبين وظيفة الفصل في الجرائم التي يضبطها فيتصرف عادة في المسائل المستعجلة التي لاتتحمل التأخير إذا رفعت إلى القضاء مباشرة لذلك يحكم فيها بحسب الظاهر فلا يتعدى إختصاصه حالات التلبس بالمخالفات حيث يكون الدليل واضحا من الناحية الموضوعية ، والأحال الموضوع للقضاء المختص وهو ما يعد منصبا يجمع بين الشرطة القضائية والإدارية والنيابة والقضاء البسيط
أما والى المظالم فيقوم بإختصاصات مقابلة لما تراه النيابة العامة في النظم الحديثة كقيامه بمرحلة التحقيق الإبتدائي والتحريك التلقائي لطلب عقاب مجرم أو يتلقى من الأفراد ما يجعله يتحرك ثم ينتهي إلى إقامة الدعوى بأن يرفعها إلى القاضي أو المحتسب ليفصل فيها بحكم الله أوينهى هذه الدعوى صلحا قبل إحالتها على أي منهما .
أما القاضي فلا يحكم الا بخصم مطالب حسب ما يراه (أبو حنيفة) ولا يكون مختصا الا بالفصل في القضايا الشرعية ووفق وسائل الإثبات الشرعية الا أنه ملزم بالصلح فيما أجازه الشرع للمجنى عليه في القصاص والقذف والتعزير في جرائم الإعتداء على مصلحة فردية
وخلاصة القول أن المراحل التاريخية والوضع الإجتماعي التقليدي والديني في الجزائر قد رجحت كلها العمل بالغرامة والدية والتحكيم والصلح كبدائل لعقوبة الحبس وللمحاكمة القضائية
ثالثا :/ المبررات الحديثة :/
أ )المبررات من التشريع الفرنسي :
أ) العقوبة البديلة :/
* الغاء عقوبة الاعدام
* وجوب تسبيب عقوبة الحبس تسبيبا كافيا
*تعويض الحبس بالعمل للمصلحة العامة بناء على موافقة المتهم
*تعويض الحبس بالغرامة اليومية حسب دخل وتكاليف المدان
* ظهور عقوبات بديلة للحبس بمعنى الكلمة مثل ( سحب رخصة السياقة أو رخصة الصيد والمصادرة والمنع عن اصدار صكوك و المنع من ممارسة مهنة
*ظهور عقوبات جزائية للشخص المعنوي مثل الحل والمنع من ممارسة مهنة والغلق للمؤسسة وغيرها .
* المنع من الاقامة وتحديدها ومصادرة الأموال وغيرها من التدابير البديلة
2) الإجراءات البديلة للمتابعة الجزائية .
* الشكوى كشرط للمتابعة وسحبها يضع حدا لها وضرورة أخذ رأي بعض الادارات العمومية مثل الضرائب والجمارك والبحرية والعسكرية وضرورة التنبيه خاصة في قضايا العمل وضرورة الفصل في المسائل الاولية قبل أية متابعة جزائية
*الوساطة والصلح
3) التفاوض مع المتهم على تحديد عقوبة الحبس مقابل الاعتراف
ب)) المبررات من التشريع الجزائري :/
1) العقوبات البديلة
*وجود نصوص قانونية تمنح الاختيار بين الحبس والغرامة وكذلك تعويض الحبس بالغرامة عند توفر ظروف التخفيف أو جعل عقوبة الحبس موقوفة النفاذ جزئيا أو كليا
*العقوبة البديلة بالنسبة للاحداث كتسليم الحدث لرقابة وليه او شخص جدير بالثقة ونظام الافراج المشروط ووضعه في مؤسسة عامة أو خاصة معدة للتكوين أو مؤسسة طبية او للمساعدة أو مدرسة داخلية
* لا يكون الحبس إلا مسببا بالنسبة للحدث
*وضع المدان باستهلاك المخذرات في مؤسسة علاجية
*نظام الورش الخارجية والحرية النصفية والبيئة المفتوحة أثناء تنفيذ عقوبة الحبس
*ظهور عقوبات تكميلية حديثة مثل الحظر من اصدار الشيكات او استعمال بطاقات الدفع وسحب رخصة السياقة وسحب جواز السفر ونشر حكم الادانة أو تعليقه وهو ما يمكن تحويله إلى عقوبة أصلية بديلة
*ظهور عقوبة الغرامة ضد الشخص المعنوي والعقوبات التكميلية كحل الشخص المعنوي وغلق المؤسسة والاقصاء من الصفقات العمومية والمنع من مزاولة نشاط او أكثر والمصادرة والوضع تحت الحراسة ونشر وتعليق حكم الادانة
2) اجراءات المتابعة البديلة
* ظهور انقضاء الدعوى العمومية بسحب الشكوى خاصة في السرقة والنصب وخيانة الأمانة بين لاقارب وكذلك بالنسبة لجنحة الزنا
* فتح الباب امام المصالحة اذا كان القانون يجيزها صراحة وهو ما نص عليه قانون الجمارك و غيره من القوانين الخاصة
* النص على غرامة الصلح في المخالفات
جـ)مبررات الديمقراطية والحرية الفردية :/
اذا كان التشريع الموضوع خلال سنة 1966 قد تم في ظل النظام الاشتراكي وسلطة الحزب الواحد فإنه أصبح غير صالح في مجمله في ظل نظام مختلف سياسيا وقضائيا واداريا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وذلك بظهور الديمقراطية والحرية الفردية في كل المجالات مما يتطلب إعطاء دور فعال لأطراف الخصومة مقابل تقليص المتابعات الجزائية التلقائية والمعبرة عن ارادة السلطة المطلقة
د))مبررات الاستفتاء على المصالحة الوطنية والعمل بقوانينها:
اذا كانت المصالحة قد تمت في الجرائم الارهابية الخطيرة و تركت أثرها الايجابي اجتماعيا وسياسيا وقانونيا فإنه يمكن التوسع في مثل تلك المصالحة فيما هو أقل خطورة من جرائم القانون العام خاصة منها البسيطة
المبحـــث الثانـــــــــي : /البدائل المقترحة في العقوبة واجراءات المتابعة الجزائية :/
تعتمد أساسا على تحصيل الغرامة وضمان التعويض للضحية مع امكانية اضافة عقوبات تكميلية على النحو التالي :.
أولا :/ ضرورة التحديد الحصري للجرائم الخطيرة :/
و لا يجوز انقضاؤها بالمصالحة ولا تجوز فيها العقوبة البديلة على عكس ما عداها من الجرائم الأخرى
ثانيا :/ اوامر حفظ القضايا الجزائية بناء على شرط :/
ويتمثل ذلك الشرط في التزام المتهم كتابة بدفع تعويض للضحية او الامتناع عن القيام بافعال معينة كالالتزام بعدم الاقامة في مكان ما او عدم الاتصال باشخاص معينين
ثالثا :/ التصالح الوجوبي المسبق:/
وتكون في الجرائم الادارية والمالية والاقتصادية والاجتماعية اذا كانت المؤسسات العمومية هي الضحية كل ذلك اذا قبل المتهم دفع غرامة مالية أو تعويضات أثناء عرض عملية المصالحة الادارية عليه
رابعا :/الأوامر الجزائية والاحكام البسيطة :/
وتصدر بغرامة الصلح والتعويض وتكون سواء من طرف النيابة العمومية او القضاء المختص بذلك وتكتفي أمامه النيابة العمومية بطلب الغرامة دون الحبس حتى وان كان مقررا قانونا
كمايلي إضافة ضرورة اللجوء إلى المرافعات الكتابية في حالات معينة مثل
1) رجوع القضية بعد الخبرة امام القاضي الجزائي
2) القضايا المتعلقة بمسائل أولية مدنية كجنحة الاعتداء على الملكية العقارية وخيانة الامانة والامتناع عن دفع النفقة واصدار صك بدون رصيد وغيرها من الجرائم المشابهة التي لا تحتاج إلى مرافعة شفوية
خامسا :/ الوساطة والصلح :/
وتكون الوساطة بناء على رضا الضحية والمتهم قبل المتابعة الجزائية أما الصلح فيمكن أن يتم اثناء التحقيق أو المحاكمة بل يتم احيانا حتى بعد صدور الحكم بالادانة كما هو الحال في جنحة الزنا .
سادسا :/ التفاوض مع المتهم من أجل اعترافه مقابل استفادته من عقوبات وإجراءات مخففة :/
ومن أهم نتائج ذلك التفاوض هو تبسيط اجراءات المحاكمة كأن يتم تحديد العقوبة من طرف القاضي بالتأشير على محضر الاتفاق الموقع من المتهم وممثل النيابة العمومية أو أن تتم المحاكمة أمام محكمة الجنايات بدون محلفين وان تنصب المرافعة على العقوبة وحدها
سابعا :/ عدم جواز الطعن بالاستئناف أو الطعن بالنقض في حالات البدائل :/
مثل عدم الطعن بالاستئناف او النقض في أوامر الحفظ بناء على شرط والاوامر الجزائية بغرامة الصلح والتعويض والعقوبة الناتجة عن التفاوض
لكن يمكن الطعن فيها بالبطلان أمام محكمة الجنح او المخالفات ويمكن ذلك ايضا في محاضر الصلح والوساطة
كما لا يجوز للنيابة العمومية الطعن بالاستئناف او بالنقض في القضايا التي لا يطعن فيها المجنى عليه اذا كان يجوز فيها الصلح او التنازل عن الشكوى
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة :/
لا استطيع ان أقول ما هو الأصلح من العقوبة البديلة وما هي اجراءات المتابعة البديلة
لكنني أقول بأنه لا بد من إعادة النظر في النظام القضائي الجزائي الجزائري بشكل شامل ومن طرف أصحاب الاختصاص من قضاة ومحامين واساتذة قانون وغيرهم من أصحاب البحث والإجتهاد لوضع حد للكارثة التي ستحل بالجهاز القضائي أن استمر على حالته أو تم اصلاحه باجراءات آنية ومتقطعة
وانهي كل ذلك بما قاله الدكتور سليمان عبد المنعم كباحث في علم الإجرام :
<< لقد عشنا زمنا نبحث في الجريمة دون أن نحاول رؤيتها قط وكما يكون البحث في قاعات الدراسة والغرف المغلقة فالرؤية – رؤية الظواهر والأنسان– تكون وسط ركام الاشياء وبين جموع البشر << فلنهبط >> جميعنا حيث يحيا الانسان ، ربما اكتشفنا أن سر الجريمة هو سر الحياة >>
وأضاف بأنه << ليس تنوير الفكر رفضا للحاضر وانما هو ممارسة للحلم واستشراف للمستقبل .. وابحار في اللامألوف لكن ذلك كله مشروط في مجال العقوبة – بالبحث عن الأصلح والأنفع والإنساني . فالعقوبة فوق كونها قصاصا من مجرم ، هي فرصة نادرة لتصالح المجتمع مع نفسه .
وهو ما تحاول البدائل تحقيقه بضمان تصالح المتهم مع الضحية والنيابة العامة لعله يتصالح نهائيا مع المجتمع فيندمج فيه بدون العودة لارتكاب أية جريمة
اترك تعليقاً