بواسطة باحث قانوني
شرح مادة احكام الإلتزام
بسم الله الرحمن الرحيم
ملحوظة : هذا شرحّ متواضع لجزء يسير من أهم موضوعات مادة أحكام الالتزام والذي سبق وأن قدمته لمنتدى طلاب جامعة الملك سعود قبل أكثر من ثلاث سنوات وهذا أنا أعيده في منتدى الدراسات القضائية بهدف الفائدة مع العلم بإنه تم نشره بمعرفيّ الآخرMrlaw في أكثر من منتدى ، كما أنني حرصت في هذا الشرح على توصيل المعلومة بطريقة مبسطة ومباشرة مع تعمدّ الإكثار من ضرب الأمثلة “باللهجة المحلية” حتى يتم استعابها من قبلّ طلاب القانون بيسر وسهولة .
====
يرجى عند النقل مستقبلاً ذكر المصدر :مركز الدراسات القضائية التخصصي
===
مقدمة :
قبل الخوض في شرح مادة أحكام الالتزام، يجب التذكير بنقاط مهمة هي (بوابة الدخول) إلى فهم مادة الأحكام:
1- الالتزام المدني ينشأ بفعل مصدر من مصادر الالتزام:
كـ(العقد أو الإرادة المنفردة”التصرف الانفرادي” أوالفعل الضار”المسؤولية التقصيرية” أو الفعل النافع “الإثراء بلا سبب”أو القانون)، وهذا يعني أن (مادة أحكام الالتزام) تعالج (الآثار القانونية) المتولدة من الالتزام الناشئ عن أحد هذه المصادر الخمسة.
2- إذا نشأ الالتزام بفعل احد المصادر السابق ذكرها ، فأن الأصل أن يقوم (المدين) بتنفيذ التزامه طوعاً وبمحض إرادته واختياره وضمن المدة المحددة ويسمى ذلك بتنفيذ الالتزام اختياراً (هذه هي القاعدة العامة في تنفيذ الالتزامات)….ولكن إذا لم يقم المدين بذلك، فأنه يجبر على تنفيذ التزامه (وهذا هو الاستثناء على القاعدة العامة) ويكون ذلك بإجباره بالتنفيذ ويكون تنفيذ الالتزام جبراً عن طريقين هما (التنفيذ العيني أو التنفيذ بمقابل أو ما يسمى التنفيذ بطريق التعويض).
3- أن مادة أحكام الالتزام دائماً حديثها عن (المدين الذي لا يقوم بتنفيذ التزامه) ، وهذا يعني أننا نتكلم عن الالتزام المدني والذي بدوره يختلف عن الالتزام الطبيعي ، فالالتزام الطبيعي وأن كان يحتفظ بعنصر المديونية (في ذمة المدين) إلا أنه يفتقد لعنصر المسؤولية (أي عدم إمكانية إجبار المدين بتنفيذه والسبب في ذلك لكونه تحول إلى مانع قانوني من المطالبة به قضاءً لانقضاء مدة المطالبة به-التقادم- وبالتالي لا تسمع دعوى المطالبة به ويرده القاضي لتقادمه زمنياً وعادة ما يكون ذلك بالتقادم الطويل 15 سنة في اغلب القوانين المدنية المقارنة ) ويفهم من هذا أن الالتزام الطبيعي لا يحميه القانون ، ويسميه الفقه الإسلامي ب(الواجب ديانة) …أما الالتزام المدني فهو يجمع مابين عنصر المديونية وعنصر المسؤولية أي وجوب تنفيذه من المدين اختياراً أو جبراً أو بطريق التعويض.
وبمناسبة الحديث عن الالتزام الطبيعي –ورد إلى الذهن سؤال مهم – هل إذا قام المدين بتنفيذ التزام طبيعي (دين في ذمته) إلى المدين مع علمه أو عدم علمه بأن التزامه طبيعي ولا يجبر عليه قانوناً هل يصح هذا الوفاء منه؟ وهل يجوز له استرداد ما دفعه؟ وهل يجوز له المقاصة مع دين في ذمته لدائنه بالالتزام المدني ؟
الجواب : إذا قام بالوفاء بدين وهو يعلم أو لا يعلم أنه ليس ملزماً قانوناً بالوفاء به ، كان وفاءه بالدين صحيحاً وتبرأ به ذمته ولا يجوز له المطالبة باسترداده والسبب في ذلك أن هذا الوفاء بمثابة (الإقرار بالدين ) والإقرار تصرف قانوني بإرادة منفردة يصلح سبباً للالتزام ، كما أنه لا يجوز الاحتجاج بأن ما قام به هو تبرع عن طريق الهبة لغرض استرداد ما دفعه ، إلا إذا كان واقعاً في غلط في شخص الدائن واستطاع إثبات ذلك فأنه يسترد ما أداه طبقاً لقواعد (الإثراء بلا سبب)،كما أنه لا تجوز المقاصة بين دين طبيعي ودين مدني ولا يجوز كفالة تنفيذ الالتزام الطبيعي من شخص آخر.
أولاً: التنفيذ العيني الجبري:
يقصد بالتنفيذ العيني الجبري : تمكين الدائن من الحصول على (عين أو ذات الأداء) الذي التزم به المدين ، وعليه إذا كان تنفيذ الالتزام يدخل في حدود الإمكان فأنه من حق الدائن استيفاءه ومن حق المدين أن يقوم به ولا يجوز للمدين أن يعدل عن تنفيذ عين ما التزم به ويستبدله بتنفيذ عن طريق التعويض إلا إذا رضي الدائن بذلك …
ومثاله : أشترى احمد أثاث لمنزله الجديد من بائع الأثاث الصيني سلطان ، هنا التزام احمد (دفع قيمة الأثاث) ، بينما التزام البائع سلطان ( هو تسليم أثاث صيني) ، إذا قام احمد بدفع المبلغ فهو بذلك قد قام بعين التزامه أما إذا سلم البائع سلطان أثاث كوري بدلاً من الصيني فهو لم يقم بتنفيذ (عين التزامه) وبتالي لا يمكن للبائع أن يعدل عن (تسليم الأثاث الصيني) بتعويض أحمد إلا إذا كان قد رضي بذلك …وإلا كان لأحمد مطالبته بتنفيذ عين التزامه (تسليم الأثاث الصيني) جبراً،ولكن يا ترى ما هي الخطوات التي يستطيع، بها ،احمد مطالبة البائع بالتنفيذ العيني جبراً ؟
هناك خطوة هامة يجب على (أحمد القيام بها) وقد عرفتها القوانين المدنية العربية مثل : القانون المدني المصري في المادة 403 ، والقانون المدني الأردني في المادة 355 ، والقانون الجزائري المادة 164 ، وهذه الخطوة تسمى (بإعذار المدين) .
* إعذار المدين : يقصد به إنذار أو إعلام أو إخبار عن طريق كاتب العدل أو من يقوم مقامه للمدين بضرورة تنفيذ التزامه والوفاء به ، ويستفاد منه أن الدائن غير متهاون في حقه ، كما أن الإعذار يجعل المدين في حالة المتأخر في تنفيذ التزامه مما يجعل الضرر مفترضاً في حق الدائن وبتالي احتساب التعويض من تاريخ تلقي الاعذار ، كما تترتب في ذمة المدين نفقات التقاضي .
إلا أن هناك حالات يمكن اللجوء فيها بالتنفيذ جبراً دون وجوب الاعذار (وذلك لأنتفاء الغاية من الإعذار) :
1- إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكناً أو غير مجد ٍ بفعل المدين.
2-إذا كان محل الالتزام تعويضاًَ ترتب على عمل غير مشروع (الفعل الضار أو المسؤولية التقصيرية)
3-إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين بأنه مسروق ، أو شي تسلمه بدون حق وهو عالم بذلك.
4-إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه .
5- حالة الاستعجال إذا اقتضتها طبيعة الالتزام في التنفيذ على نفقة المدين
وعوداً على مثالنا السابق (سنجعله مستمراً معنا حتى ترسخ الفكرة بالتسلسل المنطقي والعلمي للمادة) ، قام أحمد (المشتري) بأعذار سلطان (البائع) بضرورة تنفيذ عين ما التزم به ، وتسلم الإعذار ، إلى هذا الحد من (تصورنا العلمي) هل نقول أن سلطان (البائع) قد دخل في معممة التنفيذ العيني الجبري ؟ بمعنى هل البائع (سلطان) وقع عليه التنفيذ العيني جبراً ؟ الجواب بكل تأكيد لا ؟ أما لماذا كان جوابنا بلا ؟ فذلك لأن هنالك شروط يجب توافرها لكي يستقيم حال التنفيذ العيني الجبري .
ثانياً: شروط التنفيذ العيني الجبري :
1- لا بد في التنفيذ العيني أن يكون ممكناً:
بمفهوم المخالفة لهذا الشرط إذا كان التنفيذ العيني مستحيلاً فلا يمكن إجبار المدين عليه ، والسبب أن هناك قاعدة عامة مفادها أن ( لا التزام بمستحيل) بغض النظر عن سبب الاستحالة فقد تكون راجعه لخطأ المدين (كأن يقوم البائع سلطان بتسليم قطع الأثاث الصيني لشخص آخر غير احمد) ، أو بسبب أجنبي (كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو خطأ الغير أو خطأ الدائن نفسه ولم يكن لإرادة المدين “سلطان” دخل فيها) …هنا الاستحالة تجعل من المطالبة (مطالبة المدين سلطان البائع) بتنفيذ التزامه العيني دون جدوى.
لكن ما هو الحل القانوني في هذه الحالة ؟ الحل نرتبه بحسب سبب الاستحالة ، فإذا كان سبب الاستحالة راجعة لخطأ المدين (سلطان البائع كأن سلم قطعة الأثاث الصيني لشخص آخر) فهنا ليس للدائن (أحمد المشتري) إلا المطالبة بالتعويض (أي مطالبة البائع بتعويضه عن الضرر الذي لحق به جراء عدم تنفيذه لالتزامه) والمطالبة بالتعويض هنا تكون على أساس المسؤولية العقدية لا المسؤولية التقصيرية والسبب وجود عقد بيع (بين البائع والمشتري).
أما إذا كانت الاستحالة ترجع لسبب أجنبي (كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو خطأ الغير أو خطأ الدائن نفسه ولم يكن لإرادة المدين سلطان دخل فيها) ، كما لو أحترق (الأثاث الصيني) بفعل (لا يد للمدين سلطان فيه) ، هنا ينقضي التزام (المدين سلطان) دون الوفاء به ولا تترتب عليه أي مسؤولية قانونية …والسبب أن الاستحالة المطلقة ينتج عنها انفساخ العقد بقوة القانون وتنحل الرابطة القانونية ولا رجوع على المدين بالتعويض ما لم يوجد هناك اتفاق على تعديل أحكام المسؤولية العقدية بالتشديد منها .
وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظة هامة : استحالة تنفيذ الالتزام عيناً من المدين أمر متصور وقوعه في جميع الالتزامات ، إلا في الالتزام بدفع مبلغ من النقود ففيه لا يمكن تصور وجود الاستحالة بتنفيذه ، وعدم أمكانية تنفيذ الالتزام عيناً من المدين تتأثر بعاملين هما :
أ) – طبيعة الالتزام : يتخذ عدم إمكانية التنفيذ العيني (أي استحالته) صور مختلفة بحسب اختلاف محل الالتزام ، ففي الالتزام بنقل حق عيني على عقار أو حق تصرف فيه ، فأن استحالة التنفيذ العيني تكمن في (صورة امتناع البائع عن التسجيل العقاري –يسمى في القانون المصري بالإشهار أو الشهر العقاري) .
ب) من حيث ميعاد تنفيذ الالتزام : بمعنى لو حدد ميعاد لتنفيذ الالتزام وتخلف المدين بتنفيذه في المدة المحددة ، هنا يصبح تنفيذه (مستحيلاً) ، وحتى لو عزم المدين على تنفيذه بعد فوات الوقت المحددة فأنه يصبح غير مجديّ ، وليس للدائن في هذه الحالة إلا طلب التعويض ..ومثاله : تعاقدت شركة الحكير للترفيه والمهتمة بترفيه المواطنين في أيام العيد ، مع الممثلين المشهورين (ناصر القصبي وعبد الله السدحان) على أن يقومان بعرض مسرحية فكاهية في ثاني أيام العيد نظراً لدعوة شركة الحكير جمهور من العامة الذين دفعوا التذاكر مسبقاً لحضورها ، وتمت الموافقة بين الشركة والممثلين وتم تحديد الموعد ثاني أيام العيد ، إلا أن (ناصر وعبد الله) قد تخلفا عن الحضور في الموعد ، هنا أصبح التزامهما مستحيلاً وحتى لو حضروا في ثالث أيام العيد يكون حضورهم غير مجد ٍ وبتالي ليس أمام الشركة إلا مطالبتهم بالتعويض بدلاً من إجبارهم على تنفيذ عين ما التزموا به.
2- أن لا يكون في التنفيذ العيني إرهاقا للمدين أو يكون فيه إرهاق لكن العدول عنه يلحق بالدائن ضرراً جسيماً.
قبل الحديث عن مضمون هذا الشرط ، وجب علينا تحديد المقصود من الإرهاق ، يقصد بالإرهاق هو (العنت الشديد الذي من شأنه أن يلحق بالمدين خسارة جسيمة فادحة) ، أما مضمون هذا الشرط فهو إذا كان التنفيذ العيني مرهقاً للمدين ، فبدلاً من أن نطالبه بالتنفيذ العيني نكتفي بطلب (التعويض العيني أو التعويض النقدي) منه ولكن بشرط أن لا يكون العدول عن التنفيذ العيني والاقتصار على (التعويض العيني أو التعويض النقدي) يلحق بالدائن ضرراً جسيماً .
ونكون في حالة التعويض العيني إذا كان محل الالتزام من المثليات (أي ما يمكن فرزه كالسكر والقطن والأرز والكتب وهكذا) أما اذا كان محل الالتزام من القيميات (كالسيارات والأثاث فيكون التعويض عنه نقداً) ومثال على (التعويض العيني) : أشترى صالح وهو صاحب سوبر ماركت في خنشليلة عدد 50 كيس من الأرز الهندي ( بنجابي درجة أولى) من خالد مورد الأرز في جنوب الرياض ، وبين تسلم المورد قيمة البضاعة وموعد تسليمها ، فرغت مخازن المورد خالد من الأرز البنجابي درجة أولى نتيجة لالتزامات سابقة مع متعاقدين آخرين غير صالح ، ونظراً لتأخر وصول البضاعة الجديدة من (مصدرها الهند) ، تعذر عليه التسليم لوجود الإرهاق (الخسارة الجسيمة التي تلحق بالمدين خالد المورد) فصعوبة وصول البضاعة في الوقت المتفق عليه من شأنه أن يرهق كاهل المدين خالد ، هنا في هذه الحالة وبما أن محل الالتزام ( عقد بيع على المثليات) فأنه يصار إلى التعويض العيني أي يقوم المورد خالد بتسليم المشتري صالح أرز بنجابي درجة ثانية أو أي أرز آخر ، وعلى المشتري صالح قبول هذا التعويض العيني (أي قبول أرز بنوعية أخرى) ، ولكن إذا كان قبول المشتري صالح (الدائن) بالتعويض العيني قد يلحقه ضرراً جسيماً فأنه يصار إلى التعويض النقدي………وهذا كله يخضع لتقدير القاضي فعليه الموازنة بين مصلحة المدين المرهق ومصلحة الدائن المتضرر بضرر جسيم ، كما عليه أن يراعي مصلحة الدائن فهي أولى بالرعاية لأن الدائن في ذلك يطالب بحقه في غير تعسف.
3- أن يطالب الدائن بالتنفيذ العيني :
من المعلوم في قوانين أصول المحاكمات، أن القاضي لا يحكم إلا بناء على طلبات المدعي في صحيفة الدعوى ،إلا في حالات الدفوع إذا كانت من النظام العام فأن القاضي يحكم بها من تلقاء نفسه دون طلب الخصوم ، وما يهمنا أن الدائن إذا لم يطلب التنفيذ العيني من المدين في صحيفة الدعوى فأنه لا يمكن للقاضي أن يحكمها بها تلقائياً لأن الدائن هو صاحب المصلحة في الموضوع كما أن المحكمة لا يمكن أن تفصل في قضية لم ترفع لها .
وعليه إن طالب الدائن بالتنفيذ العيني بعد توافر شروطه ،فأنه لا يجوز للمدين الامتناع عن تنفيذه ولا يجوز له أن يعرض التنفيذ بطريق التعويض لأن القضاء سيجبره على ذلك ، لكن من المتصور جداً حدوث العكس ، أي قد يعرض المدين التنفيذ العيني ولكن الدائن يطالب بالتعويض بدلاً منه وعندها يمكن للقاضي أن يحكم بالتنفيذ العيني بدلاً من التعويض ويستجيب لرغبة المدين ؟ والسؤال هل يحق للدائن رفض ذلك ؟ الجواب ، لا والسبب أن التنفيذ العيني وهو الالتزام الأصلي بين الدائن والمدين.
مع ملاحظة : أن طلب الدائن للتنفيذ العيني الجبري من المدين يجب أن لا يكون امتناع المدين عن التنفيذ أو تأخره في التنفيذ راجعاً إلى إخلال الدائن بتنفيذ التزامه أي (حالة الدفع بعدم التنفيذ) لأنه في هذه الحالة لا يمكن له المطالبة بالتنفيذ العيني.
ومثاله : امتناع البائع سلطان (بائع الاثاث الصيني) من تسليم المبيع إلى المشتري أحمد لكونه لم يدفع باقي قيمة الاثاث ، هذا ما يسمى بحالة الدفع بعدم التنفيذ وبتالي لا يستطيع احمد مطالبة البائع سلطان بالتنفيذ العيني… كما أن الدائن لا يستطيع أن يطلب من المحكمة المختصة التنفيذ العيني إلا إذا كان حقه ثابتاً ومؤكداً ولا نزاع فيه.
4-أن يكون بيد الدائن سند تنفيذ واجب النفاذ:
لا يمكن الاستجابة لطلب الدائن في التنفيذ العيني إذا كان ممكناً من المدين إلا إذا كان حقه ثابتاً ومؤكداً وحائزاً على (حكم قضائي أو سند واجب التنفيذ) حتى تتولى (أجهزة تنفيذ الأحكام في الدولة) استخدام الوسائل القانونية اللازمة لتجبر المدين على التنفيذ لأنه وبدون هذا الحكم أو سندات التنفيذ لا يمكن إلزام الشخص على القيام بتنفيذ التزامه.
5-أن يكون إخلال المدين بالتزامه ليس مشروعاً :
بمفهوم المخالفة لهذا الشرط أنه يجوز للمدين أن يمتنع عن التنفيذ العيني إذا اتلف الدائن عيناً من مال المدين وكان من جنسه ، وللمستأجر أن يمتنع عن الوفاء بدفع الأجرة ويحبسها عنده إذا كان قد انفق مصروفات ضرورية أو نافعة لعين المأجور ، وكذلك الحال إذا كان إخلال المدين بالتزامه مشروعاً كأن يكون سبب امتناعه عن الوفاء بالثمن أو الأجرة لأن الدائن لم ينفذ الالتزام واجب عليه (حالة الدفع بعدم التنفيذ السابق ذكرها) فلا يمكن إجباره عينيناً ،وهكذا.
6- أن لا يكون في التنفيذ العيني مساس بحرية المدين الشخصية
مضمون هذا الشرط ، أن الدائن يلجأ إلى طلب التعويض بدلاً من التنفيذ الجبري إذا كان من شأن التنفيذ العيني الجبري أن يمس بحرية المدين الشخصية ومثال ذلك : تعاقدت شركة (من يقول أن صيف الرياض نار) والمهتمة بدعم السياحة الداخلية مع أحد المذيعين على تقديم فقرات حفل الترفيه المعلن عنها وبعد تسلمه قيمة العقد نقداً وقبيل بدأ الحفل بيومين قدم اعتذاره ، هنا لا يمكن للشركة إجبار (المذيع) على تنفيذ عين ما التزمت به (تقديم الحفل) لأن هذا الإجبار يتعارض مع حرية المدين (المذيع) الشخصية وبتالي ليس أمام (مدير) الشركة والمغلوب على أمره إلا اللجوء إلى المطالبة بالتعويض أو حث المدين (المذيع) على التنفيذ بالغرامة التهديدية.
ولا يفوتنا القول بأن أداء الالتزام جبراً على المدين يكون في أغلب الأحوال غير مجد ٍ ، والحال كذلك ينطبق على الالتزام بالامتناع عن عمل ، ومثاله : تعاقد الكابتن (يوسف الثنيان) مع قناة أوربت الرياضية على التحليل الفني لمباريات الدوري السعودي وكان في بنود هذا العقد أن يلتزم الكابتن يوسف بالامتناع عن ذات العمل المتفق بينه وبين القناة لدى أي قناة رياضية أخرى خلال مدة العقد ، إلا أن (يوسف) أثناء مدة العقد قام بالتحليل الفني لدى قناة art الرياضية هنا يصبح التنفيذ عيناً غير ممكن بالنسبة للفترة التي قام فيها يوسف بالتحليل لدى art ، إلا أن التنفيذ العيني في ذاته لا زال قائماً وممكناً بالنسبة للمستقبل ومع ذلك كله فإن إجبار يوسف على عدم التحليل يقتضي منعه (بقوة الشرطة) من دخول إستديوهات art وهو ما يعد مساساً بحريته الشخصية وبتالي لا يجوز إجباره على ذلك ، وذلك لأن الحق في الحرية هو من الحقوق المدنية الأساسية للإنسان والتي يطلق عليها بالحقوق العامة.
ثانياً : أسلوب التنفيذ الجبري عن توافر شروطه :
هناك أسلوب أو قناة يمر فيها التنفيذ الجبري عند توافر شروطه ، هو أن التنفيذ الجبري للالتزام المدني لا يقع على المدين بصورة فردية وإنما بواسطة (السلطات العامة) إي بإشراف دائرة التنفيذ أو الإجراء فهي صاحبة الاختصاص الأصيل في تنفيذ أحكام القضاء ، فقد يصار إلى إيقاع الحجز على الرصيد النقدي في البنك الذي يملكه المدين أو وضع شارة الحجز على صفحة العقار الذي يملكه المدين لدى دائرة التسجيل العقاري …كما أن التنفيذ العيني الجبري قد يقع بحكم القاضي إذا سمحت بذلك طبيعة الالتزام ودون تدخل من دائرة التنفيذ وهو ما نصت عليه صراحة المادة 210 من القانون المصري والمادة 357 من القانون الأردني.
ومن الأمثلة التي يمكن تصور قيام حكم القاضي مقام التنفيذ العيني رغم ضرورة وفاء المدين نفسه بما التزم به هي (حالة الوعد بالتعاقد) فإذا امتنع فيه المدين بالوفاء بوعده جاز للمحكمة أن تحدد له ميعاداً للتنفيذ فإذا لم يقم بالوفاء في خلال هذا الميعاد يحل حكم القضاء محل العقد المقصود إبرامه.
ثالثاً : كيفية حصول التنفيذ العيني الجبري للالتزام :
أن محل التزام المدين يختلف بحسب اختلاف طبيعة الالتزام ومصدره فقد يكون الأداء الذي يلتزم به المدين (نقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل) على النحو التالي :
1- التزام المدين بنقل حق عيني يرد على عقار : من المعلوم أن العقود الأصل فيها الرضائية (أي يكفي لقيامها توافق الإرادتين)-أي ركن الرضا- بالإضافة إلى محل وسبب مشروعين ، إلا أن بعض القوانين المدنية (كالفرنسي والأردني) تتطلب في العقود التي في أصلها رضائية شكل أو شكلية معينة فتحولها من عقود رضائية في الأصل إلى عقود شكلية، فمثلاً عقد البيع الأصل فيه عقد رضائي يقوم على توافق إرادة أطرافه ( البائع يسلم المبيع ويقبض الثمن والمشتري يتسلم المبيع ويدفع الثمن) ، لكن المشرع قد يشترط على بعض البيوع شكلية معينة مثل بيوع العقار ، فالشكل الذي يطلبه المشرع ( هو تسجيل بيعه في دائرة التسجيل أو الشهر العقاري) ، وعليه نقول أنه لا يكفي لكي يكون عقد بيوع العقارات صحيحاً إلا بالتسجيل وهذا يعني أن (تسجيل العقار) ركن من أركان بيع العقار بدون هذا التسجيل يكون العقد باطلاً ، وبتالي يبطل التصرف ولا تنتقل الملكية أو الحق العيني (كحق التصرف) وكذلك الحق العيني التبعي (كالرهن التأميني) ، وعليه إذا اخل البائع بالتزامه بضرورة التسجيل فأنه يلزم بتعويض البائع عن جراء نكوله وهي تعتمد على مسألة الإثبات لدى القضاء في صحة التعاقد وبتالي الحكم لصالح الدائن يحل محل التنفيذ (أي يقوم مقام التنفيذ العيني).
2- الالتزام بنقل حق عيني يرد على منقول معين بالذات :
يقصد بالشيء المعين بالذات أي الأشياء القيمية ( كالسيارات والمكائن والمفروشات ، واللوحات الفنية ، والحصان والجمل وهكذا) ، وهذا النوع من الالتزام – في الأصل- لا تظهر صورة التنفيذ الجبري فيه لأنه ينفذ بمجرد نشوئه وبقوة القانون وبتالي ليس أمام الدائن إلا المطالبة بالتنفيذ بطريق التعويض.
ومثال ذلك ذهبت حصة والمعروفة لدى جاراتها بـ (أم سالم) إلى سوق (أبن قاسم) والواقع في جنوب الرياض والمشهور بكونه سوق (الطبقة الكادحة) بغرض شراء كنب مستعمل لكي تعيد (تنجيده وترتيبه) من جديد ، وتهديه لأبنها (سالم) مساعده منها في تجهيز (عش الزوجية) وبعد دخولها سوق ابن قاسم تعاقدت مع (البائع أبو عليّ) على عدد 8 أطقم كنب ، ودفعت له قيمتها وأخذت وعد منه على استلامها بعد 5 أيام ، هنا نقول أن العقد بين أم سالم وأبو علي البائع قد انعقد وأصبح الالتزام نافذ من لحظة تعاقدهما وانتقلت الملكية لها ، إلا انه بعد انقضاء المدة المحددة (5 أيام) أتضح أن أبوعلي البائع قد باع (أطقم الكنب) لشخص آخر ؟ فضاقت أم سالم ذرعاً وأخبرت (جارتها أم نواف) بالواقعة ، فقالت لها : إن ابناً لي يدرس القانون وسأخبره بالحادثة وحتماً سأجد حلاً قانونياً ، وفعلا كان لها ذلك …إذا أجابها الابن قائلاً ً :
(( بما أن الالتزام ورد على حق عيني منقول معين بالذات فهذا يعني أن الملكية انتقلت وكذلك الالتزام أصبح نافذاً من لحظة انعقاد العقد ، وبالتالي تلتزم أم سالم بدفع الثمن –وهذا ما حدث- ويلتزم البائع بتسليم المنقول المعين بالذات-الكنب- دون غيره وبتالي لا يمكن لنا من إجبار أبوعلي على التنفيذ العيني-بتسليم ذات الكنب لأم سالم- ومالنا إلا أن نطالبه بالتنفيذ عن طريق التعويض طالما أنه (ابتاعه للغير) وأما عن موقف الشخص الآخر –المشتري للكنب- والذي تسلمه من البائع فيحكمه قاعدة قانونية معروفة-الحيازة في المنقول سند الملكية- بمعنى أن الملكية انتقلت له طالما أنه تسلم المبيع وهو –حسن النية- لا يعلم عن بيع أبو علي الكنب لأم سالم ، وانتقال الملكية للمشتري الثاني كان بسبب (قاعدة الحيازة) وليس (بموجب العقد) لأن البائع-أبوعلي- قد تجرد من الملكية بمقتضى بيعه الأول –لأم سالم-)).
وفي هذا السياق نشير إلى أن بعض القوانين (كالأردني) تشترط في بيع المنقولات القيمية (كالسيارات) من وجوب أتباع شكلية معينة(التسجيل) وبالتالي يكون التسجيل ركن من أركان صحة التصرف وعليه يفهم أن المنقول المعين بالذات كالسيارات لا تنتقل فيه الملكية من لحظة انعقاد العقد وإنما من تاريخ تسجيله في الدائرة المختصة –كإدارة المرور- .
ملاحظة : هناك نوع من البيوع يلحق بنفس حكم بيع المنقول المعين بالذات أي الملكية فيه تنتقل إلى المشتري بمجرد انعقاد العقد وهو ما يعرف بالبيع جزافاً ومثاله : شراء كل ما في المخزن من بضاعة وهكذا جزافاً .
وملاحظة أخرى هامة : قلنا في البداية أن الأصل في الالتزام بنقل حق عيني يرد على منقول معين بالذات أنه لا تظهر صورة التنفيذ الجبري فيه لأنه ينفذ بمجرد نشوئه وبقوة القانون ، إلا أن هناك استثناء متعلق في نطاق (الالتزام التبعي) الذي يتضمنه الالتزام بنقل الحق العيني وهو (الالتزام بتسليم المنقول المعين بالذات) إذا كان لا يزال بحوزة المدين فهنا يمكن إجباره إلى تنفيذ التزامه عينياً (التنفيذ الجبري للالتزام) ، أما إذا هلك أو سلمه لآخر بخطئه لم يكن أمام الدائن إلا التنفيذ بطريق التعويض كما قلنا سابقاً ..أما إذا كان هلاكه بسبب قوة قاهرة لا يد لمدين فيها فأن الالتزامات المتقابلة بينه وبين الدائن تنقضي بقوة القانون أي انفساخ العقد وبتالي يسترد المشتري ما دفعه ويصبح تبعة الهلاك المبيع على كاهل البائع .
3- محل التزام المدين نقل حق عيني يرد على منقول معين بالنوع والمقدار : (المنقولات المثلية)
يقصد بالمنقول المعين بالنوع والمقدار(أي المثليات) ، كالسكر والقطن والأرز وهكذا ، فنقول معينّ بالنوع (أي رز أمريكي –هندي) وهكذا أما بالمقدار (فيكون بحسب نوع القياس كيلو –الذراع-بالصاع –بالجرام وهكذا) ، ففي جميع هذه المنقولات المثلية لا تنتقل الملكية للمشتري إلا إذا قام البائع (المدين) بالفرز أو العزل حيث تنتقل الملكية من تاريخ الفرز فلو أمتنع البائع عن الإفراز كان من حق المشتري (الدائن) أن ينفذ عليه جبراً .
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا امتنع البائع عن الفرز لتعيين حق الدائن (المشتري) فحال دون انتقال الحق العيني (حق الملكية) إلى المشتري كان للمشتري أن يشتري من السوق شيئاً من النوع ذاته على نفقة المدين (البائع) بعد إعذاره واستئذان المحكمة ، أما إذا كان المشتري في حالة (الاستعجال) فأنه لا يشترط الاعذار ولا استئذان المحكمة ، وإنما يشتري من السوق من النوع ذاته على نفقة البائع وله كذلك أن يطالب البائع بقيمة الشيء وبالتعويض عن الضرر طبقاً لقواعد المسؤولية العقدية.
4- محل التزام المدين نقل حق عيني يرد على مبلغ من النقود :
إذا كان محل الالتزام يرد على مبلغ من النقود ، فأن الوفاء يكون من المدين بمقدار المبلغ الذي التزم به دون أن يتأثر بتقلبات قيمة العملة وقت الوفاء وهذا ما نصت عليه المادة 134 مدني مصري ، والتنفيذ العيني الجبري ممكن دائماً إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود ، بحيث يجب على المدين أن يدفع القدر العددي للدين دون زيادة ولا نقصان ولا تنتقل ملكية من المدين إلى الدائن إلا عند القبض (أي قبض قيمة المبلغ).
أما إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه طوعاً بدفع المبلغ النقدي كان بالإمكان إجباره على التنفيذ وللدائن أن يدفع سند التنفيذ (سواء كانت كمبيالة أو سند رهن أو شيك مصدق) إلى الجهة المختصة بالتنفيذ (السلطة العامة ) لإيقاع الحجز على مال المدين وبيعه حقه نقداً ، مع ملاحظة أن عدم قيام المدين أو تأخره عن أداء محل الالتزام النقدي عن موعده المحدد يوجب التعويض القانوني (الفائدة) لحصول الضرر المؤكد للدائن نتيجة هذا الإخلال . (الفائدة القانونية عند تأخر المدين جائزة في القانون المدني المصري والعراقي ، ومحظورة في الشريعة الإسلامية والقانون المدني الأردني تأثراً منه بالفقه الإسلامي على اعتبارها ربا).
5- محل التزام المدين القيام بالتسليم :
إذا كان محل الالتزام تسليم شي فأنه يكون تنفيذ الالتزام على عاتق المدين في مكان وجوده (أي وجود الشيء) وفقاً للتعاقد ، كالأسمنت أو الأرز أو السكر في مكان التخزين (المخزن أو المستودع) طالما كان معلوماً من قبل المتعاقدين ولم يوجد اتفاق أو نص يقضي بخلاف ذلك ، أما إذا كان الشيء محل التسليم لا يعرف مكان وجوده فأنه يكون الوفاء به في مكان المدين (البائع) أو المكان الذي يوجد فيه مركز أعماله (دكانه أو محله أو سوقه) كما هو الحال بالنسبة للخشب والحديد والمواد الغذائية .
ولكن السؤال المهم هنا ، ما حكم استحالة تنفيذ الالتزام بتسليم المحل (المبيع) لهلاكه ؟ الجواب على هذا السؤال على عدة فروض هي :
أ)- إذا كان هلاك المبيع بفعل قوة قاهرة ( فأن العقد ينفسخ بقوة القانون وتسقط الالتزامات المتقابلة بمعنى يسترد المشتري ما دفعه ويتحمل البائع تبعة الهلاك) ولا يستطيع المشتري في هذه الحالة مطالبة البائع بالتعويض لأن الاستحالة تعود للقوة القاهرة والتي لا يد للبائع فيها.
ب)-أما إذا كان هلاك المبيع كان جزئياً أي (تلف بعض المبيع) فإن المشتري يخيّر إن شاء فسخ العقد أو أخذ المقدار الباقي بحصته من الثمن.
ج)- إذا كان البائع قبل هلاك المبيع قد قام (بإعذار) المشتري بضرورة تسلم المبيع إلا انه لم يتسلمه وهلك فأن تبعة الهلاك تكون على المشتري.
د)- إذا كان الهلاك بفعل البائع (المدين) أو بخطئه أو بخطأ الغير ، فأنه يتحمل تبعة الهلاك ويصار إلى التعويض لاستحالة التنفيذ على أساس المسؤولية العقدية.
6- محل التزام المدين القيام بعمل:
قبل الدخول لهذا الموضوع ، من المهم التركيز على شيئين مهمين (هل شخصية المدين في العقد محل اعتبار أو لا ) ، والمقصود بشخصية المدين محل اعتبار : أي أنه لولا هذه الصفات والمهارات والتخصص المتوافرة في هذا المدين ما كان للدائن أن يقدم على التعاقد ( كالمحامي البارع والفنان المشهور والمقاول المتمكن والجراح ذائع الصيت) وهكذا ….ويكون النظر إلى شخصية المدين في العقد محل اعتبار أو لا على النحو التالي :
أ) شخصية المدين في العقد ليست محل اعتبار :
إذا كانت شخصية المدين في العقد ليست محل اعتبار في تنفيذ الالتزام ، فأنه يجوز تكليف شخص آخر غير المدين لتنفيذ الالتزام ويكون ذلك التنفيذ على نفقة المدين بعد استئذان المحكمة أو دون استئذانها في حالة الاستعجال كما لا يجوز للمدين الإصرار على أن يقوم المدين شخصياً بتنفيذ الالتزام وإلا اعتبر متعسفاً في استعمال حقه.
ومثال ذلك : شخصية المدين (المؤجر) في عقد الإيجار ليست محل اعتبار ، فقد يستأجر الشخص من أي كائنٍُ كان منزلاً أو مخزناً وهكذا ، وعليه إذا قام المستأجر بإجراء إصلاحات ضرورية في العين المستأجرة فأنه ليس بحاجة إلى استئذان المحكمة وبتالي تكون على نفقة المؤجر ويحق له الرجوع على المؤجر بعد ذلك طبقاً لقواعد الإثراء بلا سبب آو يجري مقاصة بين ما دفعه للإصلاح وما في ذمته من أجرة المنزل للمؤجر.
ب) شخصية المدين في العقد محل اعتبار :
إذا كانت شخصية المدين في العقد محل اعتبار فأنه يجوز للدائن ان يرفض تنفيذ الالتزام من غيره شخصياً ، وله –أي الدائن- اللجوء إلى وسائل إجبار المدين على التنفيذ كالتعويض النقدي أو التنفيذ وفقاً للشرط الجزائي المتفق عليه أو التهديد بالغرامة المالية إذا كان ذلك لا يتعارض مع الحرية الشخصية للمدين أو الحكم بالتعويض.
ومثاله: كالتعاقد مع محامي لترافع في قضية ما فأن المدين يلزم دون غيره بالتنفيذ وإلا اجبر بالوسائل السابق ذكرها .
7- محل التزام المدين الامتناع عن القيام بعمل : مضمون هذا الالتزام، أن الامتناع عن القيام بعمل أياً كان مصدر التزام المدين به (نص القانون أو الاتفاق) مفاده أن المدين لا بد أن يظل منفذاً لالتزامه وعليه أن لا يقوم بالعمل الذي فرض عليه بعدم القيام به ، ولكن إذا اخل بهذا الالتزام وقام بالعمل فأنه يكون بذلك قد أرتكب خطأ يوجب المسؤولية المدنية ، وبتالي يثبت في حقه أما التنفيذ الجبري أو التنفيذ عن طريق التعويض على حسب طبيعة الالتزام إذا هي تقبل التنفيذ الجبري أو التعويض على النحو التالي : (أمثلة)
أ) حالات تقبل التنفيذ الجبري : تعهد الجار بعدم إقامة جدار يحجب النور عن جاره فإذا أقامه فهو قد اخل بالتزامه المتمثل بالامتناع عن القيام بعمل (إقامة الجدار) وبتالي كان من حق الجار (الدائن) أن يطلب التنفيذ الجبري بإزالة الجدار وإذا امتنع كان من حق الجار اللجوء للقضاء بطلب الإزالة والتعويض عن الضرر الذي أصابه.
ومن الحالات التي تقبل التنفيذ الجبري مستقبلاً وان كانت في أصلها تقبل التنفيذ بطريق التعويض حالة قيام الممثل أو المغني “المنشد” في الغناء في مسرح آخر غير المتفق عليه فيمكن التنفيذ عليه جبراً بعدم إقامة الغناء أو التمثيل مستقبلاً.
ب) حالات تقبل التنفيذ عن طريق التعويض :
هنا نفرق بين إذا كان التعويض نقداً وهي في حالة إخلال الطبيب بالتزامه بعدم القيام بإفشاء سر مريضه ، في هذا المثال لا يمكن للمريض إجباره على التنفيذ العيني الجبري لأن طبيعة الالتزام لا تقبل لذلك وبتالي ليس أمامه إلا المطالبة بالتعويض النقدي..وكذلك الحال بالنسبة لالتزامات بائع المتجر بعدم المنافسة غير المشروعة والتزام المهندس بعدم العمل في مصنع آخر منافس والتزام الممثل أو المغني”المنشد” بعدم الغناء على مسرح آخر فلو قاموا هؤلاء بالعمل الذي التزموا بعدم القيام به فلا سبيل أمام الدائن إلا المطالبة بالتعويض النقدي ولكن (يجوز له التنفيذ العيني الجبري عليهم مستقبلاً كما قلنا سابقاً) أما التعويض العيني فيكمن في إزالة المخالفة كالبناء ويكون عن طريقة إزالته على نفقة المدين.
8- محل التزام المدين ببذل عناية أو تحقيق نتيجة :
يقصد بالالتزام ببذل عناية أن يبذل المدين في تنفيذ التزامه عناية فائق تتطلبها طبيعة الالتزام نفسه، وأما الالتزام بتحقيق نتيجة فالمقصود منها أن يبذل المدين قصارى جهده حتى تتحقق النتيجة أو الفائدة المرجوة من وراء الالتزام ، ويستعين القضاء في مقياس مدى العناية أو تحقق النتيجة وفق معيار الشخص العادي (أي الوسط) في أقران المدين ومن فئته ، فالطبيب مثلاً يقاس على طبيب آخر في نفس درجته العلمية ومستواه فيقاس عمل الطبيب الجراح بطبيب مثله ولا يقاس الطبيب العام بطبيب أخصائي وهكذا ، بحيث إذا اخل المدين وفقاً لهذا المعيار بالتزامه تشغل ذمته بالمسؤولية المدنية وبتالي يصار إلى التعويض ويمكن لنا استعراض أحكام الالتزام ببذل عناية أو تحقيق نتيجة على النحو التالي :
أ) الالتزام ببذل عناية : يجب على المدين بذل العناية الكافية في تنفيذ التزامه والتي تقاس على معيار الشخص العادي ، فإذا بذل هذه العناية وهلك الشيء أو أخفق في العمل فأن المدين يكون قد نفذ التزامه ،، وبتالي لا يمكن مطالبته بالتعويض لأن التعويض مناط بمدى بذل العناية من عدمها ، فأن بذلها المدين وفق المعيار المطلوب فلا مسؤولية عليه والعكس صحيح ومثاله : كما لو فشلت العملية الجراحية التي أجراها الطبيب رغم بذله الجهود العلمية والفنية المتعارف عليها طبياً وهذا هو الأصل في التزام الطبيب بذل العناية دون تحقيق نتيجة الشفاء لأن الشفاء بيد الله عز وجل.
ب) الالتزام بتحقيق نتيجة :لا يعتبر المدين قد وفى التزامه وبتالي لا تقوم المسؤولية تجاهه إلا إذا حقق النتيجة النهاية والمتعاقد عليها ، فإذا لم تتحقق النتيجة فأن مسؤوليته تشغل وبالتالي يصار إلى طلب التعويض منه ، كحال التزام الناقل بإيصال المسافر إلى مكان الوصول سالماً ، والتزام المقاول بإنجاز العمل أو البناء والتزام البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري والتزام الطبيب في العمليات الجراحية التجميلية وكذلك نقل الدم فهنا التزام الطبيب يكون بتحقيق نتيجة وهذا استثناء على الأصل في التزام الطبيب (ببذل عناية) ، فإذا لم تتحقق النتيجة النهائية شغلت مسؤوليتهم جميعاً حتى ولو بذلوا العناية المطلوبة لأن المهم في هذا النوع من الالتزام هو تحقق النتيجة.
رابعاً : طرق الحصول على التنفيذ العيني الجبري (وسائل الضغط على المدين لتنفيذ التزامه أو طرق التنفيذ العيني الجبري غيري المباشر) :
إذا كان المدين موسراً ومماطلاً في تنفيذ الالتزام فإن هناك وسائل يستطيع الدائن أن يلجأ إليها للحصول على التنفيذ العيني الجبري لالتزام المدين ولعل أهم هذا الوسائل (حبس المدين) و (التهديد المالي) :
1-حبس المدين (الإكراه البدني)
استقرت فكرة حبس المدين الموسر المماطل في كثير من التشريعات الحديثة ، والسبب في ذلك هو سوء نية المدين ،وبتالي أصبح بإمكان الدائن اللجوء إلى السلطة العامة للتنفيذ على ذمته ، إلا أن القوانين العربية قد اختلفت في أحكام حبس المدين على النحو التالي :
أ) القانون المصري : يجوز فقط حبس المدين في دين النفقة والحضانة والرضاع والمسكن ، لأن الحبس ليس إلا إكراهاً بدنياً غير مبرئ لذمة المدين ومن ثم يجوز التنفيذ على ماله بعد الإكراه البدني غير أنه إذا استبدل به عملاً يدوياً أو صناعياً كان هذا العمل مبرئاً للذمة .
ب) القانون الأردني: يجوز حبس المدين ولا حاجة لإثبات اقتداره إذا كانت الحقوق المطالب بها ناشئة عن فعل ضار (كحوادث السير) كما أنه يجوز حبس المدين في دين النفقة الواجبة للزوجة أو الأصول والفرع كما لا يجوز طلب الحبس بين الأقارب والأصول إذا لم يكن الدين نفقة محكوم بها لأن النفقة واجبة على المدين بنص القانون ولا يجوز حبس المدين إذا لم يبلغ الثامنة عشره من العمر مطلقاً.
ج) القانون العراقي : لا يجوز حبس المدين إلا بطلب من الدائن نفسه ، كما لا يجوز حبس المدين عن نفس الدين إلا مرة واحدة ، ولا يجوز كذلك حبس المدين أن كان معسراً لأن الهدف من الإكراه البدني هو إجبار المدين الموسر المماطل على تنفيذ التزامه عيناً ، ويجوز حبس المدين إذا كان لديه راتب يتقاضاه من الدولة إذا يجوز الحجز على نسبه منه ويجوز كذلك الحبس في دين النفقة.
– أما عبء الإثبات (كون المدين معسراً أم موسراً) في جميع القوانين المذكورة يخضع للقواعد العامة أي يقع على عاتق المدعي (الدائن) لأن البينة على من ادعى ولأن الأصل براءة الذمة وعلى الدائن أثبات عكسها.
2- التهديد المالي (الغرامة التهديدية) :
الغرامة التهديدية هي وسيلة غير مباشرة للضغط على المدين وحمله على التنفيذ العيني الجبري القادر عليه وهي بذلك ليست تعويضاً ، وأما الغرامة التأخيرية (التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي) فهي تعويض عن تأخير المدين في تنفيذ التزامه .
وللغرامة التهديدية شروط يجب توافرها لكي يتمكن الدائن من حمل المدين على تنفيذ التزامه متى كان ذلك ممكنا وهي على النحو التالي :
1- أن يوجد التزام لازال تنفيذه عينياً ممكناً أي ليس مستحيلاً فأن كان مستحيلاً فلا سبيل أمام الدائن إلا طلب التعويض.
2- أن يكون تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه كما في عقد المقاولة ، إلا انه لا يجوز فرض التهديد المالي على مؤلف إذا كان من شأنه المساس بحقه الأدبي لأن في ذلك تعارض مع حرية المدين الشخصية.
وللغرامة التهديدية خصائص يمكن لنا استعراضها على النحو التالي :
1- فرض الغرامة التهديدية يمكن أن يقع من المحكمة من تلقاء نفسها دون طلب من الدائن وبحسب سلطة القاضي التقديرية.
2- تحمل صفة تهديدية لجبر المدين على تنفيذ التزامه
3- أنها حكم وقتي حتى يستقر الأمر إلى التصفية النهائية.
4- أنها وسيلة غير مباشرة للحصول على التنفيذ العيني الجبري .
5- لها ميزة تحكمية لا تقاس بمدى الضرر
خامساً :التنفيذ بمقابل ( تنفيذ الالتزام بطريق التعويض) :
إذا لم يتمكن الدائن من الحصول على التنفيذ العيني من المدين لا باختياره ولا جبراً عليه بوسائل الإجبار السابق شرحها ، فأنه لا سبيل أمام الدائن إلا اللجوء إلى طريق التعويض ، والتعويض هو الجزاء العام عن قيام المسؤولية المدنية ، والتنفيذ بطريق التعويض يتناول كل أنواع الالتزامات وأياً كان مصدرها (العقد-الإرادة المنفردة-الفعل الضار-الفعل النافع-القانون) ، وبتالي يمكن تنفيذها عن طريق اللجوء إلى التعويض والذي يقدره القاضي وفقاً لسلطة التقديرية .
وقبل الحديث عن أنواع التعويض ، يجب الإشارة إلى مرحلة سابقة على التعويض وهي ما تعرف بأعذار المدين ، فالقوانين المدنية (كالمصري والأردني والعراقي والجزائري والكويتي والإماراتي) تنص على مبدأ (لا تعويض إلا بعد أعذار المدين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك) ، أي أنه الأصل أن يقع الاعذار بإنذار المدين عن طريق كاتب العدل أو أي طريق رسمي آخر على أن المدين مخل بالالتزام سواء عن عدم القيام بتنفيذ الالتزام أو التأخر فيه أو تنفيذه بصوره معيبة أو تنفيذه بصوره جزئية ، و الفكرة الجوهرية من الاعذار هي ( إظهار الدائن لرغبته بأن يقوم المدين بتنفيذ الالتزام طبقاً لمضمونه وحسب طبيعته ودعوة الدائن هذه بالإعذار المبيّن يوجب التعويض لأن حلول الأجل يجعل الدين مستحقاً …إلا أن هناك حالات لا ضرورة لأعذار المدين فيها وهي :
1- إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكناً أو غير مجد ٍ بفعل المدين.
2-إذا كان محل الالتزام تعويضاًَ ترتب على عمل غير مشروع (الفعل الضار أو المسؤولية التقصيرية)
3-إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين بأنه مسروق ، أو شي تسلمه بدون حق وهو عالم بذلك.
4-إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بإلتزامه .
5- حالة الاستعجال إذا اقتضتها طبيعة الالتزام في التنفيذ على نفقة المدين .
* وللتعويض أنواع يمكن استعراضها على النحو التالي :
أ) التعويض القضائي:
يكون التعويض وفقاً لسلطة القاضي التقديرية في الحالة التي يكون التعويض غير مقدر في العقد (التعويض الاتفاقي) أو بنص القانوني ، فيتولى القاضي تقدير التعويض ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب ، وعناصر التعويض عن الضرر المباشر الذي لحق بالدائن في مجال الضرر المالي أو المادي هما عنصرين :
1- ما لحق الدائن من خسارة مالية مباشرة متوقعة في نطاق المسؤولية العقدية (كاضطراره إلى شراء بضاعة بثمن أعلى) ، وفي الإصابة الجسدية فأن الخسارة التي تلحق الضرر بالدائن تتمثل في مصاريف العلاج وأجور الطبيب وثمن الدواء والتحليلات الطبية والنفقات الأخرى.
2- ما فات على الدائن من كسب مالي ،كفوات صفقة رابحة ثبت أن الدائن كان سيحصل عليها لو قام المدين بتنفيذ التزامه في الميعاد المحدد ، فاللاعب الذي لا يقوم بالتزامه باللعب لفريقه يلتزم بدفع التعويض للمتعاقد الآخر( رئيس النادي) عما أصابه من خسارة بسبب ما أنفقه من مصاريف لتجهزيه للمباراة وعما ضاع عليه من ربح “الجوائز المالية للاندية الفائزة ” والتي كان سيحصل عليها لو أن اللاعب نفذ التزامه ولعب المباراة.
…أما التعويض عن الضرر المعنوي فأنه يقدر جملة واحدة وفقاً للاعتبارات والظروف الخارجية المؤثرة ( فتشويه وجه فتاه نتيجة لحادث سير يختلف عن تشوه وجه المرأة كبيرة في السن ، وذهاب صوت فنان مشهور بناء على خطأ طبي يختلف تعويض عن ذهاب صوت شخص عادي وهكذا) .
ب) التعويض الإتفاقي (الشرط الجزائي) :
تجيز القوانين اتفاق المتعاقدين على تقدير التعويض بالنص عليه في العقد عند إخلال احد المتعاقدين بالتزامه وهذا ما يعرف بالشرط الجزائي ، والتعويض الاتفاقي لا يستحق على المدين إذا ثبت أن الدائن لم يلحقه ضرر بسبب إخلال المدين بالتزامه سواء عن التأخر في التنفيذ أو عن التنفيذ المعيب للالتزام أو التنفيذ بصورة جزئية أو عن عدم القيام بالتنفيذ أصلا ، والفكرة التي يقوم عليها التعويض الاتفاقي ، أن الطرفين يتفقان مسبقاً في العقد أو في عقد لاحق يكمله على مقدار التعويض عن الضرر الواقع عن الإخلال بتنفيذ الالتزام وهو شرط صحيح طالما أنه لا يخالف النظام العام والآداب العامة.
والسؤال المطروح هل يستطيع القاضي التعديل في التعويض الاتفاقي ؟ الجواب نعم يجوز له ذلك ويخضع لسلطة التقديرية متى ما وجد أن التعويض اكبر من الضرر ويجوز له رفع التعويض اذا كان اقل من الضرر …وأما عن التطبيقات العملية للشرط الجزائي فهي كثيرة ومتنوعة وكثيراً ما ترد في نطاق عقود المقاولات فيذكر مقدار التعويض عن التأخير عن انجاز العمل ويطلق عليه تسمية (الغرامات التأخيرية) .
وللشرط الجزائي شروط يمكن لنا استعراضها على النحو التالي ( وهي نفس شروط المسؤولية المدنية في قواعدها العامة) : 1- خطأ عقدي من جانب المدين يتمثل في عدم قيامه بتنفيذ الالتزام أو التأخر في التنفيذ أو بتنفيذ الالتزام معيباً أو تنفيذه جزئياً ومصدر الخطأ هو الإخلال بالعقد.
2- الضرر وهو الأذى أو الخسارة المالية كما أنه شرط ضروري لإستحاق التعويض لأن الغرض من الشرط الجزائي هو جبر الضرر وإزالته ، وهنا وخلافاً للقواعد العامة ( فإن عبء الإثبات يقع على المدين لإثبات أن الدائن لم يلحقه الضرر حتى يستحق التعويض الإتفاقي ، وقلنا أنه خلافاً للقواعد العامة لأنه في الإثبات الأصل يقع على الدائن ) .
3- علاقة سببيه بين الخطأ والضرر ، ويقصد بها أن يكون الضرر نتيجة طبيعية لعدم قيام المدين بتنفيذ الالتزام أو التأخر فيه أو تنفيذه بشكل معيب أو جزئي ، فإذا انتفت (أي قطعت) رابطة السببية لقيام السبب الأجنبي فأنها تهدم احد أركان المسؤولية العقدية وبتالي لا يقوم التعويض.
4- الإعذار ، لا بد من إعذار المدين من الدائن فهو شرط لازم لاستحقاق التعويض ، وهو غير لازم وضروري اذا وجد نص او اتفاق لا يتطلبه .
– وهناك حالات لا يستحق الدائن التعويض الاتفاقي وهي على النحو التالي :
أولاً :إذا كان الضرر غير مباشر.
ثانياً: اذا كان الضرر مباشراً ولكنه غير متوقع ولم يرتكب المدين غشاً ولا خطأً جسيماً .
ثالثاً : إذا كان الضرر المباشر متوقعاً وحصل بسبب أجنبي بخطأ الدائن أو خطأ الغير أو القوة القاهرة.
وتجدر الإشارة إلى أن العربون يتشابه مع الشرط الجزائي بأن مصدرهما الاتفاق بين المتعاقدين ، كما أن الغرض من الشرط الجزائي والعربون هو ضمان تنفيذ الالتزام وعدم الإخلال به ، إلا أن الشرط الجزائي يجوز تعديله بالزيادة أو النقصان (الحط منه) وهذا لا يمكن في العربون ،كما أن العربون يفقده المتعاقد اذا عدل عن اتمام العقد.
ج) التعويض القانوني (الفائدة)
يقصد بالفائدة مبلغ من النقود يقدر بنسبة مئوية من المبلغ الذي التزم به المدين عن كل سنة وقد يتفق الطرفان على تحديد هذه النسبة مقدماً كشرط جزائي عن التأخير في الوفاء بالالتزام وتسمى الفوائد عندئذ (بفوائد التأخير الاتفاقية) ، وللفوائد القانونية أنواع هي :
1- فوائد تأخيرية يستحقها الدائن عن التأخير في تنفيذ الالتزام لأن محل تنفيذ الالتزام دفع مبلغ من النقود ومحل الأداء من المدين هذا يكون ممكنا دائماً منه ومصدره العقد (عقد القرض) أو الإرادة المنفردة أو العمل غير المشروع أو الفعل النافع أو نص القانون كالنفقة الواجبة أو أجرة الحضانة.
2- الفوائد الاستثمارية وهي الفوائد المستحقة مقابل انتفاع المدين بمبلغ من النقود يترتب للدائن في ذمته ويكون العقد مصدره كالفوائد المستحقة على المقترض مقابل انتفاعه بمبلغ النقود المقترضة كحال الوديع الذي يستحق الفائدة من رصيده في البنك عن وديعة النقود الثابتة وكذلك الحال في سندات القرض.
وللفوائد التأخيرية شروط ( نفس شروط التعويض الإتفاقي لابد من خطأ وضرر وعلاقة سببية يمكن الرجوع لها في ما ذكر سابقاً) .
سادساً :ضمانات تنفيذ الالتزام (الضمان العام) :
المقصود من الضمان العام أن أموال المدين جميعها ضامنة بالوفاء بديونه وجميع الدائنين متساوون في هذا الضمان إلا من كان له حق التقدم بالدين الممتاز( هناك ديون ينص القانون على أنها ديون ممتازة كدين النفقة أو الرهن التأميني وبتالي يتقدم أ صاحبها دون غيرهم من الدائنين العاديين في الاستيفاء ) ، وفكرة الضمان العام تتلخص في أن الذمة المالية للشخص تتكون من مجموع ما له وما عليه من حقوق والتزامات مالية ،فالجانب الايجابي في ذمة المدين ( هي مجموع ما للشخض من حقوق مالية) والجانب السلبي لها ( هي مجموع التزامات الشخص المالية) ، ولذلك فأنه من مصلحة الدائنين أن تظل ذمة مدينهم مليئة لضمان استيفاء حقوقهم وأن يتخذوا من الوسائل اللازمة التي تكفل لهم الحصول عليها على النحو التالي :
1- وسائل تحفظية:
تستخدم هذه الوسيلة لغرض المحافظة على الذمة المالية للمدين كوضع أختام على أمواله لمنعه من التصرف بها والتدخل بقسمة الأموال المشاعة له مع شركائه أو التدخل للمحافظة على حق المدين خشية السقوط أو الضباع كالتدخل لقطع التقادم (تقادم دين المدين في ذمة مدينه) ويقصد بقطع التقادم أي رفع دعوى لقطع الزمن المحدد قانوناً والذي بنهايته لا تسمع الدعوى .
2- وسائل تنفيذية:
وهذه الوسائل يمارسها الدائنون فتمكنهم من إستحصال حقوقهم من ذمة المدين المالية المباشرة كالحجز على أمواله وبيعها بالمزاد العلني إلا أنه يستثنى من الحجز على أموال المدين الأشياء الضرورية اللازمة للمدين من الأدوات الاستهلاكية أو أدوات العمل أو فراشه أو كتبه أو ملابسه أو نفقته لأولاده ومعيشته…وللدائن في غير ذلك الحق في إيقاع الحجز على أكثر مما هو مستحق له لمواجه الاحتمالات العديدة (ككثرة المدينين معه) ، مع ملاحظة أنه لا يجوز الحجر أو التنفيذ على المال العام ولا العقارات بالتخصيص ولا أموال الدولة الأجنبية ولا الحقوق المتعلقة بشخص المدين.
3- وسائل وسط بين الطرق التحفظية والطرق التنفيذية: القاعدة أن جميع أموال المدين ضامنة لالتزاماته كما اشرنا سابقاً وهذا الضمان يخول للدائن أن يراقب أموال المدين (ما دخل منها في ذمته وما خرج) حتى يأمن على ضمانه من أن ينقصه غش المدين أو تقصيره وهذه الطرف من مباحث القانون المدني لا مباحث قانون أصول المحاكمات المدنية لأنها تتفرع مباشرة عن مبدأ الضمان العام للدائنين وهذه الوسائل سميت بهذا الاسم لأنها تمهد السبيل لحصول الدائن على حقه مستقبلاً وتستخدم بهدف التغلب على غش المدين وسوء نيته في الإضرار بالدائنين حيث منحت هذه الوسائل للدائن ونظم القانون المدني طرق استخدامها ويمكن حصرها على النحو التالي :
أ- الدعوى غير المباشرة
ب-دعوى عدم نفاذ التصرف (الدعوى البوليصية)
ج- الدعوى الصورية
د-الحجر على المدين المفلس
هـ- الحق في الحبس للضمان.
اترك تعليقاً