بحث ودراسة قانونية هامة تناقش قضية التجاوب و التفاعل مع قيم حقوق الإنسان
جامعة سيدي محمد بن عبد الله
كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية
فاس
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال مقتضيات قانون 22.01 أن تجاوب أو تفاعل مع قيم حقوق الإنسان؟
إعداد الطالب: تحت إشراف:
عبد السلام شهبون د. محمد بوزلافة
السنة الجامعية:
2009/2008
المحتويات:
مــقـدمـــة:
المبحث الأول: تجليات حقوق الإنسان في قانون 22.01.
المطلب الأول: مرحلة ما قبل المحاكمة
المطلب الثاني: مرحلة المحاكمة
المبحث الثاني: محدودية المسطرة في حماية حقوق الإنسان
المطلب الاول: محدودية بعض نصوص المسطرة ا لجنائية في ترجمة حقوق الانسان
المطلب الثاني : الصعوبات العملية والواقعية المرتبطة بقانون 22.01 التي تحد من حقوق الإنسان
خاتمــــــــــة:
مــقـدمـــة:
يشكل الحق في المحاكمة العادلة أحد الأعمدة الأساسية، لدولة القانون و لحماية الإنسان من التعسف و الشطط و التمييز و الاعتداء. لدلك حظي هدا الحق بمكانة خاصة كرستها لصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان.من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرورا بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية وصولا إلى اتفاقية مناهضة التعذيب و غيرها من الإعلانات و القواعد و المبادئ الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
و لهذا قام المغرب بإحداث مجموعة من المؤسسات التي تعتبر من ركائز دولة الحق و القانون، و كذلك إصدار قوانين جديدة أو تعديل قوانين أخرى تلاءم هدا التوجه. و كان من بينها قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية و دلك بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.02.255 الصادر في 3 أكتوبر 2002.
فإذا كان القانون الجنائي هو الذي يجرم و يحدد العقوبة المحددة لهده الجريمة. فإن قانون المسطرة الجنائية هو الذي يعنى بتنظيم البحث عن مرتكب الجريمة و الحكم فيها و تنفيد العقوبة المحكوم بها، فقواعد المسطرة الجنائية هي التي تحرك نصوص القانون الجنائي و ثبت فيها الحياة لتحقيق أهدافها.
إن المغرب عرف أول قانون المسطرة الجنائية بمقتضى قانون 10 فبراير 1959، ثم عدله بمقتضى ظهير بمثابة قانون رقم 448-74-1 في 28 شتنبر 1974المتعلق بالإجراءات الانتقالية. ثم عرف هذا القانون عدة تعديلات من بينها تعديل لسنة1993.
لكن الممارسة اليومية كشفت عن وجود عدة ثغرات و مشاكل مرتبطة بالنصوص القانونية أو بالواقع الاجتماعي ينبغي التصدي لها و تقديم حلول و أجوية لما تطرحه من إشكاليات. و هدا ما تحقق فعلا بصدور القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
و هكذا فالمشرع الجنائي المغربي نص على مقتضيات و تدابير جديدة لم تكن مضمنة في القوانين السابقة. و ذلك بغية تحقيق توازن بين حقوق الأفراد و صون حرياتهم من جهة، و الحفاظ على المصلحة العامة و النظام العام من جهة أخرى.
إن قانون المسطرة الجنائية يعتبر أخطر القوانين المسطرية في مختلف المنظومات القانونية الوطنية، لارتباطها المباشر بنوعية العلاقة التي تحكم الدولة بالمجتمع، الحق العام بالحقوق الفردية، فضلا عن كون القانون الذي يعكس بالأصالة اختيار سياسة الدولة في الميدان الجنائي.
و بالرجوع إلى مختلف الصكوك الدولية و الإقليمية، نجدها تعترف لأفراد بمجموعة من الحقوق سواء في أشخاصهم أو ممتلكاتهم و خاصة حرياتهم الشخصية.
إذن كيف تعامل المشرع المغربي مع هده الحقوق من خلال قانون 01.22؟
هل كرس هده الحقوق كما هي متعارف عليها دوليا؟ كيف تجاوب معها؟
إن الإجابة عن هده التساؤلات ستكون وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: تجليات حقوق الإنسان في قانون 01.22
المبحث الثاني: محدودية المسطرة الجنائية في حماية حقوق الإنسان
المبحث الأول: تجليات حقوق الإنسان في قانون 22.01.
يرتكز قانون المسطرة الجنائية على مبادئ و أحكام أساسية في مجال حقوق الإنسان، تعزز و تقوي ضمانات المحاكمة العادلة سواء قبل المحاكمة (المطلب الأول) أو أثناء مرحلة المحاكمة (المطلب الثاني)
المطلب الأول: مرحلة ما قبل المحاكمة
تتضمن هده المرحلة عدة حقوق خاصة حقوق خاصة بالمتهم لا يمكن لأية محاكمة تنتظرهم أن توصف بالعادلة دون احترامها و هي كالتالي:
• أولا: الحق في الحرية
ذلك أنه لا يجوز إلقاء القبض على شخص إلا طبقا لأحام القانون بعيدا عن أي تعسف أو شطط. ويفتح الحق في الحرية الشخصية الباب الواسع أمام عدم اشتراط بالضرورة احتجاز المشتبه فيهم طيلة الفترة التي تفصلهم عن تاريخ تقديمهم للمحاكمة . و هدا ما كرسه الدستور المغربي الحالي في الفصل، العاشر “لا يلقى القبض على أحد و لا يعتقل و لا يعاقب إلا في في الأحوال و حسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون”
و يدخل ضمن القانون المنصوص عليه في هدا الفصل. قانون المسطرة الجنائية:
• ثانيا: الحق في الاطلاع على المعلومات الخاصة بالمشتبه فيه.
يعني هدا الحق بإبلاغ من يقبض عليه بأسباب دلك، كما تتلى عليه كافة الحقوق الموكولة له. كحقه في الاستعانة بمحامي للدفاع عنه، و حقه في معرفة التهمة المنسوبة إليه ليمكنه على الأقل من التأكد من مدى صحة أسباب الحجز و تمكينه من مباشرة إجراءات الطعن إزاء.
و من بين الحقوق أيضا نجد الحق في الصمت التي تنص عليه بعض الأنظمة المقارنة كالقانون الأمريكي. إلا أن المشرع المغربي لم ينص على هدا الحق صراحة. و لكن نجده ينص في الفصل 149 من قانون المسطرة الجنائية.على أن “قاضي النيابة العامة يسأل المتهم عن هويته و يتلقى تصريحاته بعد إشعاره أنه حر في عدم الإدلاء بها”.
و هذا في حالة ما صدر أمر إحضار شخص من طرف قاضي التحقيق و يوجد خارج دائرة نفوذ القاضي.
• ثالثا: الحق في الاستعانة بمحام
اعتبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في إطار تعليقاتها العامة المتعلقة بتفسير أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية “يجب أن يعطى المتهم من الوقت و التسهيلات ما يكفيه للاتصال بمحام يختاره بنفسه، و الوقت الكافي يتوقف على ظروف كل قضية و على التسهيلات أن تشمل الوصول إلى الوثائق و غيرها من الإثباتات التي يطلبها المتهم لتعيين المحامي و فرصة تعيينه ة الاتصال به” .
أما المشرع المغربي فينص في المواد من 134 لإلى 141 م.ج. على استنطاق المتهم و مواجهته مع الغير في التحقيق الإعدادي، و نظرا لخطورة هدا الإجراء و ما يترتب عليه من آثار على حقوق المتهم. نص المشرع على ضمانات تكفل حقوق الدفاع تخص المتهم الذي طلب الاستعانة بمحامي و تتمثل هده الضمانات فيما يلي:
* حق المحامي بأن يحضر الاستنطاق المتعلق بالتحقيق في هوية المتهم
(م 134فق3)
* حق المتهم في الاتصال بمحاميه (م 136 م ج)
* حق المتهم في استجوابه في حضور محاميه بعد دعوته قانونا
(فق1و2 م 139ج)
*وضع ملف لقضية رهن إشارة محامي المتهم (فق3م 139م ج)
• رابعا: الحق في الاتصال بالعالم الخارجي
يشتمل هدا الحق على:
– السماح لأشخاص المحتجزين و على وجه السرعة بالاتصال بالعالم الخارجي من خلال تلقي الزيارات.
– الحق في إبلاغ الشخص المحتجز في إبلاغ أسرهم بأمر القبض عليهم و مكان الاحتجاز.
– الحق في بلوغ الخدمات الصحية عبر الاستعانة بطبيب.
فالمبدأ 19 من مجموعة المبادئ الخاصة بحماية جميع الأشخاص الدين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن يشي إلى هدا الحق عندما نص على أن “يكون للشخص المحتجز أو المسجون الحق في أن يزوره أفراد أسرته بصورة خاصة و أن يتراسل معهم، و تتاح له فرصة كافية الاتصال بالعالم الخارجي”.
و بالرجوع إلى ق.م.ج نجد بدوره ينص في الفقرة الثالثة من المادة 67 على أنه يقوم ضابط الشرطة القضائية بإشعار عائلة المحتجز، فور اتخاذ قرار وضعه تحت الحراسة النظرية بأية وسيلة من الوسائل و يشير إلى دلك في المحضر.
• خامسا: الحف في المثول أمام مسؤول قضائي أو قاضي و تقديمه للمحاكمة على وجه السرعة
و هنا يجب الإشارة إن المقصود بالسرعة هنا أي إعطاء وقت معقول و مناسب حماية حقوق المتهم، و لبس الشرع الذي كثيرا ما يقع في بعض القضايا كقضايا كالإرهاب أو الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي و الخارجي.
و كل هدا بهدف تفادي تطويل مدة الحراسة النظرية و حماية المحتجز الموجود عند قوة الضبط الأمني من أي تعسفات أو إرهاق قد يؤدي به إلى تأسيس ملفه المز.. مع عرضه على القضاء بشكل يخرق حقه في المحاكمة العادلة. أو تعرضه إلى المس بحريته الشخصية كأن يفضي الأمر لإلى الاختفاء عوض الحراسة النظرية التي يستوجبها إجراءات البحث .
و لهدا نجد المشرع المغربي قج حدد بدقة الاحتجاز سواء في الاعتقال الاحتياطي أو الوضع تحت الحراسة النظرية. مما يؤدي بالمحتجز المتهم أو المشتبه فيه في ارتكاب جريمة أن يقدم للمحاكمة على وجه السرعة أو اّلإفراج عنه بقوة القانون.
• سادسا: الحق في الطعن في مشروعية الاحتجاز
و هو حق لا يمكن المساس به لإ وفق إجراءات منصوص عليها قانونا بعد أن يكون المشتبه فيه قد سارت عليه شروط تطبيق تلك الإجراءات التي تنتهي بتجريده من حريته.
و عندما يتضح أن تلك الشروط غير متوفرة و غداة تجريد الشخص من حريته بإلقاء القبض عليه فإن له الحق مباشرة في الطعن لمواجهة عدم مشروعية الاحتجاز التي لا توافق القانون.
و هكذا نص المشرع الجنائي المغربي المادة 148 ج على أنه” كل متهم ألقي عليه القبض بناءا على أمرا بالإحضار و احتفظ به في مؤسسة سجنية أكثر من 24 ساعة دون أن يستنطق يعتبر معتقلا اعتقالا تعسفيا.
كل قاض ّأو موظف أمر بإبقاء المتهم في السجن، أو السمح بإبقائه فيه عن قصد يتعرض للعقوبة المقررة للزجر عن الاعتقال التعسفي”
إدا كانت هده هي أهم الحقوق و الضمانات التي تتمتع بها الشخص المحتجز قبل المحاكمة. فما هي أهم الحقوق التي خولها المشرع الجنائي المغربي من خلال قانون المسطرة الجنائية للمتهم خلال مرحلة المحاكمة؟
المطلب الثاني: مرحلة المحاكمة
إن المتهم في هده المرحلة يواجه ممثل الحق العام المتمثل في النيابة العامة، خول لها المشرع عدة صلاحيات و ضمانات للدفاع عن المجتمع. فكيف تعامل المشرع في هده المرحلة مع المتهم و ما هي أهم الضمانات و الحقوق التي خولها للمتهم؟
• أولا: الحق في المساواة أمام القانون و المحاكم و أمام محكمة مختصة و مستقلة و مشكلة وفق أحكام القانون
إن أول ما ينبغي أن يتوفر للمتهم هو تسيير إجراءات بلوغ المحاكم و اللجوء إليها كجهة قضائية قصد ابتغاء الإنصاف، و حقه في المساواة أمام القانون و أن يعامل على عدم احترام، النصاب القانوني بطلان الإجراءات و المسطرة، و أن تتوفر في هده المحكمة الاستقلالية و الحياد و النزاهة. و يجب أن تكون إجراءات البحث و المناقشة علنية(م 300 م ج).
و من بين الصفات التي ينبغي لقواعد المسطرة الجنائية أن تتصف بها أيضا. سمة الإنصاف و العدالة، والمقصود بدلك، تقوية ضمانات حقوق الدفاع، مع الحفاظ على حق الدولة في العقاب. و لا يأتي دلك، إلا بتأمين استقلال القضاء. و توفير ظروف العيش للقاضي …
و في نفس السياق تنص المادة 169 من الدستور المصري علة أن”جلسات المحاكم علنية إلا إدا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب. و في جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية”
• ثانيا:افتراض براءة المتهم
المتهم يعتبر بريء إلى أن تنبث إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناءا على محاكمة عادلة. فالمتهم يجب أن يعامل على هدا الأساس أي المحكمة يجب أن تتعامل معه على أساس متهم و ليس فاعل أو جرم لأن البراءة هي الأصل و هدا ما كرسته المادة الأولى من قانون 01.22.
فهذه المادة وردت متشابهة مع مقتضيات المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و قد أحاطها المشرع بعدة تدابير عملية لتعزيزها و تقويتها و منها:
– اعتبار الاعتقال الاحتياطي و المراقبة القضائية تدبيران استثناءين
(م 159 م ج )
– تحسين ظروف الحراسة النظرية و الاعتقال الاحتياطي و إحاطتها بإجراءات مراقبة صارمة من طرف السلطة القضائية
• ثالثا: الحق في عدم الإكراه على الاعتراف بالذنب و استبعاد الأدلة المنتزعة بالعنف و الإكراه
و هدا يقتضي عدم جواز إكراه أي شخ منهم فعل جنائي بالشهادة على النفس أو الإقرار بالذنب و يمنع هدا المبدأ السلطات المشرفة على البحث مع المتهم من القيام بأي شكل من أشكال الإكراه بشكل مباشر أو غير مباشر جسمانيا أو نفسيا.
انتزاع شهادة المتهم بالعنف ضد نفسه و تقديمها أدلة و حجة للقضاء لضمان إدانته هو عمل منافي لمعايير الحاكمة العادلة. بل يجب لبلوغ هده الأخيرة ا استبعاد تلك الاعترافات من ملف القضية سواء من طرف ممثل الحق العام أو أمام قضاء الحكم .
حيث نصت المادة 293 فقرة 2 من ق م.ج على أنه”لايعتد بكل اعتراف ثبت انتزاعه بالعنف أو الإكراه”
و نفس الشيء في القانون المصري حيث نصت المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية “… كل اعتراف يثبت أنه صدر من أحد المتهمين أو الشهود تحت و طأة الإكراه أو التهديد به يهدر و لا يعول عليه”
• رابعا: حظر تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي و عدم محاكمة المتهم على نفس الفعل مرتين
إن قواعد المسطرة الجنائية تطبق بأثر فوري و قواعد القانون الجنائي يطبق بأثر رجعي فقط القوانين الأصلح بالمتهم.
لأن قواعد الشكل تكون دائما في صالح المتهم، لكونها شرعت من أجل السير الحسن للعدالة الجنائية.
كما أنه لا يجوز محاكمة أو عقاب المتهم عن جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقا للقانون و الإجراءات الجنائية و هدا ما هو مكرس في المادة 369 م.ج.
• خامسا: بعض الحقوق الأخرى التي جاء بها قانون 01.22
و من جملة هذه الحقوق:
+ الحق في الاستعانة بمترجم أو شخص اعتاد التخاطب معه
+ الحق في حضور المحاكمات بكل درجاتها و حقه (المتهم) في الطعن فيها بجميع أنواع الطعن العادية و الاستثنائية.
+ الحق في استدعاء الشهود و مناقشتهم.
+ الحق في الاستعانة بمحامي أثناء المحاكمة.سواء على نفقته أو في إطار المساعدة القضائية.
إضافة إلى هذه الحقوق نجد المشرع الجنائي قد أحاط فئة من الأشخاص بعناية خاصة و يتعلق الأمر بالأحداث. و ذلك خلال 4 مراحل:
1- مرحلة ما قبل ارتكاب الجريمة أو أن ترتكب ضده (الأطفال في وضعية صعبة)
2- مرحلة ما قبل المحاكمة
3- مرحلة المحاكمة
4- مرحلة تنفيذ العقوبة و بعد انقضاء العقوبة (إعادة إدماجهم في المجتمع)
فالضمانات المخولة للأحداث هي أكبر بكثير من تلك المخولة للكبار. حيث نجد المشرع خصص الكتاب الثالث من قانون المسطرة الجنائية للأحداث.
و ما يمكن الإشارة إليه في الأخير هو أن المشرع الجنائي لم ينص فقط على حقوق المتهم أثناء المحاكمة أو قبلها و إنما نص على حقوق هذا الأخير حتى بعد النطق بالحكم.
أي عند تطبيق العقوبة. و ذلك بالنص لأول مرة على مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبة.
إذا كانت هذه هي مجمل الضمانات و الحقوق التي أتى بها قانون 22.01 حماية للأفراد. فما هي العراقيل التي تقف حاجزا ضدها؟ سواء من الناحية القانونية أو الواقعية؟ و ما هي النواقص التي تعتري نصوص المسطرة الجنائية و تحد من تفعيل هذه الحقوق على أرض الواقع؟
المبحث الثاني: محدودية المسطرة في حماية حقوق الإنسان
رغم كل الحقوق والضمانات التي نصت عليها المسطرة الجنائية ، حماية لحقوق وحريات الأشخاص، فان نصوص هذه المسطرة تتخللها مجموعة من النواقص تحد من تفعيل هذه الحريات ( المطلب الأول). كما أن هناك صعوبات عملية وواقعية مرتبطة بقانون المسطرة الجنائية تقف حاجزا أمام ترجمة هذه الحقوق ( المطلب الثاني )
المطلب الاول: محدودية بعض نصوص المسطرة ا لجنائية في ترجمة حقوق الانسان
إن أهم حق يجب ان يتمتع به أي شخص هو الحق في الحرية وهذا ما كرسه قانون 22.01 . وذلك عندما نص على إن ا لوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي تدبيران استثنائيين . وفي العديد من ا لمواد الاخرى
لكن بالرجوع الى المادة 160 من م ج نجد ان مدة الوضع تحت المراقبة القضائية شهرين قابلة للتجديد خمس مرات أي يمكن للشخص ان يبقى تحت المراقبة القضائية لمدة عشرة اشهر او اكثر
والملاحظ على هذه المادة هو ان المشرع لم يحدد جزاء في حالة خرق المدة المحددة. وكان حريا به ان يحدد الجزاء في بطلان الإجراءات او في منح المتهم الحق في التعويض باعتبار ان اجراء الوضع رهن المراقبة القضائية يمس بحق من حقوق الشخص ويقيد حريته في التنقل…
ونفس الشيء بالنسبة للاعتقال الاحتياطي. أي يعتقل الشخص لمدة شهرين يمكن تجديده خمس مرات ولنفس المدة.اي يمكن ان يعتقل المتهم 12 شهرا وفي الأخير يطلق سراحه على أساس انه بريء.
نعم صحيح بان اعتقال شخص لهذه المدة يتطلب حسن سير العدالة والحفاظ على النظام العام، خصوصا اذا كانت الجريمة المرتكبة جريمة خطيرة او أحدثت رعبا وتتبع لدى العامة.
لكن في حالة ما اذا كان المعتقل ليس هو الفاعل وأطلق سراحه بعد قضاء مدة 12 شهرا. اليس كان على المشرع ان يعطيه حق المطالبة بالتعويض لانه حرم من اهم حق وهو الحق في الحرية. مع العلم ان هذه المدة يمكن ان تولد تبعات نفسية لدى المتهم او ان تسبب في تشريد اسرته . مع الاضافة الى نظرية الوصم الاجتماعي.
كما نجد بان المشرع الجنائي قد نص على امكانية تمتيعه بالسراح المؤقت ، الذي يمكنه ان يمنح له بناء على كفالة مالية . وقد حددت المادة 184 م .ج مشتملات هذه الكفالة.
ان هذه المادة تكرس لخرق مبدا تساوي المواطنين امام القضاء والقانون.
ذلك انه من الواضح بان التفاوتات الاجتماعية بين مختلف المواطنين قد يجعل إمكانية بلوغ التمتع بالافراج المؤقت مقابل كفالة مالية كما هو محدد في المادة السالفة الذكر سوف لن يسمح لذوي الدخل المحدود من المتهمين ، في حين سوف يتوفر ذلك للميسورين منهم وتزداد مظاهر التعسف اكثر اذا انتهت القضية ببراءة المتهم العاجز عن اداء الكفالة المحددة له .
وما يلاحظ على المشرع رغم انه قلص من مدة الحراسة النظرية من 96 ساعة الى 48 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة لمدة 24 ساعة. الا انها تبقى مدة كبيرة مقارنة مع بعض التشريعات المقارنة ( فرنسا مثلا 24 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة ولنفس المدة ) وكذلك فالمشرع لم يقرن جزاء لمخالفة هذه المدة.
ومن التجاوزات التي تطال حرية الأشخاص ما نص عليه المشرع في امادة 108 م .ج حيث نص على ان قاضي التحقيق له الحق في ان يقوم بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها واخذ نسخة منها او حجزها. ونفس الإمكانية متاحة للوكيل العام للملك بعد ان يلتمس ذلك كتابة من الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف.
وبالرجوع الى الفصل 11 من الدستور الحالي نجده ينص ” لا تنتهك حريات المراسلات ”
وذلك بصفة مطلقة وبدون استثناء الحالات التي قد يكون القانون نظمها كما فعل في عدة حالات .
ولهذا يعتبر هذا الإجراء خطيرا ماسا بالحقوق الأساسية التي يتضمنها الدستور .غير ان الدولة من اجل الحفاظ على الامن العام وطمأنينة المجتمع قد تتخد هذا الاجراء
لهذا يجب ان يقنن تقنينا دقيقا ويحدد نطاق تطبيقه كحصره في بعض الجرائم،ولأسباب واضحة ، والا فان الإجراء سيتخذ ذريعة للاعتداء على الحريات العامة .
ومن المآخذ على قانون 22.01 كون التحقيق يكون الزاميا فقط :
1- في الجنايات المعاقب عليها بالاعدام او السجن المؤبد او التي يصل الحد الاقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة
2- الجنايات المرتكبة من طرف الاحداث
3- في الجنح بنص خاص في القانون
يكون ختياريا في ما عدا ذلك في الجنايات والجنح المرتكبة من طرف الاحداث وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات او اكثر ( م 83 م ج )
بل كان يجب على المشرع ان ينص على الزاميته في كل الجرائم السالفة الذكر . خاصة وان التحقيق يكون في صالح المتهم . بل اكثر من هذا نص المشرع على ان التحقيق لا يمكن ان يقوم يه قاضي التحقيق الا بناء على ملتمس النيابة العامة ولو في حالة التلبس ( 2 84)
اما البحث الاجتماعي فينصب على المتهم فقط . لهذا يجب ان يوسع ويكون الزاميا كل ما طالب به احد الاطراف .وينصب ايضا على الضحايا في بعض الأحيان. خاصة مع وجود ضحايا وهميين أي محترفين دون جريمة.
وأخيرا اشير الى ان هذه ليست كلها النصوص التي يعتريها غموض وعدم الدقة والتي فهمها يؤثر على حقوق الانسان وانما هي على سبيل المثال لا الحصر.
المطلب الثاني : الصعوبات العملية والواقعية المرتبطة بقانون 22.01 التي تحد من حقوق الإنسان
ان أول مادة في قانون 22.01 تنص على مبدأ” البراءة” هي الأصل
لقد احسن المشرع صنعا عندما استهل به مواد المسطرة .
لكن الأمر يتعلق بمبدأ أقره فلاسفة ومفكرو القانون الجنائي، والعبرة بتطبيق المبدأ وتفعيله على ارض الواقع وليس بكتابته ، فالدول التي لها قوانين جنائية متطورة لم تنص على المبدأ غير ان حرصها على تطبيقه كمبدأ قانوني راسخ، حرص شديد بفوق الحرص على ما تم تدوينه
والممارسة العملية في كثير من الأحيان تبين على أساس انه مدان وليس بريء . وهو من عليه ان يثبت براءته . فالاصل هي الإدانة وليس البراءة، وذلك بمجرد إحضار المتهم لمخفر الشرطة يتعرض لمختلف انواع المعاملة السيئة . من السب والشتم ( وهي العادة عند الضابطة القضائية الا القليل ) الى ممارسة العنف بكل اشكاله سواء النفسي او المادي. ( وان كانت حدته قد قلت ) .
مما يجعل المتهم يعترف بما نسب اليه تحت وطأة الاكراه والتعذيب امام الضابطة القضائية . وينكر امام النيابة العامة والمحكمة ، والفاصل بين التصريحين هو زمن مغادرة المخفر ووقت المثول امام النيابة العامة او المحكمة.
اما فيما يتعلق بتطبيق المادة 159 من م ج الذي تنص على ان الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي هما تدبيران استثنائيين . فان قضاة التحقيق غالبا ما يلجؤون الى الاعتقال الاحتياطي وذلك لتجنب نفسهم عناء البحث عن الشخص من جديد ولضمان حضوره في أي وقت . حتى ولو كان مجرد الوضع تحت المراقبة القضائية كاف.
وما يعاب على التحقيق هوغالبا ما يكون شخصيا . بل العكس الذي يجب ان يكون أي عينيا ينصب على الجريمة . خصوصا والمغرب أصبح يتوفر على ما يسمى بالشرطة العلمية. أي يمكن التعرف على الفاعل بسهولة انطلاقا من مكان الجريمة وطريقة ارتكابها وظروفها.
وما يعاب على عمل الضابطة القضائية ما يسمى باعادة تمثيل الجريمة مما يؤثر سلبا على نفسية الفاعل . وكأنه يرتكب الفعل للمرة الثانية .
انطلاقا من مقتضيات قانون المسطرة الجنائية نجد ان المشرع يخول للمتهم الحق في الاستعانة بمحام . وفي حالة عسر المتهم ماديا فانه يعين له في اطار المساعدة القضائية ، ولكن لا يخلو من انتقادات على المستوى العملي.
فالمحامي الذي يعين في اطار هذه المساعدة غالبا ما يكون من المحامين المبتدئين ، وان كان من المتمرسين فغالبا لا يتعامل مع القضية بكل جدية أي يتهاون في دراسة القضية والتعامل معها. ( شهادة احد المحامين بهيئة فاس )
وان تم تعيين محامي اثناء المحاكمة فان الرئيس يختار محام من المتواجدين بالقاعة ويطلب منه ان يدلي بدفوعاته فورا . فكيف يعقل ذلك اذا لم يتمكن من الاطلاع على ملف القضية واعطائه وقت كاف لاعداد دفوعاته ؟
وتثار اهمية حضور الدفاع الى جانب موكله الذي اختاره لضمان عدم انتزاع الاعترافات منه بالعنف وخرق حقه في التزام الصمت، خاصة وان بنايات الشرطة القضائية لازالت تحتفظ بالخصائص العمرانية والامنية المستهدفة للتكتم عما يحدث بمخافر الشرطة خلال مسطرة البحث التمهيدي .
ومن بين الخصائص التي تؤهل استمرار هذه الوضعية وتشجع عليها هو فصل بنايات ومقرات الشرطة القضائية عن مقرات المحاكم حيث يتواجد القضاة لتسهيل مراقبة المحتجزين بشكل دوري.
ومن محاسن قانون 22.01 هو إحداثه لأول مرة مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبة . ولكن لحد الان لم توضح ملامح عمله واختصاصاته بشكل واضح. لان صلاحياته تصططدم مع مقتضيات القانون الجنائي وقانون السجون وهذا على عكس النظام الجزائري اوالفرنسي.
ونفس الشيء بالنسبة للاحداث الجانحين . حيث نص القانون على معاملتهم معاملة خاصة، لكن في الواقع غالبا ما لم تحترم حقوقهم ولم تعطى لهم نفس الضمانات المقررة قانونا خاصة على مستوى الاصلاحيات او المراكز السجنية .
واخيرا يجب الاشارة الى ان ما يحد بشكل كبير من حقوق وضمانات حقوق الانسان في المغرب ، هو جهل الكثير من المواطنين لحقوقهم . وكذلك احتفاظهم بفكرة المخزن مما يولد لهم خوف من السلطات الأمنية والقضائية
خاتمــــــــــة:
اذا كان قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 قانون متقدما بعض الشيء، لم يواكب العقلية المغربية لتلك الحقبة . على اعتباره هو قانون طبق الاصل للمسطرة الجنائية الفرنسية انداك . فان قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية هو قانون متقدم ومتطور.جاء بمقتضيات حامية لحقوق الاشخاص من كل تعسفات السلطات القضائية . وجاء متماشيا الى حد كبير مع التوجه العالمي فيما يتعلق باجراءات المحاكمة العادلة.
لكن ما ينقصه هو وجود آليا ومؤسسات لتفعيل هذه ا الحقوق واحترام كل متدخل في مسلسل المحاكمة لاختصاصاته ومهامه .
الا انه يجب مراجعة بعض النصوص اما من حيث الصياغة او من حيث إدخال عليها بعض التعديلات
لائحة المراجـــــــع
• علي عمار ” المعايير الدولية للمحاكمة العادلة في المجال الزجري ومقاربة مشروع قانون المسطرة الجنائية على ضوئها ” مجلة المحاماة . العدد 46 ماي 2002.
• احمد شوقي بنيوب ” دليل حول الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة” منشورات مركز التوثيق والاعلام والتكوين في مجال حقوق الانسان طبعة اولى ماي 2004.
• محمد محبوب ” مؤسسة قاضي التحقيق في ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديد”
• ” قانون المسطرة الجنائية مع دراسة حول سلطات النيابة العامة وقاضي التحقيق” اعداد وتقديم امحمد لفروجي الطبعة الثانية 2007
• الحبيب بيهي ” شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد ” الجزء الاول دار النشر المغربية الطبعة الثانية سنة 2006
• محمد محي الدين عوض ” حقوق الانسان والاجراءات الجنائية ” بدون دار النشر سنة 1989
• حسن بويبان ” قرينة البراءة ” مجلة المحامي عدد 46 سنة 2005
• الحسن البوعيسي ” قراءة نقدية لبعض مقتضيات مشروع قانون المسطرة الجنائية ” ” العدالة الجنائية ومتطلبات الاصلاح “. مجلة المحاماة العدد 46 ماي 2002
• الدستور المغربي الحالي
• قانون المسطرة الجنائية الجديد.
اترك تعليقاً