بحث ودراسة قانونية حول التعذيب و المعامله غير الانسانيه
حظر التعذيب والمعامله غير الانسانيه
اعداد: هديل ابوزيد
التعذيب في الأساس قضية أخلاقية ,إنها انتهاك لمبدأ الكرامة الإنسانية الذي يعد احد المرتكزات الأساسية للأديان والتي يمكن القول أنها جعلت مفهوم الكرامة أمرا لازما لقيام الجماعة الإنسانية,وقد جاء مفهوم الكرامة في القران الكريم جامعا للبشرية((ولقد كرمنا بني ادم وحملنهم في البر والبحر ورزقنهم من الطيبات وفضلنهم على كل كثير ممن خلقنا تفضيلا )) صدق الله العظيم
والنتيجة المنطقية لشمول الكرامة هو شمول من ينتهك هذه الكرامة,لأنه لا توجد فروق بين من يعذب سواء كان عربيا أم غريبا.
وحين نقرأ عن فظاعات الماضي,وخاصة فضاعات العصور القديمة والوسطى فأننا نرى أن هذه الإعمال ما تزال تحدث ,لندرك أننا لم نتجاوز النزعات الهمجية الغابرة.
ما من احد يستطيع أن يحدد بثقة متى مورس التعذيب لأول مرة ,بالنسبة للاستخدام الرسمي في القانون البابلي أو الموسوي ,ولكم مما لا شك في,انه كانت لدى الأشوريين والمصريين تدابير تشريعية لاستخدام التعذيب مثلما كان الأمر عند الفرس والإغريق والرومان.
وممارسة التعذيب لم تكن يوما مقيدة بزمان أو بمكان ,فقد أظهرت عدة مؤشرات عدم اقتصار ممارسات التعذيب على نظام سياسي معين,أو موقع جغرافي معين,أو فئة محددة من البشر.وما من شك في أن التاريخ الحديث يسجل تقدما في تطوير التقنيات لاستخدام ممارسات التعذيب ,ولكن التاريخ سيجل أيضا,بصورة أقوى أهوالا وممارسات شنيعة تبلغ درجة من الفظاعة لا مثيل لها.
أما من الناحية القانونية,فأن التعذيب كان أمرا مشروعا فترة طويلة من الزمن,منذ مورس في روما القديمة ,حيث كان الرومان ,حيث كان الرومان يفرقون بين الحر والعبد الذي كان عرضة للتعذيب المتكرر من سيده,ثم ما لبث التعذيب أن صار وسيلة من وسائل التحقيق المشروعة للحصول على الأدلة ,ثم استخدمته معظم دو العالم كعقوبة,وكان هدف التعذيب واحدا في كل هذه الدول,وهو استعراض القوة بالجسد بأسلوب الذلة والقهر لأحداث الذعر والهلع في نفوس الشعوب وأحكام قهرها,إلى أن استجدت في العصر الحديث أهداف عديدة تحكمها ظروف وملابسات عديدة منها الحرب,او إدارة العدالة الجنائية ,او الظروف السياسية والأمنية,او بدوافع عنصرية وعقائدية معينة.
ولقد تم تبرير استخدام التعذيب على مدى القرون بهدف الحصول من المتهم على الاعتراف بالجرائم المنسوبة اليه في مرحلتي الاستجواب والتحقيق,أو بهدف تنفيذ العقوبة. وكان لابد من انتظار القرن الثامن عشر,بداية عصر التنوير,لنشهد تطور الحركة الفكرية التي تهدف إلى التقليل من قسوة العقوبات,وترسيه نظام تحقيقات أكثر إنسانية,حيث كان لكتاب عالم الرياضيات والحقوقي((سيزار بيكاريا)) عن ((الجرائم والعقويات)) ,طرح فيه الاسئلة التالية: هل ((هل يعد التعذيب وادوات ذلك التعذيب عادلة ؟ وهل تصل الى الغايات التي يريدها القانون؟وهل تعتبر العقوبات المتكررة في اطار ذلك التعذيب مفيدة ؟ماهو تأثير التعذيب و أدواته على العادات والقيم الاجتماعية ؟.
وقد شجب بيكاريا في كتابه وسلة التعذيب ليس فقط لعدم إنسانيتها ولكن أيضا لعدم جدواها المطلقة في الحصول على الحقيقة من المتهمين .وكان لأرائه دور هام في إصلاح القانون الجنائي في العديد من البلدان الغربية.كما لعب رجل القانون الألماني ((paul feurbach)) دورا هاما في مملكة بافاريا ,حيث ساهم نضاله في سن اول قانون معروف ألغي التعذيب وصدر سنة 1813.
ويمكن ان نؤكد ان بداية القرن التاسع عشر هي التي شهدت الالغاء الرسمي للتعذيب تقريبا في جميع الدول الاكثر تقدما في أوربا.
الى ان عاد مع بدايه القرن العشرين وحظي باهتمام دولي واسع ونتاول هذا الموضوع في ثلاث مطالب
المطلب الاول : الجهود الدولية لمناهضة التعذيب
المطلب الثاني : الحماية الدستورية والقانونية لحق المتهم من التعذيب في التشريع الاردني
المطلب الثالث : مدى الموائمة بين التشريع الاردني والاتفاقيات الدولية في حضرتعذيب المتهم ماديا او معنويا
المطلب الأول الجهود الدولية لمناهضة التعذيب
يسود المجتمع الدولي المعاصر مبدأ سيادة القانون، رغم اختلاف بعض الدول في تحديد مضمونه، ومقتضاه التزام جميع أعضاء المجتمع وأجهزة الدولة بالقوانين التي تصدرها السلطات المختصة. ولا شك أن هذا المبدأ يضمن حقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة السلطة، لأنها تصبح محكومة بالقانون وحده، بعيداً عن أهواء هذه السلطة أو تحكمها. وبهذا يحقق مبدأ سيادة القانون الآمن للأفراد عن طريق علمهم بالقوانين التي تسري عليهم وعلى جميع أجهزة الدولة وعلمهم بشروط تطبيقها. وقد اصطلح على تسمية هذا المبدأ في انجلترا باسم (Principal of Rule of law) أي مبدأ حكم القانون كما يطلق عليه في الولايات المتحدة الأمريكية اسم (The Principa of limited governmment) أي مبدأ الحكومة المقيدة أو حكومة قانون لا حكومة رجال. كما يطلق عليه في فرنسا مبدأ سيادة القانون (prèèmenrnc du droit)([1]).
حظي موضوع مناهضة التعذيب بالاهتمام الدولي، وبرز الاهتمام الدولي بمناهضة التعذيب من خلال المؤتمرات الدولية التي عقدت بين الدول، والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدول وحرمت هذه المؤتمرات والاتفاقيات التعذيب لما يمثله من امتهان للكرامة الإنسانية، ونلقي الضوء على أهم الإعلانات والمواثيق الدولية لمناهضة التعذيب.
أولاً: الإعلانات والمواثيق الدولية، نصت المواثيق الدولية على عدم جواز إخضاع أي إنسان للتعذيب، ونبين أهم هذه الإعلانات والمواثيق الدولية:
1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام1948: حيث اهتم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمفهوم شرعية الإجراءات الجنائية وأركانها وأبرزها واضحة جلية، حيث نصت المادة (11) منه على أن: “1ـ كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. 2. لا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرماً بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لاتوقع عليه أي عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي. “كما نصت المادة (5) من ذات الإعلان على أنه: “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو
([1]) د. أحمد فتحي سرور، الشرعية والإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية ،القاهرة، سنة 1977، صفحة 101، 102.
اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة” ونصت المادة (8): “لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون”.
2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سنة 1966: نصت المادة (7) منه على أنه: “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو الحاطّة بالكرامة، وعلى وجه الخصوص لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر”.
3. إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة لسنة 1975([1]): وتناولت المادة الأولى تعريفاً للتعذيب وبأنه: “أي عمل ينتج عنه ألم أو عناء شديد جسدياً كان أو عقلياً، يتم إلحاقه عمداً بشخص ما بفعل أحد الموظفين العموميين أو بتحريض منه، لأغراض مثل الحصول من هذا الشخص أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف”.
4. مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون. اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 كانون الأول 1979: وتتألف من ديباجة وثماني مواد. حيث عرفت الموظف العام وبينت واجباته أثناء قيامه بمهام وظيفته، ونصت المادة (5) منها على أنه: “لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب، أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، أو أن يحرض عليه أو أن يتغاضى عنه، كما لا يجوز لأي من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، أن يتذرع بأوامر عليا، أو بظروف استثنائية، كحالة الحرب أو الاستقرار السياسي الداخلي، أو أية حالة أخرى من حالات الطوارئ العامة لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”([2]).
5. اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة سنة 1984: وتقع هذه الاتفاقية في ديباجة وثلاث وثلاثون مادة، بينت
([1]) اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 9 كانون الأول سنة 1974 بموجب القرار رقم (3452 د30). د. محمد شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، المجلد الأول، الطبعة الأولى، دار الشروق ،القاهرة، سنة2002، صفحة 691ـ693.
([2]) أنظر نصوص هذه الإعلانات والمواثيق الدولية د. محمود شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، مرجع سابق، صفحة 691 وما بعدها.
الالتزامات الواجبة على الدول الأطراف اتخاذها لحماية حق المتهم في السلامة الجسدية وهي:
أ. معاملة جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم كرامتهم كقاعدة جوهرية واجبة التطبيق. ونتيجة لذلك، لا يمكن أن يتوقف تطبيق هذه القاعدة، كحد أدنى على الموارد المادية المتوفرة في الدول الأطراف، ويجب تطبيق هذه القاعدة دون تمييز من أي نوع على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي أو غيره، أو المنشأ الوطني أو الاجتماعي، أو الممتلكات، أو المولد، أو أي مركز آخر.
ب. ضرورة معاملة السجناء معاملة لائقة وبما يكفل إعادة تأهيلهم وفقاً للمعايير الدولية بهذا الخصوص، و التي بينتها مجموعة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (1957).
ج. تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية، أو إدارية، أو قضائية فعالة، أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي.
د. لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت، سواءً كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب، أو عدم استقرار سياسي داخلي، أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب.
ح. لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب.
خ. تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وضرورة إيجاد نصوص قانونية، تعاقب الموظفين الذين يرتكبون التعذيب، ومحاكمتهم أمام محاكم عادلة.
ر. تضمن كل دولة طرف لأي فرد تعرض للتعذيب، في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة، وأن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة، واتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم.
ز. إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب، وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفي حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض.
س. أن تكون جميع الاعترافات التي جاءت تحت وطأة التعذيب أو الإكراه باطلة وليست لها أية قيمة قانونية ولا يُبنى عليها حكم.
ش. إبقاء قواعد الاستجواب، وطرق ممارسات وترتيبات معاملة الأشخاص المعرضين لأي من أشكال العنف، أو الاحتجاز، أو السجن قيد الاستعراض المنتظم، وينبغي للدول الإطراف أن تضمن خلو أمكنة الاحتجاز من أية معدات قابلة لأغراض التعذيب أو إساءة المعاملة. وإن توفير الحماية للمحتجز تقتضي أيضا إتاحة الوصول إليه بشكل عاجل ومنتظم للأطباء والمحامين.
6. إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام تم إجازته من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي، القاهرة 5 آب 1990: ويتألف من ديباجة وخمس وعشرين مادة، وتنص المادة (20) على أنه: “لا يجوز القبض على إنسان، أو تقييد حريته، أو نفيه، أو عقابه بغير موجب شرعي، ولا يجوز تعريضه للتعذيب البدني، أو النفسي، أو لأي من أنواع المعاملات المذلة أو القاسية أو المنافية للكرامة الإنسانية، كما لا يجوز إخضاع أي فرد للتجارب الطبية أو العلمية إلا برضاه وبشرط عدم تعرض صحته وحياته للخطر، كما لا يجوز سن القوانين الاستثنائية التي تخول ذلك للسلطة التنفيذية”.
7. الميثاق العربي لحقوق الإنسان لسنة 2004([1]): ويتألف من ديباجة وثلاث وخمسون مادة، وقد أشارت الديباجة إلى أن الإنسان مكرم من الله الذي أعزه، وبأن الوطن العربي مهد الديانات وموطن الحضارات ذات القيم الإنسانية السامية، التي أكدت حقه في حياة كريمة، على أساس من الحرية والعدل والمساواة، ونصت المادة (8) على أنه: “1ـ يُحظر تعذيب أي شخص بدنياً أو نفسياً أو معاملته معاملة قاسية أو مهينة أو حاطة بالكرامة أو غير إنسانية. 2ـ تحمي كل دولة طرف كل شخص خاضع لولايتها من هذه الممارسات، وتتخذ التدابير الفعالة لمنع ذلك، وتعد ممارسة هذه التصرفات أو الإسهام فيها جريمة يعاقب عليها لا تسقط بالتقادم، كما تضمن كل دولة طرف في نظامها القانوني، إنصاف كل من يتعرض للتعذيب، وتمتعه بحق رد الاعتبار والتعويض”.
المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فينا في الفترة من 14 إلى25 حزيران 1993: والذي أعلن جازماً أن الجهود الرامية إلى استئصال شأفة التعذيب، ينبغي أن تركز أولا وقبل كل شئ، على الوقاية، وإنه دعا إلى الاعتماد المبكر لبرتوكول اختياري لاتفاقية ([1]) المنشور على الصفحة رقم 4478من عدد الجريدة الرسمية رقم 4675 تاريخ 16/9/2004
مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الغرض منه إنشاء نظام وقائي يقوم على زيارات منتظمة لأماكن الاحتجاز. وبناءً على ذلك اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراًً باعتماد مشروع البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الذي أعدته لجنة حقوق الإنسان في قرارها رقم 2002/33 تاريخ 22نيسان 2002، وطلبت من الدول التي وقعت على اتفاقية مناهضة التعذيب أو صادقت عليها أو انضمت إليها، أن توقع على البرتوكول الاختياري وأن تصدق عليه أو أن تنضم إليه([1]).
([1]) يتألف هذا البرتوكول من (27) مادة، وإن الهدف من هذا البرتوكول هو إنشاء نظام قوامه زيارات منتظمة تضطلع بها هيئات دولية ووطنية مستقلة للأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك بغية منع التعذيب، ويكون من حق هذه الهيئات الحصول على جميع المعلومات المتعلقة بعدد الأشخاص المحرومين من حريتهم، والوصول إلى جميع أماكن الاحتجاز ومنشآتها ومرافقها، وإجراء مقابلات خاصة مع الأشخاص المحرومين من حرياتهم دون وجود أحد، والحصول على جميع المعلومات التي تشير إلى معاملة هؤلاء الأشخاص فضلاً عن ظروف احتجازهم. والأردن لم يوقع على هذا البرتوكول. أنظر نصوص هذا البرتوكول الصادر عن الجمعية العامة صفحة 1ـ13.
المطلب الثاني الحماية الدستورية والقانونية لحق المتهم من التعذيب في التشريع الاردني
يتضح مما تقدم أن جميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية حظرت اللجوء إلى التعذيب باعتباره عملاً يتنافى مع الكرامة الإنسانية، وإهداراً لآدمية الإنسان، ومخالفة صريحة لمبدأ شرعية الإجراءات الجنائية، التي تفترض أن الأصل في الإنسان البراءة، وجاءت جميع التشريعات الداخلية للدول وعلى رأسها الدساتير، تنص على أن استعمال العنف والشدة مع المشتبه به أسلوب محظور، ويرتب عليه المسؤولية الجنائية والمدنية والتأديبية، ويبين الباحث نطاق الحماية في في التشريع الأردني:
أولاً: في الدستور الاردني:
هنالك دول نصت في دساتيرها على حضر تعذيب المتهم , ومن الدول التي نصت دساتيرها صراحةً على المبدأ الدستوري (حظر إيذاء المتهم ماديا أو معنوياً) الدستور المصري حيث نصت المادة (42) على أن: “كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد يجب معاملته بما يحفظ له كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، كما لا يجوز حجزه أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون، وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد به، يهدر ولا يعول عليه”. وهنالك مجموعة من الدول جاءت نصوصها الدستورية متقاربةً مع الدستور المصري في هذا الموضوع، ومنها الدستور العراقي سنة1971المادة (23)، دستور الكويت سنة 1962 المادة (34)، الدستور السوري سنة 1950 في المادة (10/3)، دستور دولة الإمارات العربية المادة (26). ورغم أهمية هذا الموضوع فإن بعض التشريعات قد أغفلت النص عليه كالدستور الأردني سنة 1952
الا ان المشرع الاردني تدارك ذلك بموجب التعديلات الدستورية التي شهدها الاردن مؤخرا في عام 2012 سواصبح حضر تعذيب المتهم ماديا او معنويا مبدأ دستوري تضمنه الدستور حيث, نصت المادة (8) على انه :-
1-لا يجوز أن يقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون)
2-كل من يقبض عليه أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز تعذيبه، بأي شكل من الأشكال، أو إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، كما لا يجوز حجزه في غير الأماكن)
كما نصت المادة (208) من قانون العقوبات الاردني تحت عنوان انتزاع الاقرار والمعلومات :(1- من سام شخصا أي نوع من انواع التعذيب التي لا يجيزها القانون بقصد الحصول على اقرار بجريمة او على معلومات بشأنها عقوب بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات.
2-لغايات هذه المادة يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه الم او عذاب شديد جسديا كان ام عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول منه او من شخص اخر على معلومات او على اعتراف او معاقبته على عمل ارتكبه او يشتبه في انه ارتكبه هو او غيره او تخوف هذا الشخص او ارغامه هو او غيره ,او عندما يلحق بالشخص مثل هذا الالم او العذاب لأي سبب يقوم على التميز أي كان نوعه,او يحرض عليه او يوافق عليه او يسكت عنه موظف رسمي او أي شخص يتصرف بصفته الرسمية .3- واذا افضى هذا التعذيب الى مرض و جرح بليغ كانت العقوبة الاشغال الشاقة المؤقتة
4- على الرغم مما في المادتين (54) مكرر و (100) من هذا القانون لا يجوز للمحكمة وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها في الجرائم الواردة في هذه المادة كما لا يجوز لها الاخذ بالاسباب المخفف
المطلب الثالث مدى الموائمة بين التشريع الاردني والاتفاقيات الدولية في حضرتعذيب المتهم ماديا او معنويا
صادق الاردن على اتفاقيه مناهضه التعذيب وغيره من ضروب المعامله او العقوبه القاسيه او المهينه بتاريخ 15-6 2006 حيث تم نشر هذه لاتفاقيه على الصفحه رقم 2246 من عدد الجريده الرسميه رقم 4764 بتاريخ 15-6-2006 , وبذلك اصبحت هذه الاتفاقيه جزء من منظومه التشريع الاردني , مما ينفي على الاردن وتنفيذا لالتزامته ان يتخذ جمله من الاجراءات لوضع الاتفاقيه موضع التنفيذ, الا ان انه لا يوجد موائمه بين التشريع الاردني واتفاقيه مناهضه التعذيب من خلال الامور التاليه:
1. خلو الدستور الأردني من النص على حق الضحايا بتعويض عادل مباشرة من قبل الدولة، ولم يجعل جرائم التعذيب من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.
2. لم ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على حق المتهم في السلامة الجسدية وعدم تعذيبه أو إيذائه، ولم ينص على بطلان الاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب، من قبل موظفي الضابطة العدلية، وإن نص في المادة (159) على: “أن الإفادة التي يؤديها المتهم أو المشتكى عليه أو الظنيين في غير حضور المدعي العام، ويعترف فيها بارتكاب جرماً، تقبل فقط إذا قدمت النيابة بينة على الظروف التي أُديت فيها، واقتنعت المحكمة بأن المتهم أو المشتكي عليه أو الظنين أداها طوعاً واختياراً”. فهذه المادة تعطي الاعترافات أمام الضابطة العدلية قوة قانونية واعتبارها دليلاً بعد سماع شهادة من ضبط الأقوال، وبأن الشخص أداها بطوعه واختياره،
ً3. جاءت الحماية الجنائية والتي تعاقب على التعذيب في نص واحد ورد في قانون العقوبات الأردني في المادة (208)، وأول ما يلاحظ على هذا النص أنه يخاطب جميع الأفراد سواءً كانوا موظفين عموميين أو غير ذلك، وهذا على خلاف ما ورد في معظم التشريعات، التي تخاطب الموظف العام، لا سيما أن الاعتداء من موظف عمومي اعتماداً على وظيفته، يعتبر اعتداءً باسم السلطة ولحسابها، لأنه وقع باستخدام إمكانياتها، ولأنه وقع أيضا بين طرفين غير متكافئين، هما السلطة من جهة والفرد من جهة أخرى. وعلاوة على ذلك نجد أن المشرّع الأردني قد عاقب على جريمة (انتزاع الإقرار والمعلومات) بعقوبة جنحوية وليس جنائية خلافاً لمعظم التشريعات، وفي حالة إصابة المجني عليه بعاهة دائمة أو أفضت أعمال التعذيب إلى وفاته، فان المادة السابقة أحالت إلى القواعد العامة للتجريم في قانون العقوبات الأردني، فهو أيضا لم يتوافق مع بعض التشريعات والتي عاقبت الجاني بحالة الوفاة (بعقوبة القتل العمد), ومـن التشريعات التي عاقبت عليها بعقوبة جنائية قانون العقوبات الليبي، حيث نص في المادة (425) على أنه: “كل موظف عمومي يأمر بتعذيب المتهمين أو يعذبهم بنفسه يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات”، وقانون العقوبات المصري في المادة(126): ” كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف، يُعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر. وإذا مات المجني عليه يعاقب بالعقوبة المقررة للقتل العمد” وقانون العقوبات الإماراتي في المادة (242): “يعاقب بالسجن المؤقت كل موظف عام استعمل التعذيب، أو القوة، أو التهديد بنفسه، أو بواسطة غيره مع متهم، أو شاهد، أو خبير، لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها، أو لكتمان أمر من الأمور”. ومن التشريعات التي نصت على عقوبة جنحوية لجريمة التعذيب (انتزاع الإقرار والمعلومات)، المشرع الأردني في المادة (208) من قانون العقوبات
4. إن جرائم التعذيب يرتكبها على الأغلب الأعم موظفو الضابطة العدلية، حيث يذهب عدد من الفقهاء إلى القول: “لا نكون مغالين إذا قررنا صراحة أنه ما زال بعض رجال الشرطة يميلون إلى الاعتقاد بجدية وسائل الدرجة الثالثة (التعذيب) في تحقيق نتائج باهرة لخطة البحث وراء الجريمة، ولعل ذلك هو محاولة إخفاء عدم كفاءتهم وقصورهم في التحقيق وهو ما أكده الأستاذ لوداج رئيس الجمعية الدولية للشرطة الجنائية في تقريره المقدم للجمعية”([1]). ويحاكم الجناة من موظفي الضابطة العدلية في التشريع الأردني أمام محاكم خاصة لا تتوفر فيها معايير المحاكمة العادلة .
5. إن قانون منع الجرائم الأردني رقم (7) لسنة 1954 يمنح الحاكم الإداري سلطة واسعة في توقيف الأشخاص دون أن يكونوا قد ارتكبوا جرماً ما، وإنما يكفي أن يتولد لديه الاعتقاد بأن هذا الشخص قد يرتكب جرماً حتى ولو كان هذا الشخص موجوداً في مكان عام يباح المرور فيه في كل وقت ودون قيد، وهذا يجافي المنطق ويُهدر كرامة الإنسان ويُعتبر تعدٍ سافر على الحرية الشخصية وافتئاتاً عليها، ومخالف لشرعية الإجراءات الجنائية التي نصت عليها المواثيق الدولية وبعض التشريعات الوطنية، ويعتبر أن الأصل في الإنسان هو عدم البراءة.
ويساعد هذا القانون في توفير البيئة المناسبة للتعذيب، حيث يتم توقيف الأشخاص إدارياً([2]) للتوسع معهم في التحقيق من قبل موظفي الضابطة العدلية، في مراكز التحقيق الخاصة بهؤلاء الموظفين، ويستعمل معهم التعذيب، ولا يتم إحالتهم للقضاء إلا بعد زوال آثار التعذيب لطول مدة التوقيف، لا سيما أن هذه التحقيقات تسودها السرية التامة، كما أن صلاحية الضابطة العدلية بالاحتفاظ بالمشتبه بهم بموجب المادة (7/1) من قانون محكمة أمن الدولة هي سبعة أيام قبل إحالتهم إلى المدعي العام، مما يساعد على وقوع التعذيب على الأشخاص المقبوض عليهم لطول مدة القبض.
وكيف يمكن للمجني عليه أن يثبت أنه تعرض للتعذيب، لأن من يمارسون التعذيب لا يتم إحالتهم للقضاء إلا بعد زوال آثار التعذيب، معتمدين في ذلك على قانون منع الجرائم وتوقيف المجني عليه إدارياً ولمدة غير محددة، وهذا ثابت من اجتهاد محكمة التمييز ذاتها حيث قضت لطفا انظر تميز جزاء رقم 820-2003 تاريخ 23-11-2003 LawJO.: “إذا تم القبض على المتهمين بتاريخ 11/8/2001 وتم تودعيهم إلى المدعي العام بتاريخ 20/8/2001، فإن بقاءهم في مركز الأمن مدة تسعة أيام يعتبر في حكم المنطق والعقل القانوني السليم دليل على عدم صحة اعترافهم لدى الشرطة، لأن المنطق يقضي أن لا يحتجز المتهمون طيلة هذه المدة في نظارة الشرطة، وأن يرسلوا فوراً إلى المدعي العام لو كان اعترافهم أمام الشرطة بطوعهم واختيارهم، وإلا فما هو الداعي لهذا الاحتجاز أمام صراحة نص المادة (100) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتي توجب على موظف الضابطة العدلية أن يسمع فورا أقوال المشتكى عليه وأن يرسله إلى المدعي العام المختص خلال أربع وعشرين ساعة، والاستنتاج الذي يتفق مع المنطق والعقل أنهم اعترفوا نتيجة الضرب، والتعذيب واحتجزهم أفراد الضابطة العدلية لديهم بموجب مذكرات توقيف إدارية حتى تختفي آثار التعذيب عن أجسادهم وبعد تسعة أيام في الحجز تم توديعهم إلى المدعي العام، الذي أرسلهم إلى الطبيب الشرعي للمعاينة بناء على طلبهم وإحتصلوا على التقارير الطبية المحفوظة في ملف التحقيق والتي أثبتت تعرضهم للضرب والتعذيب، وعليه فإن الوقائع المستفادة تشير إلى عدم صحة وسلامة الظروف التي ضبطت بها هذه الأقوال وفق مقتضى المادة (159) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وعليه، فإن الاعتماد عليها كبينة للنيابة في إثبات التهم ضد المتهمين يكون خلافاً للقانون وتجاوزاً عليه وما كان لمحكمة الاستئناف أن تركن إلى هذه البينة ويكون قرارها المميز حقيقا بالنقض لورود هذه الأسباب عليه”
ففي قضية تتلخص وقائعها أن أحد الأشخاص تم الاشتباه به، من قبل أفراد الأمن العام بقتل شقيقته، وتم توقيفه إدارياً للتوسع معه في التحقيق، واعترف بقتل شقيقته، وتم إحالة القضية إلى المدعي العام، وتم سماع شهادة منظم أقوال المشتكى عليه، وذكر أنه أدلى بها طوعاً واختياراً، وتم توقيفه بناءً على ذلك، ولكن المفاجأة هي أن الفتاة لا زالت على قيد الحياة كما تبين لاحقاً، وتم إحالة من مارسَوا التعذيب معه إلى محكمة الشرطة وتم توقيع الجزاء بحقهم، ولكن يبقى السؤال لمن الجثة التي تم مواراتها التراب على أنها شقيقة المجني عليه؟([3]).
([1]) د. عبد الفتاح الشهاوي، جرائم السلطة الشرطية ، مرجع سابق، صفحة 21-22وانظر تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان لعام 2005 صفحة 26 والذي يشير انه يحاكم الجناة من موظفي الاجهزة الامنية في التشريع الاردني امام محاكم خاصة لا تتوافر فيها المعايير الدولية للمحاكمة العادلة .
([2]) بلغ عدد المشتبه بهم والذين تم توقيفهم إدارياً في إدارة بحث جنائي العاصمة فقط من 1/1/2005 ـ 27/ 9/2005 للتوسع معهم في التحقيق (700) شخص. أنظر تقرير المركز الوطني السنوي لحقوق الإنسان سنة 2005، صفحة 24.
([3]) قرار محكمة الشرطة الهيئة الأولى بالقضية الجزائية 142/2001 تاريخ 4/10/2001، غير منشور.
اترك تعليقاً