دراسة وبحث قانوني كبير عن تنفيذ الأحكام الإدارية “الغرامة التهديدية”
“الحجز”
الأستاذ محمد قصري رئيس المحكمة الإدارية بالرباط
مقدمــة
في الواقع لا قيمة للقانون بدون تنفيذ ولا قيمة لأحكام القضاء بدون تنفيذها ولا قيمة لمبدأ الشرعية في الدولة ما لم يقترن بمبدأ آخر مضمونه احترام أحكام القضاء وضرورة تنفيذها وإلا فماذا يجدي أن يجتهد ويبتكر القاضي الإداري في إيجاد الحلول الناجعة بما يتلائم وصون الحقوق والحريات والمشروعية إذا كانت أحكامه مصيرها الموت. فما يطمح إليه كل متقاض من رفع دعواه لدى القضاء الإداري ليس هو إغناء الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية بل استصدار حكم لصالحه يحمي حقوقه المعتدى عليها من طرف الإدارة مع ترجمة منطوقه على أرض الواقع بتنفيذه.
إن عدم التنفيذ يضرب في الصميم حرمة وهيبة وقدسية القضاء وتزرع الشك حول فعالية وجدوى قضاء إداري يقتصر دوره على معاينة عدم مشروعية المقررات الإدارية المطعون فيها أو الحكم بالتعويض، إن ذلك يتعارض مع الآمال المعقودة على هذه المحاكم في بناء صرح دولة الحق والقانون فبدون تنفيذ تصير الأحكام عديمة الجدوى والفعالية ويفقد الناس ثقتهم في القضاء ويدب اليأس في نفوسهم وينعدم الأمن والاستقرار وذلك كما يقول صاحب الجلالة الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته ” يجر المرء إلى تفكير آخر هو انحلال الدولــــة.
وإشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية يكمن في الأساس في غياب مسطرة فعالة وناجعة لإجبار الإدارة على التنفيذ، فقانون المحاكم الإدارية وكذلك قانون المسطرة المدنية لا يتضمنان الوسائل اللازمة لجبر الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به.
فالمشرع في القانون 90.41 من خلال الفصل 49 منه اكتفى بالقول على أنه يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم ويمكن للمجلس أن يعهد تنفيذ قراراته إلى محكمة إدارية كما أن المادة 7 منه نصت على أن تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص على خلاف ذلك وإذا كانت الأحكام القضائية الصادرة ضد الأفراد الحائزة لقوة الشيء المقضي به تتضمن في مواجهتهم إمكانية التنفيذ الجبري المنصوص عليها بالباب الثالث من قانون المسطرة المدنية فإن هاته القواعد الجبرية المحال عليها بموجب الفصل 7 من القانون 90.41 لا نجد لها تطبيقا في مواجهة أشخاص القانون العام لاعتبارات خاصة تحذر التنفيذ الجبري ضد الإدارة تستمد جذورها من نظرية القانون العام كالفصل بين السلطات واستقلال الإدارة في مواجهة القاضي وامتياز التنفيذ المباشر واختلاف الصيغة التنفيذية للأحكام الإدارية عن الأحكام العادية القابلة للتنفيذ الجبري وحسن سير المرافق العام بانتظام وعدم تعطيل وظيفة النفع العمومي، ومن تم يبقى تنفيذ الأحكام الإدارية مرتبط بأخلاقيات الإدارة وامتثالها طواعية للتنفيذ. وعملية التنفيذ في مواجهة الإدارة تنطلق بصدور الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به وتذييله بالصيغة التنفيذية الخاصة بالأحكام المدنية إعمالا للفصل 7 من القانون 901.4 المحيل على قواعد المسطرة المدنية في انتظار تدخل تشريعي وقد يديل هذا الحكم من طرف المحكمة الإدارية المصدرة للحكم أم من طرف الغرفة الإدارية في حالة إلغاء الحكم والتصدي للنزاع وقد ينفذ من المحكمة المصدرة للحكم عن طريق توجيه الملف التنفيذي للعون القضائي المختار من طرف طالب التنفيذ تفاديا للإشكاليات القانونية المترتبة عن توجيه إنابة قضائية إلى المحكمة العادية التي يقع بدائرتها التنفيذ أو بواسطة إنابة لمحكمة إدارية أخرى وبالنظر لما تتمتع به الإدارة من استقلال بسبب حضر التنفيذ الجبري ضدها فهي قد تتما طل أو تمتنع عن التنفيذ وإذا كان المشرع الفرنسي قدسن تدابير خاصة لحمل الإدارة على التنفيذ ممثلة في نظام وسيط الجمهور ـ[1]ـ الذي يتدخل لدى الإدارة المعنية بالتنفيذ لحملها على الرضوخ لقوة الشيء المقضي به داخل أجل معين تحت طائلة تحرير تقرير خاص ينشر في الجريدة الرسمية ويتم الإعلان عنه للعموم، وفي فرض الغرامة التهديدية في حق الإدارة الممتنعة عن التنفيذ ـ[2]ـ من طرف مجلس الدولة أو المحاكم الإدارية هذا فضلا عن إمكانية تغريم المسؤول عن الإدارة المعنية من طرف المحكمة المختصة بالشؤون المالية والميزانية، واعتبار الحكم الصادر بأداء مبلغ مالي بمثابة أمر بحوالة يقدم إلى أمين الحساب العام المختص الذي يقوم بتنفيذه بمجرد الإطلاع عليه إذا كان الأمر يتعلق بتنفيذه ضد الدولة وحتى إذا كان الحكم صادرا في مواجهة جماعة محلية، تحرر السلطة الوصية أمر رسميا بصرف المبلغ المحكوم به ويقيد بجدول ميزانية المصاريف تلقائيا.
وإذا كان المشرع المصري قد قرر جزاءات خاصة تحمل الإدارة على التنفيذ كتقريره للمسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ وتقرير مسئوليته الجنائية بموجب الفصل 123 ـ[3]ـ من قانون العقوبات المصري فضلا عن إثارة المسؤولية السياسية أمام مجلس الوزراء عن طريق تقديم رئيس مجلس الدولة سنويا لتقرير يتضمن ما أظهرته الأحكام والبحوث من نقص في التشريع أو غموض فيه وحالات إساءة استعمال السلطة التي تدخل فيها حالات الامتناع عن تنفيذ الأحكام أو تعطيلها.
وإذا كانت المحاكم الإدارية تعتبر محاكم عادية مندرجة في التنظيم القضائي للمملكة مع تخصصها في المادة الإدارية وأن القول بوحدة القضاء يعني توحيد المسطرة وبالتالي توحيد مسطرة التنفيذ وأن تنفيذ الأحكام الإدارية لذلك يخضع للقواعد العامة للتنفيذ كما هي منصوص عليها بقانون المسطرة المدنية فإنه بالرجوع إلى هاته المقتضيات القانونية نلاحظ غيابا تاما لوسائل التنفيذ الجبري للأحكام الصادرة ضد الإدارة.
وأمام هذا الفراغ التشريعي لم يبقى القاضي الإداري مكتوف الأيدي أمام استفحال ظاهرة امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها بل انطلاقا من دور القضاء الإداري كقانون قضائي يسعى إلى خلق القاعدة القانونية وتكريسا لدوره الخلاق والمبتــكر وانطلاقا من التفسير الواسع لأحكام المادة 7 من القانون 90.41 الذي ينص على تطبيق قواعد المسطرة المدنية ما لم يوجد نص مخالف اهتدى القاضي الإداري إلى بعض الوسائل المنصوص عليها بقانون المسطرة المدنية لحمل الإدارة على تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها كالغرامة التهديدية والحجز علاوة على وسيلتين أخرتين غير منصوص عليهما قانونا ويتعلق الأمر بالتنفيذ التلقائي ضد الإدارة في الحالة التي لا يستلزم تنفيذ الحكم أي تدخل من جانبها ـ[4]ـ وبالمساءلة الشخصية للمسؤول الإداري الرافض لتنفيذ الحكم المكتسب لقوة الشيء المقضي به وإذا كانت هاتين الوسيلتين الأخيرتين قد لقيتا حماسا كبيرا واستحسانا من لدن الفقه ـ[5]ـ فإن قرار المساءلة الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ لم يكتب له البقاء بعد إلغائه من طرف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وقد بقيت الوسيلة الأخرى المتعلقة بالتنفيذ المباشر يتيمة وحالة منفردة لم تتكرر بعد.
وما تجدر الإشارة به أن بعض هاته الوسائل المذكورة أعلاه ليست حديثة النشأة بل كانت موجودة بالعمل القضائي قبل إحداث المحاكم الإدارية وخصوصا الحجز التحفظي والحجز لدى الغير على المؤسسات العمومية وإذا كان بعض العمل القضائي ـ[6]ـ قبل إحداث المحاكم الإدارية قد هجر لأول مرة الاتجاه القضائي الكلاسيكي الذي كان يرفض إيقاع الحجز على أموال المؤسسات العمومية وأشخاص القانون العام لافتراض يسرها طبقا للفصل 138 من ق ل ع وخضوعها لقواعد المحاسبة وإن المجلس الأعلى وقبل دخول القانون المحدث للمحاكم الإدارية حيز التنفيذ لم يكن يجرؤ على تطبيقها ضد الإدارة إذ كان يكتفي بتسجيل الامتناع عن التنفيذ لتعتبره خرقا لقوانين التنظيم الأساسي والإجراءات القضائية التي باحترامها يحترم النظام العام ويعتبره أساسا للمطالبة بالإلغاء أو التعويض طبقا للقواعد العامة لكل منهما ـ[7]ـ.
وعلى هدى ما تقدم تتضح معالم هذا البحث كما يلي : سوف نتناوله في قسمين : القسم الأول سوف نعالج فيه مفهوم الغرامة التهديدية خصائصها ومبررات تحديدها في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها وما إذا كان يجوز تحديدها لمنطوق الحكم أم بعد تسجيل امتناع الإدارة عن التنفيذ ومبررات تحديدها بين الإدارة والمسؤول عن التنفيذ وبين أحكام الإلغاء وأحكام القضاء الشامل مع بيان الجهة المختصة لتحديدها والقواعد التي تحكم تصفيتها بين اعتبارها مستقلة ومنفصلة عن التعويض وبين إخضاعها في التصفية لأهمية الضرر ونوعه ومداه.
والقسم الثاني : نتحدث فيه عن إمكانية قابلية أموال الدولة للحجز لضمان تنفيذ الأحكام الإدارية ومفهوم الأموال العامة للدولة ومعيار التفرقة بين الأموال العامة والأموال الخاصة للدولة وموقف القضاء من الحجز والحجز لدى الغير في مواجهة الإدارة والمؤسسات والمرافق التابعة لها. مع الإستدلال بتطبيقات عملية في الموضوع نخلص في النهاية إلى القول بضرورة تدخل تشريعي لمقاومة ظاهرة امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها بتقرير المسؤولية المدنية والتأديبية والجنائية للموظف الذي يحول دون تنفيذ تلك الأحكام.
القســــــم الأول
الغرامة التهديدية والقواعد التي تحكـــم تطبيقـــها أمام القضاء الإداري
تعتبر الغرامة التهديدية وسيلة غير مباشرة لتنفيذ الأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به وكذا وسيلة لحمل الإدارة على تنفيذ تلك الأحكام، والقاضي الإداري وهو يقوم بتوقيع الغرامة التهديدية ضد الإدارة لا يعتبر تدخلا منه ضد الإدارة ولا هو يحل محلها في شيء ولا يمس في ذلك الفصل بين السلط، ولكنه لا يفعل سوى أن يذكر الإدارة بالتزاماتها الأساسية المتمثلة في احترام مضمون قوة الشيء المقضي به مع إلباس هذا التذكير ثوب التحذير الرسمي وهو التهديد بجزاء مالي فما هو مفهوم الغرامة التهديدية وما هي خصائصها ومبررات تحديدها من طرف القضاء الإداري على ضوء قانون إحداث المحاكم الإدارية والقواعد العامة للمسطرة المدنية. وما هو موقف المشرع الفرنسي منها وهل تحدد بمنطوق الحكم أم بعد تسجيل امتناع الإدارة عن التنفيذ ومن هو الشخص المعني بتحديدها الإدارة أم المسؤول عن التنفيذ وهل تحدد من طرف القضاء الإداري في غيبة الأطراف بناء على الفصل 184 من ق. م . م أم بشكل تواجهي وما هو موقف القضاء الإداري منها بين دعاوي الإلغاء و دعاوى القضاء الشامل ؟ وما هي الجهة المختصة لتحديدها وتصفيتها بين القضاء العادي والإداري ؟ هاته مجموعة من التساؤلات سنحاول من خلال هذا الموضوع الإجابة عنها تباعا.
مفهوم الغرامة التهديدية وخصائصها :
إن الغرامة التهديدية وسيلة قانونية منحها المشرع بمقتضى المادة 448 من قانون المسطرة المدنية للدائن لتمكينه من الحصول على التنفيذ العيني متى كان الأمر يتعلق بالقيام بعمل أو بالإمتناع عنه لصيق بشخص المنفذ عليه، ممكن وجائز قانونا وتلزم إرادته في تنفيذه ولا تسعف فيه إجراءات التنفيذ الجبري ومن خصائص الغرامة التهديدية أنها تهديدية وتحذيرية وتحكمية ولا يقضى بها إلا بناء على طلب.
وهي تهديدية تحذيرية لكونها تنبه المحكوم عليه إلى الجزاءات المالية التي سوف يتعرض لها إن هو استمر في مقاومة تنفيذ الحكم الصادر ضده وهي تحذر المحكوم عليه إلى الالتزامات المالية التي سوف تثقل عاتقه في حالة امتناعه عن تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به وتتميز بكونها تحكمية يؤخذ في تحديدها مدى تعنت المدين في تنفيذ التزامه الوارد بمنطوق الحكم المعني بالتنفيذ ومن جملة خصائصها أنه لا يقضى بها تلقائيا بل بناء على المطالبة القضائية لصاحب الشأن وهي تنقلب في نهاية الأمر إلى تعويض يحدد تبعا لطبيعة الضرر وأهميته ومداه الناتج عن الامتناع عن التنفيذ مع الأخذ بعين الإعتبار تعنت المدين.
هاته هي الغرامة التهديدية وخصائصها، فماهي مبررات تحديدها من طرف القضاء الإداري ؟
مبررات تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة أو المسؤول عن التنفيذ على ضوء قانون إحداث المحاكم الإدارية 90 ـ 41 والقواعد العامة للمسطرة المدنية
بمراجعة القانون المحدث للمحاكم الإدارية لا نجده ينص على مقتضيات خاصة لمواجهة امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها لذا فالمرجع القانوني في حل الإشكال المطروح هو المادة السابعة من القانون رقم 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية التي تحيل مقتضياتها على قواعد المسطرة المدنية.
لذا فالقاضي الإداري المغربي يعتمد في فرض الغرامة التهديدية على نظام وحدة القضاء من جهة التي تقتضي تطبيق قواعد المسطرة المدنية على المنازعات الإدارية والمدنية على حد سواء ذلك أن وحدة مسطرة التقاضي تؤدي منطقيا إلى وحدة مسطرة التنفيذ خصوصا وأن المحاكم الإدارية تعتبر محاكم عادية مندرجة من النظام القضائي للمملكة مع تخصصها في المادة الإدارية. ومن جهة أخرى، بالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون 90.41 نجده ينص في الباب الثالث المتعلق بالقواعد العامة للتنفيذ من خلال الفصل 448 على الغرامة التهديدية كوسيلة من وسائل إجبار المحكوم عليه على التنفيذ في غياب أي نص قانوني يستثني الإدارة من هاته الوسيلة. والملاحظ أن كلمة المنفذ عليه الواردة بالفصل المذكور جاءت عامة مما يعني جواز تحديدها سواء ضد أشخاص القانون العام أو الخاص كلما تعلق الأمر بامتناع عن تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به، لذلك فكلما تعلق الأمر بالقيام بعمل أو بالامتناع عنه جائز وممكن ولا تعسف فيه وسائل التنفيذ الجبري متوقف على إرادة المحكوم عليه جاز تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة أو المسؤول عن التنفيذ خصوصا وأنه لا يوجد نص مخالف لذلك.
وأن هاته المبررات القانونية هي التي استقر عليها العمل القضائي الإداري في تحديد الغرامة التهديدية ( أنظر في هذا الشأن حكم ورثة لعشيري ـ[1]ـ موضوع تعليق من طرف ذ. آمال المشرفي ـ[2] ـ حكم المحكمة الإدارية بوجدة ـ[3]ـ
الغرامة التهديدية في التشريع الفرنسي :
إن القضاء الإداري الفرنسي قبل قانون 16 يونيو 1980 لم يجرء على تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به بناء على كونه لا يستطيع أن يحل محل الإدارة أو أن يصدر لها أوامر بعمل شيء أو بالإمتناع عنه أو ما يرغمها على ذلك تحت التهديد المالي بحجة احترام مبدأ الفصل بين السلطات وهذا هو الاتجاه المعمول به في العمل القضائي المغربي قبل دخول قانـــون إحــداث المحــاكم الإدارية حيز التطبيق ـ[4]ـ.
وقد قرر مجلس الدولة في العديد من أحكامه أنه ” بالنسبة للطلبات التي تهدف إلى تحديد الغرامة التهديدية فإنه لا يختص بتحديدها حكمه في 20 يولــيوز 1913 فــي قضيde la curtine commune وإذا حدث وأن صدرت أحكام عن المحاكم الإدارية بهذا المعنى كان مجلس الدولة يلغـيها بلا رحمة، قضيةGas de pesnas .
لكن بصدور القانون رقم : 539/80 بتاريخ 16 يوليوز 1980 أجازت مواده من الثانية إلى السادسة للقاضي الإداري أن يقضي بغرامات تهديدية ضد الأشخاص المعنوية العامة لضمان تنفيذ الأحكام في مواجهتها وبخصوص تحديد شروط وقواعد الحكم بالغرامة التهديدية تنص المادة الثانية من القانون على أنه في حالة عدم تنفيذ حكم صادر من جهة الإدارة فإن لمجلس الدولة ولو من تلقاء نفسه أن يقضي بغرامة تهديدية ضد الأشخاص المعنوية للقانون العام لضمان تنفيذ هذا الحكم إذن وعلى ضوء التشريع الفرنسي هناك شرطان للحكم بالغرامة التهديدية أولهما أنه لا يحكم بالغرامة التهديدية إلا في حالة تسجيل امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم القابل للتنفيذ ومن هنا فالقاضي الإداري لا يمكنه إصدار الغرامة التهديدية مع الحكم في الموضوع وهو لا يلتجأ إلى استعمال هذه السلطة إلا بعد الحكم بعد أن يثبت له امتناع الإدارة عن التنفيذ وقد قصد المشرع من وراء ذلك أن يترك فرصة للإدارة قبل استخدام هذا الأسلوب الإكراهي ضدها. وثانيهما أنه لايمكن أن يقضى بها إلا من طرف مجلس الدولة فقط ولم يخول القانون سلطة توقيعها لجهة قضائية غيره.
وينص الفصل الرابع من القانون الفرنسي بخصوص تصفية الغرامة التهديدية أنه ” في حالة عدم التنفيذ الكلي أو التنفيذ الناقص أو المتأخر يقوم مجلس الدولة بتصفية وتحديد الغرامة التهديدية التي سبق له أن أ صدرها “، وتتضمن المواد من 4 إلى 6 كيفية تصفية تلك الغرامة بقولها “فيما عدا الحالة التي يثبت فيها أن عدم تنفيذ الحكم يرجع لقوة قاهرة أو حادث فجائي فإن مجلس الدولة عند تسويته للغرامة النهائية لا يمكنه تعديلها” وفي هاته الحالة يبقى دور القاضي بسيطا تماما في حالة تسوية الغرامة التهديدية إذا كان قد حددها بمبلغ نهائي وهو لا يزيد عن إجراء عملية حسابية وهو ما يعطي للغرامة التهديدية طابعها الإكراهي والتهديدي لحث الإدارة على التنفيذ خصوصا إذا كانت محددة في مبلــغ مرتفع، وفي هاته الحالة وبالنظر لما يترتب عن تصفيتها بالشكل الآنف الذكر من إثراء بدون سبب قرر قانون 16 يوليوز 1980 كحل وسط في هذا الميدان من خلال الفصل 5 منه أن لمجلس الدولة أن يقرر أن جزءا من الغرامة يعطى للمحكوم له ويمنح الباقي لصندوق تجهيز الهيئات المحلية.
هل يجوز تحديد الغرامة التهديدية بمنطوق الحكم أم بعد تسجيل امتناع الإدارة عن التنفيذ
هل يشترط في تحديد الغرامة التهديدية أولا صدور حكم في مواجهة الإدارة بالقيام بعمل أو الامتناع عنه وتسجيل امتناعها عن تنفيذه ثانية، أم يجوز تحديد تلك الغرامة بمنطوق الحكم متى تعلق الأمر بعمل أو بالامتناع عنه لصيق بشخصية المنفذ عليه ولا تسعف فيه وسائل التنفيذ الجبري ؟
قد تكون الغرامة التهديدية وسيلة تابعة لامتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به وكجزاء لتقاعس الإدارة عن تنفيذ حكم صادر ضدها، ومن هنا فالمعني بالأمر الذي يصطدم الحكم الصادر ضده بامتناع الإدارة عن تنفيذه يمكنه اللجوء مجددا للقضاء الإداري في إطار المسطرة القضائية المنصوص عليها قانونا للمطالبة بالحكم على الإدارة الممتنعة عن التنفيذ بالغرامة التهديدية لحملها على التنفيذ بعد أن تثبت هذا الامتناع بالوسائل القانونية لذلك فالغرامة التهديدية هنا تكون لاحقة على الحكم الأصلي لضمان تنفيذه بعد ثبوت امتناعها أو تماطلها في التنفيذ.
لكن سار العمل القضائي بمختلف المحاكم الإدارية ( أنظر بهذا الخصوص الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية بوجدة ـ[5]ـ على تحديد الغرامة التهديدية في منطوق الحكم الذي أصدره وأن مجموع هاته الأحكام صدر الأمر فيها بإيقاف الأشغال تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها …… عن كل يوم تأخير عن التنفيذ.
وفي هاته الحالة لم يقرر القاضي الإداري الغرامة التهديدية لمواجهة رفض التنفيذ الحاصل فعلا ولم ينظر واقع عدم التنفيذ للحكم بالغرامة التهديدية بل إن الأمر يتعلق باحتمال وقوع امتناع عن التنفيذ فالقاضي هنا يتحسب لاصطدام حكمه بمقاومة الإدارة وامتناعها عن التنفيذ. وتفرض الغرامة التهديدية كوسيلة احتياطية وسابقة لضمان التنفيذ وهاته الوسيلة التهديدية و الإكراهية يستعملها القاضي ليبين للإدارة ما سوف يتعرض له من جزاءات مالية في حالة امتناعها عن التنفيذ، مؤدى ذلك، فتحديد الغرامة التهديدية بمنطوق الحكم وبمعزل عن تسجيل الامتناع عن التنفيذ أمر جائز مادام أنه لا وجود لأي نص يمنعه والغاية من تحديد تلك الغرامة التهديدية التي تعتبر ملازمة لمنطوق الحكم وأحد عناصره الأساسية أنها تحذر الإدارة من بالإلتزامات المالية التي سوف تتحملها إن هي امتنعت عن التنفيذ وهي وسيلة فعلية وذات أهمية لكونها تضمن التنفيذ بشكل سريع وتغني عن اللجوء مجددا للقضاء للمطالبة بتحديد الغرامة التهديدية في إطار المسطرة الإجرائية وهذه الوسيلة كما يقول : ذ. أمال المشرفي بمناسبة تعليقه على حكم إدارية وجدة. بالملف الإستعجالي عدد 28/98 الذي حدد الغرامة التهديدية بمنطوقه : ” تضفى فعالية ملموسة على الحكم القضائي وعلى هيبة القضاء الإداري وبالتالي يعطي مدلوله الحقيقي لمبدأ قوة الشيء المقضي به الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى تعزيز دافعه لدولة الحق والقانون “.
إذن نخلص مما ذكر أنه يمكن استعمال الغرامة التهديدية كوسيلة لاحقة على التنفيذ أو كوسيلة سابقة عليه و هاته الأخيرة تعتبر عملية وفعلية وذات أهمية كبرى.
تحديد الغرامة التهديدية بين الإدارة والمسؤول عن التنفيذ :
تنص مقتضيات الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية بما يلي : ” إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف إلتزاما بالإمتناع عن عمل أثبته عون التنفيذ ذلك في محضره وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية “.
إن القراءة الأولية لنص المادة أعلاه في ضوء صياغته القانونية توحي بأن المخاطب بإجراءات تنفيذ الأحكام الإدارية هو الشخص المعنوي العام دون الخاص الذي يبقى مخاطبا بتنفيذ الأحكام العادية الصادرة في إطار القانون الخاص. ولكن أمام عمومية لفظة المنفذ عليه التي تحوي كلا من أشخاص القانون العام والخاص هل تسعف في القول بإمكانية تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الموظف المسؤول عن التنفيذ إذا ما تعلق الأمر بتنفيذ حكم في مواجهة الشخص المعنوي العام.
وأول مبادرة جريئة وشجاعة في العمل القضائي الإداري المغربي ذهبت في هذا المنحى وأجازت تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة المسؤول عن تنفيذ الحكم الإداري هو الحكم الصادر عن إدارية مكناس ـ[6]ـ وقد جاء في تعليله أن قانون المسطرة المدنية المطبق أمام المحاكم الإدارية يشير بأن التنفيذ الجبري للأحكام إلى الغرامة التهديدية كوسيلة من وسائل إجبار المحكوم عليه على التنفيذ ولما لم يستثن المشرع أي طرف محكوم عليه من هذه الوسيلة فإنه لاشيء يمنع من إقرار الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة أو المسؤول الإداري نتيجة امتناعهما غير المبرر عن التنفيذ وانتهى الحكم في النهاية إلى تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة المدعى عليه شخصيا وليس بوصفه شخصا من أشخاص القانون العام. وقد تعلق الأمر في هاته النازلة بامتناع رئيس المجلس من تنفيذ حكم بإلغاء قرار العزل من وظيفة جماعية ومن التخلي عن القرار الملغى وإرجاع الطاعن إلى وظيفته وتسوية وضعيته الإدارية وقد أعطى هذا الحكم مفهوما جديدا للمنفذ عليه المعني بتحديد الغرامة التهديدية وتوسع في مجال تطبيق تلك الغرامة ليحددها في النهاية في مواجهة المسؤول عن التنفيذ تسعفه في ذلك القواعد العامة للقانون العام والقضاء الإداري كقانون قضائي يعتبر فيه القاضي الإداري فاعل أساسي في المجال الإداري وصانع رئيسي للقواعد الإدارية و المبادئ القانونية ومبتكر للحلول القضائية على ضوء التفسير الملائم للقواعد القانونية لغاية إيجاد الحلول الناجعة لسد كل فراغ تشريعي في سبيل صيانة الحقوق والحريات لترسيخ دولة الحق والقانون.
وقد عمد القاضي الإداري المغربي في هاته النازلة إلى تطبيق فكرة المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ التي نادى بها فقهاء القانون العام في فرنسا، فقد كان للعميد هوريو فضل كبير في صياغة نظرية الخطأ الشخصي للموظف المسؤول عن عدم تنفيذ الشيء المقضي به ضد الإدارة بــمناســبة تعليقه على حكم Fabregues وحكم Delle Manrot حيث قال ” إننا انشغلنا أكثر من اللازم بالمسؤولين عن خطإ المرفق فقط دون أن نعطي الاهتمام الكافي للمسؤولية الشخصية للموظفين وقد حان الوقت للنظر إلى هذا الجانب الذي له فائدته هو أيضا والذي يكمن بصفة خاصة أن تقدم جزاء لكل الأحكام الصادرة ضد الإدارة لأنه بالنسبة لرجل الإدارة المسؤول عن عدم تنفيذ الشيء المقضي به ضد الإدارة فإن طرق التنفيذ العادية يمكن استخدامها “. وموقف العميد هوريو من تنفيذ الإدارة للأحكام الصادرة ضدها يتلخص في مبدأ عام مؤداه أنه عندما يقضى ضد الإدارة بحكم نهائي فإن الموظف المسؤول عن تنفيذ هذا الحكم يرتكب خطأ شخصيا إذا امتنع عن تنفيذه ويسأل في ماله الخاص.
وقد نادى العميد ديجي أيضا بالمسؤولية الشخصية للموظفين باعتبارها الوسيلة الناجعة لضمان تنفيذ الشيء المقضي به بقوله : ” إنه من المفترض أن كل حكم مطبق للقانون أو كل قانون يجد أساسه في المرفق العام نفسه ومن ثم فإن الموظف بتجاهله حكم القاضي يتجاهل قانون المرفق نفسه ويرتكب بذلك خطأ شخصيا “.
كما قرر جيز:” إن الموظفين الذين يقع على عاتقهم تنفيذ الشيء المقضي به ويرفضون دون سبب مشروع القيام به يرتكبون خطأ شخصيا يرتب مسئوليتهم ” ويرى فيدل :” إن الوسيلة الجدرية الوحيدة الجديرة بالدولة القانونية هي بلا شك الانعقاد التلقائي للمسؤولية المالية للموظف المــسؤول عن عدم تنفيذ الحكم القضائي”.
وقد تبنى مجلس الدولة المصري فكرة المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ ـ[7]ـ جاء فيه :” إن امتناع الوزير عن تنفيذ الحكم ينطوي على مخالفة قانونية لمبدإ أساسي وأصل من الأصول القانونية تمليه الطمأنينة العامة وتقضي به ضرورة استقرار الحقوق والروابط الاجتماعية استقرارا ثابتا ولذلك تعتبر المخالفة القانونية في هاته الحالة خطيرة وجسيمة لما تنطوي عليه من خروج سافر على القوانين فهي عمل غير مشروع ويعاقب عليه قانونا ومن ثم وجب اعتبار خطأ الوزير خطأ شخصيا يستوجب مسؤوليته “.
وقد ذهبت محكمة القضاء الإداري بمصرـ[8]ـ بمناسبة امتناع أحد الوزراء عن تنفيذ أحكامها إلى القول بأن بالإمتناع عن تنفيذ الحكم في أي صورة من الصور يشكل خطأ مصلحيا وخطأ شخصيا في نفس الوقت وصاحب الشأن كما يستطيع أن يرفع دعواه على الإدارة أو على الموظف يمكنه أن يرفعها عليهما معا وجاء في حكمـهـا ما يلي : “إن ذات الفعل أو الترك قد يكون خطأ شخصيا وخطأ مصلحيا في الوقت ذاته إذ يعد الخطأ الشخصي متى وقع من الموظف أثناء تأديته لوظيفته أو بمناسبة تأديتها دليلا على خطأ مصلحي تسأل عنه الحكومة لإهمالها في الرقابة والإشراف على موظفيها وعلى ذلك ليس في القانون ما يمنع من قيام مسؤولية الحكومة عن خطئها المصلحي المستقل بجانب مسؤولية الموظف عن خطئه الشخصي ولا يمنع أيضا طالب التعويض من أن يجمع بين المسؤولتين معا في قضية واحدة.
وفكرة المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ التي نادى به حكم إدارية مكناس السالف الذكر تعتبر ضامنا حقيقيا لتنفيذ الأحكام الإدارية الحائز ة لقوة الشيء المقضي به ذلك أن الموظف الذي سوف يدرك أنه معرض للحكم عليه بالغرامة التهديدية التي تنقلب إلى تعويض في نهاية الأمر وبخطورة الفعل الغير المشروع المرتكب من جانبه وبالتالي لن يستهين بقوة الشيء المقضي به للأحكام الإدارية وتعمل على تنفيذها، أما إذا ظل لديه إحساس بأنه مغطى بنوع معين من الحصانة وأنه في حماية الآلية الإدارية التي يعمل في ظلها فإنه سيسخر ويستهين بقوة الشيء المقضي به دون أن يكون معرضا لأي عقاب وهذا الجزاء سوف يكون له أثر مانع من عرقلة عملية تنفيذ الأحكام الإدارية.
وإذا كانت فكرة المسؤولية الشخصية للموظف قد لقيت حماسا كبيرا من طرف الفقه الإداري المغربي ـ[9]ـ فإن هذا الحماس وهذا التطور الإيجابي الذي هجر فيه القاضي الإداري القاعدة الكلاسيكية التي سار عليها المجلس الأعلى والتي تنص على أن موقف الإدارة السلبي من التنفيذ تعتبر قرارا سلبيا يشكل أساسا لدعوى الإلغاء أو دعوى التعويض وهو اتجاه غير مرغوب فيه، فقد اصطدم ذلك الحماس بموقف المجلس الأعلى الذي رفض فكرة الغرامة التهديدية في مواجهة المسؤول عن تنفيذ حكم الإلغاء. وقد قرر وهو يلغي حكم إدارية مكناس ـ[10]ـ.
” إنه إذا كانت الجماعة القروية التي ألغي قرارها بعزل الطاعن المذكور قد امتنعت عن تنفيذ الحكم المذكور رغم سلوك المعني بالأمر الإجراءات المسطرية لحملها على التنفيذ فإنه لا يمكن إجبارها على التنفيذ عن طريق الغرامة التهديدية مادام القضاء الإداري قد اقتصر على إلغاء قرارها الذي اعتبره متسما بالشطط في استعمال السلطة فيبقى أمام المعني بالأمر اللجوء إلى القضاء الإداري بعد الإدلاء بمحضر بالإمتناع عن التنفيذ لطلب التعويض عن الأضرار الناتجة عن هذا التصرف بخصوص نشاطات أشخاص القانون العام التي من شأنها الإضرار بمصالح الخواص “.
ولعل المجلس الأعلى في قراره هذا يميز بين تحديد الغرامة التهديدية بخصوص أحكام الإلغاء بالشطط في استعمال السلطة وأحكام القضاء الشامل.
ولعله أيضا يسحب الاعتراف للمحاكم الإدارية في فرض الغرامة التهديدية رجوعا منه إلى القاعدة التقليدية القائمة على اعتبار دعوى التعويض هي الوسيلة الوحيدة لمعالجة ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الإدارية انطلاقا من مبدإ احترام استقلال الإدارة لعدم توجيه الأوامر إليها في إطار مبدإ الفصل بين السلط.
ونعتقد أنه لامبرر للتمييز بين أحكام دعاوى الإلغاء وأحكام القضاء الشامل فيما يخص تحديد الغرامة التهديدية مادام أن النتيجة واحدة وهي امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها، وتعلق التنفيذ بإرادتها المنفردة دون إمكانية للتنفيذ الجبري وسوف نعود لمناقشة هذا الموضوع بمناسبة التطرق للغرامة التهديدية بين دعوى الإلغاء والقضاء الشامل.
كما أن مبدأ الفصل بين السلطات المبني عليه قرار المجلس الأعلى المذكور وما يستتبعه من استقلال الإدارة لا يتخذ إلا ليضمن للموظفين العموميين حرية الحركة والتصرف وليس عد م الالتزام بقوة الشيء المقضي به.
وإذا كان حكم إدارية مكناس المعلن لأول مرة في تاريخ القضاء الإداري المغربي للمسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ يشكل قفزة نوعية في اتجاه تطوير القضاء الإداري ببلادنا فإن مجموعة من التساؤلات تثار حوله بخصوص مسألة الإختصاص.
فإذا كانت المسؤولية الشخصية للموظف لا تدخل ضمن حالة الإختصاص النوعي الوارد بالفصل 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، وإذا كان تحديد تلك الغرامة في مواجهة المسؤول عن التنفيذ باعتباره مرتكبا لخطأ شخصي سوف تؤول في النهاية إلى تعويض تبقى الجهة المختصة بتصفية التعويض في إطار طبيعة الضرر وأهميته ومداه هي محكمة القضاء العادي وليست الإداري فهل كان القضاء الإداري في شخص قاضي المستعجلات مختص بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة أشخاص القانون الخاص المدعي بوصفه من أشخاص القانون الخاص والمدعى عليه بوصفه الشخص المرتكب لخطإ شخصي ؟ وهل تكون المحكمة الإدارية لاحقا مختصة بتصفية تلك الغرامة التهديدية أمام عدم وجود نص خاص يخولها الحق في تعويض المتضرر عن الأخطاء الشخصية ؟ هاته الإشكالية سوف نتناولها بمناسبة مناقشة الجهة المختصة بتحديد الغرامة التهديدية وتصفيتها.
الغرامة التهديدية بين امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام الإلغاء لتجاوز السلطة وأحكام القضاء الشامل :
ذهب المجلس الأعلى في قراره عدد : 935 الصادر بتاريخ 11/3/99 وهو يلغي حكم إدارية مكناس القاضي بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة رئيس جماعة تونفيت شخصيا لامتناعه من تنفيذ الحكم القاضي بإلغاء قرار العزل وإرجاع الموظف الطاعن إلى عمله إلى القول بما معناه أنه لا يمكن إجبار الإدارة على تنفيذ حكم الإلغاء عن طريق الغرامة التهديدية مادام أن القضاء الإداري قد اقتصر على إلغاء قراره الذي اعتبره شططا في استعمال السلطة وأنه يبقى أمام المعني بالأمر الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري لطلب التعويض عن الأضرار الناتجة عن الضرر من جراء عدم التنفيذ.
وفي قرار لاحقا ـ[11]ـ، أيد الأمر الإستعجالي الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة تحت عدد 13/98 القاضي بإيقاف أشغال البناء تحت طائلة غرامة تهديديه وقد تبنى في ذلك نفس العلل التي تواتر اجتهاده على الأخذ بها بخصوص دعاوى القضاء الشامل وهي أن الإجبار على تنفيذ الأمر المستأنف بواسطة الغرامة لا يوجد ما يمنع تطبيقه في مواجهة الإدارة وفقا للفصل 448 من قانون المسطرة المدنية الذي تحيل عليه مقتضيات المادة 7 من القانون رقم 90.41.
والمجلس الأعلى وهو يلغي الحكم المذكور لم يتناول في حكمه مدى إمكانية تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الشخص الممتنع عن التنفيذ باعتباره مرتكبا لخطإ شخصي ولم يتطرق إلى مسألة اختصاص رئيس المحكمة بتحديد الغرامة التهديدية ضد الشخص الذاتي لفائدة شخص من أشخاص القانون الخاص. بل استبعد هاته الوسيلة كلها من دعوى الإلغاء وهو بذلك يكون قد تراجع عن المكسب القضائي الذي نادى به حكم إدارية مكناس، ورجع إلى قاعدته الأصلية التي تقضي بأن الامتناع عن تنفيذ الإدارة لا يرتب سوى المطالبة بالتعويض.
والملاحظ أن المجلس الأعلى من خلال القرارين السالفي الذكر يميز في تحديد الغرامة التهديدية بين امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام الإلغاء الحائزة لقوة الشيء المقضي به ومثيلتها الصادرة في إطار القضاء الشامل ويجيز تحديد الغرامة التهديدية بشأن امتناع الإدارة عن تنفيذ هاته الأحكام الأخيرة دون مثيلتها الأولى، فهل هناك من مبرر للقول بهاته التفرقة ؟ إن المجلس الأعلى وهو يحدد الغرامة التهديدية بشأن أحكام القضاء الشامل يعلل ذلك بقولـه أن الإجبار على تنفيذ الأمر المستأنف بواسطة الغرامة التهديدية لا يوجد ما يمنع تطبيقه في مواجهة الإدارة وفق الفصل 448 من ق. م . م المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون 90.41.
إذن فما هو المانع الذي يمكن الاستناد عليه لعدم قبول تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة حينما تمتنع من تنفيذ أحكام الإلغاء. خصوصا وأنه لا يوجد أي نص صريح يمنع من ذلك وأن مبررات تحديد الغرامة التهديدية كما هي منصوص عليها بالفصل 448 من ق. م .م تشفع بذلك. إذ أن الأمر يتعلق بامتناع من تنفيذ الحكم القاضي بالإلغاء وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه وإن ذلك الامتناع لصيق بشخصية المحكوم عليه وتلزم إرادته في تنفيذه دونما إمكانية لإجباره على ذلك بواسطة وسائل التنفيذ الجبري المحددة بالباب الثالث من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بالتنفيذ الجبري للأحكام.
نعتقد أن نفس المبررات التي تدعو إلى تحديد الغرامة التهديدية في إطار القضاء الشامل المعتمدة من طرف المجلس هي نفسها المتاحة لأعمالها في إطار قضاء الإلغاء وأنه لا داعي للتفرقة بين الدعويين معا مادام أن وسائل التنفيذ الجبري لا تسعف في تنفيذ حكم الإلغاء.
وأن مبدأ الفصل بين السلطات وما يستتبعه من استقلال الإدارة وعدم توجيه أوامرها لم يتخذ إلا ليضمن للموظفين العموميين حرية الحركة وليس عدم الالتزام بقوة الشيء المقضي به. وإذا كان اتجاه حكم إدارية مكناس قد لقي حماسا لدى الفقه الإداري المغربي ويعتبر بحق تطورا إيجابيا يساير العمل القضائي المقارن بمصر وفرنسا كما سبق تناول ذلك ويعتبر مكسبا قضائيا للقضاء الإداري.
فقد تراجع المجلس عنه بدون تعليل مقنع وهو أجدر بالحماية. وقد كان حريا بالمجلس الأعلى مسايرة منه للفقه والقضاء المقارن أن يتبناه لما يترتب عنه من أثر موقف لامتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الإدارية ورد ظاهرة امتناع المسؤولين عن تنفيذ الأحكام الإدارية والاستهانة بها، ونتمنى استقبالا أن يعدل المجلس عن هذا الموقف كما فعل بخصوص نظرية الاعتداء المادي لردع كل تهاون أو استحقاق أو استهتار للأحكام الإدارية من طرف القائمين على تنفيذها، وإلا ما الفائدة من الحماية القضائية الجادة للمشروعية لحقوق وحريات المواطنين في إطار قضاء إداري عادل ومتطور وجاد في أحكامه واجتهاده إذا بقيت هاته الحماية نظرية لم تترجم على أرض الواقع بإيجاد الوسائل الناجعة لإجبار الإدارة على التنفيذ من خلال تقرير المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ وإلا ستذهب سدى جميع الجهود المبذولة حتى الآن لاستكمالها بناء صرح دولة الحق والقانون إذا لم تجد أحكامها الحامية لمشروعية المقررات الإدارية منفذا للتنفيذ.
الجهة المختصة بتحديد الغرامة التهديدية وتصفيتها
ينص الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون رقم : 90.41 بما معناه أنه إذا رفض المنفذ عليه تنفيذ منطوق الحكم القاضي بالقيام بعمل أو بالامتناع عنه أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره و أخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديديه والصياغة القانونية لهاته المادة توحي بأن رئيس المحكمة الإدارية هو المختص بإيقاع الغرامة التهديدية على الممتنع عن تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به الجاري تنفيذه في مواجهته ليس بوصفه قاضيا للمستعجلات، واختصاصه مشروط بتوافر حالة الاستعجال وعدم المساس بجوهر الحق ولكن بوصفه مختصا بنص القانون واستعمال كلمة ” الرئيس ” دون الإشارة إلى ” أو من ينيبه ” كذلك تطرح التساؤل حول ما إذا كان رئيس المحكمة الإدارية هو المختص الوحيد بفرض الغرامة التهديدية دون غيره باعتباره المشرف على عملية التنفيذ بمحكمته وصياغة الفقرة الأخيرة من المادة أعلاه التي تخول للرئيس تحديد الغرامة التهديدية بعد إخباره بالإمتناع عن التنفيذ من طرف العون المكلف بالتنفيذ تبعث على التساؤل حول ما إذا كان يجوز لرئيس المحكمة تحديد تلك الغرامة بصفة تلقائية و دونما طلب من المعني بالأمر. كما أن الصيغة التي ورد بها الفصل المذكور يؤخذ منها أن هاته الغرامة التهديدية تحدد في غيبة الأطراف بناء على أمر من رئيس المحكمة الإدارية في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية. غير أننا لا نعلم بوجود تطبيقات عملية لما ذكر ، وأن ما جرى به العمل القضائي الإداري عموما هو تحديدها بناء على طلب من المعني بالأمر في إطار مسطرة تواجهية استعجالية. وقد صدر عن رئيس المحكمة الإدارية بوجدة في هذا الشأن مجموعة من الأوامر في هذا الاتجاه في إطار الفصل 149 وما يليه من قانون المسطرة المدنية، وأيدت كلها من طرف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أنظر بهذا الخصوص ـ[12]ـ والأمر عدد 08/98 القاضي بإرجاع الماء إلى سكنى ميموني تحت طائلة غرامة تهديدية أيد من طرف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بالقرار عدد: 1080/98 بتاريخ 26/11/98 غير منشور كذلك.
والأمر عدد 13/98 القاضي بإيقاف أشغال البناء تحت طائلة غرامة تهديدية أيد بالقرار عدد : 453 صادر بتاريخ 22/ 04/99 غير منشور.
هل تجوز المطالبة بتحديد الغرامة التهديدية بناء على امتناع الإدارة عن التنفيذ أمام محكمة الموضوع :
بالفعل لقد صدر حكم عن المحكمة الإدارية بالرباط ـ[13]ـ يقضي بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة الممتنعة عن التنفيذ وما يهمنا في هذا الحكم الإشارة إليه هو أن الوكيل لقضائي أثار دفعا بعدم الإختصاص النوعي للبت في الطلب وقد كان موضوع حكم مستقل صادر بتاريخ : 06/03/97 قضى بانعقاد الإختصاص النوعي للمحكمة الإدارية كمحكمة موضوع، وقد أيد القرار من طرف الغرفة الإدارية في قرارها الصادر بتاريخ : 25/9/1997 بالملف عدد 1301، ويستفاد من ذلك أنه وكما تجوز المطالبة بتحديد الغرامة التهديدية أمام رئيس المحكمة الإدارية بشكل تواجهي بناء على الفصل 149 وما يليه من قانون المسطرة المدنية، تجوز كذلك المطالبة بتحديدها أمام محكمة الموضوع في إطار الضوابط القانونية المنصوص عليها بالفصل 3 من القانون 90.41 وقواعد المسطرة المدنية.
لكن هل يجوز المطالبة بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الشخص الذاتي بتقرير مسؤوليته الشخصية عن عدم تنفيذ الحكم الإداري أمام رئيس المحكمة الإدارية ونذكر هنا قضية عطاوي ضد رئيس جماعة تونفيت السالفة الذكر.
فهل استند رئيس المحكمة الإدارية وهو يحدد تلك الغرامة التهديدية إلى مقتضيات الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية باعتبار أنه مشرف على عملية تنفيذ الأحكام الإدارية ؟
وهل يجوز له ذلك حتى ولو تعلق الأمر بخطإ شخصي يرتب المسؤولية الشخصية للموظف في إطار قواعد القانون الخاص الذي لا تختص بالبت فيه المحاكم الإدارية.
نعتقد أن رئيس المحكمة بوصفه ذلك أو بصفته قاضيا للمستعجلات هو جزء من المحكمة ويستمد اختصاصه من اختصاصها وبالترتيب على ذلك فاختصاصه العام في إطار الفصل 148 أو في إطار الفصل 149 وما يليه من قانون المسطرة المدنية أو في إطار نصوص خاصة مرتبط وجودا وعدما بالاختصاص النوعي الشامل لمحكمة الموضوع وبالتالي لا يملك الإختصاص في إصدار أي إجراء أو أمر إلا إذا كان الحق المراد حمايته به مما تختص بالبت فيه نوعيا المحكمة الإدارية. وإعمالا لهذا المبدأ أو بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 8 من القانون 90.41 الذي يحدد الإختصاص النوعي للقضاء الإداري لا نجد به ما يشير لا تلميحا ولا تصريحا إلى اختصاص القضاء الإداري بالبت في المسؤولية الشخصية للموظفين وترتيب الآثار القانونية على ذلك بتحديد الأضرار الناتجة عنها.
لذلك وإذا كنا نعلم أن تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الشخص الممتنع عن التنفيذ على أساس خطأه الشخصي في ذلك تنقلب في النهاية إلى تعويض في إطار الضرر الناتج عنه وطبيعته وأهميته ومداه، فمن هي الجهة القضائية المختصة بتصفية تلك الغرامة التهديدية في شكل تعويض ؟ الجواب على ذلك لا يثير أي إشكال وتبقى جهة القضاء العادي هي المختصة نوعيا به دون المحكمة الإدارية وينتج عن ذلك أن تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الممتنع عن التنفيذ باعتباره مرتكبا لخطأ شخصي و أولويتها إلى تعويض لاحقا بتصفيتها يصطدم بالاختصاص النوعي للقضاء الإداري.
والأمر يزيد تعقيدا إذا كان الامتناع عن التنفيذ يشكل خطأ شخصيا وخطأ مصلحيا في الوقت ذاته.
إذ يعد خطأ شخصيا وخطأ مصلحيا في الوقت ذاته، إذ يعد خطأ شخصيا بامتناع الموظف المسؤول عن التنفيذ أو تهاونه في القيام بعملية التنفيذ، وخطأ مصلحيا لتهاون الإدارة في فرض الرقابة والإشراف على موظفيها فمت تكون الجهة القضائية المختصة بتحديد الغرامة التهديدية وتصفيتها في نهاية الأمر على شكل تعويض، هل القضاء الإداري أو القضاء العادي ؟ وهل الخطأ المرفقي يجر الخطأ الشخصي لأن القضاء الإداري ويتعقد الإختصاص بالبت في الدعوى إلى القضاء الإداري أم أن العكس هو الصحيح . خصوصا وأن مقتضيات المادة 18 من القانون 909.41 التي تنص على أن المحكمة العادية المرفوعة إليها الدعوى الأصلية التي تدخل في إطار اختصاصها النوعي تبقى مختصة أيضا في كل دعوى فرعية تهدف إلى الحكم على شخص من أشخاص القانون العام لاترفع هذا الإشكال على اعتبار أن الأمر في هاته الحالة لا يتعلق بطلب أصلي وطلب فرعي مترتب عنه بل بدعوى واحدة .
ونعتقد أن حل الإشكال المطروح لا يتأتى إلا بتدخل تشريعي صريح بمنح الإختصاص النوعي للمحاكم الإدارية بالبت في دعاوى التعويض الناتجة عن كل من الخطأ الشخصي للموظف والخطأ المرفقي لأشخاص القانون العام وقد نادى بهاته الفكرة باستمرار تفاديا للإشكال المطروح مجموعة من الفقهاء وعلى رأسهم د. ميشيل روسي في أكثر من مناسبة .
حول تصفية الغرامة التهديدية :
إذا كانت الغرامة التهديدية تعتبر وسيلة قانونية لحمل الإدارة على التنفيذ فكيف تتم تصفيتها بعد تسجيل امتناع المنفذ عليه على التنفيذ هل تصفى بإجراء عملية حسابية لمبلغ الغرامة المحدد لضربه في عدد الأيام المشمولة بالامتناع عن التنفيذ بشكل تسلب معه السلطة التقديرية للمحكمة باعتبار أن لها نظام خاص مستقل عن التعويض أم تصفي تلك الغرامة التهديدية في إطار الضرر المترتب عن عدم التنفيذ تبعا لحجمه وأهميته ونوعه ومداه.
لقد تواتر العمل القضائي واجتهاد المجلس الأعلى الغرفة المدنية على أن الغرامة التهديدية تصفى في شكل تعويض مدني بناء على الضرر وحجمه وأهميته ومداه بالنسبة للطالب ـ[14]ـ وهو يرتكز في ذلك على نفس المقتضيات القانونية المنصوص عليها بقانون المسطرة المدنية ف 448 منه. وقد ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة في نفس المنحنى بعد أن تقدم المدعي بطلب تعويض جزافي عن الأضرار الناتجة من جراء امتناع المجلس البلدي من تنفيذ أمر قضى عليه بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه تحت طائلة غرامة تهديدية، وقد ذهبت المحكمة إلى القول. بأن الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشي المقضى به يعتبر خطأ مرفقيا ويبرر المطالبة بتصفية الغرامة التهديدية في شكل تعويض بناء على الضرر وأهميته ومداه بالنسبة للطالب وأكدت هذا الاتجاه في نازلة أخرى حيث أمرت بإجراء خبرة لتحديد التعويض عن الأضرار الناتجة عن عدم تنفيذ حكم يقضي بإرجاع الماء في مواجهة المكتب الوطني للماء تحت طائلة غرامة تهديدية محددة في 500 درهم يوميا. وقد ذهبت في نفس المنحى المحكمة الإدارية بأكادير ـ[15]ـ بقولها ” حيث حدد القرار الاستعجالي مبلغ الغرامة التهديدية في درهم عن كل يوم تأخير… ونظرا لما للمحكمة من سلطة في تقدير التعويض المناسب فإنها تحدده في مبلغ 15000 درهم للغرامة التهديدية موضوع القرار أعلاه.
غير أن المحكمة الإدارية بفاس ذهبت في منحنى آخر ـ[16]ـ حيث اعتبرت أن الغرامة التهديدية تعتبر وسيلة لإكراه المدين على تنفيذ السند القضائي وليس هدفها التعويض عن الأضرار ولذلك اعتبرت أنه من الواجب فصلها عن التعويض وقد استنتجت ذلك من تنصيصات الفصل 448 من ق م م الذي ينص على تحديد الغرامة والمطالبة بالتعويض لذلك فهي تنفرد بوضع قانوني مميز ولا ينبغي أن تؤول إلى تعويض وقد كانت الغرامة التهديدية التي طالب المنفذ له بتصفيتها في إطار عملية حسابية خارج قواعد التعويض عن الضرر محددة في مبلغ 500 درهم يوميا وقد حددتها المحكمة من جديد في مبلغ 50 درهم يوميا معللة ذلك بأنه لا يوجد أي مانع قانوني يحول دون تدخل قضاء الموضوع لتحديد مبلغها من جديد متى كان الامتناع ناشئا في تاريخ لاحق لتاريخ السند المحدد لها وفي النهاية قامت المحكمة بعملية حسابية لتحكم على الجهة المعنية بالتنفيذ وهي وزارة الشبيبة والرياضة بالمبلغ الناتج عن التصفية [17]وقد تم تبني هذا الاتجاه بتأييده من طرف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى هذا وأن هذا المنحنى الجديد يثير مجموعة من التساؤلات منها كيف يمكن للمحكمة أن تمد رقابتها على تحديد الغرامة التهديدية المحكوم بها سابقا خارج وسائل الطعن في الأحكام أو إذا كان هذا الاتجاه من شأنه أن يجعل الغرامة التهديدية بالفعل وسيلة حقيقية لإجبار الإدارة على التنفيذ فهل أن الغرامة التهديدية تعتبر بالفعل ذات نظام خاص مستقل عن التعويض وكيف يكون الحل في حالة تقديم دعوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن عدم التنفيذ علاوة على طلب تصفيتها في إطار القواعد الواردة بالحكم المذكور ألا يعتبر ذلك من قبيل الازدواج في التعويض عن نفس الضرر.
ثم إن الاتجاه الأول الذي يقول بتصفية الغرامة التهديدية في شكل تعويض بناء على الضرر وأهميته ومداه يبعث على التساؤل التالي إذا كانت الغرامة التهديدية المحكوم بها 200 تصفى بناء على الضرر الناتج عن الخطأ المرفقي للإدارة الممتنعة عن التنفيذ وأهميته ومداه فما الجدوى من سلوك المسطرة اللازمة لتحديدها والمطالبة بتصفيتها مادام أن الاتجاه المذكور يخول اللجوء إلى القضاء مباشرة للمطالبة بالتعويض كذلك تبعا للضرر وأهميته ومداه انطلاقا من اعتبار امتناع الإدارة عن التنفيذ خطأ مرفقيا لذلك ومع إقرار هذا المنحنى يبقى أن تحديد الغرامة التهديدية أمرا زائد لافائدة من اللجوء إليه وأعتقد أنه يمكن الجمع بين الاتجاهين معا باعتبار أن الغرامة التهديدية المحكوم بها تصفى في شكل تعويض بناء على الضرر وأهميته ومداه مع اعتبار تلك الغرامة بالفعل وسيلة إكراه في إطار النظام الخاص بها والأخذ بعين الإعتبار في احتساب التعويض تعنت المنفذ عليه وإصراره على الامتناع عن التنفيذ كعنصر في احتساب التعويض. وكصرف مشدد للرفع من التعويض.
ويبقى الإشكال مطروحا أمام القضاء الإداري حول تصفية الغرامة التهديدية والقواعد التي تحكم هاته التصفية بين اعتبارها ذات نظام خاص مستقل عن التعويض وبين اعتبار تصفيتها في إطار الضرر وأهميته ومداه. وإذا كان المجلس الأعلى (الغرفة المدنية) وهو يطبق نفس المقتضيات القانونية المتعلقة بالغرامة التهديدية المنصوص عليها بقانون المسطرة المطبقة أمام المحاكم الإدارية في إطار الإحالة المنصوص عليها بالفصل 7 من القانون 90.41 وقد تواتر اجتهاده على اعتبار تصفيتها في شكل تعويض بناء على الضرر وحجمه ننتظر موقف نفس المجلس الأعلى من خلال الغرفة الإدارية حول الإشكال المطروح بين الأخذ بأحد الاتجاهين أو الجمع بينهما في صيغة جديدة.
ونخلص في نهاية الأمر إلى القول بأن تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به لا يعتبر وسيلة ملائمة وناجعة لإلزام الإدارة بتنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها لاعتبارين أساسيين :
أولهما : أن الإدارة إذا استمرت في امتناعها عن الوفاء بهذا الالتزام المالي فلا يتوفر القاضي على أية وسيلة أخرى يجبرها على التنفيذ إذ لا يجوز لـه سلوك طرق التنفيذ الجبري ضدها ومباشرة مسطرة الحجز على الأموال العمومية باعتبارها غير قابلة للحجز وبالتالي البيع القضائي.
وثانيهما : أن الغرامة التهديدية تنقلب في نهاية الأمر إلى تعويض وتنفيذ هذا التعويض في مواجهة الإدارة تعترضه عدة معوقات قانونية وواقعية تتمثل في الإجراءات المعقدة والمساطر الطويلة التي تحددها قواعد المحاسبة العمومية التي تستلزم تدخل عدة سلطات : الآمر بالصرف ـ المحاسب ـ مراقب التزامات ـ الخزينة العامة ، إضافة إلى ذلك فهاته المبالغ المالية تعتبر نفقات طارئة لاتدخل في الحسبان عند تحديد الميزانية والاعتمادات اللازم رصدها وأمام ضغط هذه الإكراهات المالية وتعقد المحاسبة المحيطة بالوفاء بالالتزامات المالية للإدارة تبقى الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة وسيلة غير ناجعة وغير كافية لمواجهة ظاهرة عدم تنفيذ الإدارة للأحكام الصادرة ضدها ويبقى الحل الأ مثل والناجع هو تقرير المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ، حتى تتأتى مواجهته بوسائل التنفيذ الجبرية المنصوص عليها بالباب الثالث من قانون المسطرة المدنية، وأمام رفض المجلس الأعلى لهاته الوسيلة المحمودة من خلال مقرره السالف الذكر القاضي بإلغاء حكم إدارية مكناس في قضية العطاوي.
يبقى حل الإشكال المطروح رهين بتدخل تشريعي يقرر المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ كمرحلة أولى تليه مسؤوليته التأديبية والجنائية كمرحلة ثانية.
القســــــــــم الثانـــــــي
وسيلة الحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيـــذ الأحكـــام القضائية الصادرة ضــــــدهـــــا
إذا كانت الأحكام القضائية الصادرة ضد الأفراد الحائزة لقوة الشيء المقضي به يتضمن في مواجهتهم إمكانية استخدام طرق التنفيذ الجبرية المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية كالحجز التحفظي والحجز التنفيذي وحجز ما للمدين لدى الغير والحجز العقاري، فان هاته الوسائل القانونية لا تجد لها تطبيقا الا في حالات خاصة حينها يكون الأمر يتعلق بمؤسسة عمومية ولما كانت المرافق العامة تحتاج في أدائها للخدمة المنوطة بها تحقيقا للصالح العام إلى أموالها العامة فقد كان من المتفق عليه أن المرفق العام يجب أن يحاط بكل الضمانات التي تمكنه من أداء خدماته بصورة مضطردة ومنتظمة لجمهور المنتفعين بها تحقيقا للنفع العام لذلك وتطبيقا لمبدأ عدم تعطل المرفق العام وعرقلته لا يجوز التنفيذ على الأموال اللازمة لسيره عن طريق مسطرة الحجز، لكن يقابل هذا الحضر مبدأ ضرورة تنفيذ الأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به احتراما لمبدأ المشروعية وسيادة القانون.
فالأحكام القضائية الإدارية ليست مجرد توصيات فقهية الغاية منها إثراء الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية بل انه بسبب ما يتضمنه من قوة الإلزام وحجية الشيء المقضي به، يتعين البحث عن الوسائل القانونية المتاحة للعمل على تنفيذها في مواجهة الإدارة لذلك سوف ينصب موضوع هذا البحث حول مدى إمكانية استخدام طرق التنفيذ العادية ضد الإدارة لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها وخاصة منها وسيلة الحجز وإذا كانت القاعدة المتفق عليها فقها وقضاء هي عدم قابلية الأموال العامة للدولة للحجز فهاته القاعدة ليست مطلقة ذلك ان الاتجاه الفقهي والعمل القضائي الحديث يميز دائما بين أموال الدولة اللازمة لسير المرفق وهاته لا تقبل الحجز والأموال الخاصة للدولة حيث يجيز توقيع الحجز عليها.
أما في المغرب فعلى الرغم من اعتراف القضاء بمبدأ قابلية الأموال العامة للحجز حفاظا على السير العادي لمرافقها فهذا لم يمنع بعض العمل القضائي من أعمال مسطرة الحجز على أموالها وخصوصا الخاصة منها.
وعليه سوف نتناول هذا الموضوع على الشكل التالي:
مفهوم الأموال العامة على ضوء القانون المقارن ومبدأ حضر طرف التنفيذ الجبري ضد الإدارة وعدم قابلية أموالها العامة للحجز ومبرراته الفقهية ومعيار التمييز بين الأموال العامة للدولة وأموالها الخاصة مع بيان أهمية التمييز والنتائج المرتبة عنه من حيث قابلية الأموال الخاصة بالحجز دون العامة. وتنتهي إلى ذكر بعض التطبيقات العملية التي عرفها العمل القضائي في هذا الميدان وخصوصا ما يتعلق بوسيلة الحجز لدى الغير.
1-مفهوم الأموال العامة للدولة في ضوء الفقه والقانون المقارن:
تمثل أموال الدولة العامة الوسيلة المادية التي تستعين بها الجهات الإدارية على ممارسة نشاطها خدمة للصالح العام ومن المجمع عليه فقها وقضاء ان المال العام للدولة هو كل شيء تملكه الدولة من عقار ومنقول أو أي شخص اعتباري عام يكون مخصصا للنفع العام بالفعل أو بمقتضى القانون، إذن يشترط في المال العام شرطان:أولهما ان يكون مملوكا للدولة أو أي شخص اعتباري عام بمثل المؤسسات والهيئات الإدارية وثانيهما ان يكون هذا المال مخصصا للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى القانون والتخصيص بالفعل معناه تخصيص المال لاستعمال الجمهور مباشرة أما التخصيص بالقانون فهو ان ينص القانون على اعتبار مال معين من الأموال العامة وحول مفهوم المال العام في القانون المقارن وخصائصه تنص المادة الثامنة من مرسوم القانون الفرنسي المؤرخ في 22/11/1790 على ان أموال الدولة لا يشكل ضمانا للدائنين.
وتنص المادة 9 من قانون 22 غشت 1791 على انه يحضر كل أنواع الحجز عامة على الأموال العامة للدولة وفي تعريفها لمفهوم أموال الدولة العام تنص المادة 87 من القانون المدني الفرنسي.
“تعتبر أموال عامة العقارات والمنقولات التي للدولة وللأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار الوزير المختص”.
وهو نفس التعريف الذي تبناه القانون المدني المصري بالمادة 78 منه لقوله بما معناه ان الأموال العامة للدولة هي العقارات والمنقولات التي تملكها الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة بالفعل أو بمقتضى القانون هذا هو المفهوم القانوني بشكل عام للأموال العامة للدولة التي لا يجوز استعمال طرق التنفيذ الجبرية حولها في مجال الأحكام الإدارية الصادرة ضد الإدارة فما هي المبررات الفقهية للحضر المذكور.
لقد حاول الكثيرون البحث عن أساس لمبدأ امتناع طرق التنفيذ الجبرية ضد الإدارة واهم الاتجاهات العامة بهذا الشأن تكمن فيما يلي:
أ-نظرية قرينة الشرف واليسر:
يقول أصحاب هاته النظرية انه إذا انعدمت طرق التنفيذ الجبرية ضد الإدارة التي تمنع من الحجز على أموالها العامة فلأنها توصف بالرجل الشريف الذي يفي بالتزاماته المالية ولكونه يعتبر دائما مليء الذمة ويعبر عن ذلك لافريير بقوله “ان دائن الدولة لن يكون بحاجة أصلا لاستخدام طرق التنفيذ ضدها طالما ان الدولة بحكم تعريفها مليئة الذمة وموسرة كما انه يجب النظر إليها دائما كرجل شريف.”
Traite de la juridiction administrative et des recours contentieux 1898 p347المقضى به يتضمن في مواجهتهم إمكانية استخدام طرف التنفيذ الجبرية المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية كالحجز التحفظي والحجز التنفيذي وحجز ما للمدين لدى الغير والحجز العقاري , فإن هاته الوسائل القانونية لا تجد لها تطبيقا إلا في حالات خاصة حينها يكون الأمر يتعلق بمؤسسة عمومية ولما كانت المرافق العامة تحتاج في أدائها للخدمة المنوطة بها تحقيقا للصالح العام إلى أموالها العامة فقد كان من المتفق عليه أن المرفق العام يجب أن يحاط بكل الضمانات التي تمكنه من أداء خدماته بصورة مضطرة ومنتظمة لجمهور المنتفعين بها تحقيقا للنفع العام لذلك وتطبيقا لمبدأ عدم تعطل المرفق العام وعرقلته لا يجوز التنفيذ على الأموال اللازمة لسيره عن طريق مسطرة الحجز , لكن يقابل هذا الحضر مبدأ ضرورة تنفيذ الأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضى به احتراما لمبدأ المشروعة وسيادة القانون .
فالأحكام القضائية الإدارية ليست مجرد توصيات فقهية الغاية منها إثراء الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية بل إنه بسبب ما يتضمنه من قوة الإلزام وحجية الشيء المقضي به، يتعين البحث عن الوسائل القانونية المتاحة للعمل على تنفيذها في مواجهة الإدارة لذلك سوف ينصب موضوع هذا البحث حول مدى إمكانية استخدام طرق التنفيذ العادية ضد الإدارة لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها وخاصة منها وسيلة الحجز وإذا كانت القاعدة المتفق عليها فقها وقضاء هي عدم قابلية الأموال العامة للدولة للحجز فهاته القاعدة ليست مطلقة ذلك أن الإتجاه الفقهي والعمل القضائي الحديث يميز دائما بين أموال الدولة اللازمة لسير المرفق و هاته لا تقبل الحجز والأموال الخاصة للدولة حيث يجيز توقيع الحجز عليهــا.
أما في المغرب فعلى الرغم من اعتراف القضاء بمبدأ عدم قابلية الأموال العامة للحجز حفاظا على السير العادي لمرافقها فهذا لم يمنع بعض العمل القضائي من أعمال مسطرة الحجز على أموالها وخصوصا الخاصة منها .
وعليه سوف نتناول هذا الموضوع على الشكل التالي :
مفهوم الأموال العامة على ضوء القانون المقارن ومبدأ حضر طرف التنفيذ الجبري ضد الإدارة وعدم قابلية أموالها العامة للحجز ومبرراته الفقهية ومعيار التمييز بين الأموال العامة للدولة وأموالها الخاصة مع بيان أهمية التمييز والنتائج المرتبة عنه من حيث قابلية الأموال الخاصة بالحجز دون العامة .
وننتهي إلى تناول الحجز التحفظي على العقارات المملوكة ملكية خاصة لأشخاص القانون العام ومدى قابليتها للحجز والحجز التنفيذي على الأموال غير اللازمة لسير المرفق العام ثم الحجز لدى الغير في مواجهة أشخاص القانون العام وخصوصا المؤسسات العمومية التي تودع أموالها في حسابات خاصة لدى الأبناك مع الوقوف على الأشكال المتعلق بمسطرة الإتفاق الودي حول مسألة تصحيح الحجز ومسطرة الحجز بناء على سند تنفيذي وبناء على أمر قضائي مع تبيان أوجه الخلاف بينهما. ونستعرض في ذلك كلا من موقف العمل القضائي واجتهاد المجلس الأعلى قبل دخول قانون المحكمة الإدارية حيز التنفيذ وموقف العمل القضائي بالمحاكم الإدارية والغرفة الإدارية ونلاحظ بداية أن الاتجاه القديم كان يقول بأن أموال المرافق العامة غير قابلة للحجز لما يفترض فيها من يسر وأن الحجز من شأنه تعطيل سيرها ولم يسر عكس هذا الاتجاه سوى القضاء الإستعجالي للمحكمة الإبتدائية بالرباط حسبما نعلم وأن المجلس الأعلى لدوره وخلال تلك المرحلة كان يعتبر عدم التنفيذ خرقا لقوانين التنظيم الأساسية والإجراءات القضائية وأن مثل هذا الخرق يمكن أن يكون أساسا لطلب الإلغاء أو طلب التعويض طبقا للقواعد العامة لكل منهما .
1ـ مفهوم الأموال العامة للدولة في ضوء الفقه والقانون المقارن :
تمثل أموال الدولة العامة الوسيلة المادية التي تستعين بها الجهات الإدارية على ممارسة نشاطها خدمة للصالح العام ومن المجمع عليه فقها وقضاء أن المال العام للدولة هو كل شيء تملكه الدولة من عقار ومنقول أو أي شخص اعتباري عام يكون مخصصا للنفع العام بالفعل أو بمقتضى القانون , إذن يشترط في المال العام شرطان : أولهما أن يكون مملوكا للدولة أو أي شخص اعتباري عام بمثل المؤسسات والهيئات الإدارية وثانيهما أن يكون هذا المال مخصصا للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى القانون والتخصيص بالفعل معناه تخصيص المال لاستعمال الجمهور مباشرة أما التخصيص بالقانون فهو أن ينص القانون على اعتبار ما ل معين من الأموال العامة وحول مفهوم المال العام في القانون المقارن وخصائصه تنص المادة الثامـــنة من مرسوم القانون الفرنسي المؤرخ في 22 /11 / 1790 على أن أموال الدولة لا يشكل ضمانا للدائنين .
و تنص المادة 9 من قانون 22 غشت 1791 على أنه يحضر كل أنواع الحجز عامة على الأموال العامة للدولة وفي تعريفها لمفهوم أموال الدولة العام تنص المادة 87 من القانون المدني الفرنسي.
” تعتبر أموال عامة العقارات والمنقولات التي للدولة وللأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار الوزير المختص ” .
وهو نفس التعريف الذي تبناه القانون المدني المصري بالمادة 78 منه لقوله بما معناه أن الأموال العامة للدولة هي العقارات والمنقولات التي تملكها الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة بالفعل أو بمقتضى القانون هذا هو المفهوم القانوني بشكل عام للأموال العامة للدولة التي لا يجوز استعمال طرف التنفيذ الجبرية حولها في مجال الأحكام الإدارية الصادرة ضد الإدارة فماهي المبررات الفقهية للحضر المذكور .
لقد حاول الكثيرون البحث عن أساس لمبدإ امتناع طرف التنفيذ الجبرية ضد الإدارة وأهم الاتجاهات العامة بهذا الشأن تكمن فيما يلي :
أـ نظرية قرينة الشرف واليسر :
يقول أصحاب هاته النظرية إنه إذا انعدمت طرق التنفيذ الجبري ضد الإدارة التي تمنع من الحجز على أموالها العامة فإنها توصف بالرجل الشريف الذي يفي بالتزاماته المالية ولكونه يعتبر دائما مليء الذمة ويعبر عن ذلك لافرييرـ[1]ـ بقولـه ” ان دائن الدولة لن يكون بحاجة أصلا لاستخدام طرق التنفيذ ضدها طالما أن الدولة بحكم تعريفها مليئة الذمة وموسرة كما أنه يجب النظر إليها دائما كرجل شريف .”
وقد يثور التساؤل حول صحة هذه النظرية في حالة امتناع الإدارة عن التنفيذ بادعاء عدم وجود اعتمادات مالية للتنفيذ مما حذا ببعض الفقه إلى القول بأن إضفاء لسمعة الشرف واليسر على الإدارة ينطوي على كثير من التجاوز كما أنه في بعض الأحيان لا توجد أية دلالة على هذه السمعة أو أن هذه الثقة تمتد إلى القائمين عليها، والواقع العملي يدل على أن التنفيذ الجبري لا يشترط عسر المدين بل مجرد عدم الوفاء فيسر المدين لا يحول دون التنفيذ عليه أما الثقة بالدولة فليس بالمعيار الصحيح ذلك أنه من المفروض أن التنفيذ لن يجري إلا إذا امتنعت الدولة عن الوفاء بالتزاماتها وبذلك تكون هي التي أخلت بهذه الثقة لذلك فهذا المعيار لا يصلح فحضر طرف التنفيذ الجبرية ضد الإدارة ولا يحول دون مباشرة إجراءات الحجز على أموالها الغير اللازمة لسير المرفق العمومي .
ب ـ نظرية الفصل بين القاضي والإدارة :
هذا المعيار يتلخص في أن الإدارة وحدها هي المنوط بها استخدام النفقات العامة عن طريق قواعد المحاسبة العمومية للسهر على حاجيات المرافق العامة ومن تم لا يجوز لأية جهة قضائية أن تصدر أمرا بالدفع للإدارة وأن هاته النظرية تجد سندها في مبدأ الفصل بين السلطات التي يمنع بموجبها إصدار أوامر للإدارة وحول هاته النظرية يقول الدكتور فتحي ـ[2] ـ دالي في كتابه التنفيذ صفحة 177 إلى 178 فقواعد الحسابات الحكومية لا يمكن أن تكون حائلا دون اتخاذ الإجراءات القانونية لمجراها الطبيعي كما لا ينبغي أن تكون من ِشأنها التضحية بحقوق الغير في مواجهة الإدارة .
ج ـ نظرية إناطة التنفيذ بالإدارة :
تتلخص هاته النظرية في أن الإدارة هي نفسها السلطة التنفيذية واختصاصها الأساسي هو تقديم المساعدة لتنفيذ الأحكام باستعمال القوة العمومية من تم لا يمنكن إجبارها على تنفيذ الأحكام الإدارية بواسطة قواعد التنفيذ الجبري ومباشرة مسطرة الحجز ضدها .
د ـ نظرية اختلاف الصيغة التنفيذية :
حاول بعض الفقه تبرير مبدأ حضر طرف التنفيذ الجبري ضد الإدارة بما في ذلك مسطرة الحجز بالاستناد إلى الصيغة التي تمهر بها الصورة التنفيذية للحكم الإداري والتي لا تحمل سوى التأكيد بوجود السند التنفيذي وصحته والتي لا تتضمن الأمر بالتنفيذ عن طريق وسائل التنفيذ الجبري كما هو الحال بالنسبة للأحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون الخاص هاته عموما هي المبررات التي حاول بعض الفقه من خلالها اعتماد مبدأ حضر التنفيذ الجبري ضد الإدارة .
هذا وبعد أن تعرفنا على المفهوم القانوني للمال العام على ضوء القانون المقارن ومبررات حضر طرق التنفيذ الجبري ضد الإدارة على ضوء بعض الفقه التي تمنع من حجز أموالها العامة دون الخاصة تتنقل إلى معايير التمييز بين الأموال العامة والخاصة لترتيب النتائج القانونية على ذلك من حيث إمكانية إيقاع الحجز على الأموال الخاصة للدولة ومنع الحجز بالتالي على أموالها العامة باعتبارها لازمة لتسيير المرفق العمومي .
معيار التمييز بين الأموال العامة والأموال الخاصة للدولة
وقد يثور التساؤل حول صحة هذه النظرية في حالة امتناع الإدارة عن التنفيذ بادعاء عدم وجود اعتمادات مالية للتنفيذ مما حذا ببعض الفقه إلى القول بان إضفاء لسمعة الشرف واليسر على الإدارة ينطوي على كثير من التجاوز كما انه في بعض الأحيان لا توجد أية دلالة على هذه السمعة أو ان هذه الثقة تمتد إلى القائمين عليها، والواقع العملي يدل على ان التنفيذ الجبري لا يشترط عسر المدين بل مجرد عدم الوفاء فيسر المدين لا يحول دون التنفيذ عليه أما الثقة بالدولة فليس بالمعيار الصحيح ذلك انه من المفروض ان التنفيذ لن يجري الا إذا امتنعت الدولة عن الوفاء بالتزاماتها وبذلك تكون هي التي أخلت بهذه الثقة لذلك فهذا المعيار لا يصلح فحضر طرق التنفيذ الجبرية ضد الإدارة ولا يحول دون مباشرة إجراءات الحجز على أموالها الغير اللازمة لسير المرفق العمومي.
ب-نظرية الفصل بين القاضي والإدارة:
هذا المعيار يتلخص في أن الإدارة وحدها هي المنوط بها استخدام النفقات العامة عن طريق قواعد المحاسبة العمومية للسهر على حاجيات المرافق العامة ومن تم لا يجوز لأية جهة قضائية أن تصدر أمرا بالدفع للإدارة وان هاته النظرية تجد سندها في مبدأ الفصل بين السلطات التي يمنع بموجبها إصدار أوامر للإدارة وحول هاته النظرية يقول الدكتور فتحي دالي في كتابه التنفيذ صفحة 177 إلى 178 فقواعد الحسابات الحكومية لا يمكن ان تكون حائلا دون اتخاذ الإجراءات القانونية لمجراها الطبيعي كما لا ينبغي ان تكون من شأنها التضحية بحقوق الغير في مواجهة الإدارة.
ج-نظرية إناطة التنفيذ بالإدارة:
تتلخص هاته النظرية في ان الإدارة هي نفسها السلطة التنفيذية واختصاصها الأساسي هو تقديم المساعدة لتنفيذ الأحكام باستعمال القوة العمومية من تم لا يمكن إجبارها على تنفيذ الأحكام الإدارية بواسطة قواعد التنفيذ الجبري ومباشرة مسطرة الحجز ضدها.
د-نظرية اختلاف الصيغة التنفيذية :
حاول بعض الفقه تبرير مبدأ حضر طرق التنفيذ الجبري ضد الإدارة بما في ذلك مسطرة الحجز بالاستناد إلى الصيغة التي تظهر بها الصورة التنفيذية للحكم الإداري والتي لا تحمل سوى التأكيد بوجود السند التنفيذي وصحته والتي لا تتضمن الأمر بالتنفيذ عن طريق وسائل التنفيذ الجبري كما هو الحال بالنسبة للأحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون الخاص هاته عموما هي المبررات التي حاول بعض الفقه من خلالها اعتماد مبدأ حضر التنفيذ الجبري ضد الإدارة.
هذا وبعد ان تعرفنا على المفهوم القانوني للمال العام على ضوء القانون المقارن ومبررات حضر طرق التنفيذ الجبري ضد الإدارة على ضوء بعض الفقه التي تمنع من حجز أموالها العامة دون الخاصة تتنقل إلى معايير التمييز بين الأموال العامة والخاصة لترتيب النتائج القانونية على ذلك من حيث إمكانية إيقاع الحجز على الأموال الخاصة للدولة ومنع الحجز بالتالي على أموالها العامة باعتبارها لازمة لتسيير المرفق العمومي.
معيار التمييز بين الأموال العامة والأموال الخاصة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة
*****
إذا كان المتفق عليه فقها وقضاء هو عدم قابلية الأموال العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة للحجز مع جوازه بالنسبة للمال الخاص للدولة الغير اللازم لتسيير المرفق العام فماهي المعاير الفقهية المعتمد عليها في سبيل التمييز بينهما لترتيب النتائج القانونية على ذلك ؟ وفكرة التمييز بين المال العام والمال الخاص فكرة قديمة ظهرت جذورها في الشرائع القديمة فقد ميز القانون الروماني بين الأشياء العامة التي تستخدمها كافة الناس والأشياء المملوكة للحراسة العامة ورتب على هذا التمييز نتائج قانونية تتمثل في منع التصرف في الأشياء العامة أو تملكها بالتقادم ذكره الدكتور السنهوري ـ[3]ـ في كتابه “.
وقد انتقل هذا التقسيم إلى القانون الفرنسي القديم وكانت الأشياء العامة تشمل الطرق والمواصلات البرية وغيرها من الأشياء التي تستخدمها الناس بصفة عامة والأموال الخاصة وتشمل الدومين الملكي كالأراضي وغيرها.
وعندما صدر القانون الفرنسي الذي سمي بقانون نابليون ميز بدوره بين مشتملات الدومين العام : الأموال العامة، وبين مشتملات الدومين القومي : الأموال الخاصة. وقد رتب على هاته التفرقة إمكانية حجز الأموال الخاصة دون العامة وقد تبنت هاته التفرقة التشريعات الحديثة.
وقد عرفت الشريعة الإسلامية هاته التفرقة من قبل ، وعلى هدي هذا التمييز تواتر الفقه والقضاء على أن المناط في التفرقة بين ما تملكه الدولة من أموال عامة وخاصة هو تخصيص الأولى للمنفعة العامة وهو ما يعصمها عن التصرف فيها أو حيازتها أو التنفيذ عليها في الحجز وذلك على خلاف أموالها الخاصة التي تخضع لما يجري به التعامل في القانون الخاص مما يجوز اتباع طرق التنفيذ الجبري حول استخلاصها في مواجهة الدولة وفي إطار هاته التوطئة. نتعرض فيما يلي للمعايير المعتمدة من طرف الفقه والقضاء للتمييز بين المال العام والمال الخاص للدولة.
أ ـ معيار تخصيص المال العام للنفع العام واستعمال الجمهور :
لقد وجد هذا المعيار تطبيقه في المادة 87 من القانون المدني الفرنسي الذي نص ما معناه أنه يعتبر مالا عاما : العقارات والمنقولات التي هي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص.
ووفقا لهذا المعيار يعتبر مالا عاما كل مرفق عمومي مخصص بالفعل لاستعمال جمهور الناس أو كل مرفق عمومي نص القانون على إضفاء تلك الصفة عليه.
ب : التخصيص لخدمة مرفق عام :
اتجه الفقه هنا إلى الاستعانة بنظرية المرفق العام لتعريف المال العام ووفقا لهذا المعيار يعتبر مالا عاما كل عقار أو منقول تملكه الدولة ويكون مخصصا لخدمة المرفق العام واستغلاله.
ج : التخصيص للجمهور وخدمة المرفق العام :
ووفقا لهذا المعيار المزدوج يعتبر مالا عاما : كل ما تملكه الدولة من عقار ومنقول مخصص لاستعمال الجمهور بالفعل أو بالقانون ومرصود لخدمة المرفق العام وقد أورده الدكتور السنهوري في المرجع السابق.
هاته هي عموما المعايير الفقهية المعتمدة لتمييز المال العام عن المال الخاص للدولة. فما هي النتائج القانونية المترتبة عن هذا التمييز؟ ذلك ما نتاوله في الفقرة التالية:
أهمية التمييز بين المال العام والمال الخاص للدولة :
إن وصف مال الدولة بالمال العام وفقا للمعايير الفقهية السالفة الذكر مؤداه ترتيب نتائج قانونية جد مهمة تتمثل في الأساس بعدم جواز التصرف فيه بما يتعارض والنفع العام وعدم جواز كسب ملكيته بالتقادم وعدم جواز الحجز عليه وحضر طرق التنفيذ الجبرية حوله على خلاف المال الخاص للدولة الذي يجري التعامل بشأنه وفق ما يجري بين أشخاص القانون الخاص وسوف نتعرض تفصيلا لهاته النتائج القانونية كما يلي :
عدم جواز الحجز على المال العام :
من المقرر فقها وقضاء أنه لا يجوز الحجز على المال العام وأن طرق التنفيذ الجبري محضورة في شأنه وتعتبر هاته القاعدة من النظام العام ذلك أن الحجز ينتهي ببيع المال العام بيعا قضائيا والحال أن البيع الاختياري ممنوع فيه ، لذلك تعتبرها ته القاعدة من النظام العام وفي ذلك لقول محكمة الأمور المستعجلة في حكمها المؤرخ في : 16/03/ 1971 : ” وحيث إنه وقد انتهت المحكمة إلى أن مال البلدية المودع لدى البنك هو مال عام فإنه ينبغي أن تقول كلمتها فيما إذا كان من الجائز الحجز عليه أم أن الحجز عليه غير جائز فمن يقول أن الملكية مقيد بتخصيص الشيء للمنفعة العامة يرتب على ذلك منطقيا أنه لا يجوز للدولة أن تتصرف في هذا المال بما يتنافى والمصلحة العامة فلا تملك مثلا بيع شارع لأحد الأفراد إذ أن هذا التصرف يتنافى مع قاعدة تخصيص المال للمنفعة العامة ومن تم وجب القول أنه لا يجوز كذلك الحجز على المال العام ذلك أن الحجز ينتهي إلى النتيجة نفسها أي التصرف في المال العام…… وعدم جواز الحجز على المال العام هو حكم يترتب بحكم اللزوم على وجود التفرقة بين المال العام و الخاص… فمتى تقرر أنه لا يجوز التصرف في المال العام بما يتعارض مع تخصيصه للمنفعة العامة وجب القول كذلك بأنه لا يجوز الحجز على المال العام ذلك أن الحجز ينتهي إلى بيع إجباري، وإذا كان البيع الاختياري ممنوعا فالأولى أن يمنعه البيــع الاختياري”.
عدم جواز وضع اليد على المال العام وتملكه بالتقادم :
هاته القاعدة تتفق مع النظام العام ومبدأ تخصيص المال العام للمنفعة العامة ومؤدى هاته القاعدة أنه لا يجوز وضع اليد على المال العام سواء بقصد تملكه أو بقصد حيازته ومؤدى ذلك أنه لا يجوز الدفع بالتقادم المكسب لحماية الحيازة الغير المشروعة للمال العام.
عدم جواز التصرف في المال العام :
هاته القاعدة تعتبر كذلك من النظام العام ذلك أن التصرف في المال العام ببيعه سواء اختيارا أو إجبارا عن طريق الحجز التنفيذي يتعارض مع مبدأ تخصيصه للنفع العام، لكن هاته القاعدة ليست مطلقة إذ لا يشمل الحضر كل تعامل بشأن المال العام إذ يمكن أن يكون محل ترخيص بالاستغلال بما يتعارض وتخصيص خدماته للمنفعة العامة وفقا للضوابط المقررة قانونا في هذا الشأن.
موقف الفقه والقضاء من نظرية الحجز والحجز لدى الغير على الأموال العامة والأموال الخاصة للدولة والمؤسسات العمومية
* * *
لما كانت المرافق العمومية تحتاج في أدائها للخدمة المنوطة بها تحقيقا للنفع العام إلى كل أموالها التي تعتبر الوسائل المادية التي تسعين بها على ممارسة نشاطها سواء العامة أو الخاصة فقد كان من المتفق عليه فقها وقضاء أن المرفق العام يجب أن يحاط بكل الضمانات التي تمكنه من أداء وظيفته بصورة مضطردة ومنتظمة لجمهور المنتفعين بخدماته تحقيقا للمصلحة العامة التي تذوب فيها كل مصلحة شخصية وتطبيقا لمبدأ عدم تعطيل المرفق العام لا يجوز التنفيذ على الأموال اللازمة لسيره عن طريق مسطرة الحجز وقد قنن القانون المصري هذا الاتجاه بالقانون رقم 583 لسنة 1955 ونص على أنه: ” لا يجوز الحجز ولا اتخاذ إجراءات تنفيذية أخرى على المنشآت والأثاث والأدوات المخصصة لإدارة المرافق العامة “.
ونص المرسوم بقانون الفرنسي المؤرخ في 22/11/1790 في مادته الثامنة على أن : ” أموال الدولة لا تشكل ضمانا للدائنين “. ونصت المادة 9 من القانون الفرنسي المؤرخ في : 22 غشت 1791 على أنه : ” يحضر كل أنواع الحجز عامة على أموال الدولة “.
إذا كان هذا هو موقف بعض القانون المقارن من نظرية الحجز على الأموال العامة للدولة، فما هو موقف بعض الفقه من ذلك ؟
لقد لاحظ والين ـ[4]ـ أن التنفيذ بالحجز والبيع على أموال الدومين الخاص يتعارض مع المصلحة العامة بقوله بما معناه فلكي نرض دائن فسوف تدفع له من عائد الضرائب ونقض على مصدر دائم للموارد العامة نكون بذلك قد قطعنا أحد فروع الشجرة لنحصل على مجرد ثمرة ويرى ذ السنهوري ـ[5]ـ في كتابه الوسيط الجزء الثامن من الباب المتعلق بهذا الموضوع بما معناه أنه إذا كانت حماية المال العام للانتفاع تفتضي منع انتزاع المال العام منها جبرا عن طريق الحجز عله لأن الحجز ينقلب إلى بيع جبري.
ويرى الأستاذ فتحي ـ[6]ـ في كتابه : ” التنفيذ” ص 208، خلاف ذلك لقوله:” لكن عدم جواز الحجز قاصر على ما يلزم لسير المرفق العام. فإذا كانت هناك بعض الأموال المخصصة لإدارة المرفق ولا يتعارض الحجز عليها مع سير المرفق هاته يمكن الحجز عليها “.
وفي رده على يسار الدولة الذي يؤدي إلى حضر طرق التنفيذ الجبري ضدها يقول بما معناه أن الاحتجاج ليسار الدولة يرد عليه بأن التنفيذ الجبري لا يفترض إعسار المدين بل مجرد عدم الوفاء، فيسار المدين لا يحول دون التنفيذ ضده. ومن جهة أخرى فقواعد الحسابات الحكومية لا يمكن أن تكون حائلا دون اتخاذ الإجراءات القانونية لمجراها الطبيعي كما لا ينبغي أن يكون من شأنها التضحية بحقوق الغير في مواجهة الإدارة.
هذا هو موقف الفقه بين مؤيد ومعارض لنظرية الحجز على الأموال العامة للدولة فما هو موقف القضاء المغربي من هاته النظرية وخصوصا منها مسألة الحجز لدى الغير كوسيلة إجبارية للتنفيذ على المال العام للدولة والمؤسسات العمومية.
موقف العمل القضائي الإداري من وسيلة الحجز والحجز التنفيذي لمعالجة ظاهرة امتناع الإدارة عن التنفيذ
صحيح أنه لا يجوز الحجز على الأموال العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة لها سواء كان الحجز تحفظيا أم تنفيذيا على اعتبار أن هذا الإجراء يتعارض مع مبدأ تخصيص تلك الأموال للمصلحة العامة و أن الحجز بهذا الشكل يعطل سير المرافق العامة ويحول دون تنفيذها لوظيفة النفع العام الملقاة على عاتقها وأن هذا الحجز غير المرغوب فيه لهذا السبب سينقلب في النهاية إلى بيع قضائي وأن البيع الاختياري بالأولى غير جائز في هذا الشأن بإجماع الفقه والقضاء. وأن هاته القاعدة تعتبر من النظام العام لكن يكاد يتفق الفقه والقضاء على أن عدم جواز الحجز هذا قاصر على ما يلزم لسير المرفق العام فإذا كانت هنالك بعض الأموال غير مخصصة لإدارة المرفق ولا يتعارض الحجز عليها مع سيره تعتبر أموالا خاصة لهذا المرفق ويمكن الحجز عليها ، وهذا الاتجاه المؤيد فقها هو الذي يؤخذ به العمل القضائي الإداري تقريبا في جميع المحاكم الإدارية.
وهكذا فقد ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة ـ[7]ـ وهي تأمر بإجراء حجز تحفظي على عقار مملوك ملكية خاصة لبلدية وجدة ضمانا لأداء ديون في ذمتها ناتجة عن مسطرة نزع الملكية إلى القول بما يلي :
“حيث إن المشرع المغربي لم يمنع صراحة حجز الأموال الخاصة للأشخاص المعنوية كما فعل بالنسبة للأموال العمومية انظروا الفصل 4 من ظهير يوليوز 1914 والفصل 3 من ظ 19/10/1921 والفصل 8 من ظ 28/6/1954.
و حيث إن وزير الداخلية المغربي أشار في منشوره عدد 182 بتاريخ 11/5/1991 إلى أن ممتلكات الجماعات العمومية التي لا تقبل أن تكون محلا للحجز هي الأموال العمومية وحدها دون الأملاك الخاصة التي ليس هناك من الناحية القانونية والقضائية ما يمنع إيقاع الحجز عليها.
وحيث إن الأموال الخاصة للشخص العام تنزل منزلة أموال الشخص العادي مما تكون معه هاته الأموال قابلة للحجز عليها).
وإذا كان العمل القضائي الإداري أعلاه قد أقر إمكانية إيقاع الحجوزات التحفظية على العقارات المملوكة ملكية خاصة لأشخاص القانون العام على اعتبار أنها تنزل منزلة الأملاك الخاصة لأشخاص القانون الخاص مما يجوز حجزها سواء تحفظيا أو تنفيذيا وبيعها قضاء لاستيفاء الدين المترتب بذمة الشخص المعنوي العام فقد استقر الاجتهاد القضائي [8] على مستوى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على رفض إيقاع الحجز التحفظي على العقارات المملوكة ملكية خاصة للشخص المعنوي العام بعلة انه يعترض فيه ملاءة الذمة ولا يخشى عليه العسر ويؤدي ديونه وفق قواعد المحاسبة العامة.
وجاء في إحدى قرارات الغرفة الإدارية وهي تؤيد أمر رئيس المحكمة الإدارية بفاس 4أ/03 القاضي برفض الطلب حول إيقاع الحجز التحفظي على عقار مملوك ملكية خاصة للمجلس الجماعي “لكن حيث ان الأمر المستأنف غير عندما أسس تعليله على ان الجماعة المطلوب ضدها الإجراء تعتبر من أشخاص القانون العام التي تفترض فيها ملاءة الذمة ولا يخشى عليها العسر وتؤدي ديونها وفق قواعد المحاسبة العمومية فكان ما أثير بدون أساس” وعلى الرغم من ذلك فإن الأشكال الذي يضل مطروحا خصوصا حول بيع العقار وكيفية تحويله من اسم الشخص المعنوي العام إلى الشخص الخاص فهل يحتاج الأمر إلى استصدار قرار أو مرسوم كما لو تعلق الأمر بتفويت ملك خاص للدولة للشخص العادي تطبيقا لظهير 1 يوليوز 1994 وظهير 19/10/1921 وظ 28/6/1954 أو تخصيص ملك خاص للملك العمومي. وأن القول بذلك معناه الخروج من دائرة التنفيذ من جديد والدخول في دائرة دعوى إلغاء القرار الصريح والضمني أو المطالبة بالتعويض وإذا كان الملك الخاص للدولة مما يقبل التفويت في إطار المسطرة اللازمة لذلك ويجري التعامل به وفق ما يجري التعامل بالأملاك الخاصة للأفراد فقد نص المشرع المغربي صراحة من خلال الفصل الثامن من ظهير 18 يونيو 1954 أن الملك العمومي والأملاك المخصصة به غير قابلة للتفويت ولا الحجز ولا التملك بالتقادم.
ويستفاد مما ذكر أعلاه أن العقارات المملوكة ملكية خاصة للشخص المعنوي العام لا يجوز إيقاع الحجز التحفظي عليها على خلاف الأموال والمنقولات التي لا يترتب عن حجزها تعطيل سير المرفق العام باضطراد وانتظام والتي يطلق عليها الأموال الخاصة للشخص المعنوي العام والتي يمكن حجزها تنفيذيا لاقتضاء الدين المترتب بذمته.
وهكذا وتطبيقا لهذا الاتجاه تم الحجز التنفيذي على أموال بلدية بني ادرار[9] لتنفيذ حكم قضى عليها بأداء مبالغ مالية لفائدة المسمى هرو محمد وتم حجز منقولات تلك البلدية ممثلة في سيارة وتلفاز ومكيف الهواء باعتبار أن هاته المنقولات لا يضر بيعها واستيفاء الدين المستحق على البلدية بسير المرفق البلدي وهي لا تعتبر في جميع الأحوال لازمة لسيره ولا تعطيل فيها لسير المرفق المذكور.
وهذا هو الاتجاه التي تسير عليه تقريبا كل المحاكم الإدارية بالمغرب لذلك فالمناط في إيقاع الحجز التنفيذي على منقولات المرفق العمومي هو تقدير ما إذا كانت تلك المنقولات لازمة لسير المرفق أم لا وما إذا كان حجزها يعطل سيره وانتفاع جمهور الناس بخدماته وبهذا الصدد نشير إلى أنه لا يمكن مباشرة الحجز التنفيذي على ناقلة النفايات للمجلس البلدي لما في ذلك من تعطيل لخدماته في هذا الشأن كذلك لا يمكن مباشرة الحجز المذكور على سيارة الإسعاف لنفس العلة. فالمدار في ذلك إذن هو ما إذا كان المحجوز المعني بالإجراء التنفيذي لازم لسير المرفق أم لا وهل يترتب عليه تعطيل خدماته أم لا ؟ وهكذا وفي إطار التمييز بين المال العام للشخص المعنوي العام الغير قابل للحجز والمال الخاص القابل للحجز والذي لا يترتب عن بيعه تعطيل وظيفة النفع العام الملقاة على عاتق المرفق، ذهبت المحكمة الإدارية [10] بفاس إلى التمييز بين السيارات النفعية المرصودة لخدمة المرفق العام والتي تعتبر بمثابة أموال عامة تساهم في تحقيق النفع للجمهور والتي لا يجوز إيقاع الحجز عليها وبيعها لاستيفاء الدين وبين السيارات المخصصة للتنقلات الشخصية التي لا يترتب عن حجزها وبيعها تعطيل سريان المرفق العمومي بانتظام.
وقد سنت قاعدة في هذا الشأن جاء فيها ” تخصيص المال العام لخدمة الجمهور هو الذي يضفي عليه صبغة النفع العام المانع بطبيعته من كل تصرف فيه من شأنه الحياد به عن الغرض المخصص له ابتداء وبالتالي المانع من إيقاع أي حجز من شأنه إخراجه من دائرة الملك أي النفع العام السيارات النفعية والشاحنات المرصودة لخدمة المرفق العام تساهم في تحقيق النفع للجمهور بخلاف السيارات المخصصة للتنقلات الشخصية ليست من قبيل الأموال العامة المرصدة لخدمة المرفق ولا يترتب عن حجزها وبيعها تعطيل المرفق-بطلان الحجز بشأنها-لا.
و لاغرو في أن إيقاع مثل هاته الحجوزات على أموال المرافق العمومية من شأنها أن تؤدي إلى مسارعة المرفق العمومي لتنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به وأداء التزاماتها المالية تفاديا لبيع المحجوز وقد حصل ذلك بالفعل في بعض المحاكم الإدارية ونستنتج من ذلك أن التنفيذ الجبري على الأموال الخاصة للدولة لا يكون مشروطا بيسر أو عسر المدين بل بمجرد عدم الوفاء وأن اللجوء إلى هاته الوسيلة قائم على العدل والإنصاف وحماية مبدأ المشروعية واحترام قوة الشيء المقضي به الذي به يحترم النظام العام وسيادة القانون.
وفي نفس السياق ذهبت المحكمة الإدارية بفاس بمناسبة تنفيذ حكم إلزامي ونهائي ـ[11]ـ لاستيفاء حقوق مالية ثم حجز مجموعة من السيارات بالملف التنفيذي عدد 23/98 في مواجهة المجلس وتقرر تحديد تاريخ بيعها بالمزاد العلني غير أن المجلس المنفذ عليه وبسبب الحجز بادر إلى تنفيذ الحكم تلقائيا تفاديا لبيع المحجوز ووفي بالتزاماته المالية موضوع السند التنفيذي.
وفي إطار تنفيذ الحكم الآخرـ[12]ـ في مواجهة الجماعة الحضرية لزواغة تم إيقاع الحجز التنفيذي على مجموعة من سيارات المجلس المنفذ عليه بالــملف التنفيذي عدد : 30/98 وخلال مسطرة إجراءات بيع المحجوز قام المجلس البلــدي بالوفاء بالتزاماته المالية موضوع السند التنفيذي.
والمستفاد من تلك الحجوزات التنفيذية المتعلقة بالأموال الخاصة للمرفق البلدي وبصرف النظر عما إذا كان الحجز عليها وبيعها يؤدي إلى تعطيل سير المرفق العمومي وعرقلته أم لا إن الامتناع عن التنفيذ الغير المبرر هو الذي كان سببا للحجز التنفيذي يتجلى في المبادرة بالوفاء بالالتزامات المالية موضوع تحت تهديد الحجز.
ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض المحاكم العادية بالمغرب وقبل دخول قانون المحاكم الإدارية حيز التنفيذ ذهبت إلى أعمال مسطرة الحجز على أموال المؤسسات العمومية للعلة أعلاه وهي الامتناع الغير المبرر عن التنفيذ ومن ذلك ما جاء في حكم المحكمة الابتدائية بالرباط بالملف الإستعجالي عدد : 972/91 الصادر بتاريخ : 2/12/91 الذي يعتبر ذا أهمية من إبراز تلك العلة وجعلها مناطا لكل حجز في مواجهة الإدارة أو المؤسسة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الإدارية ضدها وقد جاء فيــــــه ما يلي : “حيث إنه إذا كان العمل القضائي والفقه دأب على السير في عدم الحجز على الأموال العمومية وذلك حفاظا على السير العادي للمرافق العمومية وانطلاقا من أن المفروض في المؤسسات العمومية الإسراع في تنفيذ الأحكام والرضوخ لها تجسيدا لمبدأ المشروعية الذي يكرس سمو القانون بما يقتضيه من مساواة بين الأشخاص العاديين وأشخاص القانون العام فإن المبدأ ” أي عدم قابلية الأموال العمومية للحجز ” لايمكن أن يؤخذ به على إطلاقه وذلك كلما كان هناك امتناع عن التنفيذ بدون أي مبرر الذي لايمكن أن يفسر إلا بالتعسف في استعمال هذه الإمكانية وبالتالي عن غياب كل نص قانوني مانع من الحجز على هذه الأموال وبيعها.
موقف القضاء من وسيلة الحجز لدى الغير في مواجهة الإدارة والمؤسسات العمومية الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها :
إذا كان الحجز لدى الغير يعتبر من أهم الإجراءات التحفظية والتنفيذية المنصوص عليها بالباب الثالث من قانون المسطرة المدنية المتعلق بقواعد التنفيذ الجبري للأحكام الإلزامية لما يترتب عليه من غل يد المدين في التصرف في أمواله واستيفاءها جبرا منه بعد استنفاذ مسطرة التصديق على الحجز فإنه باستقراء العمل القضائي قبل دخول قانون المحاكم الإدارية حيز التنفيذ نجده لم يجرؤ على إيقاع الحجز على أموال الدولة والمؤسسات العمومية لملاءمة ذمتها ولأداء ديونها وفق قواعد المحاسبة وكانت طلبات إيقاع الحجز في مواجهة أشخاص القانون العام ترد دائما بعلة أنه لا يجوز الحجز على أموال المؤسسات العمومية لملاءمة ذمتها ولكونها لا يخشى عليها من العسر ـ[13]ـ ولم يسر عكس هذا الاتجاه القديم الذي كان يقول بعد جواز الحجز على أموال المرافق العامة لملاءة ذمتها حسبما نعلم من خلال الأحكام المنشورة والمطلع عليها سوى اتجاه القضاء الإستعجالي بالمحكمة الابتدائية بالرباط حسب الأمرين الاستعجالين الصادرين عن رئيسها الأمر الأول جاء فيه ما يلي ـ[14]ـ “لا يوجد أي نص يستثني الدولة من التنفيذ بل أن مبدأ المشروعية الذي يعتبر من أقدس المبادئ التي أقرها الدستور المغربي تجعل تصرفات الدولة خاضعة لمراقبة القانون…..تبقى ملزمة بتنفيذ القرارات والأحكام الصادرة ضدها وإلا لما كان لمبدأ المشروعية أي معنى إذا كانت الدولة مستثناة من تنفيذ الأحكام ” وقد جاء في الأمر الثاني ما يلي ـ[15]ـ” حيث إنه إذا كان العمل القضائي والفقه قد دأبا على السير في عدم الحجز على الأموال العامة وذلك حفاظا على السير العادي للمرافق العمومية وانطلاقا من أن المفروض في المؤسسات العمومية الإسراع في تنفيذ الأحكام والرضوخ لها تجسيدا المشروعية الذي ي يكرس سمو القانون بما يقتضيه من مساواة بين الأشخاص العاديين وأشخاص القانون العام.فإن هذا المبدأ أي عدم قابلية الأموال العمومية للحجز لا يمكن أن يؤخذ على إطلاقه وذلك كلما كان هنالك امتناع عن التنفيذ بدون أي مبرر هذا الامتناع الذي لا يمكن أن يفسر إلا بالتعسف في استعمال هاته الإمكانية وبالتالي وفي غياب كل نص قانوني فلا مانع من الحجز على هذه الأموال وبيعها لستيفاء حق المحكوم عليه إثبات لمشروعية وفعالية السلطة القضائية التي تتمثل في تنفيذ الأحكام “.
ويعتبر هذا الأمر ومثيله أعلاه مكسبا قضائيا وتطورا إيجابيا لمواجهة ظاهرة امتناع المؤسسات العمومية عن التنفيذ وقد أقر هذا الأمر الجريء قاعدتين أساسيتين أولهما أنه وبصحيح لا يوجد أي نص قانوني يمنع الحجز على أموال المؤسسات العمومية وثانيهما أنه لايمكن الاحتجاج على رد الحجز بالمبررات التقليدية المتمثلة في ملاءمة الذمة والحفاظ على السير العادي للمرفق وكون الإدارة رجل شريف يفي بالتزاماته في أسرع وقت ويرضخ لقوة الشيء المقضي به طالما أن الأمر يتعلق بامتناع غير مبرر عن التنفيذ لأنه ينطوي على التعسف في استعمال هاته الإمكانية ويخل بمصداقية تلك المبررات التقليدية.
وقد شكل هذا الأمر قاعدة ومرجعا في استصدار حجوزات ضد الإدارة سواء قبل دخول قانون المحاكم الإدارية حيز التطبيق أو بعده .هذا وإذا كان العمل القضائي السالف الذكر قد لقي استحسان لما ينطوي عليه من جرأة وشجاعة وقد تخطى بذلك الحاجز التقليدي الذي يتمثل في مبدأ عدم قابلية أموال الشخص المعنوي العام للمبررات السالفة الذكر من ملاءة ذمة وسير المرفق بانتظام وافتراض خضوعه وبإسراع لقوة الشيء المقضي به فإنه يصطدم دائما لموقف المجلس الأعلى الذي لم يجرؤ على إيقاع الحجز عل أموال الشخص المعنوي العام لافتراض ملاءة ذمته ـ[16]ـ.
وإذا كان القضاء المغربي يعترف بمبدأ عدم قابلية الأموال العمومية للحجز حفاظا على السير العادي للمرافق العمومية فإن ذلك لم يمنع بعض المحاكم الإدارية من إعمال مسطرة الحجز على أموال المؤسسات العمومية الموجودة بين يدي الغير وهكذا ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط إلى إيقاع الحجز على أموال الوكالة الوطنية لمحاربة السكن الغير اللائق الموجود بحسابها لدى الخزينة العامة لتنفيذ حكم إدارية مكناس عدد 5 / 96 في إطار إنابة قضائية القاضي بتعويضات عن نزع الملكية وبعد إجراءات تبليغ محضر الحجز إلى الأطراف المعنية بالحجز المذكور وإنجاز مسطرة المصادقة على الحجز أصدرت المحكمة من حساب أمراـ[17]ـ يقضي بالمصادقة على الحجز لدى الغير ويأمر المحجوز بين يديه بإيداع الرصيد المتوفر لديه المحجوز عليه بكتابة الضبط لتوزيعه عن طريق المحاصة.
وما يهمنا في هذا الأمر هو أنه خلال مسطرة تنفيذ الحجز دفعت المحجوز عليها كونها مؤسسة عمومية لا يجوز الحجز على أموالها وقد تم رد الدفع المذكور بما يلي : “أن الأموال التي يتشكل منها رأس مال المحجوز عليها على افتراض أنها أموال عمومية فإن جزءا منها قد رصد أصلا لتسديد مستحقات أصحاب الأراضي المنزوعة ملكيتهم وهذا الحجز يشكل ضمانة بالنسبة لهؤلاء ولا ضرر فيه على مصلحة المحجوز عليها” والملاحظ في هذا الحكم أنه أخرج الأموال المحجوز عليها من دائرة الأموال العامة المحجوز عليه ليدخلها في عداد الأموال الخاصة له المرصودة للتعويض عن نـــزع الملكية.
ليعتبرها في النهاية قابلة للحجز وتجري عليها قواعد التنفيذ الجبري للأحكام وقد تم تأييد هذا الاتجاه من طرف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ـ[18]ـ وبالنظر للقاعدة التي سنها هذا القرار وهي جواز سلوك مسطرة الحجز لدى الغير في مواجهة المؤسسات العمومية متى اعتبرت أموالا خاصة يبقى الباب مفتوحا أمام المحاكم الإدارية لتطبيقها في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية عن طريق التنفيذ الجبري ويعتبر بحق هذا القرار مكسبا قضائيا وتطورا إيجابيا لمواجهة ظاهرة امتناع المؤسسات العمومية عن امتناع تنفيذ الأحكام الإدارية بالتنفيذ الجبري على أموالها الخاصة، ونظرا لأهميته في تطوير العمل القضائي الإداري ببلادنا وإيصال الحقوق إلى أصحابها وترجمة مضمون الأحكام الإدارية على أرض الواقع نورد حيثياته كاملة كما يلي :
“إن الإدارة في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة ترصد مسبقا أموالا لتغطية التعويضات الناتجة عن نزع ملكية أرضية الخواص وهي بذلك تخرج بإرادتها هذه الأموال من ذمتها لتخصصها للتعويض عن نزع الملكية وبالتالي تضفي عليها صبغة خصوصية وتجعلها قابلة للتنفيذ عليها وإنه يحق للمنزوعة ملكيتهم القيام بتلك الإجراءات القانونية للتنفيذ على هذه الأموال بما في ذلك مسطرة الحجز لدى الغير” وهنا تكون الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أقرت قاعدة لا رجعة فيها تتلخص في جواز مباشرة الحجز لدى الغير على الأموال الخاصة للمؤسسات العمومية واستعمال قواعد التنفيذ الجبري ضدها لحملها على الوفاء بالتزاماتها المالية الصادرة بشأنها الأحكام الإدارية الإلزامية بقوة الشيء المقضي به.
وتكريسا لهذا المنحنى صدر أمر رئيس المحكمة الإدارية بوجدة ـ[19]ـ يقضي بإيقاع حجز على أموال الدولة المودعة لدى صندوق الإيداع والتدبير والمرصودة للتعويض عن نزع الملكية جاء فيه ما يلي :
“حيث يؤخذ من قرار السيد وزير المالية المضاف للملف وجواب السيد مدير صندوق الإيداع والتدبير أنه تم رصد مبلغ …….. كتعويض مؤقت عن حيازة مجموع العقار ذي المطلب أعلاه في إطار نزع الملكية وتم إيداعه بصندوق الإيداع والتدبير.
وحيث إن رصد التعويض المذكور من طرف السيد وزير المالية وتخصيصه لأصحاب القطع الأرضية موضوع المطلب عدد بما فيهم الطالب المقرر نزعها منهم لفائدة المنفعة العامة وإيداعه بصندوق الإيداع والتدبير معناه إخراج تلك الأموال من دائرة الأموال العامة وجعلها أموالا خاصة مرصودة للتنفيذ مما يجوز مباشرة الحجز عليها سواء التحفظي أو التنفيذي “.
وأكدت المحكمة الإدارية بوجدة[20] نفس المنحنى وهي تصادق على الحجز لدى الغير نأمر بتسليم المبالغ المحجوزة لدى الغير لفائدة الحاجز في مواجهة المكتب الوطني للكهرباء وجاء في ردها على الدفع المتعلق بعدم قابلية المال العام للمكتب الوطني للكهرباء للــحجز والتصديق عليه باعتباره مؤسسة عمومية ما يلي :
” حيث إنه إذ كان المال العام هو ما تملكه الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة التابعة لها من عقارات ومنقولات مخصصة بالفعل أو بمقتضى القانون للنفع العام وخدمة المصلحة العامة وتسيير المرفق العام وإذا كانت القاعدة العامة تقضي بعدم قابلية تلك الأموال للحجز على اعتبار أن الحجز يقضي إلى البيع وهو ممنوع قانونا كما أن الإجراء المذكور من شأنه أن يعطل سير المرفق العام ويحول دون تنفيذه لوظيفته النفع العام، فإنه استثناء من ذلك أجاز الفقه والقضاء إمكانية الحجز على الأموال الخاصة للمرفق التي لا يتعارض حجزها مع سيره بانتظام “.
وحيث إن المكتب الوطني للكهرباء وإن كان يعد من أشخاص القانون العام فهو يتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة وبالاستقلال المالي عن ميزانية الدولة وأعماله تكتسي صبغة تجارية وهو من منظور مدونة التجارة تاجرا يجري عليه قواعد القانون الخاص وأمواله لا تعد من الديون العمومية وهي بذلك قد استثنيت من تطبيق إجراءات التحصيل من استخلاصها م2 من القانون 97.15.
وحيث فضلا عن ذلك فالدين المعني بالتنفيذ حسبما هو وارد بالحكم موضوع التنفيذ وجواب ممثل المكتب لما سبق جلسة الصلح هو خاص بطالب التنفيذ استخلصه المنفذ عليه لحسابه من الأغيار وأدخله في الحسابات الخصوصية وهو بهذا المعنى يعتبر من الأموال الخاصة القابلة للحجز .”
والملاحظ من خلال العمل القضائي السالف الذكر واجتهاد الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أن الحجز لدى الغير سواء في مرحلته التحفظية أو التنفيذية لا يقع إلا على الأموال الخاصة للشخص المعنوي العام بعد تميزها عن أمواله العامة سواء تعلق الأمر بتعويض في إطار نزع الملكية أو في إطار مديونية أخرى والمناط في إيقاع الحجز دائما هو اعتبار أموال الشخص المعنوي المحجوز عليه خاصة وليست عامة، وينتج عن ذلك أنه يمكن القول بأن العمل القضائي الإداري قد استقر على قابلية الأموال الخاص للشخص المعنوي العام للحجز سواء التحفظي منه أو التنفيذي.
لكن وفي إطار آخر كذلك خارج نزع الملكية ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط بواسطة رئيسها إلى الأمر بإيقاع حجز لدى الغير في مواجهة المكتب الوطني للأبحاث والاستثمارات النفطية الممتنع عن الوفاء بالتزاماته المالية المقررة بموجب حكم نهائي.
وحول الدفع بعدم إمكانية الحجز على تلك الأموال المثار بمناسبة مسطرة التصديق على الحجز ردته بأمرها ـ[21]ـ يضمن قاعدة جديدة مفادها ” إذا كان لا يجوز الحجز على المؤسسات العمومية فلكونها مليئة الذمة وليس لكون أموالها أموالا عمـــــومية (مادام لا يوجد أي نص قانوني يمنع حجزها) ولكن إذا ثبت امتناع المؤسسة العمومية من تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر فإن ملاءة الذمة تصبح غير مجدية بالنسبة للتنفيذ الذي يرغب فيه من صدر الحكم لصالحه وفي هذه الحالة يجوز القيام بالتنفيذ الجبري على أموال المؤسسة المذكورة نظرا لصبغة الإلزام التـــي تفرضها بحكم القانون الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ …..”.
و الملاحظ أن هذا الأمر لم يعتمد في تعليله وهو يصادق على مسطرة الحجز لدى الغير نظرية الأموال الخاصة للدولة والمؤسسات العمومية القابلة للحجز كما فعله في الأمر السابق عدد 99 بل اعتمد قاعدة جديدة وتغطية قانونية مغايرة تتمثل في أن الامتناع بدون موجب عن التنفيذ هو الذي يبرر الحجز حياديا على مقتضيات الفصل 138 من قانون الالتزامات والعقود والذي يشرط في ذلك العسر.
ونعتقد أنه رغم تحفظ بعض الفقه حول هذا الاتجاه (تعليق الدكتور عنتري على هذا الحكم بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد الثاني القسم الفرنسي) يبقى هذا الاتجاه هو الصواب وتبقى تلك القاعدة المعتمدة فيه ممثلة في أن الامتناع غير المبرر ـ هو سند الحجز ـ هي الصحيحة والواجب الاقتياد بها في كل أمر بالحجز، لملاءمتها لواقع المرافق العمومية لبلادنا ويبقى العمل بها هو الرادع الحقيقي للاستخفاف والإستهثار بالأحكام الإدارية لا لشيء إلا لكونها تقبل التنفيذ الجبري والواقع العملي المعاش في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية يفيد أن نظرية ملاءة الذمة وافتراض الإسراع في تنفيذ أحكام المحاكم الإدارية والرضوخ لها اللذين يشكلان مصدرا لمبدأ عدم قابلية أموال الإدارة والمؤسسات والمرافق العمومية للحجز أصبحت متجاوزة ويجب أن يعاد فيها النظر لما يثار من تساؤل حول صحتها ولما تنطوي عليه عمليا من تجاوز فإذا كانت الإدارة محمولة على الثقة وتوصف فقها بالرجـــل الشريف “نظرية لافريير” وأن طرق التنفيذ تنعدم ضدها لما توصف به بذلك الوصف يفي بما يلتزم به فضلا عن كونها مليئة الذمة فليس هناك ما يدل على أن هذه السمعة أو هذه الثقة تمتد إلى القائمين عليها والواقع أن التنفيذ لا يشترط فيه عسر المدين بل مجرد عدم الوفاء بدون مبرر ، فيسار المدين إذن لا يحول دون التنفيذ عليه أما الثقة في الإدارة فالمفروض أن التنفيذ الجبري بالحجز على أموالها فلن يجر إلا إذا امتنعت عن الوفاء بالتزاماتها وبذلك تكون هي التي أخلت بهاته الثقة وسمعتها هذا من جهة ومن جهة أخرى فيسار المدين لا يحول دون التنفيذ ضده وقواعد المحاسبة لا يمكن أن تكون حائلا دون اتخاذ الإجراءات القانونية لمجراها الطبيعي كما لا ينبغي أن يكون من شأنها التضحية بحقوق الغير في مواجهة الإدارة كما أورده الدكتور فتحي والي في كتابه التنفيذ صفحة 177.
و إذا كان مبدأ حضر الحجز على أموال الإدارة يجد مبرره في الصالح العام فإن ذلك يقابله أن احترام مبدأ المشروعية وسيادة القانون واحترام قوة الشيء المقضي به من النظام العام من باب أولى.
لهاته الأسباب تبقى قاعدة الامتناع بدون مبرر عن التنفيذ هي مناط الحجز التنفيذي في مواجهة الإدارة، والواقع العملي لتنفيذ الأحكام الإدارية لبلادنا تؤكد صحة هاته النظرية إذ أنه بمجرد إيقاع الحجز التنفيذي على أموال ومنقولات المرفق البلدي لاستيفاء الديون لعالقة بذمته بكل من الملف التنفيذي عدد 23/98 و30/98 السالفي الذكر بعد تسجيل امتناعه عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضده بادر خلال مسطرة التنفيذ إلى الوفاء بالتزاماته المالية موضوع تلك السندات التنفيذية وهذا ما يضفي على قاعدة الامتناع عن التنفيذ بدون مبرر مصداقية تامة ويجعل نظرية ملاءة الذمة والثقة المفترضة في الإدارة والمانعة من الحجز على أموالها غير مرتكزة على أساس من الصحة.
وقاعدة اعتبار امتناع الغير مبرر عن التنفيذ مناط الحجز التي تضرب في الصميم المبررات التقليدية برد الحجز وتخل بها ليست بالجديدة في الأمر السابق الذكر.بل نادى بها الأمر الإستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإبتدائية بالرباط ـ[22]ـ قبل دخول قانون إحداث المحاكم الإدارية حيز التطبيق وقد كرست المحكمة الإدارية بوجدة ـ[23]ـ هاته القاعدة في ردها على الدفع بعدم قابلية أموال المكتب الوطني للكهرباء بالحجز والتصديق عليه بالأمر السابق ذكره بقولها ” وحيث أنه إذا كان لا يجوز الحجز على المال العام فليس لكون هاته الأموال غير قابلة للحجز مادام أنه لا يوجد أي نص قانوني صريح يمنع من ذلك بل لكون الدولة والمؤسسات العمومية التابعة لها مليئة الذمة ولا يخشى عسرها حسب مقتضيات الفصل 138 من ق ل ع لكن في حالة الامتناع غير المبرر عن تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به كما هو الأمر في نازلة الحال حيث يصر المحجوز عليه على عدم التنفيذ ليس إنكار الحق طالب التنفيذ فيما يطالب به بل لمجرد تقادم المطالبة بإرجاع الدين موضوع السند التنفيذي وكون أموال المكتب لا تقبل الحجز تصبح ملائمة الذمة غير مجدية في التنفيذ ذلك أن التنفيذ لا يشترط فيه عسر المدين بل مجرد عدم الوفاء بدون مبرر” لذلك فالمبررات التقليدية المحتج بها على رد الحجز في مواجهة أشخاص القانون العام من يسر وثقة وقواعد المحاسبة تصبح غير ذي فائدة في تعطيل الحجز في حالة الامتناع بدون مبرر عن التنفيذ إذ أن يسر المدين لا يحول دون التنفيذ عليه أما الثقة في الإدارة فتعتبر مفهوما متجاوزا إذ أن من المفروض أن التنفيذ لن يجر إلا إذا امتنعت الإدارة عن الوفاء بالتزاماتها، وقواعد المحاسبة لئن كانت تبرر منح الإدارة مهلة لاتخاذ التراتيب الإدارية لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدها فهي لا يمكن بحال أن يكون حائلا دون التنفيذ ثم أن مدلول المصلحة العامة الذي ترتكز عليه قاعدة عدم قابلية الأموال العامة للحجز يجب أن يعاد فيه النظر بالاسترشاد لمبادئ النظام العام المتمثل في باب أولى في احترام مبدأ المشروعية الذي باحترامه يحترم النظام العام.
وإذا كانت قاعدة المال الخاص للشخص المعنوي الذي يرصد للتنفيذ كمناط للحجز بمختلف أنواعه قد تأكدت و ترسخت لدى القضاء الإداري من خلال قرار الغرفة الإدارية من المجلس الأعلى السالف الذكر فقد عمد على توسعة هاته القاعدة واستقر اجتهاده على قابلية أموال المؤسسات للحجز بمختلف أنواعه وقد جاء في قراره الجريء ـ[24]ـ الذي يستحق كل تنويه ويعتبر ضامنا حقيقيا للتنفيذ في مواجهة المؤسسات العمومية كشخص من أشخاص القانون العام وهو يجيب عن الدفع بعدم قابلية أموال المؤسسات العمومية للحجز باعتبارها أموالا عامة ما يلي :
” وحيث إنه بخصوص الدفع المتعلق بكون الأموال المحجوزة هي أموال عمومية مصدرها الميزانية العامة للدولة وأنها غير قابلة للحجز فإن الاجتهاد القضائي للغرفة الإدارية قد استقر في عدة قرارات على أن أموال المؤسسات العامة وشبه العمومية ترصد عادة لسد ديون هذه المؤسسات ولتغطية التعويضات التي يحكم بها عليها كما هو الوضع في النازلة إذ المفروض تخصيص بعض أموال هذه المؤسسات لهذا الغرض مما يكون معه جميع الدفوع المثارة غير جديرة بالاعتبار”.
والملاحظ أن القرار المذكور يعتبر تطورا ملموسا في مجال التنفيذ على أموال المؤسسات العمومية وشبه العمومية إذ لم يعد نظر الغرفة الإدارية قاصرا في التنفيذ على أموالها الخاصة المرصودة للتنفيذ المتعلقة بمادة نزع الملكية والاعتداء المادي بل تعدى هذا المجال لشمل كل الديون المترتبة بذمة تلك المؤسسات سواء كانت ناتجة عن نزع الملكية أو الاعتداء المادي أو الصفقات العامة أو غيرها من الديون وانطلاقا من الاجتهاد القضائي القار للغرفة الإدارية للمجلس الأعلى المذكور يمكن القول من الآن بأن معضلة التنفيذ في مواجهة المؤسسات العمومية أو شبه العمومية قد دللت وأنه بإمكان الدائن أن يبادر بإيقاع مختلف الحجوزات على أموالها ضمانا لاستيفاء ديونه. وأن المبررات التقليدية السالفة الذكر التي يحتج بها في مواجهة الدائن لحضر التنفيذ الجبري ضدها قد أصبحت غير مجدية وغير ذات موضوع وتتمنى أن تكرس الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى في قرار لاحق قاعدة الامتناع الغير المبرر عن التنفيذ واعتبارها مناط كل حجز في مواجهة الشخص المعنوي العام عموما.
هذا وإذا كان الاجتهاد القضائي قد استقر على قابلية أموال المؤسسات العمومية للحجز لدى الغير سواء تعلق الأمر بتعويضات في إطار نزع الملكية أو في إطار الاعتداء المادي أو في حالة كل مديونية بصفة عامة فإن مجموعة من الإشكاليات تثار حول مسطرة التصديق على الحجز المذكور وإن كان الأمر يتعلق بمسطرة موحدة بين مختلف المحاكم في إطار وحدة التنظيم القضائي فإن هناك خلاف في التطبيق وتباين في التفسير بين مختلف المحاكم حول مسطرة الحجز لدى الغير منها هل يختص رئيس المحكمة بصفته هاته للتصديق على الحجز أم بصفته قاضي المستعجلات أم الاختصاص في ذلك يرجع لقضاء الموضوع .وهكذا فقد ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة ـ[25]ـ إلى القول بأن رئيس المحكمة يختص بصفته هاته للتصديق على الحجز وليس بصفته قاضي المستعجلات على اعتبار أن الحجز والتصديق عليه مما يدخل في إجراءات التنفيذ التي تشرف عليها مؤسسة الرئيس وقد أقر هذا الاتجاه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ـ[26]ـ بقوله ” حيث إنه من الواضح أن الطلب الحالي وإن كان يكتسي صبغة الاستعجال فإن ذلك لا يعني أن الاختصاص قائم لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات لأن الفصل 494 من قانون المسطرة المدنية ينص على أن الاختصاص للتصديق على الحجز لدى الغير قائم لرئيس المحكمة بصفته هذه لا بصفة قاضي المستعجلات ولا بصفة محكمة موضوع.”
ويثار إشكال آخر حول مسطرة الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي وما إذا كان الأمر يتطلب استصدار أمر قضائي بإيقاع الحجز لدى الغير أم أن الأمر لا يحتاج إلى ذلك ويكفي الاستدلال بالسند التنفيذي لفتح ملف الحجز لدى الغير وأن صراحة الفصل 491 من ق م م الذي ينص على أنه ” يتم حجز ما للمدين لدى الغير بناء على سند تنفيذي أو بأمر يصدره رئيس المحكمة الابتدائية بناء على طلب شرط الرجوع إليه عند وجود صعوبة” تفيد أنه في حالة ما إذا كان المعني بالأمر يتوفر على سند تنفيذي يفتح ملف الحجز لدى الغير مباشرة لدى كتابة الضبط دون حاجة إلى استصدار أمر قضائي وبعد الحجز يتم تبليغ محضر الحجز لدى الغير في المرحلة الأولى إلى المحجوز لديه ثم بعده إلى المحجوز عليه ويشار في محضر التبليغ إلى ضرورة إدلاء المحجوز لديه بتصريحه الإيجابي داخل الأجل المحدد قانونا تحت طائلة ترتيب الجزاء المنصوص عليه بالفقرة الثالثة من الفصل 494 من ق م م.
وبعد إيقاع الحجز وتبليغ محضر الحجز لكل من المحجوز لديه والمحجوز عليه تأتي مرحلة الاتفاق الودي وقد يتباين العمل القضائي حولها حينما تذهب المحكمة التجارية بفاس ـ[27]ـ ضرورة تقديم طلب بذلك مؤدى عنه الرسوم القضائية، تذهب المحكمة التجارية بوجدة ـ[28]ـ إلى استدعاء الأطراف تلقائيا خلال الثمانية أيام الموالية للتبليغات المنصوص عليها بالفصل 492 من ق م م فإذا اتفقت الأطراف على توزيع المبالغ المحجوزة لدى الغير حرر محضر بذلك أي محضر الاتفاق وتبلغ فورا قوائم التوزيع ويضمن منطوق الأمر تضمين اتفاق الأطراف على التوزيع الودي للمبالغ المحجوزة بين يدي الغير وأمر المحجوز لديه بالتسليم الفوري للمبالغ موضوع الحجز إلى المستفيد وذلك في حدود القدر المصرح به بعد صيرورة الأمر نهائيا و هاته الحالة يفترض فيها حضور جميع الأطراف واتفاقهم على التوزيع مع قيام حالة إمكانية الوفاء.
أما في الحالة التي لم يحضر فيها أحد الأطراف ولو مع الإدلاء بالتصريح الإيجابي من طرف المحجوز لديه يحرر محضر بعدم الاتفاق الذي لا يمكن أن يتم في غياب أطراف الاتفاق الدائن والمدين وسجل بمنطوق الأمر عدم اتفاق الأطراف مع إحالة من يهمه الأمر على المسطرة اللازمة في هذا الصدد وهي تقديم طلب المصادقة على الحجز لدى الغير ـ[29]ـ.
هذا وقد ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط ـ[30]ـ في الأمر بالمصادقة على الحجز بموجب الأمر السابق إلى إعمال مسطرة الاتفاق الودي خلال مسطرة المصادقة تلك وقد أيد من طرف الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى ـ[31]ـ وعليه وعلى الرغم من اختلاف العمل القضائي بين مختلف المحاكم حول إعمال مسطرة الاتفاق الودي بناء على طلب أو شكل تلقائي أو داخل مسطرة المصادقة على الحجز كما سلف القول. فإن التطبيق السليم لصياغة الفصل 494 من ق م م[32] يستدعي أن تكون مسطرة الاتفاق الودي بشكل تلقائي من طرف رئيس المحكمة باعتباره المشرف على التنفيذ داخل ثمانية أيام المالية لتبليغ محضر الحجز للمحجوز لديه والمحجوز عليه غير أنه في إطار مسطرة الحجز لدى الغير ينبغي التمييز بين مسطرة الحجز لدى الغير بناء على السند التنفيذي ومسطرة الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي.
مسطرة الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي :
في حالة توفر المعني بالأمر على سند تنفيذي بفتح ملف الحجز لدى الغير مباشرة لدى كتابة الضبط دونما حاجة إلى استصدار أمر قضائي وبعد تبليغ محضر الحجز لكل من المحجوز لديه والمحجوز عليه يستدعي الرئيس الأطراف لحضور جلسة الاتفاق الودي تلقائيا داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ التبليغ بمحضر الحجز فإذا حصل اتفاق بين الأطراف يحرر محضر بذلك ويأمر رئيس المحكمة المحجوز لديه بإيداع المبلغ المحجوز بصندوق المحكمة ليسلم بواسطة عون تنفيذ المحكمة إلى المستفيد أما إذا لم يحصل اتفاق تطبق مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 494 من ق م م باستدعاء الأطراف لجلسة أخرى للاستماع إليهم في مواجهة بعضهم البعض فإذا لم يحضر الأطراف ولم يقع الاتفاق فإن رئيس المحكمة بصفته هاته يتحول من قاض الصلح إلى قاض المصادقة دونما حاجة إلى تقديم دعوى المصادقة على الحجز.
مسطرة الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي :
وهي تقريبا نفس مسطر الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي مع بعض المفارقات إذ أنه بمجرد استصدار الأمر القضائي بالحجز لدى الغير واستيفاء تبليغات محاضر الحجز المنصوص عليها بالفصل 492 من ق م م بفتح ملف الاتفاق الودي من طرف كتابة الضبط ويستدعي الرئيس الأطراف تلقائيا إلى جلسة الاتفاق الودي مع التنصيص على الجزاء المترتب في مواجهة المحجوز لديه إن لم يدل بالتصريح الإيجابي داخل الأجل القانوني وإذا وقع الاتفاق يحرر محضر بذلك ويأمر رئيس المحكمة المحجوز لديه بإيداع المبلغ المحجوز بصندوق المحكمة الذي يسلم بعد ذلك من طرف كتابة الضبط للمستفيد وإذا لم يتم الاتفاق سجل محضر عدم الاتفاق مع إحالة الأطراف على سلوك المسطرة اللازمة للمصادقة على الحجز لدى الغير.
والملاحظ أن المفارقات الموجودة بين مسطرة الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي ومثيلتها بناء على أمر قضائي. هي أن الأولى تتم بشكل تلقائي دونما حاجة إلى استصدار أمر قضائي ويتحول خلالها قاضي الصلح الذي هو عمليا رئيس المحكمة خلال مسطرة الاتفاق الودي في حالة عدم اتفاق الأطراف إلى قاضي المصادقة على الحجز دونما حاجة إلى تقديم دعوى المصادقة على الحجز بينما تكون الحالة معاكسة بمسطرة الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي. إذ تفتح مسطرة الحجز هنا بناء على أمر قضائي وفي حالة تسجيل عدم اتفاق الأطراف يحال المعني بالأمر على المسطرة اللازمة وهي تقديم طلب المصادقة على الحجز بمعنى أن طلب المصادقة يجب أن يقدم من طرف الحاجز طبقا لقواعد المسطرة المدنية ولا ينظر فيه بشكل تلقائي من طرف رئيس المحكمة كما هو الأمر في الحالة الأولى .
هذا وإذا كانت الفقرة الثالثة من الفصل 494 من ق م م تنص على جزاء الحكم على المحجوز لديه الذي لم يحضر أو لم يقدم تصريحه داخل الأجل القانوني بأداء الاقتطاعات التي لم تقع والمصاريف فإن تقديمه للتصريح الإيجابي ولو بعدم حضوره يغني عن ترتيب الجزاء المذكور كما أن العمل القضائي بمختلف المحاكم الإدارية قد تباين مرفقه حول الجزاء المقرر أعلاه بينما يذهب البعض إلى تحميل المحجوز لديه جميع الاقتطاعات التي لم تقع أي مبلغ الدين المعني بالحجز فضلا عن المصاريف يذهب الآخر إلى ضرورة تحميل المحجوز لديه فقط المبالغ المالية الموجودة بحوزته التي لم يصرح بها فضلا عن المصاريف.
هاته مجموعة من الإشكاليات حول مسطرة الحجز لدى الغير كان لابد من إثارتها بمناسبة معالجة إشكال الحجز لدى الغير في مواجهة أشخاص القانون العام باعتبار أن الأمر يتعلق بقضاء موحد، الذي يعني حتما وحدة المسطرة ووحدة التنفيذ.
اترك تعليقاً