الحقوق غير المالية تتمثل في الحقوق اللصيقة بشخصية الانسان وحقوق الاسرة ، وعليه يمكننا الاشارة الى الحقوق اللصيقة بشخصية الانسان ( حقوق الشخصية ) وما يتفرع عنها من حماية لكيانه المادي ، وحماية لكيانه الادبي ، فضلاً عن الاشارة الى حقوق الاسرة .
أ – الحقوق اللصيقة بشخصية الانسان ( الحقوق الشخصية ) : ان مصطلح الحقوق الشخصية لا يعبر بوضوح عن الحقوق التي تدخل في مدلوله ، لان كل انواع الحقوق مسخرة لخدمة الشخص ، سواء اكانت حقوقاً مالية ام غير مالية ، بل ان الغاية من وجود القانون هي كفالة حياة منظمة للفرد عن طريق تنظيم الحقوق ، بمعنى اخر الانسان هو غاية التنظيم الاجتماعي ، لذلك كانت حماية كيانه المادي والمعنوي من اساسيات النظام القانوني ، فهذه الحماية انما ترد على قيم وعناصر لازمة لوجود الانسان واستمرار تقدمه في المجتمع (1) .
وعلى الرغم من ذلك هناك من الحقوق ما يكون ذا صلة وثيقة بالشخص ، وبعضها ما لا يكون كذلك ، ومعنى الاتصال الوثيق للحق بشخص الانسان ان يثبت الحق لكل فرد في المجتمع ، وبهذا يطلق عليه اصطلاح الحقوق الشخصية (2) ، ومهما يكن من امر فقد اتفق غالبية الفقهاء(3) على عدم جدوى وضع قائمة تضم تلك الحقوق ، على حين استقروا فيما بعد على ردها الى مجموعات ترتبط فيما بينها وحدة الغرض ، وهو اتصالها الوثيق بشخص الانسان وضرورتها لحمايته (4) ، وهذه المجموعات يمكن ردها الى :
1- الحقوق التي تتعلق بحماية كيان الانسان : ومما يدخل ضمن هذه الحقوق التي تهدف الى حماية كيان الشخص ، الحقوق التي تحمي كيانه المادي مثل حق الشـخص في الحياة ، وحقه في سلامة جسده ، وفي عدم انتهاك حرمته بعد موته ، وحقه في التصرف المادي القانوني(5)، فلقد كان الكيان الجسدي للانسان وما يزال محلا للحماية القانونية المتشددة سواء في نطاق القانون الجنائي(6) ام في القوانين الاخرى كالقانون الدستوري او المدني ، وكذلك يدخل ضمن هذه المجموعة من الحقوق تلك التي تحمي الكيان الادبي ، كالحق فـي الشرف والاعتبار ، وكل ما يتعلق بالمقومات المعنوية للشخص (7) … .
2 – حق الانسان في تمييز ذاته : وهي الحقوق التي تهدف الى تمييز الشخص في ذاته وتحديده عن غيره ، كالحق في الاسم ، والحق في الشكل والحق في السرية (8) ، فالقانون يحمي حق الانسان في اسمه مهما كانت طبيعته ، واما الحق في الشكل فانه يتمثل بحق الانسان ان يمنع نشر صورته او تقليدها ، واما الحق في السرية فهو ينطوي على عدم اذاعة صفات الشخص المادية والمعنوية التي لا يريد لغيره ان يعلمها ، ومن هذا المنطلق ، فقد كفل القانون سرية المخاطبات ، وحظر عدم اذاعة ما يتصل الى علم الشخص عن طريق مهنته(9) . ومما لا شك فيه ان احترام الشخصية الانسانية يقتضي ان يعترف له على انتاجه الذهني من افكار واخيلة ليهيمن عليها ، ويحق له نشرها او منعها من النشر او تعديلها على الصورة التي يرتئيها ، كما تجعل له ان يتحكم ويستاثر بالفوائد المالية التي قد تنتج من هذا الاستغلال ، فهذه الحقوق تسمى بالحقوق الذهنية المعنوية ومنها الحق الادبي للمؤلف ، والاسماء والعلامات والبيانات التجارية(10) وغيرها . فبعد الاشارة الى الحقوق الشخصية نستلهم الوقوف على بعض الخصائص التي تتــميز بها و يتحدد مفهومها من خلالها وهي :
1 – انها حقوق مطلقة ، أي ان الالتزام بها يقع على عاتق الجميع قبل صاحب الحق .
2 – انها حقوق لا تقوم بالمال ، بمعنى انها لا تجري عليها المعاوضة اصلا ، ومن ثمفانها لا يمكن ان تقاس بالمقياس الذي تقاس به الاموال وهي النقود(11) .
3 – الحقوق الشخصية لا تقوم بالمال ، ومن ثم فانها غير قابلة للتصرف فيـها او انتقالها للورثة ، فعلى سبيل المثال يجوز لا عضاء اسرة المتوفى الذي اعتدي على اسمه اوعلى احد حقوق شخصيته رفع دعوى ضد المعتدين بصفتهم الشخصية ، لا باعتبارهم ورثة ، بل باعتبارهم اصحاب حقوق خاصة بهم بصفة شخصية(12) .
4 – انها حقوق لا تسقط بالتقادم فحق الانسان على اسمه لا يسقط بعدم استعماله مدة طويلة(13) .
ب- حقوق الاسرة :
وهي تلك الحقوق التي تثبت للانسان بوصفه عضوا في اسرة معينة ، وتنشا هذه الحقوق من الزواج او القرابة ومن ثم فهي تثبت لكل من الزوجين قبل الاخر او للأقارب بعضهم على بعض ، وتنظم هذه الحقوق في الدول العربية احكام الشريعة الاسلامية بالنسبة الى الاسرة المسلمة ، اما بالنسبة الى غير المسلمين فتنظم هذه الحقوق شرائعهم (14) .
______________________
1- ينظر : د. حمدي عبد الرحمن ، الحقوق والمراكز القانونية ، دار الفكر العربي ، القاهرة ،
1976م ، ص40 .
2- وهناك تسميات اخرى لهذه الحقوق ، كالحقوق الطبيعية ، او الحقوق العامة او حقوق الانسان وايا كانت التسمية ، فانها تتوخى غاية واحدة تتمثل بضمان حماية الشخصية وازدهارها . ينظر : د. محمد عبد العزيز ابو سخيلة ، حقوق الانسان في الشريعة الاسلامية وقواعد القانون الدولي ، بدون مكان طبع ، 1985م ص14 .
3- ينظر : د. عبد الحي حجازي ، نظرية الحق في القانون المدني ، مكتبة سيد عبد الله وهبة ،
بدون مكان وسنة طبع ، ص26 ، اذ يشير الى ان الفقيه ( جيرك ) قد اصاب في قوله في ان طائفة الحقوق الشخصية لا يمكن حصرها لانها لا تنفد .
4- ينظر : د. جابر ابراهيم الراوي ، حقوق الانسان وحرياته الاساسية في القانون الدولي والشريعة
الاسلامية ، ط(1) ، دار وائل للنشر ، عمان ، 1999م ، ص169 .
5- ينظر : د.حسام الدين كامل الاهواني ، المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الاعضاء البشرية ،
بدون مكان طبع ، 1970م، ص3 .
6- ينظر : استاذنا الفاضل الدكتور حسن عودة زعال ، التصرف غير المشروع بالاعضاء البشرية في
القانون الجنائي ، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون في جامعة بغداد سنة 1995 .
7- ينظر : د. عبد الحي حجازي ، مصدر سابق ، ص26 ، اذ يرى ان الحقوق الشخصية يمكن تصنيفها
الى: حق الشخص في تمييز ذاته ، وحقه في سلامة كيانه البدني ، وحقه في حماية كيانه الادبي ، وحقه
في سلامة حرياته الشخصية وحقه في سلامة كيانه الفكري .
8- نعتقد ان هذه المجموعة هي جزء لا يتجزا عن سابقتها وهي الحقوق التي تتعلق بحماية كيان الانسان ، او ربما لان البعض منها ذات طبيعة مختلطة ، مما ذهب ببعض الكتاب الى فصلها عن غيرها من الحقوق
المتعلقة بحماية كيان الانسان .
9- ينظر : د. احمد سلامة محاضرات في المدخل للعلوم القانونية، نظرية الحق في القانون المدني،
المطبعة العالمية، القاهرة، 1960م ، ص50 .
10- ينظر : د. حسن كيره ، المدخل لدراسة القانون ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1970م ، ص428 ، ص632، الا ان البعض يرى ان الاسماء والعلامات التجارية لا تعد من الحقوق الذهنية ينظر : د. منصور مصطفى منصور، المدخل للعلوم القانونية، نظرية الحق، مكتبة عبد الله وهبة،مصر، 1962م ، ص68 .
11- ليس معنى ذلك ان الاعتداء على هذه الحقوق لا يستحق عنه تعويض نقدي ، فالعتداء على هذه الحقوق قد يترتب عليه ضرر مالي مباشر ، كحالة الاعتداء على حق المؤلف ، او ضرر مالي غير مباشر كما في الاعتداء على الكيان الجسدي للشخص ، ففي هذه الحالات لا جدال في وجوب الالتزام باصلاح الضرر ، حتى في الضرر الادبي الذي يصيب النفس من الم وحزن ، فهو يستحق التعويض الذي يقدر غالبا في التقريب بين الضرر والتعويض . ينظر : د. عبد الحي حجازي ، مصدر سابق ، ص45 وما بعدها .
12- ينظر : د. عبد الله مبروك النجار ، الضرر الادبي ومدى ضمانه في الفقه الاسلامي والقانون ، ط(1) ، بدون ستة طبع ، 1990م ، فقرة 355 وما بعدها .
13- ينظر : د. احمد سلامة، مصدر سابق ، ص56 ، وكذلك د. حسن كيرة ، مصدر سابق ، ص596 .
14- فحقوق المسيحيين تحكمها الشريعة المسيحية ، واليهود تحكمهم الشريعة اليهودية ، ينظر : عبدا لله مبروك النجار ، تعريف الحق ومعيار تصنيف الحقوق ، ط(2) دار النهضة العربية ،القاهرة ، 2001م ، ص73 . وعن حقوق الاسرة بشكل عام ، ينظر : د. عبد الحي حجازي ، مصدر سابق ، ص47 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً