بقلم ذ عبد القادر بنعدو
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عضو نادي قضاة المغرب بفاس
لقد حضي ميدان الأعمال بالمغرب بإصلاحات تشريعية مهمة شملت مختلف القطاعات والميادين ، من بينها قطاع المقاولات ، والذي اصبح يعاني من إخلالات جمة سواء على
مستوى تبسيط المساطر الإدراية أو عن طريق ترسيخ ثقة المستعمر في مساطر تشريعية قادرة على إنعاش المقاولة والمحافظة عليها بالرغم مما قد تتعرض له من صعوبات في مختلف مراحل حياتها
وقد أبانت التجربة العملية على مستوى المحاكم التجارية قصور النص التشريعي المنسوخ عن مواكبة المقاولة المريضة ومعالجتها ، لكون أن أغلب المقاولات لا تلتجئ إلى المساعدة القضائية إلا وقد استفحل الداء في كيانها مما يتعذر معه حينئذ أي علاج ، مما يكون مآلها الإقبار عن طريق التصفية القضائية
وقد فطن المشرع إلى هذا الخلل التشريعي ، وجاء بنظرة استباقية هدفها التغلب على الداء قبل الإستفحال من خلال مسطرة الإنقاذ بالرغم من الإنتقادات الموجهة لها ، بالإضافة إلى إزالة الغموض وتوضيح مفاهيم بعض المؤسسات وحذف بعضها ، وتشجيع من يساهم في إٍرجاع المقاولة إلى حياتها الطبيعية من بعض الإمتيازات التي تستفيذ منه المقاولة ذاتها
وتعتبر مسطرة الإنقاذ من أهم المستجدات التي أتى بها قانون 17 /73 ، فما هي إذن أهداف وخصائص ومميزات هذه المسطرة ؟ وما هي شروط وآثارها على نشاط واستمرارية المقاولة ؟
: إن الإجابة على إشكالية هذا الموضوع تتطلب منا تقسيمه إلى نقطتين أساسيتين
: النقطة الأولى : أهداف ومميزات مسطرة الإنقاذ
لقد أفرد المشرع لمسطرة الإنقاذ القسم الثالث من الكتاب الخامس المتعلق بصعوبات المقاولة، وذلك بالنظر لأهمية هذه المسطرة ، لكونها تهدف إلى إنقاد المقاولة مما يمكن ان يعترضها من صعوبات على مستوى مراحل حياتها
أولا : أهداف مسطرة الإنقاذ بالرجوع إلى مقتضيات المادة 560 من مدونة التجارة نجدها تنص على أنه : ” تهدف مسطرة الإنقاذ إلى تمكين المقاولة من تجاوز الصعوبات وذلك من أجل ضمان استمرارية نشاطها والحفاظ على ” مناصب الشغل وتسديد خصومها
ويمكن القول على أن الأهداف الحقيقية لهذه المسطرة تكاد تنطبق مع نفس أهداف مسطرة التسوية القضائية اللهم فقط فيما يتعلق بحالة المقاولة ، فهي تكون في وضعية توقف عن الدفع في مسطرة التسوية القضائية ولا تكون كذلك في مسطرة الإنقاذ ، ويمكن إجمال هذه الأهداف كالآتي
: تمكين المقاولة من تجاوز الصعوبات إن المقاولة أثناء مراحل حياتها قد تعترضها مجموعة من الصعوبات راجعة إما إلى أخطاء في التسيير أو المنافسة أو مشاكل في التسويق او تكلفة اليد العاملة ، أو إلى غير ذلك من الصعوبات التي تتخد طابع صعوبات اقتصادية ( المنافسة – تقلب أسعار السوق ) أو اجتماعية ( إضرابات العمال ) أو مالية ( غياب السيولة ) أو قانونية ( تعذر البث في جدول أعمال المقاولة أو تعذر انعقاد الجموع العامة للشركة ) ، ففي هذه الحالة تكون المقاولة في حاجة إلى المساعدة من أجل تجاوز هذه الصعاب ، لذلك أتى المشرع بمسطرة الإنقاذ الهدف الأساسي من ورائها هو تجاوز هذه الصعوبات
: ضمان استمرارية نشاط المقاولة إن الهدف الأساس من تدليل الصعاب التي قد تعترض المقاولة هو الحفاظ على استمرارية نشاطها ، إذ أن توقف نشاط المقاولة قد يترتب عنه آثار وخيمة سواء ليس للمقاولة فحسب وإنما بالنسبة للمتعاملين معها وكذا الإقتصاد الوطني ككل
: الحفاظ على مناصب الشغل إن الهدف الأساسي من تشجيع إنشاء المقاولة هو تشغيل الشباب وامتصاص البطالة ، وأنه بالحفاظ على نشاط المقاولة الزيادة في إنتاجها سيؤدي حتما في الزيادة في مناصب الشغل وبالتالي القضاء على معضلة البطالة
: تسديد الخصوم إن أهم ما يعترض المقاولة في حياتها هو تعثر أدائها للديون الحالة في وقتها مما يترتب عنه أضرار بالمقاولة نتيجة توقف تمويلها وفقدان الثقة بها ، وهو ما تهدف إليه مسطرة الإنقاذ عن طريق إيجاد حل توافقي بخصوص أداء الديون المتعثرة التي تكون بدمة المقاولة
: ثانيا : خصائص مسطرة الإنقاذ
إن ما يميز مسطرة الإنقاذ هو كونها مسطرة اختيارية لا يتم اللجوء إليها إلا بناء على رغبة رئيس المقاولة الذي يحس بأن مقاولتها تعيش أزمة مؤقتة قد يتم التغلب عليها إذا ما تمت مساعدته عن طريق مسطرة الإنقاذ ، وبذلك فهي ليس بمسطرة إجبارية وهذا بصريح نص المادة 561 من مدونة التجارة التي نصت على أنه : ” يمكن أن تفتح مسطرة الإنقاذ بطلب من ” …….كل مقاولة
النقطة الثانية : شروط وآثار فتح مسطرة الإنقاذ
أولا : شروط افتتاح المسطرة
: يمكن إجمالها في
1 – ضرورة تقديم طلب من طرف رئيس المقاولة ما دامت أن المسطرة اختيارية فإنه لا يتم اللجوء إليها إلا بناء على طلب من طرف رئيس المقاولة
2 – ضرورة إرفاق الطلب بالوثائق المنصوص عليها بالمادة 577 من مدونة التجارة وهي كالآتي
القوائم التركيبية لآخر سنة مالية مؤشر عليها من طرف مراقب الحسابات إن وجد –
جرد وتحديد قيمة جميع الأموال المقاولة المنقولة والعقارية –
قائمة بأسماء الدائنين مع الإشارة إلى عناوينهم ومبلغ مستحقات المقاولة والضمانات الممنوحة لها بتاريخ التوقف عن الدفع –
قائمة بأسماء المدينين مع الإشارة إلى عناوينهم ومبلغ مستحقات المقاولة والضمانات الممنوحة لها بتاريخ التوقف عن – الدفع
جدول التحملات –
قائمة الأجراء وممثليهم عن وجدوا –
نسخة من النمودج رقم 7 من السجل التجاري –
وضعية الموازنة الخاصة بالمقاولة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة –
وفي حالة تعذر تقديم إحدى هذه الوثائق وجب على رئيس المقاولة أن يبين الأسباب التي حالت دون ذلك تحت طائلة الحكم بعدم قبول طلبه دون الحاجة إلى إنذاره من طرف المحكمة
3 – توضيح نوع الصعوبات التي تعترض المقاولة الإشكال الذي يطرح في الحالة التي لم يبين فيها رئيس المقاولة بشكل واضح الصعوبات التي تعترضه ، أظن بانه يمكن للمحكمة تدارك ذلك أثناء إجراءات المسطرة واستجوابه عنها أثناء الإستماع إليه بغرفة المشورة
4 – ألا تكون المقاولة في حالة توقف عن الدفع إن أهم ما يميز هذه المسطرة عن باقي المساطر القضائية الأخرى هو أن المقاولة لا زالت لم تصل بعد إلى مرحلة التوقف عن الدفع وأنها في وضعية قريبة من التوقف عن الدفع وفق ما نصت عليه المادة 561 من مدونة التجارة ، وإلا تم تحويل المسطرة إلى تسوية أو تصفية قضائية بحسب حالة المقاولة
5 – ضرورة إرفاق الطلب بمشروع مخطط الإنقاذ : إن ما يعبر عن جدية طلب رئيس المقاولة وعن حسن نيته في التغلب على صعاب المقاولة هو هذا المخطط الذي يكون الهدف منه هو تشخيص وضعية المقاولة وإيجاد حلول كفيلة بتصحيح مسارها ، وقد نصت المادة 562 من مدونة التجارة على أنه : ” يجب على رئيس المقاولة تحت طائلة عدم القبول ” أن يرفق طلبه بمشروع مخطط الإنقاذ
ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع لم يقرن باقي شروط المسطرة بجزاء صريح ، إلا فيما يخص شرط إرفاق الطلب بمخطط الإنقاذ لما في ذلك من أهمية لكونه ينم عن حسن نية رئيس المقاولة وجديته في إيجاد حل لصعوبات مقاولته
6 – ضرورة إيداع مصاريف المسطرة جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 561 من مدونة التجارة على أنه : ” يحدد رئيس المحكمة عند تقديم طلب فتح مسطرة الإنفاذ مبلغا لتغطية مصاريف الإشهار وتسيير المسطرة يودع فورا بصندوق ” المحكمة من طرف رئيس المقاولة
وبهدف التخفيف على المقاولة التي تعترضها صعوبات وتفاديا لمشاكل السيولة التي غالبا ما تكون هي المشكل الرئيسي وراء تدهور حال المقالة ، فتح المشرع إمكانية أداء مصاريف المسطرة من قبل أحد دائني المقاولة على أساس أن تحظى ديونه بأولوية الإمتياز في الأداء بعد فتح المسطرة
لكن ما هي المعايير الذي سوف يعتمد عليها رئيس المحكمة في تحديد قيمة مصاريف المسطرة ، مع العلم ان تكلفة هذه المسطرة تختلف بحسب حجم المقاولة ، لذك أعتقد بأنه سيتم اعتماد منطق جزافي في تحديد مصاريف هذه المسطرة
ثانيا : آثار فتح مسطرة الإنقاذ
بعد توفر كل الشروط المشار إليها أعلاه ، فإن المحكمة تملك كامل الصلاحية في تشخيص وضعية المقاولة وفهم المشاكل التي تتخبط فيها ، ويمكن لها اتخاد كافة الإجراءات والتدابير التي تسمح لها بتكوين فكرة كاملة حول وضعية المقاولة بما في ذلك الإستماع لأي شخص يمكن أن يفيد المحكمة في معرفة الوضعية الحقيقية للمقاولة والإطلاع على كافة الوثائق المحاسبية المتعلقة بها دون الإحتجاج في مواجهتها بالسر المهني ، كما يمكن لها الإستعانة بخبرة حسابية
وبذلك فإن المحكمة بعد تكوين قناعتها فإنها تتخذ إحدى القرارات التالية : إما فتح مسطرة الإنقاذ في حق المقاولة الطالبة وإما النطق بتحويل المسطرة إلى تسوية أو تصفية قضائية بحسب وضعية المقاولة او قفلها او بعدم قبول الطلب في الحالات المشار إليها أعلاه
في حالة الحكم بفتح مسطرة الإنقاذ في هذه الحالة تقوم المحكمة بتعيين السنديك والقاضي المنتدب ونائبه ، ويسري أثر الحكم من تاريخ صدوره ويشار إليه في السجل التجاري ويقوم كاتب الضبط بنشر إشعار بالحكم وينشر في الجريدة الرسمية وفي سجل المحافظة العقارية ويبلغ إلى رئيس المقاولة والسنديك
كما أن المحكمة عليها أن تحدد مدة لتنفيذ المخطط على ألا تتجاوز مدة أقصاها 5 سنوات ، ويترتب عن حكم فتح المسطرة مجموعة من الآثار
يحافظ رئيس المقاولة على كامل صلاحياته في التسيير ويخضع لمراقبة السنديك في كل أعمال تصرفه بما في ذلك تنفيذ + مقتضيات المخطط ويرفع بذلك تقريرا إلى القاضي المنتدب
يجب على رئيس المقاولة أن يقدم لائحة بجميع أموال المقاولة المنقولة والضمانات المثقلة بها بما في ذلك حقوق المقاولة على + الأغيار والتي يمكن أن تكون محل دعوى استرداد
يستفيد الكفلاء سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو معنويين من مقتضيات المخطط ومن وقف سريان الفوائد +
يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور الحكم والمتعلقة بحاجبات سير المسطرة أو بنشاط المقاولة في تواريخ + استحقاقها ، وإلا فتؤى بالأولوية على باقي الديون الخرى سواء كانت عادية أو مقرونة بامتياز
في حالة عدم الإستجابة للطلب تقرر المحكمة إما فتح مسطرة التسوية القضائية في حق المقاولة كلما تبين لها أنها في حالة توقف عن الدفع وان هناك إمكانية لاستمرارية نشاطها ، وإما أن تقرر التصفية القضائية في حقها كلما تبين لها أن المقاولة تعيش إخلالات يستحيل معها استمرار نشاط المقاولة
حالة فسخ المخطط والنطق بتحويل المسطرة إما إلى تسوية او تصفية قضائية في هاته الحالة فإن المحكمة تقرر مسطرة الإنقاذ في حق المقاولة لكن قد لا تستطيع المقاولة تنفيذ الإلتزامات المضمنة بمخطط الإنقاذ ففي هذه الحالة يقوم السنديك برفع تقرير بذلك إلى القاضي المنتدب الذي بدوره يتأكد من ذلك ويحيل تقريره إلى غرفة المشورة التي تتخذ كافة الإجراءات اللازمة للتأكد من كون المقاولة غير قادرة على تنفيذ مقتضيات المخطط وتقرر بعد ذلك إما النطق بتحويل المسطرة إما إلى تسوية وفي هاته الحالة يجب على الدائنين الخاضعين للمخطط أن يصرحوا بديونهم وضماناتهم كما وردت في المخطط بعد خصم المبالغ التي تم استيفاؤها خلال سريان مسطرة الإنقاذ أو إلى تصفية قضائية على حسب حالة المقاولة الخاضعة لمسطرة الإنقاذ وفي هاته الحالة يجب على الدائنون الخاضعون للمخطط أن يصرحوا بكامل ديونهم وضماناتهم بعد خصم ما تم استيفاؤه أثناء سريان مسطرة الإنقاذ
الحكم بقفل مسطرة الإنقاذ في الحالة التي تلتزم فيها المقاولة بمضمون مخطط الإنقاذ
خاتمة : يمكن القول على أن مسطرة الإنقاذ التي استلهمها المشرع من القانون الفرنسي ، هي مسطرة حديثة ومن شانها ان تساعد على إنقاذ المقاولة قبل وقوعها في حالة أزمة يستحيل معها أي علاج ، إذا ما استعملت هذه المسطرة وفق الغاية التي ” أرادها المشرع من سنها وهي ” الوقاية خير من العلاج
بقلم ذ عبد القادر بنعدو
عضو نادي قضاة المغرب بفاس
اترك تعليقاً