أهمية تقنين الأحكام القضائية!
د.سعد بن عبدالقادر القويعي
عندما ترفع هيئة كبار العلماء في المملكة مشروع “تدوين، وتقنين الأحكام الشرعية” – قبل أيام -، إلى المقام السامي؛ لاعتماده، بعد أن تمت دراسة المشروع – منذ أكثر من ثلاثة عقود -، فإن مشروعاً كهذا، سيحقق العدل بين المتنازعين. وسيحد من اختلاف الأحكام، وتباينها من قضاة محكمة لأخرى، أو حتى بين قاض، وآخر.
وسيوفر الوقت، والجهد، والنفقات عند استقرار هذه الأحكام.
يصعب على القضاة الإلمام بالأحكام، والمصطلحات الفقهية، والرجوع إليها عند الحكم في قضية من القضايا المنظورة أمامهم؛ مما يحتّم ضرورة الدعوة إلى تقنين الأحكام القضائية، وصياغتها في صور مواد نظامية ملزمة، ومبوبة حسب الموضوعات التي تنتظمها، ومناقشة أدلتها، والخروج بالرأي الراجح. ولن يكون التقنين حجر عثرة أمام القضاة، ولن يمنعهم من ولوج باب الاجتهاد بحسب ما تولده الحياة المعاصرة من مستجدات. بل سيترتب عليه وجود ثروة هائلة من تلك الأحكام، وسيسهل مهمة القاضي في الرجوع إليها؛ ليعرف الحكم في القضية المعروضة عليه، ومن ثم تطبيقه مباشرة.
على أي حال، فإن إقرار هيئة كبار العلماء لموضوع تدوين الأحكام القضائية، هو تأسيس شرعي للموضوع من قبل المرجعية العلمية المختصة بهذا الأمر في هذه البلاد، وسينسف دعاوى الممانعين لفكرة التقنين ممن يرفضونها، بدعوى أنها دخيلة على قضائنا، أو من يدفع بانتفاء تخصص مروجيها. فالوضع القائم ليس في مستوى المأمول حصوله، إذ إن تباين الأحكام القضائية الصادرة عن القضاة في قضية واحدة، بسبب ترك الأمر لاجتهاد القاضي، واختياره من الآراء الفقهية ما يشاء، قد يُشعر الناس بعدم تحقق المساواة بينهم، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى اضطراب، وعدم ثقة بتلك الأحكام.
أعلم يقيناً أن موضوع تقنين الأحكام الشرعية، هو موضع اهتمام الدولة، وهو محل رعاية وزير العدل – الدكتور – محمد العيسى. فجهود التقنين حاضرة، وخطواتها متتالية؛ ومن أجل احتواء الفكرة، وترجمتها على أرض الواقع، وجعل الأنظمة تتماشى مع التطورات الجديدة في الحياة العامة، فإن الإسراع في تقنين الأحكام القضائية، أصبح مطلباً مهماً، من شأنه أن يؤدي إلى تطبيق المحاكم للنظام، – وبالتالي – ضمان استمرار تطبيق النظام من قضية لأخرى.
إن ترشيد الأحكام المختلفة في القضايا المتشابهة، واختصار الوقت، وفترات التعاطي في المحاكم الشرعية، مع الاستفادة من التجارب السابقة للتقنين، سيجد اعتباره في إلحاح الظرفية المعاصرة عليه، وسيولد رضا اجتماعياً عن نتائجه، أسوة بقضايا المخدرات، والرشوة، والتزوير، وغيرها من القضايا، والتي تندرج تحت أنظمة صادرة بمراسيم ملكية. فالحاجة أصبحت ملحة، والإلزام بالحكم أمر لا بد منه؛ رعاية للمصلحة العامة، وحفظاً للحقوق، وإبقاءً على العمل بأحكام الشريعة في المحاكم الشرعية.
اترك تعليقاً