أهمية تنظيم تنفيذ الأحكام الأجنبية في السعودية
د. محمد عرفة
لقد نص نظام المرافعات الشرعية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/21) وتاريخ 20/5/1421هـ على كيفية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم السعودية في الباب الثاني عشر (المواد من 196 إلى232 )، التي تناولت القواعد العامة لتنفيذ الأحكام القضائية، وإجراءات حجز ما للمدين لدى الغير، والحجز التحفظي، والتنفيذ على أموال المحكوم عليه، وتوقيف المدين، وبينت اللوائح التنفيذية لهذا النظام أن القاضي المشرف على قسم الحجز والتنفيذ هو رئيس المحكمة أو قاضي التنفيذ. ولم يتضمن هذا النظام ولوائحه التنفيذية نصوصاً توضح كيف يتم تنفيذ الأحكام والسندات الرسمية الصادرة في بلد أجنبي؛ ولم يتضمن نظام التحكيم السعودي ولائحته التنفيذية نصوصاً تنظم كيفية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في السعودية.
ولكن المادة (13/ ز) من نظام ديوان المظالم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ 19/9/1428هـ (الذي حل محل نظام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 17/7/1402هـ) قد نظمت مسألة الاختصاص بتنفيذ الأحكام الأجنبية في السعودية؛ حيث تنص على أن المحاكم الإدارية تختص بالفصل في “طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية وأحكام المحكمين الأجنبية”.
ومع ذلك فإننا نلاحظ أن هذه المادة لم تأت بجديد؛ إذ إن المادة (8/) من نظام ديوان المظالم لعام 1402هـ كانت تتضمن نصاً مماثلاً يُسند الاختصاص في تلك المسألة إلى الديوان. ولذا فإن تنفيذ الأحكام الأجنبية في السعودية أو الأحكام الصادرة من المحاكم السعودية في الخارج يتم طبقاً لقواعد القانون الدولي الخاص إما استناداً إلى مبدأ المعاملة بالمثل في ظل عدم وجود اتفاقية دولية ثنائية بين السعودية والدولة الأجنبية التي صدر الحكم القضائي الأجنبي أو حكم التحكيم الأجنبي المراد تنفيذه على إقليمها أو تلك التي يراد تنفيذ الحكم الصادر عن المحاكم السعودية على إقليمها؛ وإما استناداً إلى اتفاقية دولية جماعية وقعت وصادقت عليها السعودية في مجال تنفيذ الأحكام الأجنبية.
وأهم تلك الاتفاقيات: اتفاقية تنفيذ الأحكام القضائية بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية لعام 1952، واتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي بين الدول العربية لعام 1403هـ (1983)، واتفاقية الإنابات والإعلانات بين دول مجلس التعاون الخليجي لعام 1416هـ، واتفاقية نيويورك لعام 1958 المتعلقة بالاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها؛ حيث صادقت عليها في عام 1414هـ؛ فضلاً عن عدد من الاتفاقيات الثنائية التي تم توقيعها مع بعض الدول، ومن ثم فإن نصوص تلك الاتفاقيات تكون هي الواجبة التطبيق على تنفيذ الأحكام الأجنبية في السعودية وعلى تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم السعودية في الخارج، سواء كانت سابقة أو لاحقة على صدور هذا النظام، وهذا ما أكدته صراحة المادة (196/4) من اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية السعودية؛ حيث تنص على أن:” تراعى أحكام اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي إذا كان الحكم المطلوب تنفيذه خارج المملكة”؛ ولكن النظام لم يتطرق وكذلك لوائحه التنفيذية، لبيان القواعد والآليات المنظمة لتنفيذ الأحكام القضائية وأحكام المحكمين الأجنبية. وعلى ذلك فإنه طبقاً لهذه القواعد النظامية والاتفاقية يُمكن إصدار الأمر بتنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية وقرارات التحكيم الأجنبية في السعودية؛ إلا أن الحكم القضائي أو حكم التحكيم الصادر في دولة أجنبية لا يكون قابلا للتنفيذ في السعودية إلا إذا صدر أمر بالتنفيذ من الجهة القضائية المختصة (وهي المحاكم الإدارية في ديوان المظالم)، وذلك بناء على طلب يقدم من طالب التنفيذ لهذه الجهة لوضع الأمر بالتنفيذ على الحكم أو السند الرسمي، ويجب على تلك الجهة أن تتحقق أولاً من توافر الشروط التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها السعودية، ثم تتحقق ثانياً من توافر الشروط التي ينص عليها نظام المرافعات الشرعية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام الوطنية الداخلية قبل إصدار هذا الأمر.
ولكن صدور الأمر بالتنفيذ من المحكمة الإدارية المختصة لا يكفي وحده للتنفيذ بمقتضى الحكم القضائي أو حكم التحكيم الأجنبي، بل يجب أن توضع عليه الصيغة التنفيذية حتى يعد سنداً تنفيذيا، ويجب كذلك أن يتم إعلان هذا الحكم للمحكوم عليه، وأن تتخذ جميع مقدمات التنفيذ التي نص عليها نظام المرافعات الشرعية، كما يتعين مراعاة المواعيد التي حددها هذا النظام أثناء مباشرة التنفيذ، ومن ثم فبمجرد وضع الصيغة التنفيذية على الحكم الأجنبي فإن المحكوم له يسلك إجراءات تنفيذ الأحكام والسندات الرسمية الداخلية نفسها.
وتبدو أهمية تنفيذ الأحكام القضائية بصفة عامة في أنه يُعد الإجراء العملي لبيان أهمية الحكم الصادر من السلطة القضائية المختصة حتى لا يُعد هذا الحكم مجرد إجراء قانوني أو حبرا على ورق ليس له أية قيمة عملية، كما تبدو أهمية تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية داخل الدولة للسبب ذاته احتراماً لحجية الأحكام القضائية الصادرة من السلطات المختصة في الدول الأجنبية. وتزداد أهمية هذه المسألة في الوقت الراهن خاصة بعد انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية؛ حيث إنه من المتوقع صدور أحكام قضائية أجنبية ضد شركات أو مؤسسات أو مواطنين سعوديين أو أجانب مقيمين أو شركات أجنبية تعمل في السعودية، ويرغب من صدر لصالحه الحكم في أن ينفذه في السعودية؛ كما أن وجود القواعد والآليات ووضوحها من شأنه أن يُضيف عنصراً مهماً من عناصر المناخ الاستثماري ما يزيد من الثقة لدى المستثمرين الأجانب والشركات الأجنبية ويشجعها على القدوم للاستثمار في البلاد بما تحمله من تقنية متقدمة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً