أهمية عقود العمل الجماعية في الدول المنظمة
أ* أحمد أبو زنط
تبرز أهمية كبرى في الدول المنظمة لعقود العمل الجماعية ، تلك العقود التي تنشأ تبعا للنمو الاقتصادي في الدول وظهور شركات كبرى تغطي قطاعات على درجة عالية من الاهمية وتستثمر في رؤوس أموال ضخمة كقطاعات التعدين والطاقة والاتصالات والمياه وغير ذلك من القطاعات المفصلية في حياة الدول. وعليه يغدو عقد العمل الجماعي ضرورة ملحة لتنظيم تلك القطاعات الضخمة في سوق العمل ، وأول ما نبتدأ به مقالنا هو تعريف عقد العمل الجماعي وفقا لقانون العمل الاردني، حيث نص قانون العمل صراحة على تعريف هذا العقد في متن المادة الثانية من القانون ، والتي جاء فيها:
” عقد العمل الجماعي: اتفاق خطي تنظم بمقتضاه شروط العمل بين صاحب العمل أو الجمعية من جهه ومجموعة عمال أو النقابة من جهة أخرى.”
من خلال التعريف اعلاه نجد أن عقد العمل الجماعي يكون بين طرفي الانتاج وهما صاحب العمل من جهة ومجموعة من العمال أو النقابة من جهة اخرى، وصاحب العمل في هذه الحالة قد يكون منشأة كبرى تلعب دورا هاما في الاقتصاد الوطني كشركة مصفاة البترول مثلا أو شركة البوتاس أو الفوسفات أو شركات الكهرباء والماء والاسمنت وغير ذلك من الشركات التي تعتمد على كم هائل من العمال.
إن الدافع الأساسي لتنظيم عقد العمل الجماعي في يكمن بمجموعة من المميزات التي يوفرها هذا النوع من العقود ، حيث نجد أن عقد العمل الجماعي ينظم العلاقة بين طرفي الانتاج أي العمال من جهة وصاحب العمل من جهة أخرى حيث أن استخدام عدد كبير من العمال لدى ذات المنشأة يؤهلهم لانشاء نقابة خاصة بهم تدافع عن حقوقهم وتنظم علاقتهم مع اصحاب العمل ، وبذلك يمكن تنظيم هذه العلاقة بموجب عقد عمل جماعي، وهذا ما من شأنه أن يجعل كفتي التعاقد متكافأة مما يكسب العمال باتحداهم أو من خلال نقابتهم مركزا تفاوضيا اقوى ويحد بشكل ملحوظ من التجاوزات التي ترتكب بحق العمال أو الخروقات التي قد تنتقص من الحقوق التي اوجبها القانون.
كما يتميز عقد العمل الجماعي بتوحيد ظروف العمل وشروط العقد والحقوق والالتزامات المتقابلة فيزيل الفوارق ويمنح الجميع ذات الامتيازات دون محاباة ، كما يحد عقد العمل الجماعي من الخلافات التي قد تعصف بالمؤسسة حيث تعمل النقابات العمالية على حل المشاكل العالقة مع صاحب العمل قبل أن تتشعب وتتفاقم، ومما يساعد في ذلك أن العمال ممثلون بموجب نقابتهم فهي التي توحد كلمتهم وتنقل مطالباتهم بعكس ما تكون هذه المطالبات فردية مما قد يضعفها ويجعلها غير ذات اهمية أو أولوية لدى اصحاب العمل.
وبذلك يكون حل النزاعات العمالية اكثر سلاسة من خلال حصر المطالبات ونقاط الاختلاف ما بين جهتين رئيسين وهما النقابة من جهة وصاحب العمل من جهة اخرى، وهذا ما لا يمكن الحصول عليه عندما تتشعب المشكلات مع جميع العمال والذين قد يصل عددهم الى المئات او الالاف ، ومن الجدير بالذكر ان قانون العمل قد عرف النزاع العمالي الجماعي بأنه: كل خلاف ينشا بين النقابة من جهة وبين صاحب عمل او نقابة اصحاب العمل من جهة اخرى حول تطبيق عقد عمل جماعي او تفسيره او يتعلق بظروف العمل وشروطه
تنظيم عقد العمل الجماعي
ناولت المادة 39 من قانون العمل أحكام تنظيم عقد العمل الجماعي ، وقد أوجبت هذه المادة أن يتم تنظيم عقد العمل على ثلاث نسخ اصلية على الاقل بحيث يحتفظ كل طرف بنسخة من العقد وتودع النسخة الثالثة لدى وزارة العمل وتسجل في سجل خاص ، ويلاحظ ان المادة الثانية من قانون العمل وفي معرض تعريف عقد العمل الجماعي قد ذكرت بشكل واضح أن الاتفاق يتم خطيا وهذا أمر لا مفر منه لغايات استكمال الغاية من عقد العمل الجماعي وتحقيق الهدف المنشود.
ويعبرت عقد العمل الجماعي ملزماً من التاريخ المحدد في العقد وفي حال كان العقد غير محدد التاريخ فيعتبر التاريخ المعتمد هو تاريخ تسجيله في وزارة العمل.
وقد اناطت المادة 39/ب من قانون العمل مهمة اصدار التعليمات المتعلقة بكيفية تسجيل عقود العمل الجماعية والانضمام اليها واي امور تنظيمية متعلقة بها بوزير العمل ، على ان يتم نشر هذه العقود في الجريدة الرسمية واعلانها على لوحة خاصة في مكان العمل.
مدة عقد العمل الجماعي
لم يشترط قانون العمل تحديد مدة معينة لعقود العمل حيث يستفاد من نص المادة 40 من قانون العمل أن عقد العمل الجماعي قد ينعقد لمدة محدودة او غير محدودة، وفي حال كان العقد محدد المدة فلا يجوز ان تتجاوز مدته السنتين، أما في حال عقد لمدة غير محدودة ومضى على تنفيذه سنتان على الاقل فيكون لاي من طرفي العقد اتخاذ أي مما يلي :
1. طلب انهاء العقد بموجب اشعار يبلغ الى الطرف الاخر قبل شهر على الاقل من التاريخ المحدد للانهاء.
2. طلب تعديل العقد كليا او جزئيا بموجب اشعار يبلغ الى الطرف الاخر وعلى ان يتم هذا التعديل خلال شهر من تاريخ تبليغ الاشعار .
ويلاحظ هنا أن طلب الانهاء او التعديل قد يصدر عن صاحب العمل أو عن العمال انفسهم وعلى جميع الاحول يجب على مرسل الاشعار أن يبلغ الوزارة بنسخة منه فور ارساله للطرف الاخر.
وفي حال انتهى عقد العمل الجماعي بانتهاء اجله او بانهائه من قبل احد الطرفين وفقاً لاحكام المادة (40) من قانون العمل وكما ذكر سابقا وكانت هناك مفاوضات لتجديده او تمديد مدته او تعديله فان مفعول العقد يظل ساريا طيلة المفاوضات لمدة لا تزيد على ستة اشهر فاذا لم تنته المفاوضات الى اتفاق خلال هذه المدة يعتبر العقد منتهياً.
وعلى اي حال من الاحوال وحتى ان انتهاء عقد العمل الجماعي فان ذلك لا يجيز لصاحب العمل المساس باي صورة من الصور بالحقوق المكتسبة للعمال الذين شملهم العقد .
مشتملات عقد العمل الجماعي:
تناولت المادة 41 من قانون العمل عناصر عقد العمل الجماعي حيث جاء فيها:
” يجب ان يتضمن عقد العمل الجماعي ما يلي :
1. تحديد اصحاب العمل وفئات العمال المستفيدة منه.
2. الامور المتفق عليها بين اطرافه بما في ذلك شروط العمل وظروفه وتنظيم علاقات العمل.
3. تاريخ بدء العمل به وتاريخ انهائه اذا كانت مدته محددة.
4. اجراءات تعديله.
5. ضمان متابعة تطبيقه من خلال تشكيل لجنة من ممثلي اطراف العقد بحيث تكون العضوية فيها بالتساوي بين اصحاب العمل والعمال ويكون من صلاحيتها تسوية الخلافات الناشئة عن تنفيذه.”
الاثار القانونية لعقد العمل الجماعي:
يكون عقد العمل الجماعي بشكل عام ملزما لأطرافه، الا ان قانون العمل قد ذكر على سبيل التحديد الفئات التي تعتبر ملزمة بموجب عقد العمل الجماعي، هذه الفئات هي :
1. اصحاب العمل المشمولين باحكامه والخلف القانوني لهم بمن فيهم الورثة والاشخاص الذين انتقلت اليهم المؤسسة باي صورة من الصور.
2. العمال المشمولين باحكامه.
3. العمال في أي مؤسسة خاضعة لاحكام عقد العمل الجماعي ولو لم يكونوا اعضاء في أي نقابة.
4. العمال في أي مؤسسة خاضعة لاحكام عقد العمل الجماعي ويرتبطون بعقود عمل فردية مع هذه المؤسسة وكانت شروط عقودهم اقل فائدة لهم من الاحكام الواردة في العقد الجماعي.
والجدير بالذكر أن كل شرط يرد في اي عقد فردي ابرم بين اشخاص مرتبطين بالعقد الجماعي ويخالف عقد العمل الجماعي يعتبر باطلا ما لم يكن هذا الشرط اكثر فائدة للعمال.
تشكل اللجنة الثلاثية لشؤون العمل
لغايات تحقيق الغايات المقصودة من تشريع عقد العمل الجماعي فقد اقر قانون العمل الاردني الية خاصة لتشكيل لجنة اللجنة الثلاثية لشؤون العمل، وتشكل هذه اللجنة في وزارة العمل برئاسة الوزير وعضوية ممثلين عن الوزارة والعمال واصحاب العمل بالتساوي فيما بينهم وتحدد الاحكام والاجراءات المتعلقة بكيفية تشكيل اللجنة الثلاثية وعملها ومهامها وعقد اجتماعاتها وتحديد عدد اعضائها وكيفية تعيينهم ومكافاتهم وسائر الامور المتعلقة بهم بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية .
مهام اللجنة الثلاثية لشؤون العمل
تتولى اللجنة الثلاثية العديد من المهام الموكولة اليها بموجب قانون العمل والانظمة الصادرة بمقتضاه اضافة الى المهام الاستشارية التالية :
1. ابداء الراي في الشؤون الخاصة بشروط العمل وظروفه .
2. دراسة وتقييم المسائل المتعلقة بمعايير العمل العربية والدولية .
3. اجراء الدراسة حول مدى انسجام سياسات وتشريعات العمل مع احتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومعايير العمل الدولية .
4. مناقشة النزاعات العمالية .
كما تقوم اللجنة الثلاثية بعد اجراء الدراسة المناسبة برفع توصية الى الوزير بتوسيع نطاق اي عقد عمل جماعي مضى على تنفيذه مدة لا تقل عن شهرين ليسري بجميع شروطه على اصحاب العمل والعمال في قطاع معين او على فئة منهم في جميع المناطق او في منطقة معينة وينشر القرار الذي يصدره الوزير بالموافقة بشان تلك التوصية ا في الجريدة الرسمية
التفاوض الجماعي:
أجاز قانون العمل الاردني اجراء تفاوض جماعي بين اصحاب العمل والعمال ونقابة أي منهما بشان أي امور متعلقة بتحسين شروط وظروف العمل وانتاجية العمال، ويتم هذا التفاوض بطلب صاحب العمل او النقابة خلال مدة لا تزيد على (21) يوما من تاريخ تبلغ الاشعار الخطي الذي يوجهه الطرف الذي يرغب في اجراء التفاوض الى الطرف الاخر على ان يتضمن الاشعار موضوع التفاوض واسبابه وبمطلق الاحوال يتم ارسال نسخة من الطلب الى وزير العمل خلال مدة لا تزيد على 48 ساعة من تاريخ صدوره.
ومن ناحية اخرى فقد أوجب قانون العمل على صاحب العمل وممثلي العمال في المؤسسة التي تستخدم 25 عاملا فاكثر عقد اجتماعات دورية لا تقل عن مرتين في السنة لتنظيم وتحسين ظروف العمل وانتاجية العمال والتفاوض على أي امور متعلقة بذلك.
اترك تعليقاً