تطوير مفهوم قانون العمل :
ذهب البعض إلى اعتبار موضوع قانون العمل مقتصرا على عقد العمل إلا انه في الواقع فان قانون العمل يتجاوز هذا المجال إذا يقتصر تطبيقه على علاقة العامل بصاحب العمل بل انه يمتد لينضم علاقات العمال فيما بينهما أو العلاقات بين جماعات العمال وأصحاب عملهم كما يذهب إلى تنظيم علاقات العمال وأصحاب عملهم بالدولة فيتناول تنظيم القضاء العمالي (1) بل انه يمتد في بعض الدول ليحكم العمل غير التابع كم في حالة العمال المنزليين . لذا فقد استقر الرأي على اعتبار القواعد القانونية التي تحكم الأمور الآتية من قواعد قانون العمل .
1 ـ علاقات العمل الفردية :
ويقصد بها العلاقات الناشئة عن عقد العمل الفردي حيث ينظم قانون العمل العلاقة بين العامل وصاحب العمل عن طريق العقد المذكور فيحدد شروط انعقاد العقد وعناصره وأثاره وطرق انتهائه .
2 ــ علاقات العمل الجماعية :
وهي العلاقات الناشئة نتيجة تجمع العمال والعلاقات التي. نشا بين جماعات العمال وأصحاب عملهم وتشمل النقابات ، عقود العمل الجماعية ، منازعات العمل الجماعية …….. الخ .
3 ــ القواعد التي تتناول بحث الحماية القانونية للعمال ضد المخاطر الاجتماعية اي القواعد التي تنظم الضمان الاجتماعي :
إن التطور الذي حصل في مفهوم قانون العمل قد أدى إلى إن تتقلص دائرته بحيث أصبحت تقتصر على بعض القواعد المذكورة وذلك بسبب انفصال القواعد المتعلقة بالضمان الاجتماعي حيث استقلت لتكون قانون الضمان الاجتماعي فالحماية من المخاطر الاجتماعية لم تعد مقتصرة على العمال بل امتدت في دول كثيرة لتشمل جميع إفراد المجتمع .
_______________
1- فؤاد دهمان ، التشريعات الاجتماعية ــ قانون العمل ــ دمشق سنة 195،ص13.
تسمية قانون العمل :
أطلق على هذا الفرع من القانون اسم (( التشريع الصناعي )) وقد كانت التسمية تنسجم مع نطاق شمول هذا القانون حيث كان محصورا في نطاق الصناعة إلا إن هذه التسمية غدت ضيقة من جهة لأنها لا تتلائم مع نطاق شمول القانون الذي امتد ليشمل فئات أخرى تعمل في مجالات التجارة والزراعة وخدم المنازل كما أنها واسعة تدل على أكثر مما يقصد منها لان قانون العمل ليحكم جميع صور النشاط الصناعي كالمنافسة الغير مشروعة والأمور المتعلقة ببراءات الاختراع (1) . إن عبارة (( التشريع الصناعي )) توهم بأنه يتناول جميع هذه الأمور مع القوانين المتعلقة بالعمل لذلك فقد ذهب الفقهاء إلى تسمية (( قانون العمال )) إلا إن هذه التسمية لا تنطبق مع الواقع لان هذا القانون لا يختص بالعمال وحدهم بل ينظم العلاقات بينهم وبين أصحاب العمل (2) . وقد استعمل البعض مصطلح (( القانون الاجتماعي)) إلا إن هذه التسمية واسعة وغامضة وذلك لان جميع القوانين اجتماعية بالقدر الذي تحكم فيه الروابط الناشئة عن العيش في المجتمع ولأنه إذا كانت الاعتبارات الاجتماعية هي التي أملت تشريع قوانين العمل فان هذه الاعتبارات نفسها هي الأساس في تشريع كثير من القوانين الأخرى التي لاعلاقة لها بالعمل كقوانين التأمينات الاجتماعية وقوانين التعاون مثلا (3) لذا يمكن القول بان تسمية (( قانون العمل )) هي الأكثر انسجاما مع حقيقة هذا القانون ومدلوله.
_______________
1- أنضر برن وكالان ، قانون العمل ، باريس سنة 1958 ، ص 10 ، الدكتور شاب توما منصور ، المرجع السابق ص 18 .
2- ريفير وسافاتييه ، قانون العمل باريس سنة 1970، ص 9
3- فؤاد دهمان ، التشريعات الاجتماعية ــ قانون العمل ــ دمشق سنة 1965،ص26.
أهمية قانون العمل :
يحتل قانون العمل أهمية كبيرة تفوق غيره من القوانين الأخرى وتظهر هذه الأهمية في ناحيتين : أهميته بالنسبة للإفراد وأثره على الحياة الاقتصادية .
أهميته بالنسبة للافراد :
إن قانون العمل يمس المصالح الحيوية لمجموعة كبيرة من السكان هم العمال الذين يشكلون الأكثرية الساحقة من السكان العاملين الذين يقومون بعمل تابع لحساب وتحت سلطة وإشراف غيرهم واعتمادهم في معيشتهم غالبا على هذا العمل وما يتقاضون من اجر مقابل ذلك يبرز الأهمية الاجتماعية لهذا القانون الذي يطبق عليهم وهم يمثلون الجانب الأكبر من المجتمع فهذا القانون ينظم كيفية حصول هذه الطائفة الكبيرة على ما تستحقه من اجر مقابل العمل كما يحدد ساعات العمل وأوقات الراحة والإجازة والسنوية والمرضية كما يحقق هذا القانون تحسينا لظروف العمل ويتضمن قواعد لحماية فئات معينة كالإحداث والنساء (1) ويمكن القول انه بمقتضى قانون العمل (( يتحدد الوضع الإنساني واللاإنساني لحياة العمال )) .(2) .
قانون العمل والسلم الاجتماعي :
أن تعلق قانون العمل بمجموعة كبيرة من أفراد المجتمع وأثرة في حياتهم الشخصية والعائلية يظهر أهميته البالغة للسلم الاجتماعي آذ يعتبر من أهم عوامل إقرار هذا السلم لأنه بتدخله المتزايد في حياتهم وما يوفره لهم من حماية يساعد على إرساء الاستقرار ويقضي على أسباب النزاع والسخط والتذمر (3) لهذه الأسباب تبرز أهمية قانون العمل للسلم الاجتماعي حيث إن سيادة هذا السلم يؤدي إلى تحسين شروط الإنتاج وزيادته . إن قانون العمل لا يتوصل لتحقيق هذا السلم بمجرد إيجاد نوع من التنظيم لعلاقات العمل بل يعبر بوضوح عن العدالة الاجتماعية وذلك بوضعه أسسا للتوازن الضروري بين مصالح العمال وأصحاب العمل (4) .
قانون العمل والحياة الاقتصادية :
1 ــ إن قانون العمل بما يهدف إليه من حماية للعمال يحمل أصحاب العمل أعباء والتزامات مالية سواء ما تعلق منها بتحديد لأجر أو بتوفير خدمات اجتماعية للعمال والمساهمة في مجالات أخرى لصالحهم كصناديق الادخار والتامين ضد مخاطر العمل ….. الخ .
إن كل ذلك يؤدي إلى زيادة في تكاليف الإنتاج وان هذه الزيادة تؤثر في الأسعار والأجور وبصورة عامة يظهر هذا التأثير على الدخل القومي .
إلا انه ينبغي عدم المبالغة في فرض هذه الأعباء والتأكد من الآثار المترتبة على ذلك لا يتحمل إن تخلق أوضاعا اقتصادية قد تنقلب ضد مصالح العمال كان يبالغ في رفع الحد الأدنى للأجر في قطاع معين مما يحد من قدرة أصحاب العمل في الاستمرار ويدفعهم إلى التوقف عن العمل(5) ، إن التشريع الاجتماعي يعتبر مكملا للتشريع الاقتصادي فما بين السياسة الاجتماعية والسياسة الاقتصادية ارتباط لايمكن معه فصل أحداهما عن الأخرى وان هذا الارتباط يتفق مع طبيعة الأشياء ومع الترابط الوثيق بين الاقتصاد والاجتماع الذي يجعل كل محاولة لفك الرباط بينهما زائلة الأثر (6) . ان الأهداف الاجتماعية تؤدي الى تعدد مجالات النشاطات الاقتصادية من حيث توجيه راس المال نحو استثمارات في قطاعات أخرى جدي وهذا يدفع إلى توجه التشغيل نحو القطاعات الاقتصادية الجديدة ولاشك فان كل ذلك أثاره الايجابية على الإنتاج والدخل القومي
2-كما تظهر أهمية قانون العمل في مدى التأثير على لإنتاج فنرى مثلا إن قانون العمل يحدد كمية العمل عندما يضع حد أقصى لساعات العمل اليومي أو يضع شروطا معينه لتشغيل العمال فيستبعد بعض الفئات من القيام بإعمال معينه كالإحداث والنساء ولا شك في إن اثأر ذلك ينعكس على الإنتاج إذا بقيت عناصر الإنتاج الأخرى ثابتة فاثر قانون العمل كبير على مردود النشاط الاقتصادي ولا يمكن القول بان اثر هذا القانون هو الإضرار بالاقتصاد الوطني وذلك لان تجديد مدة العمل ومنع بعض فئات العمال من القيام بإعمال معينة وتحديد السن كل ذلك يؤدي إلى ضمان سلامة العمال وقوته وبالتالي قيامة بأداء عمله بشكل أفضل مما يؤدي تبعا لذلك إلى ارتفاع إنتاجه(7).
3-إن قانون العمل يؤثر على الدخل القومي والقوة الشرائية وذلك عندما يضع او يحدد أجرا عادلا للعامل إذ إن مجموع الأجور تؤلف احد العناصر الرئيسية للدخل القومي وهذا يؤثر على الاستهلاك فيزيد القدرة الشرائية للعمال.
___________________
1- د. رمضان أبو السعود : الوسيط في شرح قانون العمل المصري واللبناني . النظرية العامة لقانون العمل ، سنة 1983 ، ص 20ــ21 .
2- د. محمد فاروق الباشا : القوانين الاجتماعية ـ قانون العمل ، دمشق سنة 1980 ص 10 ــ 80 .
3- د. حسن كيرة : دروس في قانون العمل اللبناني والمقارن ، ص 8 .
4- د. ريفير وسافاتييه ، قانون العمل باريس سنة 1970 ،ص 22 و 53 .
5- د. جلال القريشي ، شرح قانون العمل بغداد سنة 1972 ، ص 93 .
6- ريفيرو وسافاتييه ، المرجع السابق ص 15 و 16 .
7- د. فؤاد دهمان ، التشريعات الاجتماعية ــ قانون العمل ــ دمشق سنة 1965، ص 21
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً