أهمية محكمة النقض في التدريب القضائي
بقلم : فاتح حمارشة المكتب الفني
تعمل محكمة النقض على مراقبة تطبيق القانون، فهي تقوم بمراقبة المحاكم الأدنى درجة وتعمل على إقرار ما أصابت فيه عند تطبيقها القانون على الوقائع المعروضة عليها أو نقض ما حادت به عن صحيح القانون وتقويمه وتصحيحه.
ولما كانت مهمة محكمة النقض تلك ترتكز على التطبيق السليم للقانون كان لا بد عليها مراقبة عمل المحاكم في كل ما يتعلق بالمسائل القانونية وكيفية تطبيقها على الواقع، فلا ينحصر دور محكمة النقض بالنظر إلى نتيجة الحكم المطعون فيه أمامها ثم نقضه أو إقراره تبعا لموافقته القانون من عدمه، وإنما يقع على عاتقها مناقشة تسبيب الحكم المطعون فيه والنتيجة معا ومدى ملائمة التسبيب للنتيجة والربط المنطقي بينهما، فقد تتفق محكمة النقض مع المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه بالنتيجة التي وصلت إليها الأخيرة مع معارضتها لتسبيبه، وهنا تعمل محكمة النقض على توضيح الخلل الذي أعترى الحكم المطعون فيه وتصحيح هذا الخلل والاسترسال في ذلك وتقويمه بطريقة قانونية منطقية تلقف ذهن القارئ وتحاور عقله واضعة محكمة الموضوع في بداية الطريق للمشي في القضايا المعروضة أمامها دون مشقة أو عناء.
إن سلوك محكمة النقض السابق يؤدي بالضرورة إلى تدريب القضاة وتفهمهم بالمسائل القانونية، بحيث يصبح كل حكم تصدره محكمة النقض في مسألة ما بمثابة محاضرة تفقه القضاة والعاملين في القانون بهذه المسألة.
ولإيصال هذه الأحكام وإطلاع القضاة عليها لفهم مقاصدها وإدراك معانيها البعيدة والقريبة فقد أنيط بالمكتب الفني مهمة استخلاص المبادئ القانونية ونشرها، إذ نصت المادة 26 من قانون تشكيل المحاكم النظامية على إنشاء مكتب فني يتبع المحكمة العليا ويشرف عليه أحد قضاتها، تكون مهمته الرئيسية استخلاص المبادئ القانونية من أحكام هذه المحكمة والعمل على تبوبيها ونشرها بما يساهم في وضع جميع أحكام المحكمة والمبادئ المستخلصة منها بين أيدي القضاة بطريقة سهلة يستطيع القضاة من خلالها الوصول للحكم المراد بسهولة دون عناء.
إن حصول قضاة المحاكم على أحكام المحكمة العليا التي تكون قد سُببّت وعُللّت يضع أمامهم بالضرورة الكثير من النقاط القانونية التي تناولتها المحكمة وشرحتها بما يساهم في تعزيز فهم القارئ لها وإزالة أي لبس قد اعتراها، ويؤدي بالضرورة إلى تعليم القضاة وجميع العاملين في القانون وتدريبهم بطريقة غير مباشرة، فالتدريب لا يقتصر فقط على جلوس الشخص في قاعة المحاضرة أمام محاضر وتلقي المعلومات، أو محاكاة جلسات المحكمة، أو غيرها وإنما يندرج تحت التدريب أيضا ما يتلقاه الشخص من ذاته لتدريب ذاته، إضافة للمتابعة الدائمة للجديد في مجال علمه وعمله والذي هو عندنا – نحن القانونيين- يتبلور في قراءة أحكام المحكمة العليا على الأخص إضافةً إلى قراءة الكتب والدوريات الصادرة في علم القانون.
وأخيرا فإن مسؤولية تدريب القضاة بشكل خاص والقانونين بشكل عام لا تقع فقط على عاتق دائرة التدريب القضائي التي تبذل جهدا كبيرا في ذلك، وإنما تقع على عاتق المحكمة العليا ودورها الكبير في صياغة الأحكام القضائية وتسبيبها إلى جانب مهمة المكتب الفني في نشر وتبويب الأحكام القضائية واستخلاص المبادئ منها إضافة إلى دور القضاة أنفسهم في القراءة والمتابعة.
إن سلوك محكمة النقض السابق يؤدي بالضرورة إلى تدريب القضاة وتفهمهم بالمسائل القانونية بحيث يصبح كل حكم تصدره محكمة النقض في مسألة ما بمثابة محاضرة تفقه القضاة والعاملين في القانونبهذه المسألة
اترك تعليقاً